السودان 2021.. انتكاسة سياسية وغليان شعبي

 

جاء العام 2021 مختلفا في السودان، ومغايرا للمسار الذي رسم له بأن يكون عاما لمزيد من الاستقرار في فترة انتقال تمتد لـ 54 شهرا، منذ توقيع على الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس/ آب 2019.

إلا أن العام الثاني من الانتقال شهد تقلبات سياسية واقتصادية، وصراعات جعلت أزمات البلاد تشتد في خواتيمه، بفعل قرارات اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ومنذ ذلك الوقت، دخلت البلاد في أزمة دستورية وسياسية بين العسكر والمدنيين، طرفا السلطة بحسب الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/ آب 2019 والمعدلة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 عقب توقيع اتفاق جوبا للسلام بين الخرطوم والجبهة الثورية (حركات مسلحة).

** الأزمة

يرى مراقبون أن ما يحدث في السودان انتكاسة للمسار الديمقراطي، بعدما كان السودانيون يأملون بإنجاز انتقال مدني وديمقراطي بعد 3 عقود من نظام البشير (1989-2019).

إلا أن المكوّن العسكري بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وشريكه في الاتفاق السياسي عبد الله حمدوك، أكدا في أكثر من تصريح إمكانية تحقيق التحول الديمقراطي وصولا إلى انتخابات جديدة، وذلك بالعمل على إكمال هياكل السلطة وتكوين المجلس التشريعي وتكوين المفوضيات بما فيها مفوضية الانتخابات وإجراء الإصلاحات الاقتصادية.

ويشهد السودان، منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، احتجاجات على إعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، ما أثار رفضا من قوى سياسية واحتجاجات شعبية تعتبر ما حدث “انقلابا عسكريا”.

وتتواصل الاحتجاجات على الرغم من إعلان البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، توقيع اتفاق جديد في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يقضي بعودة الأخير إلى منصبه بعد نحو شهر من عزله، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية).

** شهور الأزمة

طفت الأزمة السياسية إلى السطح مع حلول شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، عقب محاولة انقلابية تم إفشالها في 21 من الشهر ذاته.

وعقب ذلك، تبادل المكوّن العسكري والمدني في السلطة الانتقالية الاتهامات، إذ حمّل العسكر المدنيين مسؤولية الانقلاب بانصرافهم إلى المحاصصات الحزبية بعيدا من قضايا المواطن.

بينما اتهم المدنيون العسكر بتعطيل الانتقال ومحاولتهم توسيع نفوذهم في السلطة.

من هنا، انطلق الطرفان في مناكفات وصلت إلى حد اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدد من الوزراء والمسؤولين وسياسيين.

وأعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول، عن قرارات وصفها بـ “التصحيحية”، وقضت بحل مجلسي السيادة والوزراء وإعفاء ولاة الولايات وإعلان حال الطوارئ.

فيما اعتبرت القوى السياسية، بينها قوى إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين (قائد الحراك الاحتجاجي)، أن البرهان نفذ انقلابا متكامل الأركان.

وأدى ذلك إلى اندلاع احتجاجات في الخرطوم وسائر المدن رفضا للانقلاب، أسفرت عن سقوط 44 قتيلا ومئات الجرحى. ولا تزال تلك الاحتجاجات مستمرة إلى اليوم.

** قضايا الخلاف

وقبل تفاقم الأزمة، بدأت بوادر التباين بين المدنيين والعسكر في السلطة، منتصف العام 2021، أولا لاختلاف الأولويات لدى كل طرف، وثانيا لحساسية القضايا الخلافية، كما أن عدم الثقة بين الطرفين ساهم في تأجيج الخلافات، وفق مراقبين.

ويقول المحلل السياسي ماجد محمد علي إن قضايا الاختلاف، بعضها رئيسي مثل “قضية العدالة” لضحايا الاحتجاجات منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019 ومرورا بفترة إدارة المجلس العسكري المنحل (المكوّن العسكري الحالي في السلطة) والتي شهدت حادثة فض الاعتصام أمام مقر القيادة.

ويضيف محمد علي، في حديثه إلى “الأناضول”، أنه من الأسباب الرئيسية هو مطالبة القوى المدنية ببناء جيش واحد وإصلاح الأجهزة الأمنية، وكذلك قضية إعادة الشركات التابعة للجيش والقوات الأمنية إلى ولاية المال العام، بحيث تشرف عليها الحكومة المدنية عبر وزارة المالية.

ويشير إلى أن من الأسباب الثانوية للخلاف بين العسكر والمدنيين هو ملف العلاقات الخارجية الذي تقع مسؤوليته على الحكومة، غير أن تغوّل المكوّن العسكري في إبرام تحالفات مع الإمارات ومصر، وخطوة التطبيع مع إسرائيل، أزعج المدنيين.

ويضيف: “ثمة عوامل ثانوية أخرى للخلاف، تتمثل في مطالبة العسكر بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في السلطة، وقضية لجنة إزالة تفكيك نظام 30 يونيو/ حزيران (نظام عمر البشير) الحكومي”.

بوادر التباين

وما إن بدأت ملامح الخلاف بين العسكر وشركائهم المدنيين، حتى تقدم حمدوك 22 يونيو/ حزيران الماضي بمبادرة تتضمن: إصلاح القطاع الأمني والعسكري، والعدالة، والاقتصاد، والسلام، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو (نظام عمر البشير) ومحاربة الفساد، والسياسة الخارجية والسيادة الوطنية، وتشكيل المجلس التشريعي (البرلمان).

وتباينت مواقف الأحزاب السودانية حول المبادرة بين مؤيد ومعارض، ولم تنجز شيئا على الرغم من تشكيل حمدوك آلية لهذه المبادرة، بعدما قضت عليها قرارات البرهان.

وفي 4 أغسطس/ آب الماضي، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إن هناك محاولات حثيثة لإيقاع “فتنة” مع الجيش.

وأضاف أن هناك “حملات تستهدف تفتيت القوات النظامية السودانية واستهداف المؤسسات الاقتصادية للجيش السوداني”.

وقال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إن 80 بالمئة من شركات القوات المسلحة والقوات النظامية “خارج ولاية وزارة المالية”.

ويمتلك الجيش السوداني مؤسسات اقتصادية تعمل في مجال الإنتاج الحربي وتصدير اللحوم والزراعة والتعدين‎.

** آمال الاستقرار

كانت آمال السودانيين كبيرة مع بداية العام 2020 في تحقيق أهداف ثورتهم (حرية وسلام وعدالة)، والمضي في استكمال هياكل السلطة الانتقالية بحثا عن استقرار سياسي واقتصادي بعد سنوات من المعاناة، لا سيما أن الحركات الموقعة على اتفاق السلام وصلت إلى الخرطوم.

‎ووقعت الخرطوم اتفاقا برعاية جنوب السودان لإحلال السلام مع حركات مسلحة ضمن تحالف “الجبهة الثورية”، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، لم يشمل حركة جيش تحرير السودان التي يقودها عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية ـ شمال، بزعامة عبد العزيز الحلو.

ووقعت على الاتفاق حركات دارفور، أبرزها العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة اركو مناوي وتحرير السودان المجلس الانتقالي برئاسة الهادي إدريس، وكذلك الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

وانفاذا لاتفاق السلام، تم قبول استقالة حكومة حمدوك الأولى، وتشكيل حكومة جديدة تتضمن الحركات المسلحة في السلطة بحسب الاتفاق.

في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شكل عبد الله حمدوك حكومته الجديدة، من قوى إعلان الحرية والتغيير والحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان الموقعة على اتفاق السلام في جوبا.

وضمت الحكومة 26 وزيرا رشحت قوى إعلان الحرية 17 وزيرا، و2 رشحتهم المؤسسة العسكرية (وزارة الداخلية، والدفاع)، و7 من الحركات المسلحة. وهي الحكومة التي أطاحها البرهان في قراراته في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وجرى اعتقال عدد من وزرائها.

** الحل في التنازلات

يرى المحلل السياسي يوسف سراج أن كل المعطيات تشير إلى أن جميع الأطراف المدنية والعسكرية قد فهمت ضرورة تقديم تنازلات في الوقت الراهن حتى يتم تجاوز الأزمة الحالية في البلاد.

ويقول، في حديثه إلى “الأناضول”، إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك العائد إلى منصبه بدا له واضحا صعوبة المضي بالدولة في ظل هذا الرفض الواسع من جانب قوى الحرية والتغيير والمتمثلة في الاحتجاجات الشعبية ضد الاتفاق السياسي، ما يعني أن عليه الإمساك بمقاليد الأمور أكثر.

ويضيف: “لذلك يسعى حمدوك إلى إعلان سياسي أو ميثاق سياسي يجمع فيه قوى سياسية كبيرة تكون سندا له في حكمه، وحتى يخفف من ضغط الشارع الرافض للاتفاق”.

ويشير سراج إلى أن أي إعلان سياسي مع القوى على الأرض يتطلب بالمقابل تنازلا من المكون العسكري بعدما تأكد له أنه لا يمكن أن ينفرد وحده بالسلطة في البلاد.

ويلفت سراج إلى أن التنازلات قد تأتي تبعا كحل للأزمة، لا سيما بعد أن أجاز مجلس النواب الأمريكي فرض العقوبات الفردية على من يعيقون التحول الديمقراطي في السودان.

وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أقر الكونغرس الأميركي، مشروع قانون يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، ويشدد الرقابة على قوى الأمن والاستخبارات السودانية، ويتضمن تقييماً لإصلاحات القطاع الأمني في البلاد من جانب الحكومة السودانية، كتفكيك الميليشيات، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.

وينص المشروع على ضرورة المحاسبة على جرائم انتهاكات حقوق الإنسان واستغلال الموارد الطبيعية وتهديد العملية الانتقالية الديمقراطية في السودان. وذلك من خلال فرض عقوبات على المرتكبين حتى لو كانوا من المسؤولين.

وتتراوح هذه العقوبات بين تجميد الأصول وإلغاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، وغيرها من عقوبات.

Exit mobile version