هل يظل “العدالة والتنمية” المغربي رقماً صعباً بدعوته لـ”المعارضة الهادئة”؟

 

مباشرة بعد تشكيل الحكومة المغربية بقيادة الملياردير عزيز أخنوش إثر انتخابات 8 سبتمبر الماضي، وخلافاً للأعراف الديمقراطية التي تقتضي أن تمهل 100 يوم قبل الحكم على عملها، انطلقت موجة كبيرة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد القرارات الرسمية التي اعتبرها البعض انتكاسة لعهد حكومتي «العدالة والتنمية» الأولى والثانية، بل ونقضاً تاماً للوعود الانتخابية المرتبطة أساساً بتحسين مستوى المعيشة لعدد من فئات المجتمع، وكانت سبباً في صعود أحزاب الحكومة، ووصل صدى هذه الانتقادات إلى مجلس النواب خاصة من قبل المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية.

بعد انتخاب عبدالإله بن كيران، القيادي الإسلامي البارز (رئيس الحكومة الأسبق)، أميناً عاماً للحزب خلال مؤتمره الاستثنائي، خرجت أمانته العامة الجديدة ببلاغها الأول تدعو إلى ما وصف بـ«المعارضة الهادئة» وعدم الانضمام إلى الجوقة التي كانت بعض مكوناتها خاصة من الإعلاميين المؤثرين إلى وقت قريب تساند عزيز أخنوش.

ابن كيران نفسه خرج ليشرح معنى هذه المعارضة، وقال في كلمة أمام أول اجتماع للأمانة العامة للحزب: إن دعوته إلى التهدئة نقطة نظام تدعو إلى الكف عن اللعب بمصالح البلاد والعباد.

وأبرز أن عمل حزبه يجب أن يستند إلى معارضة وطنية معقولة بهدوء وتؤدة، بوصلتها الرئيسة خدمة مصلحة الوطن والمواطن، وتحصين الاختيار الديمقراطي وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية إلى جانب كافة الشرفاء من مختلف التيارات الوطنية الديمقراطية.

المحلل السياسي والأكاديمي المغربي علي فاصلي أبرز، في تصريح لـ«المجتمع»، أن بلاغ الأمانة العامة لم يتحدث عن معارضة هادئة أو ساخنة، بل تضمن كلمة للأمين العام شرح من خلالها دعوته للهدوء بعد أن لاحظ الانقلاب في مواقف بعض الأطراف التي كانت تساند عزيز أخنوش وتهاجم تجربة العدالة والتنمية خلال رئاسته للحكومة، وهي الأطراف التي تتحرك خدمة لمصالحها وأجندتها الخاصة، وهي تتموقع واقعياً ضمن خصوم الديمقراطية، لذلك فإن دعوة ابن كيران للهدوء نقطة نظام ضد هذا العبث وحتى تتضح الصورة أكثر، وحتى لا يوظف حزب العدالة والتنمية في خدمة أجندات أطراف لا يهمها إلا مصلحتها الخاصة.

وأكد فاضلي أن انتقال العدالة والتنمية من الإسهام في تدبير الشأن العام إلى المعارضة هو من آثار النتائج التي تحصل عليها الحزب في الانتخابات الأخيرة، وهي نتائج كارثية بالنسبة للحزب، تحكمت فيها أسباب ذاتية بالأساس مع وجود أسباب موضوعية بطبيعة الحال، في دولة تمر من مسار انتقال ديمقراطي صعب.

من جهته، قال المحلل السياسي والأكاديمي المغربي عبدالصمد بلكبير، في تصريح لـ«المجتمع»: إن هذا التوجه في المعارضة الذي تبناه حزب العدالة والتنمية أو بالتدقيق ابن كيران هو في صالح البلد، وأوضح أنه بالرغم من التحفظات الواردة على نتائج انتخابات 8 سبتمبر، التي وجهت ضربة قوية لحزب العدالة والتنمية؛ فإن تشكيل الحكومة أمر إيجابي؛ لأن ذلك يعتبر خطوة مهمة في مسار الانتقال الديمقراطي بما أن ذلك تم بدون عنف وبكل سلاسة.

واعتبر بلكبير أن التناقضات في السابق كانت بين الدولة والمجتمع، وكانت تهدد في كل حين استقرار البلد، أما ما وقع في 8 سبتمبر؛ فهو تناوب على أي حال بين مكونات الطبقة السياسية، ومن الجيد أن تبرز في المغرب طبقة تمثل الاقتصاد الخاص وتعدل ميزان القوى في مواجهة الطبقة الريعية للقطاع العام التي لها قوائم وأجنحة، وتستفيد من خيرات البلاد وتدافع عن مصالحها.

وأكد الأستاذ الجامعي أنه يؤيد ابن كيران فيما ذهب إليه من خلال دفاعه المستميت على الملكية في المغرب، وأن حزبه وأمثاله من الأحزاب الوطنية أولى بالاصطفاف مع الملك، من التكنوقراطية والبيروقراطية المستفيدة من ذلك الريع، وما تشكله من سلبيات وضربات على تنمية البلاد وتوزيع الثروات.

من جانب آخر، يشرح الأكاديمي المغربي علي فاضلي أن بلاغ الأمانة العامة جاء ليحدد تموقع حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي ضمن المعارضة؛ فالحزب هو الذي يقرر مضمون تلك المعارضة وفق خطه ونهجه السياسي في خدمة مصلحة الوطن، وهنا لا بد من تحديد مصلحة الوطن دون تركها مبهمة، فهي مصلحة تتحدد أولاً في الدولة القوية المستقرة، وفي الدفاع عن مزيد من الديمقراطية وفق شروط وآليات الانتقال الديمقراطي، وفي تحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية.

وأوضح أن معارضة الحزب يجب أن تكون وفق منهج ورؤية الحزب، لا وفق رؤية ونهج أطراف أخرى متصارعة؛ فالحزب يجب ألا يكون حزباً وظيفياً في خدمة أطراف أخرى لا يهمها لا ديمقراطية ولا عدالة اجتماعية بقدر ما يهمها الدفاع عن مصالحها في مواجهة جهات أخرى متصارعة معها، وقد يلتقي الحزب حين ممارسته للمعارضة مع بعض تلك الجهات والأطراف أو أطراف أخرى، لكنه تلاق بدون تنسيق أو وحدة المنطلقات والأهداف؛ فهو تلاق لحظي وظاهري وشكلي في اختلاف تام حول المضمون.

قابل للاستدراك

ويضيف الأكاديمي بلكبير أن ابن كيران يؤكد أن ما وقع في 8 سبتمبر قابل للاستدراك، خاصة مع دعوته إلى طي صفحة الخلافات داخل الحزب، وتجاوز النتائج الكارثية، التي حققها في الانتخابات الأخيرة؛ إذ إنه اعتبر أنه بغض النظر عن أسبابها الذاتية والموضوعية، لا ينبغي أن تكون عائقاً أمام الحزب ليقوم بوظائفه الأساسية في التنظيم، والتأطير، والتنشئة السياسية، وبلورة الأفكار، والبرامج، والأطروحات المناسبة للإجابة عن التحديات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي تعرفها.

ولاحظ بلكبير أن معارضة العدالة والتنمية لن تضعف بهذا الموقف، بل إنها ستكون منبهاً قوياً لكل شيء ليس على ما يرام، مع اتخاذ الموقف الصحيح تجاهها، كما أكد ابن كيران نفسه.

في حين أوضح علي فاضلي أن انتقال الحزب للمعارضة لا يعني اختفاءه من المشهد السياسي وتأثيره فيه، خصوصاً مع عودة ابن كيران لقيادة الحزب، ويمكن ببساطة ملاحظة أن الحزب يحظى بالاهتمام أكثر من الحكومة وأحزابها وأغلبيتها الهجينة والضعيفة سياسياً رغم هيمنتها عددياً على المجالس المنتخبة، لكنها حكومة بدون سياسة تقودها وجوه ضعيفة وبدون مسار سياسي، وقد اتضح ضعف الحكومة بعد تنصيبها بأيام فقط من خلال الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها، وهي أخطاء ناتجة عن غياب السياسة عن الحكومة؛ لذلك فالعدالة والتنمية سيستمر رقماً سياسياً مهماً في المشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة من خلال موقع المعارضة.

Exit mobile version