الإصلاح السياسي.. ونموذج الدولة الإسلامية

 

«الإصلاح» في ديننا ليس سياسياً فقط؛ بل هو أمر شرعي وفكري وتنموي واقتصادي وقيمي، وهو في أي دولة ليس قراراً فردياً؛ بل هو قرار رئاسي من رئيس الدولة ومن الشعب عبر مؤسساته السياسية؛ فانتقال الدولة من حال إلى حال، ومن سياسة إلى سياسة أخرى قرار يحتاج لمشاركة شعبية ورسمية؛ لذا نرى بعض الدول تفرض الاستفتاء العام عند أي قرار مصيري، وتطرح هذا الاستفتاء للشعب وتبني قراراتها بناء على الرغبة الشعبية.

ويجدر بنا أن نؤكد هنا أن الإصلاح السياسي ليس بدعة في ديننا، بل هو جزء من شريعتنا وفكرنا الإسلامي؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما أسس مجتمع المدينة المنورة، وبنى الدولة أسسها على مبادئ إصلاحية تحفظ كيان الدولة، ومنها أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، ليضمن إقامة دولة متساوية اجتماعياً لا توجد فيها طبقية، كما عقد النبي صلى الله عليه وسلم المواثيق والاتفاقيات بينه وبين اليهود الذين كانوا يشاركون المسلمين المدينة، ولم يقم بطردهم أو نفيهم أو إقامة المذابح للتخلص منهم؛ بل أعطاهم حقوقهم كاملة.

وفي سبيل إقامة الدولة على دعائم خارجية راسخة، كتب نبينا عليه أفضل الصلوات والسلام الرسائل للتبشير بدعوته، وأسس السرايا والرايات، وأقام المسجد ليكون ملتقى المسلمين، وجعله دار عبادة بالدرجة الأولى، ودار قضاء، ومنه تخرج الجيوش والسرايا، كما جعله محل إقامة للفقراء المسلمين.. وغيرها من الأدوار الحضارية للمسجد.

والتشريع الإسلامي أفرد أبواباً كثيرة في السياسة الشرعية؛ لتعزيز دور الإسلام في بناء الدولة، ومنها وضع شروط الحاكم، وكيفية اختياره، وطرق تعامله مع رعيته، وسنت الشريعة الأحكام والعقوبات لحفظ المجتمع، كما أن الشريعة الإسلامية لم تهمل الجانب الاقتصادي الذي يعزز استقرار المجتمع؛ ففرضت الزكاة لتؤخذ من الأغنياء للفقراء، وحثت على الصدقة للسبب ذاته، وهذا ليس مدعاة للكسل؛ بل إنها حثت على العمل والإنتاج، وذمت البطالة والكسل؛ وجعلت العمل من السنن التي يؤجر عليها المسلم.. وهذه الأمثلة غيض من فيض وسطر في كتاب من جمال التشريع الإسلامي في بناء الدولة.

لذا، يجب ألا ننظر إلى الإصلاح السياسي والبناء السليم للدولة على أنه انتخابات رئاسية أو انتخابات مجلس أمة أو مجلس شعب أو حل أزمة سياسية هنا وهناك فحسب؛ بل هو بناء دولة تحقق مبدأ الرفاهية للمواطن ليعيش في جو من الحرية والرفاه الاجتماعي.

وانطلاقاً من استشعارنا لأهمية هذا الأمر في هذه المرحلة المهمة في تاريخ الأمة، رأينا في مجلة «المجتمع» أن نطرح موضوع الإصلاح السياسي ملفاً للعدد، خاصة أن العالم العربي والإسلامي يمر بفترات انتقالية ومعيشية في كثير من الدول؛ فمن انتخابات رئاسية مرتقبة في ليبيا، إلى انقلاب رئاسي في تونس، إلى تحالفات جديدة في تركيا ودول الخليج ولبنان، إلى انقلاب في السودان.. كل هذا يحدث في جو من الأزمات الاقتصادية التي تقف وراءها عدة أسباب، منها انخفاض أسعار النفط.

Exit mobile version