لماذا لم تدعُ أمريكا لـ”قمة الديمقراطية” سوى دولة عربية واحدة من 110؟

 

غابت 21 حكومة عربية عن القائمة التي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الأربعاء، التي ضمت 110 دول مدعوة لحضور “قمة الديمقراطية”، في ديسمبر المقبل.

القمة دعا لها الرئيس الأمريكي جو بايدن، كإحدى الخطوات الرئيسة في اتجاه تحقيق وعد بايدن الرئاسي بدعم الديمقراطية والحقوق والحريات السياسية في الخارج، لكن المفاجأة كانت دعوة دولة عربية واحدة هي العراق ومعها “إسرائيل” من الشرق الأوسط.

تجاهل أمريكا دول عربية كبرى يعتبره مراقبون أمريكيون أمراً مفهوماً في ظل انتقاد إدارة بايدن لملف حقوق الإنسان في هذه الدول العربية، وأيضاً تجاهل تونس يبدو عقابياً للرئيس قيس سعيد لانقلابه على التجربة الديمقراطية.

لكن ما أثار استغراب المراقبين هو عدم دعوة واشنطن دولاً عربية ذات تجارب ديمقراطية عريقة مثل الكويت وبصورة ما الجزائر، وهي دول يصنفها “مؤشر الديمقراطية” السنوي في مراتب متقدمة على العراق.

ما قمة الديمقراطية؟

بدأ الحديث عن “قمة الديمقراطية” حين كتب الرئيس الأمريكي بايدن (قبل توليه الحكم) في دورية “فورين أفيرز”، عدد أبريل 2020م، تحت عنوان “لماذا على أمريكا أن تقود من جديد؟”، يشرح ملامح السياسة الخارجية التي يعتزم انتهاجها بعد وصوله الحكم.

قال: سأدعو زملائي من قادة الديمقراطيات حول العالم لكي يرجع تعزيز الديمقراطية أولوية على جدول الأعمال العالمي، فاليوم ترزح الديمقراطية تحت ضغط يفوق ذلك الذي رزحت تحته في أي وقت من ثلاثينيات القرن الماضي.

بعد وعود متكررة بعقد قمة للديمقراطية، دعا بايدن، يوم 11 أغسطس 2021م، إلى “قمة القادة من أجل الديمقراطية”.

بيان وزارة الخارجية الأمريكية أوضح أن بايدن سيجتمع مع قادة من مجموعة متنوعة من الديمقراطيات في العالم في قمتين: “قمة افتراضية” أي عبر الإنترنت (بسبب كورونا) من أجل الديمقراطية نهاية العام الجاري، تتبعها “قمة ثانية يحضرها الزعماء وجها لوجه” بعد عام.

القمة الأولى (الافتراضية) تُعقد عبر الإنترنت، يومي 9 و10 ديسمبر المقبل، وتدور حول ثلاثة محاور رئيسة، هي: مواجهة الاستبداد، ومكافحة الفساد، وتعزيز احترام حقوق الإنسان.

وبعد عام تقريبًا من قمة ديسمبر، سيستضيف بايدن قمة ثانية “وجهاً لوجه” بحضور شخصيات تُدعى إلى أمريكا لتقييم التقدم المحرز (في القمة الأولى) وصياغة مسار مشترك في المستقبل

هدف القمة، بحسب الخارجية الأمريكية، “وضع أجندة إيجابية للتجديد الديمقراطي والتصدي لأكبر التهديدات التي تواجهها الديمقراطيات اليوم من خلال العمل الجماعي”.

لماذا العراق؟

بحسب تسريب أسماء الدول الحاضرة الذي نشره موقع “بولتيكو” الأمريكي، في 4 نوفمبر، ثم الإعلان الأمريكي الرسمي 23 نوفمبر الجاري، تمت دعوة دولة عربية واحدة هي العراق، في حين تجاهل بايدن دول أخرى.

تونس التي كانت تعتبرها واشنطن “ديمقراطية واعدة” جرى استبعادها أيضاً، بعد انقلاب قيس سعيد، كعقاب لنكوصها عن الديمقراطية ورفض رئيسها الاستجابة لمطالب أمريكا بإعادة البرلمان والمسار الديمقراطي.

رفض واشنطن دعوة مصر ودول عربية أخرى تتهمها بانتهاك حقوق الإنسان، يبدو أنها رسائل أمريكية غاضبة لهذه الدول تشير لعدم رضا أمريكا عن ممارسات غير ديمقراطية.

اختيار أمريكا للعراق فقط لحضور قمة الديمقراطية دون بقية الدول العربية، ربما له علاقة بـ”مؤشر الديمقراطية”، فالعراق جاء في مؤشر عام 2020م الذي نُشر 2 فبراير الماضي في مركز متقدم على دول عربية.

“مؤشر الديمقراطية”، التابع لمجموعة “إيكونوميست” البريطانية، تحدث عن “عام سيئ جديد للديمقراطية في العالم العربي والعالم”، وتراجعها.

من بين 18 دولة عربية (بجانب “إسرائيل” وإيران) صنف المؤشر 17 دولة على أنها “حكم سلطوي” بالشرق الأوسط، باستثناء تونس التي صنفها “ديمقراطية معيبة”.

لكن المفارقة أن العراق الذي دُعي للقمة، صُنف ضمن “أنظمة الحكم السلطوي” في مؤشر الديمقراطية، لكنه جاء في المركز الثامن شرق أوسطياً، وبالمركز السابع على 18 دولة عربية.

كانت مفارقة أخرى أن يسبق العراق في ترتيب عام 2020م، 6 دول عربية، ومع هذا لم تتم دعوة الست لقمة بايدن.

ويقيس “المؤشر” الديمقراطية بناء على مدى التزام الدول بمعايير معينة كالعملية الانتخابية والتعددية، أداء الحكومة، المشاركة السياسية، الثقافة السياسية، الحريات المدنية، وبناءً على هذه المعايير يتم تقييم الدول من 0 إلى 10.

حصلت تونس على 6.59 درجة من 10 في مؤشر عام 2020م، يليها المغرب ثم لبنان وفلسطين والجزائر والكويت التي جاءت في المركز الخامس عربياً بـ 3.80 درجة.

بينما تراجعت مصر إلى 2.93 فقط من 10، ويليها الإمارات ثم السودان فالبحرين والسعودية في المرتبة 16 من 18 دولة عربية.

قد يكون اختيار أمريكا لدعوة العراق فقط من الدول العربية له علاقة بالانتخابات العراقية الأخيرة التي أشادت بها الإدارة الأمريكية، رغم احتجاجات أطياف سياسية مختلفة عليها ووصول الأمر لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي.

لكن الكاتب الأمريكي فريد زكريا أشار لنقطة أخرى هي أن أمريكا تعتبر العراق “نموذجاً ديمقراطياً ناجحاً”، باعتبارها دولة كانت تحتلها أمريكا ونجحت في إجراء انتخابات عكس أفغانستان.

قال زكريا، في مقال بجريدة “واشنطن بوست”، في 14 أكتوبر الماضي، بعنوان “النجاح الذي لا ينال حقه من التقدير: الديمقراطية العراقية”، أن سقوط أفغانستان المأساوي أظهر فشل أمريكا، لكن تجربة العراق بيضت وجهها. 

وأضاف: حدث شيء مهم في العراق، الذي حاولت فيه واشنطن تجربة إعادة بناء الدولة على مدى العقدين الماضيين، وكانت الانتخابات نزيهة وحرة؛ ما يعني أن العراق على موعد مع سادس انتقال سلمي للسلطة منذ عام 2004م.

تحدث عن “زلزال سياسي”، واعتبر الانتخابات “هزيمة للمليشيات وانتصاراً للدولة العراقية”، بسبب “الصعود الواضح للمشاركة السنية في العملية السياسية”، قبل أن تجري محاولة اغتيال رئيس الوزراء في 7 نوفمبر الجاري.

يبقى السؤال: هل نية واشنطن صادقة في التعامل مع الديمقراطية كرغبة شعبية تمتثل لها أياً كان الفائز بها؟ أم أنها ستستغل قمة الديمقراطية لتحقيق مصالحها مثلما تستغل مفهوم الإرهاب وحقوق الإنسان كأداة في سياستها الخارجية فتدعم الإرهاب الصهيوني وتعتبر “إسرائيل” واحة الديمقراطية، بينما حين يفوز الإسلاميون في صناديق الانتخابات تبدي قلقها؟!

Exit mobile version