القدس الإسلامية في الأدب الكويتي

 

للكويت قصة مع القدس والقضية الفلسطينية، ليس الأدب الكويتي هو المتفرد في روايتها، وإنما كان الأدب بفنونه المختلفة المعبر الإبداعي عنها.

لقد ظلت القدس هاجساً عربياً إسلامياً إنسانياً في الثقافة الكويتية، ولا أغالي إن قلت: إن القدس من خلال معاناة الاحتلال أحد المكونات الفكرية الصميمة لمفهوم المواطنة لدى المواطن الكويتي الواعي.

فعلى الرغم من مرور الإنسان الكويتي باختبار قاس حيال القضية الفلسطينية إبان حرب الخليج الثانية؛ فإن مكانة القدس ظلت في صدارة وجدانه، ولا مزايدة في هذه المكانة السابقة للقدس عند المجتمع الكويتي على ما عند مجتمعات العالم العربي والإسلامي؛ فلكل مجتمع من هذه المجتمعات قصته الخاصة مع القدس والقضية الفلسطينية.

دور الكويت باحتضان حركات التحرير الفلسطينية:

استقبلت الكويت عام 1936م أول بعثة تعليمية من فلسطين مكونة من 5 معلمين، استقبلهم الشعب الكويتي بحفاوة وخصوصية؛ حيث تزامنت مع اندلاع الثورة الفلسطينية على تعسف الانتداب البريطاني، وفي السياق نفسه بدت للشاعر الكويتي فهد العسكر رهين المحبسين الفرصة اللائقة من خلال هذه البعثة التعليمية لتفقد حال فلسطين ونضالها حيث يقول:

بالله رسل الثقافة خبرونا              كيف حال الأخت يا إخواني   

أعنى فلسطينا وكيف أمانيها        وجنوده وبقية السكان

بعد الكفاح وبعد ما بث                  اليهود شرورهم فيها بكل مكان

وقد كانت الكويت آنذاك إحدى أهم محطات جمع التبرعات لدعم الثورة الفلسطينية، وليس بخاف دور الكويت في احتضان حركة «فتح» الفلسطينية عند نشوئها، حيث كان رئيسها ياسر عرفات آنذاك موظفاً في وزارة الأشغال، ثم كان للكويت أيضاً ممثلة بالحركة الإسلامية فيها الدور الواضح في احتضان حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) ودعمها.

القدس في أثر النزعة الدينية بالأدب الكويتي:

أولاً: ظهرت النزعة الدينية عند المجتمع الكويتي في آدابه بوضوح كبير؛ ففي اللهجة الكويتية -التي تشكل معظمها من اللغة العربية- معجم من الألفاظ يعكس النزعة الدينية عند الكويتيين، واللهجة المحكية هي مستودع الأفكار والقيم لكل مجتمع، وعند التتبع وجد أن اللهجة الكويتية تحفل بالعديد من الألفاظ القرآنية.

ثانياً: في فن الخطبة تكثفت النزعة الدينية عند المجتمع الكويتي، وكان للحرية الدينية والتعددية الفكرية أثر كبير في انتعاش هذا الفن العريق بالمجتمع الكويتي الذي برز فيه عدد من الخطباء على مستوى العالم العربي.

ثالثاً: في الأمثال الكويتية -وهي من ألصق فنون الأدب العربي بالشعوب- وفي الأمثال الدارجة الكويتية أثر بارز للتدين والثقافة الإسلامية.

رابعاً: واكب الشعر الكويتي فصيحه وعاميه العديد من الأحداث والمناسبات بعاطفة دينية جياشة.

خامساً: فن المقال؛ حيث نجد القضايا الإسلامية شغلت حيزاً كبيراً في الصحافة الكويتية.

في فن الخطابة:

حمل المنبر الكويتي عبء البيان لإحدى أهم جرائم العصر وهو الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وما صاحبه من مجازر ودمار وانتهاك حريات في ظل تآمر أممي وصمت دولي وعربي، وكان رافد هذا البيان الكويتي عقيدة إسلامية راسخة شعارها قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) (الإسراء: 1)، وشوقاً فياضاً لرحاب مقدسة؛ فالقدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك علاقة متينة مع الشعب الفلسطيني ركيزتها أخوة إسلامية عابرة للحدود، ومن الخطباء الذين عنوا بالقضية الفلسطينية: الشيخ عبدالعزيز حمادة، والشيخ محمد أحمد الفارس، والشيخ عبدالله النوري؛ بل إن الكويت تشرفت بكونها أحد أهم منابر الدفاع عن المسجد الأقصى لما يزيد على 20 عاماً.

الصحافة الكويتية:

أما الصحافة الكويتية فتحتفظ في أرشيفها بآلاف المقالات الصحفية التي كانت استجابة لأحداث القضية الفلسطينية؛ فمجلة «البيان» الأدبية، على سبيل المثال، تضم أعداداً كاملة خصصت للقضية الفلسطينية، وقد كتب فيها أعلام الكتابة في الكويت، مثل: الأديب خالد سعود الزيد، وعبدالرزاق البصير، وعبدالله زكريا الأنصاري.

القدس أيقونة الشعر الكويتي:

كان الشعر الكويتي ولا يزال مرآة عاكسة لآلام وآمال الأمة الإسلامية يسهم فيه العديد من شعراء الكويت بنصيبهم من حديث الوجدان والعاطفة الحية المشبوبة تجاه آلام أمتهم وجرح القدس الشريف.

وكانت هذه القصائد أحياناً كثيرة استجابة مباشرة لأحداث فلسطين الدامية التي لا تفتأ تشتد وتيرتها منذ ما قبل الاحتلال الصهيوني إلى هذه اللحظة الراهنة، وهو من مؤشرات وعي الأديب الكويتي؛ فهذا الشاعر الكويتي خالد الفرج يقول حول «وعد بلفور» ومخاطره على فلسطين في قصيدته «وعد بلفور»:

يا قوم قد طلع النهار                   وأنتم فيه رقود

قد بعتم الوطن المقدس             للأعادي بالزهيد

والشعر الكويتي كان يثمن تضحيات الشعب للفلسطيني؛ فهذا الشاعر خالد سعود الزيد يقول في قصيدته «الفدائي»:

من قلبه يعطي ومن أحشائه           وبروحه يسقي ثرى آبائه

متطلع نحو الشروق كأنما                لهما اللقاء الحتم في إسرائه

وأحياناً أخرى تظهر تمثلات القدس وأحداثها في ذكرى الإسراء والمعراج أو في نعي أبطال القضية الفلسطينية ورموزها؛ ففي قصيدته «المعراج» استثمر الشاعر خالد الفرج المناسبة للتذكير بمآسي الشعب الفلسطيني إذ يقول:

وغدت فلسطين الشهيدة مذبحاً                  فيه الدماء جرت من الأرواح

في دير ياسين وفي أخواتها                       ذبح الأهالي مثل سرج نعاج

وكذلك الشاعر عبدالله السنان في قصيدته «نور النبوة» حيث قال على هامش حديثه عن الإسراء والمعراج:

وربى فلسطين التي سرقت                    قضيتها بمجلس أمنهم تتجدد

في كل يوم روحة أو جيئة                        وزعيمها لما يزل يتردد

والمسجد الأقصى يئن وحوله                   القرصان يصرخ يا لقومي اخلدوا

فكوا أساري من حثالات الورى                  بعزيمة وثابة لا تنفد

الكويت منصة الشعراء العرب:

وقد احتضنت الكويت العديد من شعراء العرب المناصرين للقضية الفلسطينية الذين اتخذوا الكويت منصة لنشر إبداعاتهم؛ مثل الشاعر المصري محمود حسن إسماعيل الذي علا نجمه في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وقد انتقل إلى الكويت بعد أن ضاقت به سبل العيش في بلده، فاتخذ الكويت -إبان إقامته فيها وامتدت إلى وفاته- منصة لإبداعاته التي شغلت القضية الفلسطينية الحيز الأكبر منها.

وقد أصدر الشاعر محمود 14 ديواناً تزهو فيها القدس بالعناية الفائقة؛ حيث أولاها أهمية بارزة في إنتاجه الشعري، فكتب عن معاناة الفلسطينيين وصلف الصهاينة والمؤامرات الدولية حول الأقصى العديد من القصائد، ونشر معظمها في الصحف والمجلات الكويتية، ومن قصائده «وجئت أصلي» التي كتبها عشية إحراق الصهاينة المسجد الأقصى.

وجئت أصلي

ورغم اندلاع الدجى كالبراكين حولي

ورغم الأعاصير ترمي خطاها بسفحي وجرحي

وساحات هولي

أتيت أصلي

ورغم احتراق الدروب

ونهش الخطوب لحبات قلبي ورملي

أتيت أصلي

وكذلك قصيدته «المسجد الصابر» (المسجد الأقصى) التي كتبها في ذكرى ليلة الإسراء والمعراج، ونشرها في مجلة «البيان» الكويتية التي تصدرها رابطة الأدباء الكويتيين، يقول فيها:

لست في عالم القداسات مسجد              إنما أنت هالة من محمد

فيك راح النبي لله يسجد                           قبل أن يرفع البناء الممرد

والنبيون خلفه في تهجد                           زمراً صحابته من غير موعد

كويتي ضد التطبيع:

إن الدهشة لتستبد بي وأنا أشاهد جموعاً من شباب الكويت، وهم في زمن بريق الحداثة واجتياح التغريب والتغليب الإعلامي، يتداعون إلى نصرة الأقصى زرافات ووحداناً، يقاومون دعوات التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويتهافتون إلى كل هيعة احتشاد لمناهضة جرائم الاحتلال، هذا فضلاً عما تسهم به أموالهم في دعم القضية الفلسطينية.

وقد مثّل الشعراء هذه الفورة في الضمير الكويتي أسمى تمثيل؛ فلهجت ألسنة شعرائهم بقصائد مدوية يمدها التصور الديني الراسخ بذخيرتها الشعورية الحية؛ فهذا الشاعر الكويتي وليد القلاف يقول في قصيدة «الفرقد»:

وبنو النضير وقينقاع

صنعوا له التاج المرصد بالخداع

يا للضياع

يا للضياع

من يردع الليل الذي يتقدم

من يدرك الصبح الذي يتهدم

من ينقذ الشرق الرفيع من الأذى

والشاعر الشاب فالح بن طفلة العجمي شاعر الرقة والجمال يروعه مشهد العدوان الدامي على غزة، وتشجيه براءة الطفولة المضمخة تحت القصف المدمر، فتهتز شاعريته البريئة فيقول من قصيدته «غزة تحت القصف»:

قصفوا المساجد والعباد

لم يتركوا إلا الرماد

ما فيه شبر واحد

إلا وقد لبس السواد

بالله يا أمم الفساد

ماذا تبقى لليهود

بأرض غزة كي يباد؟

ومثله هدير زخار مزمجر من حناجر وقرائح العديد من شعراء الكويت من الشباب؛ كالشاعر أحمد الكندري، وسالم الرمضي، وعبدالله الفيلكاوي؛ إذن فالأدب الكويتي هو أحد العروق الحية النابضة في جسد بيت المقدس من ضمن أعراق شتى من آداب الشعوب والأمم.

Exit mobile version