يواجه الفلسطينيون عدواً مريضاً خلقياً ونفسياً وسلوكياً؛ فهو اليوم أباح لنفسه قانونياً إطلاق الرصاص على الفلسطينيين ردّاً على رميه بالحجر!
ومستوطن أرعن يدهس عجوزاً فلسطينية ويُرديها شهيدة، ويلوذ بالفرار دون مساءلة، وجنود بلهاء مغرورون جبناء يقتلون شباب فلسطين بإطلاق الرصاص الحي من مسافة صفر بمجرد شكهم أنهم مقاومون!
وهو في خيبر عدو يهودي شرس، يمتلك مواقع وقلاعاً إستراتيجية محصنة، ولديه سلاح فتّاك، ويدعم كل ذلك خبرة قتالية وتحالفات تاريخية ومعرفة بأرض المعركة، وعقيدة محرفة وتراث ديني تاريخي حاقد على منافسه الجديد ذي الكتاب الخاتم والرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ يواجه جنداً لم يعرف التاريخ لهم مثيلاً في الصدق والإخلاص والإقدام نصرة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث ظهرت كراماتهم كما شاهدنا في مواقف سابقة من معركة خيبر، كما بدت سوءة خيانة يهود لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنالهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يستحقونه مما سنرى قريباً!
قال الواقدي: وتحوَّلت اليهود إلى قلعة الزبير: حصن منيع في رأس قُلّةٍ، فأقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أيام، فجاء رجل من اليهود يقال له عزال فقال: يا أبا القاسم، إنك لو أقمتَ شهراً ما بَالوا، إن لهم شراباً وعيوناً، تحت الأرض، يخرجُون بالليل، فيشربُون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم، فيمتنعُون منك، فإن قطعْت مشربَهم عليهم أصحَرُوا لك، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مائهم، فقطعه عليهم، فلما قطع عليهم، خرجوا، فقاتلُوا أشد القتال، وقُتِلَ مِن المسلمين نَفَرٌ، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم تحوَّل رسول صلى الله عليه وسلم إلى أهلِ الكُتَيْبَةِ والوَطِيح والسّلالِم حصنِ ابن أبي الحُقيق، فتحصَّن أهلُه أشد التحصن، وجاءهم كُل فَلٍّ انهزم من النَّطاة والشَّق.
فإن خيبر كَانت جانبين؛ الأول: الشَّق والنَّطاة، وهو الذي افتتحه أولاً والجانب الثاني: الكُتيبة والوطيح والسُّلالم، فجعلوا لا يخرجُون من حُصونهم حتى همَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن ينصبَ عليهم المَنجنيق، فلما أيقنُوا بالهَلَكَةِ، وقد حصرهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يوماً، سألُوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الصُّلْحَ، وأرسل ابنُ أبي الحُقيق إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أنْزِلُ فأُكَلِّمك؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نعم»، فنزل ابنُ أبي الحقيق، فصالَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقن دِماء مَنْ في حُصونهم من المقاتلة وتركِ الذُّرِّيَّة لهم، ويخرجُون من خيبر وأرضِها بذراريهم، ويُخلُّون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينَ ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء، والكُراع والحلقة إلا ثوباً على ظهر إنسان، فقال رسولُ صلى الله عليه وسلم: «وَبَرِئَتْ مِنْكُم ذِمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمْتُموني شَيْئاً»، فصالحوه على ذلك.
قال حمادُ بن سلمة: أنبأ عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: «أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلبَ على الزرعِ والنخل والأرض، فصالحُوه على أن يُجلوا منها، ولهم ما حملت ركابُهم ولِرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراءُ والبيضاءُ، واشترط عليهم ألا يكتموا ولا يُغَيِّبُوا شيئاً، فإن فعلُوا فلا ذِمَّةَ لهم ولا عهد، فغيَّبوا مَسْكاً فيه مال وحُلي لحُيي بن أخْطَب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضيرُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعم حُيي بن أخطب: «ما فَعَلَ مَسْكُ حُيي الذي جَاءَ بِهِ النَّضِير؟»، قال: أذهبته النفقاتُ والحروب فقال: «العَهْدُ قَرِيبٌ، والمَالُ أكْثَرُ مِنْ ذلِكَ»، فدفعه رسولُ صلى الله عليه وسلم إلى الزُّبير، فمسه بعذاب، وقد كان قبل ذلك دخل خربة فقال: «قَدْ رأيْتُ حُيَيّاً، يَطُوفُ في خربة ها هنا، فذهبوا، فطافوا، فوجدوا المَسكَ في الخربة، فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحُقيق، وأحدُهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب، وسبى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم، وقسم أموالَهم بالنَّكْثِ الذي نَكَثُوا، وأراد أن يُجليهم منها، فقالوا: يا محمد، دعنا نكُون في هذه الأرض نُصلِحُها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغُون يقومون عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطْرَ مِن كل زَرعٍ وكل ثمرٍ ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم، وكان عبدالله بن رواحة يخرصُه عليهم كما تقدم.
ولم يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلح إلا ابني أبي الحُقيق للنكث الذي نكثوا، فإنهم شرطوا إن غيبوا، أو كتموا، فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله، فغيبوا، فقال لهم: «أين المال الذي خرجتم به من المدينة حين أجليناكم؟»، قالوا: ذهب، فحلفوا على ذلك، فاعترف ابنُ عمِّ كِنانة عليهما بالمال حين دفعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الزُّبير يُعذبه، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كِنانة إلى محمد بن مسلمة فقتله ويقال: إن كِنانة هو كان قتل أخاه محمودَ بن مسلمة(1).
وسنتابع إن شاء الله تعالى في حلقات قادمة مشاهد جديدة من مشاهد خيبر؛ حيث توزيع الغنائم، وقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه ومعهم الأشعريون.
والحمد لله ربِّ العالمين.
_____________________________________________
(1) ابن القيم الجوزية، زاد المعاد.