آبي أحمد يورط جيشاً من المدنيين في الحرب الأهلية الإثيوبية

قالت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية إن الآلاف من الرجال والنساء في جميع أنحاء إثيوبيا تركوا وظائفهم للالتحاق بالمعركة التي يخوضها رئيس الحكومة آبي أحمد ضد قوات التيغراي وحلفائها، فيما بات يُعرف في البلاد بـ”جيش المواطنين المدنيين”. يأتي ذلك في الوقت الذي هدد فيه متمردون من “جبهة تحرير شعب التيغراي” بغزو العاصمة أديس أبابا، وهو ما عزَّز المخاوف من تحوِّل الصراع المحتدم إلى حرب أهلية شاملة.

آبي أحمد يصنع ميليشيات من المدنيين

تقول الصحيفة إن أعداد المدرسين وأصحاب المتاجر والطلاب تضاعفت في صفوف القوات المسلحة، وعاد الجنود السابقون من التقاعد، وأعلن هايلي جبريسيلاسي وفييسا ليليسا، أساطير المسافات الطويلة في الألعاب الأولمبية، عن دعمهما لرئيس الوزراء آبي أحمد، الذي التُقطت له صور وهو يقود الحملة العسكرية ضد جبهة تحرير تيغراي من الخطوط الأمامية للقتال.

تقول بيليت ألمرو، التي كانت تعمل أمينة مكتبة في جامعة ديبري برهان الواقعة في شمال إثيوبيا قبل انضمامها إلى ميليشيا موالية للحكومة: “إنقاذ بلدي هو أهم أولوياتي في الوقت الحالي. هذا هو السبب الرئيسي الذي دفعني إلى ترك عملي للالتحاق بالجيش”.

والوضع مماثل في جبهة المتمردين، فقد توافد المنتمون إلى عرقية التيغراي للانضمام إلى جبهة تحرير تيغراي بعد أن اجتاحت القوات الحكومية المنطقةَ الجبلية الشمالية في وقت سابق من هذا العام.

ماذا يعني توريط المدنيين بالحرب في إثيوبيا؟

أدى تدفق المجندين المدنيين على كل من جانبي القتال إلى تصاعد المخاوف بين كثير من الإثيوبيين من أن الصراع على وشك الدخول في مرحلة جديدة أشد خطراً. وتقول جماعات حقوقية ومستشارون أمنيون إن السيطرة على الميليشيات غير المدربة أرجح بأن تشتد صعوبتها على أثر ذلك، ما قد يؤدي إلى مزيد من التأجيج للصراع العرقي. وينطوي الصراع الشامل على مخاطر بعودة حالة الفوضى التي عصفت بالبلاد في الثمانينيات. وقد حذرت الأمم المتحدة من أن القتال المستمر منذ عام قد أدى بالفعل إلى نزوح ملايين الأشخاص من منازلهم، وبات نحو 400 ألف شخص يعيشون في ظروف تشبه المجاعة.

في معرض الحديث عن المخاطر، يقول إدوارد هوبي هامشر، محلل الشؤون الإفريقية في شركة استشارات المخاطر Verisk Maplecroft: “إن التباس الخطوط الفاصلة بين المقاتليين والمدنيين يزيد المخاطر بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان ويعزِّز صعوبة محاسبة الجناة، لا سيما أن وقوع ذلك في بلد به انقسامات عرقية عميقة هو أمر أشد نذراً بالسوء”.

سيطرت جبهة تحرير شعب تيغراي على الحكومة الإثيوبية لعقود من الزمن بعد أن أزاحت النظام الماركسي في التسعينيات، ثم أشرفت على فترة سريعة من النمو الاقتصادي وزيادة الاستثمار الأجنبي، لكن نفوذها أخذ يتقلص بعد أن تولى آبي أحمد منصبه في عام 2018.

احتدم القتال في شمال إثيوبيا منذ أن أمر آبي أحمد بشن حملة عسكرية على المنطقة رداً على هجوم شنَّته قوات جبهة تحرير تيغراي على قاعدة عسكرية حكومية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وقد زاد الصراع من عدم الاستقرار في القرن الإفريقي، وهي منطقة استراتيجية تطل على بوابة الدخول إلى البحر الأحمر وقناة السويس. في غضون ذلك، انحازت إريتريا المجاورة إلى الحكومة الإثيوبية، لكن مصر، التي كانت قلقة من خطط إثيوبيا لخنق إمدادات مياه النيل بسدٍّ ضخم للطاقة الكهرومائية، تدور المزاعم بأن سعت منذ فترة طويلة إلى زعزعة استقرار البلاد.

كشفت منظمات حقوقية عن تعرض بعض أنصار جبهة تحرير تيغراي للتعذيب والاعتداء الجنسي وآخرين للقتل على أيدي القوات الإثيوبية وحلفائها الإريتريين، كما اتهمت أيضاً المقاتلين المتمردين بارتكاب انتهاكات.

في الأيام الأخيرة، أعلنت الحكومة نجاحها في استعادة بعض ما خسرته سابقاً أمام جبهة تحرير تيغراي، ودعا آبي أحمد عموم الإثيوبيين إلى الالتفات بالتأييد حول القوات المسلحة التابعة لحكومته، والتي ينتمي كثير من ضباطها إلى عرقية التيغراي.

حملات قمع وحشية متبادلة

تدعم الآن بعض أبرز الشخصيات في البلاد المجهودَ الحربي، وكان هايلي جبريسيلاسي، البطل الأوليمبي الإثيوبي، صريحاً في دعمه لآبي أحمد.

وكذلك جاء التأييد لآبي أحمد من فييسا ليليسا، البطل الأولمبي الذي اشتهر برفع يده كما لو كانت في وضع التقييد أثناء عبوره خط النهاية للفوز بالميدالية الفضية في سباق الماراثون للرجال في أولمبياد ريو 2016. وقد أمضى سنوات في المنفى بعد هذه البادرة التي كانت تهدف إلى لفت أنظار العالم إلى حملة الحكومة السابقة بقيادة جبهة تحرير تيغراي على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية.

في الأسبوع الماضي، سافر ليليسا إلى جبهة القتال، على بعد نحو 402 كيلومتر شمال شرق أديس أبابا، وقال من هناك: “لدينا قائد يقود الحرب من الجبهة. لن أغادر بلدي، بل سأقاتل جنباً إلى جنب مع البقية”.

أما في العاصمة أديس أبابا، فيقول أدانش أبيبي، رئيس بلدية المدينة، إن نحو 200 ألف شاب انضموا إلى مجموعات الحراسة التي ستتولى الدفاع عن العاصمة، ويشارك آخرون، مسلحون بالعصى، بدوريات في الشوارع كل مساء، ويفتشون المركبات بحثاُ عن متمردين مشتبه بهم أو أسلحة.

اتهم محققو الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، مثل منظمة العفو الدولية، هؤلاء الحراس بالمشاركة في حملة قمع وحشية للمنتمين إلى عرقية التيغراي، شملت الاعتقالات الجماعية وعمليات الخطف، وفي بعض الحالات، عمليات إعدام مباشر بإشراف حكومي، غير أن متحدثة باسم آبي أحمد وصفت المزاعم بأنها “تنشر الذعر”.

المتطوعون مشاركون على جانبي القتال وكلاهما يستفيد منها، لكن وحدات عسكرية من المقاتلين المتقاعدين باتت تقاتل إلى جانب القوات الحكومية في منطقة عفار في الأسابيع الأخيرة، ما ساعد الجيش على استرداد بعض من خسائره التي يشهدها منذ يوليو/تموز.

على أثر ذلك، استعادت القوات الحكومية الأسبوع الماضي سيطرتها على بلدة شيفرا، وبذلك أُحبطت التهديدات بقطع الطريق الذي يربط إثيوبيا غير الساحلية بالساحل. وفي الأيام الأخيرة، استعادت القوات الحكمة بلدتين استراتيجيتين في منطقة أمهرة شمال أديس أبابا.

القدرات القتالية

يتمتع بعض المقاتلين المتطوعين، مثل وركو أليمنيو، وهو نقيب سابق في الجيش يبلغ من العمر 52 عاماً، بخبرة قتالية. وقد سبق له أن قاتل جبهة تحرير تيغراي خلال الثمانينيات حتى عام 1991.

وقال أليمنيو، وهو في طريقه للذهاب إلى خط المواجهة: “أنا ورفاقي لدينا مهارات عسكرية قوية. يمكننا أن نساعد الآن أكثر من أي وقت مضى”.

ومع ذلك، فقد سلك جندي آخر، عرَّف عن نفسه باسم بيني، طريقاً مختلفاً. إذ بعد تقاعده من الجيش في عام 2000، كان يدير متجراً للمنسوجات في ميكيل، عاصمة إقليم تيغراي. وعندما اندلعت الحرب العام الماضي، قال بيني إن القوات الحكومية نهبت متجره، ولذلك فقد قرر الانضمام إلى جبهة تحرير تيغراي، وتدريب مجندين جدد على المدفعية والأسلحة الأخرى في الجبال الشمالية.

وأضاف بيني: “المجندون في غاية الشجاعة وعازمون على أمرهم. وانضم كثيرون منهم بعد الانتهاكات التي وقعت لهم على أيدي جنود إريتريين وجنود حكوميين”.

يقول قادة المتمردين إن تقدمهم في ساحة المعركة مردُّه إلى المجنديين الجدد والتدريب المتفوق من قادة ذوي خبرة، كانوا حتى وقت قريب، يشغلون مناصب عليا في القوات المسلحة الإثيوبية.

من جهة أخرى، يبدو أن الدبلوماسيين الأمريكيين الذين أمضوا شهوراً في محاولة التوسط لهدنة أوشك صبرهم على النفاد. وفي الشهر الماضي، قال جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي إلى المنطقة، إن جهود واشنطن تفوقها “التطورات المنذرة بالسوء على الأرض”.

الأسبوع الماضي، قال آبي أحمد للتلفزيون الحكومي من الخطوط الأمامية: “مهمتنا الباقية هي هزيمة العدو وتدميره. يجب أن يدركوا أنهم قد هُزموا ويُعلنوا استسلامهم”.

Exit mobile version