سياسة “فرِّق تسد”.. هكذا طعن بوتين أوروبا بالسلاح الذي شلّ الغرب في أزمة أوكرانيا

لا تزال معضلة خط أنابيب “نورد ستريم 2” المُصمّم لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق عالقة، لكنها تتسبب في حالة شلل للغرب في مواجهة موقف بوتين في أزمة أوكرانيا، فما قصة سياسة “فرق تسد” التي يطبقها الرئيس الروسي؟

صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً حول القصة عنوانه “نورد ستريم 2″: كيف شلَّ خط أنابيب بوتين الغرب؟”، رصد كيف غادرت معظم الشخصيات الأساسية في المشروع الساحة السياسية، مثل جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية السابق، وأنجيلا ميركل، وماتيو رينزي رئيس وزراء إيطاليا السابق، وديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق، وبيترو بوروشينكو رئيس أوكرانيا السابق. لم ينجُ منذ بداية القصة سوى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أستاذ سياسة “فرِّق تسد”.

متى بدأت قصة نورد ستريم2؟

تقرّر لأول مرة في عام 2015 بناء خط أنابيب “نورد ستريم 2″، الذي تبلغ تكلفته 11 مليار دولار ومملوك لشركة الطاقة الروسية العملاقة “غازبروم” المدعومة من الدولة. كان الهدف من بنائه نقل الغاز من غرب سيبيريا لمضاعفة السعة الحالية لخط أنابيب “نورد ستريم 1″، وإمداد 26 مليون منزل ألماني بالطاقة اللازمة بسعر مناسب.

لكن وفقاً للمستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، فإنَّ “نورد ستريم 2” ليس مشروعاً تجارياً خالصاً، إذ ينطوي على تداعيات جيواستراتيجية واسعة النطاق، فكل شبر من خط أنابيب “نورد ستريم 2” يُمثّل معركة سياسية وقانونية ضارية.

يُعد هذا المشروع واحداً من بين عدد قليل من المشروعات الهندسية التي تسبّبت في إثارة العديد من القضايا، من بينها استعادة إمبراطورية ما بعد الاتحاد السوفييتي، وأزمة المناخ، والمضايقات الأمريكية لأوروبا، والتعاطف الألماني مع روسيا، والسلطات القانونية للمفوضية الأوروبية، ونموذج شركة “غازبروم” الاحتكاري. وصف أشد منتقدي هذا المشروع بأنَّه خيانة عصر حديث ترقى إلى نفس مستوى الاتفاق الألماني السوفييتي المعروف رسمياً باسم اتفاق مولوتوف-ريبنتروب لعام 1939.

يقول منتقدون إنَّ خط الأنابيب البالغ طوله 1200 كيلومتر سيجعل أوروبا الحرة تحت رحمة بوتين من خلال منحه مثل هذا النفوذ المحتمل على أمن الطاقة الأوروبي. يرى آخرون أنَّ هذه المخاوف مبالغ فيها، وستكتشف روسيا أنَّه في حال استخدمت الغاز سلاحاً جيوسياسياً فإنَّ أوروبا لديها العديد من المصادر البديلة.

اكتمل بناء خط الأنابيب، في سبتمبر/أيلول، بعد العديد من التأجيلات والعقبات القانونية، لكن مجلس إدارة شركة “غازبروم” ينتظر الآن الموافقة القانونية النهائية من المنظمين الألمان لبدء ضخ الغاز عبر خط الأنابيب إلى المستهلكين في ألمانيا. تسبّبت هذه الموافقة في نشوب خلاف داخلي مبكر بين صفوف التحالف الحكومي الألماني الجديد وازدادت حدتها بسبب تهديدات بوتين لسيادة أوكرانيا.

هل يتوقف المشروع الروسي نهائياً؟

قد يبدو قرار وقف تشغيل المشروع نهائياً احتمالاً وارداً بسبب ميزان القوى المتغير. وإذا تحقق ذلك فسيكون انتصاراً كبيراً لاستقلال أوكرانيا التي مارست ضغوطاً شرسة ضد هذا المشروع منذ اقتراحه، بعد عام واحد فقط من غزو بوتين لأوكرانيا.

تخشى أوكرانيا أنَّ مسار أنبوب الغاز، الذي لا يمر عبر أراضيها، سيحرمها من رسوم عبور تعادل 4% من ناتجها المحلي الإجمالي، فضلاً عن كونه على الأرجح جزءاً من استراتيجية روسية أوسع تهدف إلى قطع الروابط مع جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفييتي.

جادلت كييف أيضاً بأنَّ خط أنابيب “نورد ستريم 2” سيزيد من سيطرة روسيا وحصتها في سوق الغاز الأوروبية، ومن ثمَّ يمنح بوتين فرصة لممارسة نفوذ على أوروبا. تبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية لخط الأنابيب 55 مليار متر مكعب، أي أكثر من نصف حجم استهلاك الألمان من الغاز البالغ 95 مليار متر مكعب خلال عام 2019.

وجدت أوكرانيا حلفاء جاهزين لدعم قضيتها في بولندا ودول البلطيق، ثم لاحقاً انضمت إيطاليا والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية إلى قائمة الداعمين. لقد أشاروا جميعاً إلى مواجهات الغاز الروسية في عام 2006 وفي يناير/كانون الثاني عام 2009، بالإضافة إلى تهديدات بوتين الأخيرة لجمهورية مولدوفا، ليؤكدوا أنَّ روسيا لن تتورع عن غلق صنابير ضخ الغاز في سبيل تحقيق مصلحة جيواستراتيجية.

أدت ضغوط كييف في ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى فرض عقوبات أمريكية على مشروع “نورد ستريم2” بموجب قانون حماية أمن الطاقة في أوروبا (PEESA)، ما نجم عنه تعليق العمل على خط الأنابيب لمدة عام ونصف العام. كانت مثل هذه الإجراءات مصدر قلق للحكومة الألمانية حتى إنَّ أولاف شولتز، وزير المالية آنذاك والمستشار الألماني حالياً، كان قد اقترح على وزير الخزانة الأمريكي آنذاك ستيفن منوشين -في خطاب خاص بتاريخ 7 أغسطس/آب 2020- أن تمول ألمانيا بناء محطتين للغاز الطبيعي المسال في ألمانيا بتكلفة قدرها مليار يورو في مقابل إنهاء الولايات المتحدة العقوبات المعرقلة لاستكمال المشروع.

مارست الولايات المتحدة ضغوطاً طويلة من أجل ضمان مزيد من صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا. رفض دونالد ترامب العرض الألماني وأخبر ميركل أنَّه يتعيّن عليها التوقف عن إطعام الوحش. وفي قمة الناتو عام 2018، اشتكى ترامب قائلاً: “ستسيطر روسيا على ما يقرب من 70% من أراضي ألمانيا بسلاح الغاز الطبيعي. أخبروني، هل هذا ملائم؟ يُفترض أنَّنا نحترس من روسيا بينما تذهب ألمانيا وتدفع مليارات الدولارات إليها سنوياً”.

كيف أحيا بايدن المشروع مرة أخرى؟

في البداية، اعتمدت إدارة جو بايدن نفس النهج الحازم الذي تبناه ترامب وحثّت أوروبا على عدم تعريض نفسها للابتزاز الروسي بسلاح الطاقة. لكن بحلول شهر مايو/أيار، خفّف بايدن من حدة نهجه، بفضل نشاط الدبلوماسية الألمانية.

في 19 مايو/أيار، تخلّى أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، عن العقوبات المفروضة على الرئيس التنفيذي لشركة “نورد ستريم 2” والصديق المقرّب لبوتين، ماتياس وارنيغ، موضحاً أنَّه يريد إعطاء الجهود الدبلوماسية مزيداً من الوقت للوصول إلى تسوية.

وبحلول 7 يونيو/حزيران، قال بلينكين إنَّ خط أنابيب الغاز الروسي الألماني أمر واقع، وفي 21 يوليو/تموز، بعد أسبوع من اجتماعه مع ميركل في البيت الأبيض، رفع بايدن العقوبات الأمريكية تماماً على المشروع في هدية وداع لها.

من جانبه، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إنَّه تلقى طعنة في الظهر -وهو ليس أول حليف للولايات المتحدة يثير هذه النقطة بسبب إجراءات بايدن- وأضاف أنَّ أوكرانيا استُبعدت من عملية صنع القرار.

بموجب الاتفاق الذي توصلت إليه ميركل مع بايدن، وعدت ألمانيا بالضغط من أجل تمديد اتفاقية عبور الغاز بين روسيا وأوكرانيا لمدة 10 سنوات، بالإضافة إلى المساهمة بمبلغ 175 مليون دولار في صندوق أخضر جديد لأوكرانيا لتعزيز استقلالها في مجال الطاقة المتجددة.

وجاء في بيان ألمانيا المشترك مع الولايات المتحدة: “إذا حاولت روسيا استخدام الطاقة سلاحاً أو ارتكاب المزيد من الأعمال العدائية ضد أوكرانيا، ستتخذ ألمانيا إجراءات على المستوى الوطني وتضغط من أجل اتخاذ تدابير فعّالة على المستوى الأوروبي، بما في ذلك العقوبات، للحد من تدفقات الصادرات الروسية إلى أوروبا في قطاع الطاقة، من ضمنها صادرات الغاز”. وقالت ميركل إنَّ هذه الضمانات لا تنطبق على إدارتها فحسب، بل أيضاً على الإدارة القادمة بعدها.

في وقتٍ لاحق، برَّر عاموس هوشستين، كبير مستشاري بايدن لشؤون أمن الطاقة العالمي، براغماتية بايدن، قائلاً: “إن فكرة التوصل إلى البيان المشترك مع ألمانيا كانت إدراكاً لواقع الانتهاء من خط الأنابيب، وفهم أنَّ العمل العدواني من جانب الولايات المتحدة ربما لم يكن سيغيّر النتيجة وربما كان سيؤدي فقط إلى تأخيرها. لذا، بالنظر إلى الواقع وفهمه، فإنَّ صياغة ترتيب ما مع ألمانيا سيسمح لنا بمواصلة الدفاع عن المصالح المهمة التي يتعيّن على أوروبا وكذلك الولايات المتحدة الدفاع عنها، فيما يخص أمن أوكرانيا والتهديدات التي يمكن أن يُشكّلها نورد ستريم 2”.

قوبل هذا التقييم بالتشكيك مراراً وتكراراً في أوروبا، من بينها في المملكة المتحدة. فشل منطق بايدن أيضاً في إقناع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الغاضبين الذين يؤيدون للعقوبات على شركة “غازبروم”، باعتبارها ضرورة تتعلّق بالأمن القومي، من بينهم السيناتور الجمهوري تيد كروز، الذي صاغ مشروع القانون الذي يفرض عقوبات أمريكية على مشروع خط الأنابيب.

قال كروز: “كان مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2″ قد اكتمل بنسبة 95% عندما فرضنا العقوبات، في ديسمبر/كانون الأول 2019. ومع ذلك أوقفناه وشاهدنا على مدار عام كامل كيف ظلَّ على حاله دون أهمية، مجرّد قطعة كبيرة من المعدن في قاع المحيط حتى انتُخب بايدن”.

كانت حسابات بايدن مفهومة. أراد إصلاح العلاقات مع ألمانيا وسعى للحصول على دعمها في مواجهة الصين. كان يعلم أنَّ هذه العملية ستخيب آمال أوكرانيا، لكن فريق الأمن القومي لبايدن لديه استعداد تام لتجاهل الحلفاء من أجل التركيز على المنافس الاستراتيجي الرئيسي الصين، كما اتضح من عقد الولايات المتحدة “اتفاقية أوكوس” التي اعتبرها الفرنسيون “طعنة ترامبية في الظهر”.

أمريكا التي لا تحترم تعهداتها

شعر أيضاً حزب الخضر الألماني بخيبة أمل شديدة لأنَّ وزارة الخارجية الأمريكية استساغت حجة الدبلوماسية الألمانية بأنَّ خط الأنابيب لا يمكن إيقافه. صحيح أنَّ شركة “غازبروم” كانت على مشارف الانتهاء تماماً من المشروع، لكن لا تزال هناك أمامها عقبات تنظيمية كبيرة مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي قبل المضي قدماً في بدء التشغيل.

يتمثَّل السؤال الحقيقي فيما إذا كان حزب الخضر، الذي من المفارقات يتسق مع الجمهوريين الأمريكيين، قادراً على إلغاء المشروع تماماً. سيتطلب ذلك تحدياً جذرياً للطريقة التي تنظر بها ألمانيا إلى روسيا.

شرح جون لوف، زميل معهد “تشاتام هاوس”، في كتابه “Germany’s Russia Problem”، كيف ساهم ارتباط ألمانيا العاطفي بالمجتمع والثقافة الروسية في استعدادها أن تخطئ في قراءة الاتجاه الذي تسير فيه روسيا. وقال لوف، في حديثه مؤخراً في معهد “تشاتام هاوس” عن علاقة ألمانيا بروسيا: “ثمة مزيج غريب من المشاعر يتضمن خوف تاريخي من روسيا وشعور بالذنب بسبب جرائم النازيين وشعور بالامتنان لموسكو لدورها في توحيد ألمانيا وقدر كبير من المشاعر المبنية على حالة إعجاب بالثقافة الروسية”.

وأضاف: “ثمة أيضاً منطق اقتصادي يحكم هذه العلاقة، إذ تمتلك ألمانيا تاريخياً التقنية في حين تمتلك روسيا الموارد، وهذا يخلق نوعاً من التكامل الطبيعي بين البلدين”. أخيراً، هناك تصور سائد مفاده أنَّ “سياسة الشرق الجديدة” (Ostpolitik) -التي هدفت إلى تطبيع العلاقات بين جمهورية ألمانيا الاتحادية وأوروبا الشرقية منذ أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي- قد وضعت حداً للحرب الباردة. في الوقت نفسه، ثمة اعتقاد ألماني راسخ تقريباً أنَّ تهدئة التوترات وبناء العلاقات وزيادة حجم التجارة والاعتماد المتبادل بين البلدين سيضمن الاستقرار وسيجعل روسيا- بطريقة ما في نهاية المطاف- جهة فاعلة تتصرف بعقلانية؛ لذا، يؤكد لوف إنَّ ألمانيا تجد صعوبة بالغة في قبول فكرة أنَّ روسيا تتحرك بثبات في اتجاه الاستبداد.

كان حدس ميركل يضع بعين الاعتبار دائماً ما هو مقبول بالنسبة لروسيا، وذلك وفقاً لكبير مستشاريها للسياسة الخارجية، كريستوف هيوسجين، في صحيفة “Der Spiegel” الألمانية. لهذا السبب، عارضت خطة عمل الناتو الخاصة بأوكرانيا وواصلت الدفاع عن خط أنابيب “نورد ستريم” باعتباره لا يهدد أمن الطاقة في أوروبا.

سياسة بوتين “فرِّق تسُد”

لكن مع اختيار أنالينا بيربوك لتشغل منصب وزيرة الخارجية الألمانية وتولى حليفها، روبرت هابيك ، وزارة الاقتصاد وحماية المناخ، يجادل رايف فوكس، مدير المركز الألماني للحداثة الليبرالية والمقرّب من حزب الخضر، بأنَّ جيلاً جديداً من الأصوات القوية المعارضة لعقود طويلة من هيمنة عقلية “تفهّم روسيا” قد برز إلى المقدمة.

حتى ينجحوا في معركتهم ضد “نورد ستريم”، يتعين على أعضاء حزب الخضر مواجهة كبار شركائهم في الائتلاف الحكومي، أعضاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي. يشغل غيرهارد شرودر، المستشار الألماني السابق عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي، منصب رئيس لجنة المساهمين في الشركة المُشغّلة لمشروع “نوردستريم”.

يدافع شرودر عن المشروع دفاعاً غير مشروط. عند سؤاله، على سبيل المثال، عن العلاقة بين خط الأنابيب، الذي يصفه بأنه مشروع أوروبي، وعملية تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، قال: “لا يوجد علاقة بينهما. لم يُثبت علمياً حدوث عملية التسمّم”.

لا عجب إذن أنَّ يصف نافالني شرودر بأنَّه “رجل مأموريات بوتين”، مشيراً إلى أنَّ المستفيدين الحقيقيين من “نورد ستريم 2” لن يكونوا الألمان الفاسدين أخلاقياً فحسب، بل أيضاً القلة الأوليغارشية الروسية (رجال الأعمال وأصحاب النفوذ) المفروض عليها عقوبات من جانب الولايات المتحدة.

تعكس مناصرة شرودر للمشروع رأي الحزب الديمقراطي الاشتراكي تماماً. دافع هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني السابق المنتمي أيضاً للحزب الاشتراكي الديمقراطي، عن خط الأنابيب، باعتباره وسيلة للبقاء على اتصال مع روسيا، قائلاً إنَّ إستراتيجية “حرق جسور التواصل” ليست خاطئة فحسب، بل خطيرة جداً لأنّها ستدفع روسيا إلى تعاون اقتصادي وعسكري وثيق مع الصين”.

على نفس المنوال، كانت مانويلا شفسيغ، رئيسة وزراء حكومة ولاية مكلنبورغ-فوربومرن، من أشد المناصرين لخط أنابيب “نورد ستريم 2” واشتبكت مراراً مع حزب الخضر في ولايتها بشأن هذا المشروع لدرجة أنَّها أنشأت مؤسسة لحماية الشركات من العقوبات الأمريكية. ومع ذلك، لم تتأثر شعبية مانويلا سلباً بسبب هذا الدعم لخط الأنابيب.

قالت مانويلا: “إذا أردنا التخلّص من الاعتماد على الطاقة النووية والوقود الأحفوري، فنحن بحاجة إلى الغاز الطبيعي على الأقل لفترة انتقالية”.

لذا، لن يتعيّن على أنالينا بيربوك، زعيمة حزب الخضر ووزيرة الخارجية الألمانية، مواجهة شركائها في الائتلاف الحكومي فحسب، بل أيضاً كسب ثقة وتأييد الجمهور الألماني، الذي يتفق العديد منهم مع مانويلا شيسفيغ ويشكّكون في قدرة الدولة على تحمّل تكاليف الاستغناء عن الطاقة النووية والوقود الأحفوري والغاز في نفس الوقت.

ومع ذلك، تتمتع أنالينا بدعم حلفاء مؤثرين من أوساط خبراء مستقبل الطاقة. قال ديرك ميسنر، رئيس وكالة البيئة الألمانية (UBA)، في أغسطس/آب إنَّ خط أنابيب “نورد ستريم 2″ قد يفقد أهميته قريباً لأسباب تتعلق بسياسة المناخ، لأننا نريد بلوغ صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2045”.

تعد المفوضية الأوروبية والقانون أيضاً أهم حليفين محتملين أيضاً لزعيمة حزب الخضر، لاسيما أنَّ المفوضية الأوروبية وشركة “غازبروم” كانتا على خلاف منذ سنوات. حاولت الشركة الروسية دون جدوى تجنّب اللوائح التنظيمية للاتحاد الأوروبي بزعم أنَّ التوجيهات الصادرة لعام 2019 بشأن الطاقة لا تنطبق على خط الأنابيب؛ لذا أعلنت الحكومة الألمانية في وقت سابق أنَّها في انتظار التحقق من امتثال مشروع “نورد ستريم 2” لمعايير الطاقة الأوروبية.

من جانبه، يسعى روبرت هابيك، وزير الاقتصاد وحماية المناخ، إلى إلغاء المشروع من زاوية قوانين منع الاحتكار والتبعية؛ حيث يجب أن يكون مالكو خطوط الأنابيب مختلفين عن موردي الغاز المتدفق في تلك الأنابيب، وهو أمر تعارضه شركة “غازبروم”.

كان هناك الكثير من الضغوط السياسية في عهد الحكومة الفيدرالية الأخيرة للموافقة على “نورد ستريم 2″، لكنها لم تفضِ إلى شيء وتتولّى الآن الوكالة الاتحادية الألمانية لتنظيم قطاع الطاقة مسؤولية فحص كافة المستندات وفقاً للقانون. في السياق ذاته، أكّدت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، أنَّ ألمانيا لا يمكنها الموافقة على مشروع لا يتوافق مع التشريع الألماني والأوروبي. في غضون ذلك، لا تزال حقيبة السفر- التي بدون مقبض- عالقة في المطار تنتظر مصيرها، أي أن مصير نورد ستريم2 لا يزال معلقاً.

Exit mobile version