د. مبارك الناهض: تاريخ العفو السياسي بالكويت يدل على علاقة الأسرة الواحدة

أكد د. مبارك سلطان الناهض، أستاذ تاريخ الكويت السياسي بكلية التربية الأساسية، أن العلاقة بين السلطة في الكويت والشعب علاقة حب ومودة وتعاون، وأن الكويت أسرة واحدة مهما اختلف أبناؤها يعودون لبعضهم بعضاً، والعلاقة بينهم ليست مبنية على الانقلابات السياسية أو المواجهات الدموية.

وقد استعرض د. الناهض، من خلال الحوار الذي أجرته معه «المجتمع»، تاريخ العفو السياسي في الكويت الذي بدأ في حكم الشيخ مبارك الصباح عام 1896م، مروراً بعدد من الأحداث والأزمات السياسية التي كانت تنتهي بعفو سياسي عن المدانين في تلك الأحداث، وانتهاء بالعفو الأميري الذي صدر مؤخراً في قضية «دخول المجلس»، وعلى إثره بدأ المعفو عنهم العودة إلى وطنهم الكويت.

ما الأسس التي بنيت عليها طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الكويت؟

– منذ بداية تأسيس دولة الكويت في عام 1613م، قام أهلها في ذلك الوقت بتزكية الشيخ صباح الأول ليكوم حاكماً للدولة، ولم تكن تسمى في ذلك الوقت الكويت، بل تعددت أسماؤها بين الكويت والكوت والقرين، ولم تكن طبيعة الحكم كما نراه اليوم؛ بل كان أقرب للحكم العشائري الدارج في تلك الفترة.

وكانت طبيعة الحكم بالتراضي بين الحاكم والمحكوم، وكانت أقرب إلى العلاقة الاجتماعية الأخوية وعلاقة القربى والرحم منها للحكم بصورته المتعارف عليها اليوم، وكان الشعب يحترم الحاكم ويجله ويقدره، وكان الحاكم من ناحيته يقدر الشعب ويسعى في تسيير أموره.

حكم الشيخ مبارك الصباح شهد عفواً عن الشيخ محمد بن عيسى رغم إعلانه رفض الشيخ مبارك وهجرته للبصرة

لكن، متى بدأت ملامح الدولة أو الإمارة تتبلور في الكويت؟

– في حكم الشيخ مبارك الصباح عام 1896م بدأت ملامح الإمارة، وأصبح للكويت كيان سياسي معتبر، وأبرمت المعاهدة مع الإنجليز، ثم حدثت خلافات في الحكم؛ ما تسبب بنشوء أزمات سياسية ومحاولة انقلاب قادها يوسف بن إبراهيم بالتعاون مع ابن رشيد الحاكم في شمال الجزيرة العربية، وبسبب هذه التوترات والاختلافات هاجر العديد من العوائل إلى البصرة، وكان من ضمن هذه الأحداث رفض الوجيه محمد ابن عيسى -الذي كان يمثل أحد الوجاهات المعتبرة في ذلك الوقت- حكم الشيخ مبارك، وترك الكويت واستقر في فيلكا، وبعدها ذهب للبصرة قرابة 6 سنوات، ولكن الشيخ مبارك الصباح أرسل له وعفا عن جميع اعتراضاته ورفضه للحكم، ورجع للكويت، وكان هذا أول عفو سياسي بالكويت يصدره الحاكم لأحد رعاياه.

وفي عام 1910م، فرضت الكويت ضريبة، عارضها العديد من التجار، ومنهم فجحان هلال المطيري، وإبراهيم المضف، وشملان بن سيف، وتركوا الكويت اعتراضاً على هذا القرار، وذهبوا للبحرين، وحرصاً على استقرار البلد وعدم خلق حالة عامة من الرفض طالبهم الشيخ مبارك الصباح بالعودة مع إلغاء الضريبة، وعادوا باستثناء فجحان المطيري الذي ذهب له الشيخ مبارك بالبحرين واسترضاه، وعاد للكويت، في واقعة تمثل حالة كبيرة من التوافق مع الحاكم، والنزول على رغبة وجهاء البلد.

هل توقفت الأزمات السياسية بعد وفاة الشيخ مبارك الصباح، أم استمرت مع من خلفه من الحكام؟

– مع أن الأوضاع الإقليمية حول الكويت كانت ملتهبة، ومنها الحرب العالمية الأولى، وإنشاء الدولة السعودية الثالثة بقيادة عبدالعزيز بن عبدالرحمن، والتحركات البريطانية؛ فإن الأحداث الداخلية كانت هادئة في عهد الشيخ جابر الثاني، وكذلك في عهد الشيخ سالم المبارك، إلى أن جاء عهد الشيخ أحمد الجابر حيث حدثت أحداث كثيرة ومتنوعة، أبرزها المجلس التشريعي الأول الذي لم يدم 6 أشهر وتم خلاله وضع وثيقة الحكم، وتلاه المجلس التشريعي الثاني، وكان الوضع في هذا المجلس أشد سخونة لعدة أسباب؛ منها أنه في هذه الفترة تم اكتشاف النفط، وتدخل المندوب البريطاني، وطالب بعدم تدخل المجلس في الأمور المالية للدولة، وتم حل المجلس، ونتج عن ذلك العديد من الصدامات والتمرد ومحاصرة قصر نايف، وتوفي في تلك الأحداث محمد المنيسي، ورجل أمن اسمه محمد القطامي، وبعد هذا التمرد سجن أعضاء المجلس وهرب بعضهم للبصرة، وبعد 4 أعوام من هذا الحادث تم عفو عام عن جميع المدانين في الأحداث السياسية؛ سواء الذين خرجوا في أزمة الحكم بعهد الشيخ مبارك الصباح، أم في أحداث المجلس التشريعي الثاني؛ مما أوجد استقراراً سياسياً كبيراً.

في عهد الشيخ عبدالله السالم عاشت الكويت نقلة سياسية وعمرانية وحضارية، فهل تعرضت البلاد لأزمات سياسية مرة أخرى؟

– الشيخ عبدالله السالم الذي حكم بعد الشيخ أحمد الجابر عام 1950م، ألغيت في عهده معاهدة الحماية البريطانية عام 1961م، التي أبرمت في عهد الشيخ مبارك الصباح عام 1899م، وأصبحت الكويت دولة مستقلة نالت اعترافها من الأمم المتحدة، وأصبح لها دستور وبرلمان ومشاركة شعبية.

وفي عام 1969م، أجريت ثاني انتخابات برلمانية، وشاركت فيها تيارات سياسية مختلفة؛ عكس المرات السابقة حيث كانت أغلب المشاركات للتجار، وقامت الحكومة بتزوير الانتخابات كرد فعل على مشاركة التيارات السياسية، وقام عدد من الشباب التابعين للقوميين العرب بعمل عدة تفجيرات، وذلك عام 1969م، وكانت تفجيرات بسيطة وغير مؤثرة، إلا أنه تم القبض على من قام بها وهم عبداللطيف الدعيج، وأحمد الديين، وهرب الثالث إلى ظفار وهو أحمد الربعي.

نتج عن حل المجلس التشريعي الثاني صدامات وتمرد ومحاصرة قصر نايف ثم صدر عفو عن المدانين

وبعد هدوء الأحداث السياسية، أصدرت الحكومة عفواً عن هذه المجموعة بعد عدة سنوات، وهدأت الأحداث السياسية الساخنة وإن كانت هناك أحداث هنا وهناك لكنها لم تكن تبلغ العنف السياسي، ومنها أحداث مسجد شعبان بعد حل مجلس الأمة عام 1975م التي تم بسببها سحب جنسية عباس المهدي، إمام المسجد، وأحداث مجلس عام 1985م الذي كان أقوى مجلس في تاريخ الكويت، وبسبب التصادم بين السلطات تم حل المجلس واعتقال أغلب رموز المعارضة الذين شاركوا في دواوين الإثنين، والتحقيق معهم، وكانت هذه الدواوين حركة احتجاجية بسبب حل المجلس حلاً غير دستوري، وقامت تجمعات ومظاهرات، وانتهت جميع الأحداث بتحقيق في المخفر وحجز لعدة أيام فقط دون أي إيذاء أو أحكام قضائية.

ننتقل إلى العفو الحالي الذي كان بتوجه كريم من سمو الأمير نواف الأحمد الصباح، ما تعليقكم؟

– العفو الأميري الأخير تعود قصته إلى عام 2011م وقبله، بدءاً بالمطالبة برحيل رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، حيث صاحب هذه المطالبة العديد من الأحداث السياسية، منها تجمعات للمعارضة في ساحة الإرادة ومسيرات «كرامة وطن»، ورفع سقف المطالبات السياسية من بعض الحركات الشبابية التي كانت تطالب بتحويل الكويت إلى مملكة دستورية، ومن أشد الأحداث كان خطاب «كفى عبثاً» للنائب السابق مسلم البراك الذي وجهه لسمو الأمير بشكل مباشر، الذي يعد مخالفة دستورية وقانونية تستوجب الحكم القضائي، وقضية اقتحام مجلس الأمة من قبل مجموعة من الشباب والنواب؛ فصدرت ضدهم أحكام قضائية، لكن هؤلاء المحكومين آثروا الخروج من الكويت، والمطالبة بمراجعة الأحكام القضائية لأنها -بوجهة نظرهم- أحكام سياسية.

الحمد لله أننا بلد قائم على الحب والتعاون وليس على الانقلابات السياسية أو المواجهات الدموية

وفي منتصف هذا العام (2021م)، بدأت تحركات للحوار السياسي وإصدار عفو عام أو خاص من قبل سمو الأمير، وتجاوبت الحكومة مع هذه التوجهات، وتم إصدار عفو خاص لمجموعة من النواب والنشطاء والسياسيين، وهم: مسلم البراك، خالد الطاحوس، سالم النملان، جمعان الحربش، مبارك الوعلان، فيصلم المسلم وبعض النشطاء السياسيين من الشباب.

برأيكم، علامَ تدل هذه الأحداث والأزمات التي انتهت بعفو من أمراء الكويت؟

– تدل على أن العلاقة بين السلطة والشعب علاقة حب ومودة وتعاون، وأن الكويت أسرة واحدة مهما اختلف أبناؤها فإنهم يعودون لبعضهم بعضاً، والحمد لله تعالى أننا بلد مبني على الحب والتعاون وليس على الانقلابات السياسية أو المواجهات الدموية.

 

Exit mobile version