كيف أرسى ملحد أساس القومية الهندوسية “الدينية” المعاصرة؟

فيناياك دامودار سافاركار

 

صبا ستار(*)

 

شكلت أطروحة سافاركار الأساس لبيان حزب بهاراتيا جاناتا لعام 2014، الذي حدد أجندة الحزب لما يسمى إصلاح “الرؤية المهملة” للأمة الهندوسية.

علمانية الهند كدولة معرضة للخطر.

في ظل حزب بهاراتيا جاناتا القومي الموالي للهندوس بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بدأ استهداف 200 مليون من الأقلية المسلمة في البلاد بشكل متزايد، على مدى السنوات القليلة الماضية، هاجم ما يسمى بجماعات حراسة الأبقار المسلمين بسبب تناولهم لحوم البقر، وهو عمل يعتبره العديد من الهندوس تدنيسًا للقداسة.

كما عارض الحزب الحاكم بشدة حرية التعبير.

نظرًا لقلقها من هذه التطورات، قامت 53 جامعة أمريكية، بما في ذلك هارفارد وستانفورد وبرينستون وكولومبيا، برعاية مؤتمر استمر 3 أيام بعنوان “تفكيك هندوتفا”، في سبتمبر 2021، حيث ناقش العلماء صعود القومية الهندوسية.

الهند هي أكبر ديمقراطية في العالم، لكن وفقًا للعديد من الخبراء، فإن هذه الديمقراطية في خطر.

وبصفتي باحثًا في شؤون جنوب آسيا، كنت أزعم أنه من المهم أن نفهم أن انتقال الهند إلى هوية هندوسية له جذور بدأت في أوائل القرن العشرين، عندما كانت جزءًا من الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية.

في عام 1923، اخترع الثوري المناهض للاستعمار فيناياك دي سافاركار لأول مرة مصطلح “هندوتفا”، الذي يترجم بشكل فضفاض إلى “الهندوسية”، وأكد هذا الرأي أن المواطن الهندي، حتى لو لم يكن هندوسيًا، يمكنه أن يحتضن تمامًا جغرافيا ولغات وديانات “الهند الأم”.

حركة دينية مستوحاة من ملحد

كان سافاركار ملحدًا، مع القليل من الاهتمام بالدين، بخلاف الاستخدام السياسي، في عام 1910، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته في مؤامرة اغتيال مساعد وزير الخارجية البريطاني كرزون ويلي.

وخلال فترة سجنه، كتب سافاركار أطروحته التأسيسية “هندوتفا: من هو الهندوسي؟”.

يصف كريستوف جافريلوت، أحد أكثر الباحثين شهرة في القومية الهندوسية، عمل سافاركار بأنه “الميثاق الأول للقومية الهندوسية”، سعى سافاركار لتوحيد الأديان الأصلية في الهند ضد المسلمين والمسيحيين، الذين اعتبرهم غزاة من الخارج.

في ذلك الوقت، أراد سافاركار أن يطلق على شبه القارة الهندية اسم راشترا الهندوسية العظيمة، أو الأمة التي تضم جغرافيا ودينًا وثقافة مشتركة، وسيحتاج أتباع الديانات الأخرى، مثل البوذيين والجاين والسيخ، ببساطة، إلى تكريم الثقافة الهندوسية وقبول الهوية الوطنية ضمن إطار “هندوتفا” الأكبر، وينطبق الشيء نفسه على “الأجانب”، مثل المسلمين والمسيحيين، طالما أنهم لم يحاولوا فرض حكمهم.

في البداية، لم يتضمن مفهوم الهوية الهندوسية أي عقيدة دينية، وبدلاً من ذلك، تبنى تقديم سياسات الهوية على أساس تصورات العرق والقومية المهيمنة.

قامت حركة الخلافة، وهي حملة إسلامية عام 1919 شملت العالم الإسلامي وكان لها تأثير عميق في توحيد المجتمع الهندي المسلم، في مقابل تطرف سافاركار.

ووفقًا لسافاركار، فإن وحدة المسلمين الهنود خلال هذه الفترة على النقيض من المجتمع الهندوسي المنقسم على أساس الطبقية كانت بمثابة تهديد، وأدت إلى ظهور حزب سياسي، الهندو ماهاسابها، في عام 1921، حيث كان شخصية قيادية.

بعد إطلاق سراحه من السجن، أصبح خطاب سافاركار أقل شمولية ونما في المقابل تجاه المسلمين.

صرح سافاركار في كتابه “ستة عهود مجيدة” عام 1963، الذي كتب قبل وفاته بفترة وجيزة، أن المسلمين والمسيحيين يريدون تدمير الهندوسية، كما أكد أن الهند يجب أن تفرض نوع الحكم الاستبدادي الذي تم فرضه في ألمانيا الشموليّة واليابان وإيطاليا خلال الحرب العالمية الثانية.

يعتقد سافاركار أيضًا أن المسلمين في تطبيق القانون والجيش هم خونة محتملون ويجب مراقبة أعدادهم.

وهكذا أصبحت آراء سافاركار أساس القومية الهندوسية المعاصرة.

الظل الجديد للقومية

في عام 1925، ظهر زعيم آخر وهو كي. بي هيدجوار بالقرب من مومباي وأنشأ راشتريا سوايامسيفاك سانج (RSS)، وهي تعتبر اليوم الجامعة المنظمة لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.

بحلول الأربعينيات من القرن الماضي، نمت قاعدة عضوية “RSS” لتصل إلى 600 ألف متطوع، واليوم لديه أكثر من 5 ملايين، وتحت حكم مودي، تم إدخال القومية الهندوسية إلى السياسة السائدة، ويشغل القوميون الهندوس الآن مناصب بارزة على مستوى الولايات والمستوى الوزاري في الحكومة.

وكان قد تم حظر جماعة “RSS” مرتين كحزب سياسي، مرة بعد اغتيال المهاتما غاندي في عام 1948 على يد عضو سابق في “RSS” ناثورام جودسي، والمرة الثانية وقعت بعد هدم مسجد بابري -وهو موقع مقدس في مدينة أيوديا شمال الهند- في عام 1992، وأدى الهدم إلى أعمال شغب على مستوى البلاد قتل فيها 1000 شخص، معظمهم من المسلمين، ويدعي القوميون الهندوس أن الموقع هو مسقط رأس الإله راما، وفي عام 2019، سمحت المحكمة الهندية العليا ببناء معبد راما في الموقع المتنازع عليه.

بعد الحظر الأول، أنشأت جماعات راشتريا سوايامسيفاك سانج (RSS) ومهاسبا (Mahasabha) حزبًا سياسيًا خاصًا به يسمى بهاراتيا جاناتا سانج -سلف حزب بهاراتيا جاناتا الحالي- في عام 1951، ومن هنا بدأ سانج برنامجاً يسابق به الزمن لـ”إضفاء الطابع الهندي” أو استيعاب جميع الأقليات في نظام موحد وهو “الأمة الهندوسية”.

فلعدة قرون، كان ينظر إلى المسلمين من قبل العديد من الهندوس على أنهم مجموعة عرقية أخرى أو طبقة فرعية داخل جنوب آسيا، وليس كتهديد خارجي يجب صده، لكن سافاركار، الملحد، لم يكن يعتقد ذلك، أراد تحقيق تماسك داخلي بين مختلف الجماعات الهندوسية للحماية من أي غزو خارجي.

كانت أطروحة سافاركار هي الأساس لبيان حزب بهاراتيا جاناتا في عام 2014، الذي حدد أجندة الحزب لإصلاح “الرؤية المهملة” لما يسمى الأمة الهندوسية.

العلمانية منصوص عليها في دستور الهند، لكن إعادة انتخاب حزب بهاراتيا جاناتا في عام 2019 يوضح أن الهند ربما تمر بتغيير جوهري لتتبنى هوية هندوسية.

من المتوقع أن يكون بناء معبد راما جاهزًا قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2024، فبناء والاحتفال بمعبد هندوسي على أرض مسجد إسلامي مدمر، كما أعتقد، يمثلان رمزًا لانتقال الهند.

 

 

 

 

 

______________________

(*) طالبة دكتوراه في فن الحكم والأمن القومي، معهد السياسة العالمية.

المصدر: “ذي برنت”.

Exit mobile version