8 وفيات غامضة لعلماء “أسيلسان”.. من يقتل خبراء الصناعات العسكرية التركية المتقدمة؟

 

من يقتل علماء الأسلحة الأتراك؟.. ثمانية من مهندسي “أسيلسان” الدفاعية التركية الرائدة الـ8 ماتوا في حوادث غامضة منذ عام 2016م، في سلسلة وفيات متتالية يرى أتراك أنها ربما تكون عمليات اغتيال ممنهَجة لكبح جماح مشاريع الصناعات الدفاعية التركية والاستقلال بها.

آخر الضحايا من هؤلاء العلماء أربعة من “خيرة القيادات الشبابية”، كما وصفتهم رابطة علماء فلسطين، في بيان لها، ماتوا وهم في طريقهم لولاية بورصة للمشاركة بمخيم شبابي عن التقنيات، في حادث سيارة غامض، وهم من الشباب الذين يعتبرون براعم الحملة الوطنية في التكنولوجيا.

الشبان الأربعة هم: قان طالب طغلي، رئيس قسم الشباب بمنظمة “IHH”، ومهندس المعلومات في شركة الاتصالات التركية تورك تليكوم، ومراد قيا، رئيس قسم طلاب الثّانوي في منظمة “IHH”، والمهندس طارق قسقجي، أحد أبرز مهندسي مؤسسة بيكار منتجة الطائرة المسيّرة أقنجي وبيرقدار، ويوسف طه غوك طاش، مسؤول الفريق التكنولوجي بمنظمة “YediHilal”.

قبل هذا وقعت حادثة سير التي راح ضحيتها سيردار دمير، رئيس التسويق والاتصالات في شركة “توساش” لصناعة الطيران والفضاء التركية، التي أثارت كثيراً من الجدل عبر وسائل منصات التواصل الاجتماعي في تركيا، فيما وصفها كثيرون بـ”المريبة”.

وفاة دمير جاءت وهو يقود سيارته عائداً إلى أنقرة بعد مشاركته في معرض “SAHA EXPO” للصناعات الدفاعية والفضاء الذي أقيم في إسطنبول، حيث اصطدمت سيارته بشاحنة على الطريق.

عدد كبير من العلماء والمهندسين الأتراك ماتوا أو قُتلوا في حوادث مشابهة، أُغفِلَت حينها كأنها حوادث عرضية أو حالات انتحار، لكن الأتراك بدؤوا يطالبون بفتح تحقيقات لمعرفة أسباب مقتل شبان الصناعات التركية بعد شكوك في تعمد قتلهم.

“أسيلسان” تُعنَى بتطوير وتصنيع الإلكترونيات العسكرية وأنظمة الاتصالات المشفرة

دفعهم لذلك سبق اغتيال مهندسي شركة “أسيلسان” الرائدة في الصناعات الدفاعية عندما شكلت الشركة في عام 2006م فريقاً من المهندسين لتعديل أنظمة اتصالات المقاتلة الأمريكية “إف 16” لبرمجتها على نظام تركي، إلا أن المهندسين الثمانية تم قتلهم تباعاً على شكل حوادث، واتضح تورط مسؤولين عسكريين وأمنيين فيها.

لكن السؤال هو: من يقوم باغتيالهم؟ هل هي المخابرات الأمريكية أم “الإسرائيلية” التي اشتهرت باغتيال علماء عرب؟ ولماذا؟ وهل يعرقل ذلك خطط تركيا الواعدة للاستقلال الذاتي في إنتاج السلاح المتقدم؟

قصص قتل العلماء

شجعت العقوبات الأمريكية والغربية بحظر بيع السلاح لتركيا، عقب قيامها بعملية السلام القبرصية عام 1974م، الحكومة التركية على زيادة إنتاج السلاح محلياً، وفي سبيل ذلك تم إنشاء شركة تركية تُعنَى بتطوير وتصنيع الإلكترونيات العسكرية وأنظمة الاتصالات المشفرة، أُطلقَ عليها اسم “أسيلسان”، وتعد اليوم إحدى أكبر شركات الصناعات الدفاعية في تركيا.

ومنذ إنشائها عام 1975م، طوّرَت “أسيلسان” العديد من الأنظمة والتقنيات الأمنية التي تحتاج إليها القوات المسلحة التركية في منصات عسكرية مثل الطائرات بلا طيار والدبابات والصواريخ وأنظمة القيادة والتحكم بالطائرات الحربية وغيرها، ولإنجاز كل ذلك وظّفت أفضل العقول التركية للعمل على هذه المشاريع الوطنية الواعدة.

وعقب معاقبة أمريكا تركيا بإخراجها من برنامج إنتاج طائرة “F-16” الأمريكية التي تنتج تركيا بعض أجزائها ودفعت قرابة ملياري دولار لشرائها بسبب شراء تركيا صواريخ دفاعية روسية، عيّنَت شركة “أسيلسان” عام 2006 فريقاً من المهندسين للعمل على تعديل أنظمة الاتصالات الطائرة وتعزيز سريتها ما بين الطائرة ومقارّ القيادة في القواعد الجوية، إلا أن المشروع لم ينتهِ وقتها بسبب مقتل 8 مهندسين بشكل متوالٍ بطرق مريبة وغامضة.

بحسب الصحف التركية، بعد مضيّ بضعة أشهر على تأسيس الفريق، وقعت حادثة قتل مريبة، يوم 5 أغسطس 2006، للمهندس المسؤول عن مشروع “أسيلسان” الوطني للدبابات، حسين باشبيلان، داخل سيارته المقفلة من الداخل، وقد قُطع حلقه ومعصم يده على بُعد 50 كيلومتراً من منزله في أنقرة، ليبدو الأمر كأنه انتحار، على الرغم من رفض أسرته وزملائه تصديق أنه أقدم على الانتحار، خصوصاً أن ملفات المشروع الذي كان يعمل عليه قد سُرقت ولم يبقَ لها أثر.

وفي 17 يناير 2007م، وُجد مهندس الإلكترونيات الذي بدأ العمل في شركة “أسيلسان” قبل 3 سنوات من تخرُّجه في جامعة الشرق الأوسط التقنية، مولسم أونال، ميتاً داخل سيارته أيضاً بسبب رصاصة أطلقت على رأسه، قيل: إنه هو من أطلقها.

ولم يمضِ سوى 9 أيام على وفاة أونال، حتى قتل مهندس آخر هو إيفريم يانتشكين، الذي زُعم وقتها أنه انتحر بالقفز من الطابق السادس من بنايته في منطقة باتيكنت بالعاصمة أنقرة، في 26 يناير 2007م، بدعوى أنه كان يعاني مشكلات نفسية.

وفي 7 أكتوبر 2007م، عُثر على المهندس برهان الدين فولكان ميتاً في مدرسة باندو العسكرية في العاصمة أنقرة، وكشفت التقارير وقتها أنه انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه من بندقية، وقالت عائلة فولكان: إن موت ابنهم عملية قتل لا انتحار.

وفي 10 مايو 2008م، توُفّي مهندس الكهرباء والإلكترونيات الذي كان يعمل على أحد مشاريع “أسليسان”، ظافر أولوك، وقيل: إنه قتل بعد تَعرُّضه لصعقة كهربائية في أثناء محاولته إصلاح محول الكهرباء في المعسكر ورفضت عائلته اعتبار الأمر مجرد حادثة.

عمليات اغتيال ممنهَجة كان الغرض منها كبح جماح مشاريع الصناعات الدفاعية التركية

ثم توُفّي المهندس هاكان أوكسوز، الذي كان يعمل على مشاريع الإلكترونيات الدقيقة ومشروع مجموعة التوجيه الكهروضوئية، جراء حادثة سير غامضة على طريق أنقرة وإسكيشهير، يوم 25 يناير 2012.

ولقي المهندس إردم أغورد، الخبير في المجال المغناطيسي، الذي كان يعمل في عديد من المشاريع المهمة مثل الطائرات بلا طيار ومشروع طائرة “F-16″، نفس المصير حين عُثر عليه ميتاً وأنبوب الغاز في فمه، في منزله بأنقرة، يوم 16 يناير 2015، وسُجّلت الحادثة كسابقاتها كأنها عملية انتحار!

ثم جاءت حادثة الموت الأخيرة لمهندسي شركة “أسيلسان” في العاصمة أنقرة، يوم 21 نوفمبر 2017م، بوفاة كريم باليدار خبير أنظمة الدفاع المحلية، الذي وجد على الأرض بعد أن سقط بطريقة غامضة من الطابق الرابع عشر من البناية التي يقطنها.

علامات استفهام

ويقول موقع “التلفزيون التركي” (TRT): إن علامات استفهام كثيرة طرحت حول مقتل هؤلاء العلماء الشباب، ورفضت عائلات الضحايا وأصدقاؤهم وزملاؤهم القبول بفرضية الموت جراء حوادث عرضية أو حالات انتحار.

وأنهم أكدوا أن موت المهندسين بشكل متوالٍ ما هو إلا جراء خطط ممنهجة ومدروسة لكبح جماح مشاريع “أسيلسان” الوطنية وغيرها من شركات الصناعات الدفاعية التركية وعرقلة الصناعات الحربية التركية المتقدمة.

وفي أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي نظّمها تنظيم كولن الإرهابي منتصف عام 2016م، أعيد فتح ملفات موت مهندسي “أسيلسان” الثمانية وغيرهم، وحُقّق مع المدّعي العامّ السابق مراد دمير، الذي قُبض عليه بتهمة الانتماء إلى تنظيم كولن الإرهابي، الذي كان يحقّق في وفاة المهندسين في ذلك الوقت، لأنه ادعى في شهادته أن تنظيم كولن منع التحقيق في هذه الحوادث.

ومع ذلك لا تزال علامات استفهام كثيرة تحوم حول سبب وفاة هؤلاء المهندسين، ومدى التواصل بين تنظيم كولن الإرهابي وشبكات الاستخبارات الأجنبية.

اختراقات عسكرية ناجحة

هذه الاغتيالات جاءت في الوقت الذي سعت فيه الصناعات العسكرية التركية لتحقيق اختراقات عسكرية تضع تركيا في مصاف الدول الكبرى في إنتاج السلاح المتطور، وكان سلاح واحد هو طائرات “بيرقادر” سبباً في تغيير دفة الحرب في ليبيا وأذربيجان لصالح حلفاء تركيا.

فقد سعت تركيا خلال الأعوام الأخيرة أن تكون سيدة قرارها في خياراتها العسكرية، فأنتجت منظومة “سيبار” الدفاعية التركية المتوقع أن تكون بديل “باتريوت” و”S-400″، التي نجحت أنقرة بالفعل في اختبارها، لتطوير قدراتها الدفاعية الجوية محلية الصنع.

أيضاً، طورت الصناعات الدفاعية في تركيا محركات محلية ونجح اختبار صاروخ “سيبار” للدفاع الجوي طويل المدى الذي طوّرته شركات الصناعات الدفاعية التركية، كما تجري رئاسة الصناعات الدفاعية التركية عدداً من المشاريع لتطوير محركات محليّة لصناعَاتها.

“أسيلسان” رمز التقدم

استهداف علماء السلاح الأتراك جاء لأن شركة أسيلسان التركية للصناعات الدفاعية سعت خلال الفترة المقبلة إلى التركيز على تعزيز النجاحات التي حققها قطاع الصادرات في الشركة، وتعد الشركة رمزاً للتقدم في الصناعات الدفاعية في تركيا.

إذ تستعد شركة “أسيلسان” التركية المتخصصة في الصناعات الإلكترونية العسكرية للمساهمة بدور كبير وفعّال في إنتاج المقاتلة المحلية التي من المتوقع أن تدخل الخدمة بعد عام 2030م.

أيضاً، تستعد شركة “أسيلسان” التركية للمساهمة بدور فعّال في إنتاج المقاتلة المحلية التي يُتوقع أن تدخل الخدمة بعد عام 2030 “AA”.

ومن المقرر أن تزوّد “أسيلسان” المقاتلة التركية بأنظمة كهربائية وإلكترونية وبالأنظمة الكهروضوئية ومنظومات الاتصال والتخابر ونظام الرادار، وجميعها تتميّز بأنها مطورة محلياً.

وتتضافر جهود الصناعات المحلية التركية لإنتاج مقاتلة وطنية جديدة ضمن المشروع الذي تنفذه رئاسة الصناعات الدفاعية التابعة لرئاسة الجمهورية بهدف إنتاج طائرة حربية من الجيل الخامس.

كما تواصل “أسيلسان” مشاريع أخرى لتطوير أنظمة مجسّات نظام التحكّم في الطيران، وأخرى مهمتها تأمين دمج الأسلحة والذخائر المحلية بالمقاتلة التركية.

وتتعاون “أسيلسان” مع شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (توساش) التي تعد إحدى الشركات الأساسية الشريكة في تصنيع المقاتلة المحلية

وسلمت الشركة الجيش التركي، في يوليو الماضي، منظومة هجوم إلكترونية محلية الصنع تعرف باسم “سنجق”، تتميّز بتحقيق التفوّق على أرض الواقع عبر تحييد أنظمة الحرب الإستراتيجية.

وأفاد بأن “سنجق” تنتمي إلى الجيل الجديد من منظومات الهجوم الإلكترونية، مشيراً إلى أنها تمتلك أيضاً قدرات فعّالة على تشويش مختلف المنظومات الأخرى.

ومؤخراً، عرضت “أسيلسان” 250 من منتجاتها، بينها 60 منتجاً يجري عرضها لأول مرة في معارض الأسلحة الدولية.

المنتجات شملت تقنيات تستخدم في أنظمة الفضاء والدفاعات البحرية والبرية والجوية، مشيراً إلى أن شركته تجري دراسات لتوطين مختلف أنواع الأنظمة والمنتجات المهمة المستخدمة في الشركات الصغيرة والمتوسطة.

ويقول رئيس الشركة التركية خلوق كوركون: صنعنا هذا العام 172 منتجاً وبلغ عدد المنتجات التي قمنا بتوطينها في السنوات القليلة الماضية أكثر من 400، وتبلغ مساهمة توطين هذه المنتجات في الاقتصاد التركي 186 مليون دولار.

ووقّعت “أسيلسان” عقوداً بقيمة 454 مليون دولار في مجال الصادرات الدولية خلال فترة جائحة كورونا، وتلقت لأول مرة في تاريخها طلبات تصدير تبلغ قيمتها الإجمالية نحو مليار دولار.

حيث أكد “كوركون” أن شركة “أسيلسان” وقعت العام الماضي ما مجموعه 1.2 مليار دولار من عقود التوريد، ثلثها كان لشركات أجنبية.

Exit mobile version