تعيش الطفلة سارة نعيم، ابنة الصف السابع الأساسي، منذ أيام، حالة من الخوف والرعب نتيجة اعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنين على مدرستها في قرية “اللُّبن الشرقية” شمالي الضفة الغربية.
وباتت ساعة الذهاب إلى المدرسة أشبه بكابوس للتلميذة الفلسطينية، خشية أن يتكرر الاعتداء عليها وعلى الطلبة، كما جرى يومي الخميس والأحد (25 و28 نوفمبر الماضي).
شعور الطفلة نعيم بالخوف، وقلقها على حياتها، لم يأتِ من فراغ، فقد تعرضت للضرب من قبل أحد الجنود بمقدمة بندقيته، ما أحدث رضوضاً في كتفها، بينما كان يلاحق زميلتها.
وتقول الطفلة لوكالة “الأناضول”: عندما كان الجندي يلاحق زميلتي، رفع بندقيته وضربني بمقدمتها على كتفي.. وصلت أمي إلى المكان ونقلتني إلى المستشفى، وتبين أنني تعرضت لرضوض قوية في العضلة.
وأضافت أن الجنود لا يهددون الطالبات فقط، وإنما المعلمات أيضاً، حيث يستفزوهن في الشارع.
ويعيش نحو 665 طالباً وطالبة، منذ عدة أيام، على وقع اعتداءات عنيفة ومستمرة ينفذها جيش الاحتلال ومستوطنون مسلحون على مدرستي “اللُّبن الشرقية الثانوية للبنات” و”السّاوية/اللُّبن المختلطة”، جنوب مدينة نابلس.
وتقع المدرستان بمحاذاة شارع حيوي مشترك، يسلكه مستوطنون وفلسطينيون على بعد نحو 23 كيلومتراً جنوب مدينة نابلس، وهناك تحوّل طلبة المدرستين إلى هدف للمستوطنين وجيش الاحتلال على حد سواء.
ويتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو يهدد فيها مستوطن بقتل الطلبة وتحويل مدارسهم إلى مراكز تعليم يهودية.
والخميس الماضي، أُصيب عشرات من الطلبة وذويهم بالرصاص المطاطي وحالات اختناق نتيجة استنشاقهم غازاً مسيلاً للدموع، خلال مواجهات مع جنود ومستوطنين “إسرائيليين”.
خطر حقيقي
يقول يعقوب عويس، رئيس مجلس قروي اللُّبن الشرقية: إن اعتداءات الاحتلال والمستوطنين باتت تشكل خطراً حقيقياً على حياة وسلامة الطلبة.
وأضاف أن “الاحتلال وأعوانه من المستوطنين يعطّلون المدارس من خلال الاحتكاك المباشر بالطلاب، وضربهم بالغاز واحتجاز طلاب واعتقالهم”، مشيرًا إلى أن الطلبة لم يداوموا أكثر من نصف أيام الأسبوع الماضي.
وينفي رئيس المجلس المحلي رواية الجيش “الإسرائيلي” بتعرض سيارات المستوطنين للرشق بالحجارة من قبل الطلبة، مضيفاً أن أولياء الأمور يرافقون أبناءهم إلى المدارس يوميا بهدف حمايتهم “وتوفير الأمن والتعليم لهم”.
ويتابع عويس: الجيش والمستوطنون يرفضون إلا أن يكونوا متواجدين يومياً، يتسببون في الاحتكاك والإرهاب وإثارة فزع الطلاب.
وأشار إلى تعرض مدرسة البنات للاعتداء أكثر من مرة، مضيفًا: هاجمها المستوطنون المدججون بالسلاح، وعملوا حالة رعب شديدة على الطلاب.
غاز في الفصول المدرسية
وقال عويس: إن الأهالي وأولياء الأمور اضطروا خلال الأيام السابقة إلى إخراج الطالبات من المنطقة الخلفية للمدرسة لأن غازاً أطلقه جنود الاحتلال وصل جميع الغرف الصفية.
ووفق المتحدث، جرى تسجيل أكثر من 150 حالة اختناق في يوم واحد (الخميس الماضي) وإصابات في الرأس والعين والبطن والأرجل وغيرها في صفوف الطلبة.
ولم يتوقف الأمر عند حد ملاحقة الطلبة، حسب عويس، بل حاول الجيش أن يقتحم القرية مع المستوطنين فتصدى لهم الأهالي (السكان).
وأشار عويس إلى تعليقات متداولة بين المستوطنين على مواقع التواصل الاجتماعي، تتضمن تهديدات للمدارس وطلبتها بإطلاق النار والقتل، وتحويلها إلى مدارس يهودية.
وأشار عويس إلى مستوطن وسط الجنود، وقال: إنه ظهر في فيديو يقول فيه: سنقتل الأطفال، والتعليم ممنوع للطلاب، وسنسيطر على هذه المدارس ونستولي عليها.
وحسب عويس، فإن الوسيلة الوحيدة المتاحة لحماية الطلاب، هي الذهاب معهم بشكل يومي إلى المدارس، مضيفاً: نحاول أن نوفّر لهم الوصول بشكل آمن.
وطالب رئيس المجلس القروي الجهات الحقوقية والمؤسسات الدولية أن تقف ضد القهر والظلم الذي تعاني منه اللُّبن الشرقية ومدارسها.
لجنة طوارئ مدرسية
ووفق مديرة مدرسة اللُّبن الشرقية للبنات، عائشة نوباني، فإن الاعتداءات اشتدت خلال شهر نوفمبر، في وقت تحاول فيه المعلمات توفير أجواء تعليمية آمنة من خلال لجنة طوارئ شكلتها.
وأضافت: المدرسة تتعرض لهجمة شرسة منذ سنوات عديدة، وخاصة المضايقات ومنع الطالبات من الوصول الآمن، مبينةً أن طلبة القرية تعرضوا للاعتقال وفرض غرامات والضرب وتكسير الأطراف.
وذكرت أن الأزمة اشتدت في نوفمبر الماضي لوجود المستوطنين، والزعم بأنها مدرسة يهودية سيتم الاستيلاء عليها.
وفي محاولة منها لتوفير أجواء تعليمية آمنة، شكّلت المدرسة لجنة طوارئ ونشرت معلماتها على شكل مجموعات في أماكن مختلفة، لتأمين وصول الطالبات، وفق مديرتها.
وقالت نوباني: في المدرسة 244 طالبة، كلهن يتعرضن لمضايقات لوجود الحواجز والجنود ومستوطنين على الشارع أمام المدرسة، لذلك نعمل كخلية نحل، ووزعنا المعلمات على 3 مفترقات (طرق).
وذكرت أن أولى المجموعات تأتي في الصباح الباكر، لتفقد المدرسة وتقييم الوضع، وفي حال الشعور بخطر على الطالبات يتم إخلاء المدرسة.
متابعة حكومية
زار رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، الإثنين الماضي، المدرستين للاطلاع على ظروفهما، وتعهد بدعم وإسناد السكان والطلبة في صمودهم ومواجهتهم لممارسات المستوطنين.
كما أدان أشتية، في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي عقدت الإثنين، في نابلس، ما تتعرض له مدارس اللُّبن والساوية “من اعتداءات يومية من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال”، داعياً المجتمع الدولي إلى “التدخل لِلَجم اعتداءات المستوطنين”.
ووثّق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة، التابع للأمم المتحدة منذ بداية العام الجاري وحتى منتصف نوفمبر 427 حادثاً (اعتداءً) يتعلق بالمستوطنين بالضفة بما فيها القدس، بينها 312 حادثاً أدوا إلى وقوع أضرار بالممتلكات، و115 حادثاً أدوا إلى وقوع إصابات بين الفلسطينيين.
وتشير بيانات حركة “السلام الآن” الحقوقية “الإسرائيلية” إلى وجود نحو 666 ألف مستوطن، و145 مستوطنة كبيرة، و140 بؤرة استيطانية عشوائية بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.