بعد انتهاء عهد “ميركل”.. هل تتأثر العلاقات الألمانية الأفريقية؟

 

“أفريقيا لديها فرص أكثر من المخاطر، ويجب أن نبذل كل ما في وسعنا للتعاون مع أفريقيا، لا للحديث عن أفريقيا، ولكن لفعل شيء معاً”، هذا ما قالته المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، في عام 2019م، وقد قطعت مشواراً طويلاً في علاقة بلادها مع أفريقيا، منذ أواخر عام 2015م، لتشهد العلاقات الألمانية الأفريقية تطوراً واضحاً وسريعاً على يد “ميركل”.

لقد ازدادت رغبة ألمانيا في إعادة العلاقات مع البلدان الأفريقية عقب جولة قادتها المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، في أكتوبر 2016م، إلى كل من مالي والنيجر وإثيوبيا، وأدركت برلين حينها أنها متأخرة في سباق القوى العظمى نحو القارة، خاصة في مجال الاستثمار والتبادل التجاري.

واعتبرت “ميركل” أن ازدهار أفريقيا يخدم مصلحة ألمانيا، وأن برلين عليها الاهتمام أكثر بمصير أفريقيا، وأن تعزيز الاستقرار في أفريقيا وإيجاد ظروف معيشية أفضل فيها سيسمحان بالحد من عدد طالبي الهجرة إلى أوروبا.

ميركل اعتبرت أن استقرار أفريقيا وإيجاد ظروف معيشية أفضل بها سيَحُدَّان من طالبي الهجرة لأوروبا

وأحيت المستشارة “ميركل”، في عام 2017م، “عامَ أفريقيا”، وجعلت من القارة موضوعاً رئيساً للرئاسة الألمانية في مجموعة العشرين، وتم إطلاق مبادرة “ميثاق مع أفريقيا” في العام ذاته، بغرض توفير ظروف أفضل للتجارة والاستثمار وشراكة متساوية مع القارة.

كما أبرمت وزارة التنمية الألمانية شراكات إصلاح مع ثلاث من الدول المشاركة في المبادرة، وهي تونس وغانا وكوت ديفوار، واعتزم وزير التنمية الألماني “غيرد مولر” توقيع ثلاث شراكات إصلاحية أخرى مع المغرب والسنغال وإثيوبيا على هامش قمة برلين.

فدعم الاستثمارات وإيجاد مواطن عمل وخلق الرفاهية في أفريقيا، كانت هذه هي أهداف السياسة الألمانية الجديدة تجاه أفريقيا، وتم دفع الشركات الألمانية لتعزيز استثماراتها في القارة، وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد الألمانية؛ فقد زادت الاستثمارات الألمانية المباشرة في أفريقيا، منذ عام 2015م، لأكثر من الضعف.

لكن هل سيؤثر رحيل المستشارة الألمانية من منصبها على العلاقات الألمانية الأفريقية؟ وما مستقبل الحضور الألماني في أفريقيا وسط التنافس المحموم من القوى الكبرى؟

في حواره مع “المجتمع”، قال الباحث المصري المتخصص في الشأن الأفريقي، أحمد عسكر: إن العلاقات الألمانية الأفريقية شهدت تطوراً ملحوظاً، منذ عام 2015م، بسبب تصاعد عدد من القضايا الأفريقية، التي كان لها تأثير على أمن أوروبا بشكل عام، وأمن ألمانيا بشكل خاص، مثل الهجرة غير الشرعية، وقضايا اللاجئين من أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وقضية الإرهاب ونشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة غرب أفريقيا؛ التي كان لها أهمية خاصة لدى ألمانيا خلال السنوات الأخيرة.

“خطة مارشال” كانت تمثل إطاراً طموحاً للحكومة الألمانية تجاه أفريقيا وتهدف إلى زيادة التنمية بها

وأضاف عسكر أن ألمانيا كان لها عدة مداخل للحصول على موطئ قدم في أفريقيا؛ فالمدخل السياسي تمثل في جولات ميركل إلى العديد من الدول الأفريقية، منذ عام 2017 – 2020م، لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول القارة، وتمثل المدخل الاقتصادي في المبادرات اللي قدمتها ألمانيا للقارة الأفريقية، مثل “خطة مارشال” وبعض المبادرات الأخرى؛ التي تهدف إلى تعزيز التنمية والتغلب على التحديات التي تواجه دول القارة، وتعزيز دور الشركات الألمانية من خلال تقديم التسهيلات والدفع نحو الاستثمار في الدول الأفريقية.

كانت “خطة مارشال” تمثل إطاراً طموحاً للحكومة الألمانية تجاه أفريقيا، وتهدف منها إلى زيادة التجارة والتنمية في القارة، والتقليل من تدفقات الهجرة الجماعية إلى أوروبا، كما تركز على التجارة العادلة وزيادة الاستثمار الخاص والتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، وتتجاوز الخطة فكرة الإصلاح الاقتصادي لتشمل السلام والأمن كركيزة ثانية، والديمقراطية وسيادة القانون كركيزة ثالثة.

ماذا بعد “ميركل”؟

ويبقى من غير الواضح كيف ستستمر سياسة ألمانيا تجاه أفريقيا، ومصير البرامج المعتمدة على المدى الطويل التي بدأتها “ميركل”؛ فمع رحيلها ووزير التنمية “مولر” عن الحياة السياسية؛ سيكون أبرز مهندسي سياسة ألمانيا الجديدة تجاه أفريقيا قد ودعوا المشهد؛ فالمشاريع التي انطلقت والتوجه القوي نحو التنمية الاقتصادية والاستثمار وتشييد البنية التحتية؛ جميعها أمور تنتظر مصيرها في ظل القيادة الألمانية الجديدة؛ فالكثير من البرامج تم إطلاقها لكنها لم تُنفذ كلياً، والسؤال: هل الحكومة الألمانية الجديدة ستواصل تمويل هذه البرامج ودعمها؟

يرى مراقبون أن تنمية العلاقات الألمانية الأفريقية يجب ألا تكون مرتبطة بـ”ميركل” فقط أو وزير التنمية “مولر”، وأن هناك الكثير من الفاعلين في وزارات برلين وفي الاتحادات الاقتصادية ومنظمات التنمية، ممن ساهموا في قيام سياسة تجاه أفريقيا، سيظلون متواجدين.

لكن بالرغم من ذلك، يبقى من غير الواضح كم من الوقت والطاقة ستوظفهما الحكومة الألمانية خلال الحملة الانتخابية لصالح أفريقيا، خاصة في ظل جائحة “كورونا” والانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية، يمكن أن تعود العلاقات الألمانية الأفريقية إلى الخلف.

مراقبون يرون أن تنمية العلاقات يجب ألا تكون مرتبطة بـ”ميركل” فقط أو وزير التنمية “مولر”

ويستطرد عسكر أن “ميركل”، و”مولر”، كانا يحملان على عاتقيهما فكرة تطور العلاقات الألمانية الأفريقية، وتعزيز البحث عن جذور لألمانيا في القارة الأفريقية، وبالتالي في إطار الضبابية وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للإدارة الألمانية الجديدة حتى الآن تجاه أفريقيا؛ ربما يحدث تراجع للدور الألماني فيها.

ويذهب عسكر إلى أن تطور العلاقات الأفريقية في عهد “ميركل” كان مرتبطاً بفكرة التطلعات الألمانية وتحديد نفوذها في القارة الأفريقية الذي ينعكس على نفوذها الدولي، وهذا قد يختلف في إطار السياسات الجديدة للإدارة الألمانية، لكن في المجمل؛ فإن أفريقيا سوف تخسر بغياب “ميركل” عن المشهد الألماني وعن المشهد الأوروبي.

تعد جنوب أفريقيا ونيجيريا وغانا وكينيا وأنجولا أكبر 5 شركاء اقتصاديين لألمانيا في القارة، كما أن العلاقات الاقتصادية الألمانية الأفريقية لا ترتبط فقط بقطاع الطاقة؛ بل تشمل السلع الاستهلاكية والخدمات اللوجستية وتطوير البنية التحتية والآلات والمواد الكيميائية والمنتجات الصناعية والزراعية.

وفي هذا الصدد، يقول عسكر: إن المصالح الألمانية في أفريقيا عديدة، تتعلق ببناء النفوذ على الصعيد الدولي، والاستفادة من موارد الدول الأفريقية، خاصه أنها تتمتع بالعديد من الثروات مثل النفط واليورانيوم والذهب والماس وغيرها من الموارد، وهناك مصالح أمنية تتعلق بقضايا التنظيمات الإرهابية والتصدي للإرهاب ولا سيما منطقة غرب أفريقيا والساحل والصحراء لأهميتها الإستراتيجية، وقضية الهجرة غير الشرعية واللاجئين.

وأضاف الباحث المصري أن تعزيز مشاركة القوات الألمانية في بعثات حفظ السلام في أفريقيا من أولويات المصالح الألمانية، فهناك أكثر من 1500 ألماني يشاركون في العمليات والبعثات الأممية لحفظ السلام في منطقة غرب أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، كما توجد القوات الألمانية كذلك في عدد من الدول الأفريقية، مثل: مالي وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية والكاميرون والقرن الأفريقي، ضمن البعثات الأممية لحفظ السلام.

عسكر: ربما نشهد انخراطاً ألمانياً خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد وتراجع الدور الفرنسي بالقارة

مستقبل الحضور الألماني

في ظل التنافس المحموم على القارة الأفريقية، فإن مستقبل الحضور الألماني يبقى محل تساؤل، إلا أن القدرات الألمانية على صوغ أسلوب جديد يستهدف منع النزاعات الأفريقية والمساهمة في تسويتها، واستغلال قبول الأفارقة لها باعتبارها وسيطاً محايداً في بعض النزاعات؛ يجعل ألمانيا شريكاً له أفضلية بالنسبة لأفريقيا؛ حيث إنها تحظى بتقدير الأفارقة، وتتمتع بسمعة طيبة على الصعيد الأفريقي، فيما يتعلق بأخلاقيات العمل الألماني والدقة والموثوقية واحترام المعايير الاجتماعية ودعم التنمية المستدامة.

إلا أن عدم وجود سياسة ألمانية متماسكة تجاه أفريقيا يجعل تحركها بطيئاً في القارة، كما يُعد نقص المعرفة بإمكانات القارة من العوائق المهمة أمام التوسُّع السريع للاستثمار الألماني في أفريقيا.

ومن العوائق التي تواجه ألمانيا أيضاً انتقاد بعض الأفارقة للخطط والمبادرات الألمانية في أفريقيا، مثل “خطة مارشال”، و”مبادرة الاتفاق مع أفريقيا”، باعتبارهما تؤسسان لاستعمار جديد يستهدف السيطرة على أفريقيا، ولا يحقق نمواً مستداماً في بلدانها، كما يضع التاريخ الاستعماري لألمانيا ضغوطاً على العلاقات بين ألمانيا وأفريقيا، فيما يتعلق بمسألة الاعتراف بالإبادة الجماعية في ناميبيا.

ويعتقد عسكر أن مستقبل الحضور الألماني في أفريقيا يحتمل سيناريو التراجع، أو سيناريو الانخراط والاستمرار على نهج “ميركل”، وهذا ما سيتضح عندما تعلن الإدارة الجديدة عن سياستها الخارجية.

وأضاف أنه ربما نشهد انخراطاً ألمانياً في أفريقيا خلال الفترة القادمة، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتراجع الدور الفرنسي في القارة، وتصاعد بعض الأدوار الأخرى مثل الدورين الصيني الروسي، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، وربما تشهد العلاقات الألمانية الأفريقية تراجعاً خلال الفترة المقبلة، في سياسات الإدارة الجديدة، لكن ستكون انعكاساتها سلبية على القارة الأوروبية، خاصه فيما يتعلق بتصاعد قضايا التنمية والهجرة والإرهاب، بحسب عسكر.

وختاماً؛ فإن جزءاً كبيراً من مصلحة ألمانيا يكمن في أفريقيا، وهذا ما أدركته المستشارة “ميركل” وأقدمت عليه، مؤكدةً أن مستقبل ألمانيا يوجد أيضاً في أفريقيا، فهل تستكمل الإدارة الألمانية الجديدة خُطى “ميركل”، أم نشهد سياسة ألمانية جديدة تجاه أفريقيا؟

 

 

 

 

 

 

________________________

صحفية مهتمة بالشأن الأفريقي.

Exit mobile version