نائب رئيس جمعية العلماء التركية د. عمر قورقماز لـ«المجتمع»: بعد 2023 ستكون تركيا أكثر قوة

 

أكد نائب رئيس جمعية العلماء التركية د. عمر فاروق قورقماز أن رؤية عام 2023م تهدف لأن تكون تركيا دولة قوية ومستقلة أكثر، ولديها إمكانيات أكبر، مشيراً إلى أنه حسب ما نراه حالياً في أرض الواقع فتركيا أصبحت بالفعل دولة كبيرة باقتصادها وغازها ونفطها في الاكتشافات الحديثة، وكذلك بأبنائها وقوتها العسكرية والمدنية.

وألمح، في حواره مع «المجتمع»، إلى أن هناك حرباً خارجية على تركيا ممثلة في الضغوط السياسية والحصار الاقتصادي في بعض الأحيان الذي يرهق المواطنين، لكنه أكد أن الضمانة لمواجهة كل هذا هو الحرية والديمقراطية، كما تطرق الحوار لعدد من القضايا المهمة على الساحة الدولية والإقليمية.

أولاً، نرحب بكم في بداية هذا الحوار مع «المجتمع»، ونشكركم على حفاوة الاستقبال، وهذا عهدنا بالأشقاء في تركيا.

– بداية، أشكركم باسم جمعية «علماء تركيا» (أوماد)، كما أشكركم على أنكم تربطونني بمجلة «المجتمع» التي تعلقنا بها منذ زمن طويل، فكلنا تربينا في مدرسة هذه المجلة العريقة منذ أيام دراستي في باكستان.

كما تعد الكويت بالنسبة لنا أكرم دولة في خدمة الإسلام والمسلمين، ومساهماتها لا تنسى، فقد وجدت في أهلها الخير الكثير.

كثيراً ما نسمع الرئيس “رجب طيب أردوغان” يتحدث عن “تركيا 2023″، ماذا ينتظر البلاد في هذا العام؟ وما الذي سيتغير؟

– في تاريخ الأمم محطات مختلفة، وعام 2023م تكون قد اكتملت مائة عام على تأسيس الجمهورية التركية، وهذه محطة أولى، لكن الرئيس «أردوغان» لم يضع محطة واحدة أمام الشباب، بل وضع محطات؛ أولها عام 2023، ثم 2051 كمحطة ثانية، ثم 2071م كمحطة ثالثة، كل هذه المحطات التي وضعها الرئيس بمثابة معالم في الطريق للشباب، وعليهم أن ينهضوا ويصلوا إلى هذه الأهداف السامية في تاريخ الأمة الإسلامية كما كان أجدادهم؛ لأن أجدادنا كان لهم دور في خدمة الإسلام والمسلمين، حيث كان الاستقرار والسلام يعُمَّان البلاد الإسلامية.

وبعد سقوط الدولة العثمانية، تراجعت تركيا كثيراً، وأصبحت في بقعة صغيرة، لكن المشكلات لم تنته، كما روج الاستعمار أن انسحاب تركيا من البلاد الإسلامية سيؤدي إلى الاستقرار بحجة أنها هي سبب المشكلات.

الآن أمامنا “رؤية 2023”، حيث ستكون تركيا دولة قوية أكثر ومستقلة، ولديها إمكانيات أكبر، وعلى حسب ما نراه حالياً في أرض الواقع، فتركيا أصبحت بالفعل دولة كبيرة باقتصادها وغازها ونفطها في الاكتشافات الحديثة، وكذلك بأبنائها وقوتها العسكرية والمدنية.

إذاً، في عام 2023م سنرى الامتداد الاقتصادي التركي الجديد في المنطقة؟

– طبعاً الآن تركيا لديها أكثر من مشروع، سواء في المجال الاقتصادي، أم الغاز والنفط، وحتى بالاكتشافات الجديدة في مجال الثروة بمناطق مختلفة بأراضيها، وبالتالي ستكون تركيا مختلفة تماماً في عام 2023م اقتصادياً.

لكن، مؤخراً، رأينا انهياراً لليرة مقابل العملات الأخرى، فما السبب في ذلك؟ وهل يعد هذا حصاراً اقتصادياً لتركيا؟

– أولاً، لا بد أن نفهم أن هناك دولاً لا تنتج شيئاً اقتصادياً، وليس لديها نفط أو غاز، ورغم ذلك عملتها أقوى من العملة التركية، ماذا يعني هذا؟! هذا يعني أن الدول القوية تُحارَب؛ فعلى سبيل المثال، روسيا تعاني مشكلة في قيمة عملتها، وهناك أيضاً إيران رغم أن لديها غازاً ونفطاً ومع ذلك تعاني مشكلات في سعر العملة، وبالتالي فتركيا من الدول التي لديها استقلالية؛ لذا تتم محاربتها، وتحدث هذه المشكلات في قيمة العملة بسبب التلاعب الذي يحدث في أسعار العملات وتحديد قيمتها، وهذا لا يعكس حقيقة الاقتصاد، ولا يعد مؤشراً حقيقياً لواقع الاقتصاد، وهذا ليس في يد تركيا، وأسعار العملة بهذه الصورة ليست متعلقة بقوة الاقتصاد من عدمه، ونحن سنواجه هذا اقتصادياً.

تكالبت دول كبرى على تركيا بسبب النجاحات في الصناعات العسكرية وخاصة “المسيَّرات”، ما الرسالة التي تريد تركيا إيصالها لهذه الدول؟

– أولاً، لا بد أن يكون واضحاً أننا أبناء الحضارة الإسلامية، وحضارتنا هذه مبنية على العلم والثقافة والعقل، وديننا الإسلامي الحنيف يعلمنا أن نعقل ونفكر وننتج، ونتقدم إلى الأمام في خدمة المسلمين والإنسانية كلها في كل مكان، وبالتالي بدأنا نستدرك ما نقص وما أخطأنا فيه بالسابق، وندرك كثيراً من المحطات التي يفترض أن نتجاوزها قبل عقود من الزمن، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، ونرجو أن يتم الاستفادة من هذه التجربة.

هل يتفهم المواطن التحديات التي تواجه الدولة التركية، كأن يقبل ببعض الضغوط الاقتصادية لتخطي هذه المرحلة وإنجاح التجربة؟

– لا شك أن الشعب والدولة التركية بشكل عام يعتزون بما يحدث من تطورات خلال هذه المرحلة، وبالتأكيد أن الحرب الخارجية الممثلة في ضغوط سواء سياسية أم حصار اقتصادي في بعض الأحيان يرهق المواطنين اقتصادياً، وفي النهاية تركيا دولة ديمقراطية، وليست دكتاتورية، والتقدم الاقتصادي الحاصل نحن مدينون به لوجود نظام ديمقراطي وجهود الرئيس «أردوغان»؛ فالحرية هي التي تجلب الاستثمار، والقوانين المناسبة هي التي تجلب المستثمر، وبالتالي فنحن في النهاية سوف نخضع لرغبة وإرادة الشعب التركي سواء نجحنا أم لم ننجح.

توجد بالكويت شركات تركية كبيرة خاصة في الإنشاءات، فهل تطمح تركيا في توسيع تعاونها الاقتصادي مع بقية دول الخليج الأخرى؟

– نحن دائماً نفتخر بموقف الكويت الذي كان دائماً إيجابياً في القضايا الإقليمية والإسلامية، وبالتالي الكويت لديها تعاون كبير مع رجال أعمال أتراك، ونرجو أن تكون نفس العلاقة مع الدول الخليجية الأخرى، وهناك بالفعل علاقات حالياً، لكن نريد أن تكون أقوى بكثير مما هي عليه.

بالنسبة للعلاقات الإقليمية، هل حدث تراجع في التقارب التركي المصري بعد الاتفاق الأخير بين مصر واليونان؟

– لا أظن أن هناك تراجعاً في التقارب التركي المصري؛ ففي علاقات الأمم، كما هي الحال في الفقه الإسلامي، ليس هناك حلال وحرام فقط؛ بل يوجد أيضاً مكروه ومباح ومندوب، وفي العلاقات السياسية الأمر كذلك؛ فمثلاً نحن في تركيا نختلف مع الأمريكيين، لكن في الوقت نفسه نتعاون في ملفات كثيرة، وكذلك علاقتنا مع روسيا نختلف في ملفات ونتعاون في أخرى؛ فما بالك بالدولة المصرية؟

بطبيعة الحال، تختلف وجهات النظر في جزئية معينة، لكن تتواصل العلاقات في جزئيات أخرى أكثر؛ فلا نصطدم بسبب الاختلاف في ملف واحد، وإن كان هذا يزعجنا بالطبع؛ فتقوية العلاقة المصرية اليونانية ربما يكون في جانب منه على حساب تركيا وقد يكون مزعجاً، لكن هناك ملفات أخرى تكون العلاقات المصرية التركية على حساب اليونان أيضاً؛ لذلك فالعلاقات الثنائية بين الدول لا تبنى على الغضب؛ فالدول أكثر عقلانية من الخطاب الإعلامي الذي يحاول في بعض الأحيان تحديد طبيعة العلاقات بين الدول على غير الحقيقة.

بالإضافة للتنمية الاقتصادية، هناك تنمية بشرية ملحوظة، فكثير من الأتراك جمعوا بين البعدين الإنساني والسياسي، ما السر في ذلك؟

– السر في ذلك عقلية القيادة، فعندما جاء حزب «العدالة والتنمية» لقيادة البلاد كان عدد الجامعات التركية حوالي 75 جامعة، والآن عدد الجامعات وصل إلى 210، إذاً هناك استثمار في الإنسان، هذا أولاً، أما ثانياً؛ فهو حب الأتراك لخدمة البشرية، لدينا عشرات المنظمات التركية الإغاثية والإنسانية والتربوية والتعليمية التي انطلقت في كل مكان، وبالتالي نحن لا نقف عند حدود تركيا، بل نعتبر أنه في كل العالم وفي كل مكان فيه الإنسان وفيه المسلمون هو جزء من الوطن وجدانياً.

فيما يتعلق بالمرأة التركية (سفيرة تركيا بالكويت عائشة هلال، وفي ماليزيا مروة قاوقجي)، ما دورها في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد؟

– أولاً؛ هاتان السفيرتان كانتا من المناضلات قبل أن يأتي الرئيس «أردوغان» إلى السلطة؛ أي ليس ظهورهما في المشهد حالياً مفاجئاً؛ فعلى سبيل المثال، مروة قاوقجي سبق أن اختيرت في البرلمان كأول سيدة ترتدي الحجاب، ولكن تم طردها من قبل حزب الشعب الجمهوري آنذاك، والآن الرئيس «أردوغان» أوكل لها هذا المنصب (سفيرة) لأنها مثقفة ودارسة للعلاقات الدولية بشكل جيد؛ فالمرأة التركية في العموم مثقفة وقوية ولها دورها الذي يُحترم، ونعتبر أن وجود المرأة مع أشقائها في العمل الاجتماعي والسياسي والتربوي وكذلك في أسرتها من الأركان الأساسية في نهضة الأمة.

فعندما تمنع المرأة من العمل والتقدم إلى الأمام فمعنى هذا من البداية أن 50% من المجتمع أصبح متخلفاً، نعم يجب على المرأة ألا تهمل تربية الأولاد، وذلك من مهامها الأولى والأساسية، ونحن نقول في تركيا: إن المرأة هي التي تؤسس البيت وتحافظ عليه، وهذا صحيح، لكن إذا أرادت المرأة أن تخرج للعمل وتخدم الوطن والأمة والإنسانية من خلال العمل في مستويات مختلفة بشروطها الفقهية فلها أن تفعل ذلك.

ما تقييمكم للعلاقات الكويتية التركية في كافة المجالات؟

– أولاً؛ لا بد أن نعترف أن الكويت كانت مركزاً لخدمة الإنسانية، فكثير من الأمور الإغاثية والإنسانية تعلمناها من المؤسسات الكويتية من أيام حرب البوسنة، فآنذاك لم تكن في تركيا مؤسسات إغاثية باستثناء الهلال الأحمر التركي، وعندما ذهبنا إلى البوسنة وقت الحرب وجدنا كثيراً من المؤسسات الكويتية تنشط في مجالات مختلفة، وبالتالي بدأنا ننشئ مؤسسات إغاثية على غرار المؤسسات الكويتية.

لكن لا بد أن ترتقي هذه العلاقات الثنائية إلى مستويات أعلى؛ فعلى سبيل المثال، نحتاج أن نسأل أنفسنا: كم عدد الطلاب الكويتيين الذين يدرسون في الجامعات التركية؟ وكم عدد الطلاب الأتراك الذين يدرسون في جامعة الكويت في مجالات العلاقات الدولية والعلوم السياسة والاجتماعية واللغة العربية؟ لأن العلاقات التي تقتصر على مجالات الاقتصاد والسياسة ولا تشمل المستويات الثقافية والفكرية والحضارية ربما في وقت ما تنتهي، فنحن في تركيا بحاجة إلى السفراء الذين يجيدون اللغة العربية، فممكن أن يتم تخريج هؤلاء في الكويت، وأنتم في بلادكم تحتاجون قيادات في العلوم الاجتماعية، وهؤلاء يمكن أن يتم تخريجهم في الجامعات التركية.

أستطيع القول: إن مستوى الجامعات التركية، سواء باللغة التركية أو بالإنجليزية، أكاديمياً ليس أقل من بعض الجامعات الأمريكية والبريطانية، وهذه دعوة يمكن أن توجهها وزارة التعليم في الكويت إلى الطلاب للمجيء للدراسة في تركيا، فهذا هو الجسر الأساسي في العلاقات بين البلدين، فنحن أبناء أمة واحدة.

كلمة توجهها إلى الشعب الكويتي.

– نحن أبناء أمة واحدة، وإقليم واحد، ومنطقة واحدة، قدرنا مشترك شئنا أم أبينا، وكما يقولون: «إذا عطس الكويتي من البرد فنحن نمرض هنا في تركيا»؛ أي أن أي مكروه يصيب الكويت نتألم له في تركيا، كما حدث مع إخواننا في قطر وقت الأزمة الخليجية، فنحن في تركيا لم نبق مكتوفي الأيدي كما تعرفون، ونحن نعرف أيضاً أن إخواننا في الكويت لن يقصروا في حق إخوانهم في تركيا أو في أماكن أخرى، وكل الشكر لكم على إتاحة هذه الفرصة.

Exit mobile version