“عملية أزور”.. هل انتقلت عدوى الانقلابات لأوروبا؟

 

فجرت صحيفة “لو باريزيان” الفرنسية مفاجأة في عدد 27 أكتوبر الماضي، تتلخص في كشف أن عدوى الانقلابات انتقلت لأول مرة لأوروبا وتحديداً فرنسا، من أفريقيا والبلدان العربية، وذاق طباخو السم في الغرب الذين دعموا انقلابات أفريقيا من نفس الطعام.

قالت: إن فرنسا بلد الحريات في أوروبا، أحبطت محاولة انقلابية (de coup d’État) كان يقودها سياسي يميني متطرف، وأن المخابرات العامة قبضت على هذا المتطرف اليميني الذي خطط لاقتحام قصر الرئاسة (الإليزيه) بمشاركه 36 نقيباً عسكرياً.

الانقلاب الذي خطط له النائب السابق للحركة الديمقراطية ريمي داييه اليميني المتطرف كان يستهدف الاستيلاء على قصر الإليزيه، بمساعدة العديد من أنصار داييه ومنظمة شبه عسكرية كبيرة، وجاء بعد اتهامه، في 22 أكتوبر الماضي، بالإرهاب.

“لو باريزيان” نقلت عن مصادر لم تسمِّها، قولها: إن مخطط داييه “كان يتمثّل في السيطرة على الإليزيه، وإنشاء سلطة جديدة من قبل الشعب”، وإن هذا “الانقلاب” اختيرَ له رمزياً اسم “عملية أزور”.

موقع “فرانس تيفي أنفو” ذكر أن مخطط داييه يوصف بأنه “سري”، وأطلق عليه اسم “عملية أزور” وكان منظماً للغاية، وكشفت التحقيقات عن أنه انقلاب مثير للقلق.

قبل هذا الانقلاب، تعرض الرئيس الفرنسي ماكرون للصفع، في 8 يونيو الماضي، خلال جولة انتخابية من رجل ينتمي إلى تيار يميني متطرف، هو جناح من فصيل يسمي “الملكيين” ممن يؤمنون بالنظام الملكي ويحبون فرساي ويكرهون الثورة الفرنسية والجمهوريين وينحازون حالياً لليمين المتطرف.

الرجل المعتدي على الرئيس الفرنسي، الذي تم الحكم عليه بأربعة أشهر سجناً، كان يصرخ «تسقط الماكرونية»، قبل أن يصفع ماكرون، كما صاح أيضاً بعبارة «مونتجوي سانت دينيس» (montjoie saint denis)، وهذا هتاف تيار “الملكيين”، حيث كانت هذه هي صرخة معركة الجيوش الفرنسية في فرنسا الملكية.

ما قاله الرجل وهو يصفع ماكرون “تسقط الماكرونية” لم يكن مجرد هتاف غاضب، ولكنه تيار بدأ ينتشر بين الفرنسيين يتهم ماكرون بأنه يدفع بفرنسا إلى الهاوية بمعاركه ضد طواحين الهواء.

وضمن هذا معارك ماكرون حول السعي لتقييد الحريات في فرنسا بدعاوى مواجهة “الإسلاميين المتطرفين”، ليتفاجأ الساسة الفرنسيون بعد صراخهم ضد الإسلام والمسلمين واتهامه بالعنف أن العنف وليد بيئتهم العنصرية الفرنسية اليمينية.

تزامن الكشف عن محاولة الانقلاب عن تقارير تتوقع أن حظوظ ماكرون في انتخابات الرئاسة المقبلة 2022 لن تتعدى حظوظ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وسيسقط سقوطاً مدوياً بسبب إدارته الفاشلة لشؤون البلاد.

توقعات هزيمة ماكرون دفعت مراقبين للتساؤل: هل هو انقلاب حقيقي والانقلابات انتقلت لأوروبا وأصيبت بالوباء الذي كانت تنشره هي في أفريقيا، أم أن ماكرون يستنسخ تجارب الانقلابات العربية ليحصل على شعبية قبل انتخابات الرئاسة القادمة عام 2022 في وقت تتدهور فيه شعبيته وفرص نجاحه؟

والغريب أن زعيم الشبكة الانقلابية كان يخطط وتعهد بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا.

ويُعدّ “داييه” وجهاً بارزاً للتطرّف اليميني وترويج نظريات المؤامرة (QAnon) التي عبرت مؤخراً إلى التراب الفرنسي بعد انتشارها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ويتشابه نسبياً مع ترمب وأنصاره المتطرفين الإنجيليين العنصريين.

ويشارك في انتخابات فرنسا جوقة من السياسيين المتطرفين الذين يجمعون على محاربة الإسلام والتحذير من خطر المسلمين في فرنسا والدعوة لطردهم أو وضعهم في كانتونات وحصارهم.

قصة انقلاب “أزور”

هي “مؤامرة لإسقاط الجمهورية”، كما كشفت تحقيقات فرنسية حول جماعة إرهابية يمينية متطرفة تنتشر خلاياها على كل تراب البلاد، عقلها المدبر نائب برلماني سابق، ومنفّذوها المفترضون نشطاء يمينيّون ورجال شرطة وجيش فرنسي منهم من لا يزال في الخدمة.

تحت اسم “عمليَّة أزور”، خطَّطت جماعة إرهابية يمينية متطرفة لِقلب النظام الجمهوري بفرنسا واحتلال قصر الإليزيه والإطاحة بالرئيس وحكومته، وإعلان عودة الملكية بعد أزيد من قرنين ونصف قرن من دحرها.

تحقيقات الشرطة الفرنسية توصّلت لهذا مصادفة أثناء بحثها في حادثة اختطاف طفلة لأسباب بدت لهم تآمرية مريبة.

تبين للشرطة والمخابرات لاحقاً، بحسب يومية “لوباريزيان” الفرنسية، أنّ العقل المدبّر للشبكة هو النائب السابق في “حزب الحركة الديمقراطية” ريمي داييه، كان يخطط للانقلاب على الإليزيه بمساعدة شبكة واسعة من ضباط شرطة ودرك وجيش بينهم مَن لا يزالون في الخدمة ومتقاعدون.

تبين تبنيهم أيديولوجية اليمين المتطرفة ويؤمنون بعلوية العرق الأبيض ونظريات المؤامرة، وبعضهم يمجّد عودة النازية ويسهر على تنظيمهم ضباط من الشرطة والجيش الفرنسي لتنفيذ خطَّة الانقلاب التي تتمثل في حشد أكبر عدد ممكن من المتظاهرين لخلق حالة من الفوضى والتشويش على أجهزة الأمن، ثمّ الإطاحة بالحكومة وهياكل الدولة في مواجهات مسلحة يقوم بها “كوماندوس” من أجل الاستيلاء على المراكز الحساسة في الدولة.

وتُضيف “لوباريزيان” أنّ العملية كانت في مراحل متقدمة من التجهيز، حيث اكتشفت أثناء التحقيقات ترسانة أسلحة ومواد لتصنيع قنابل تقليدية، كانت مُعدّة لتنفيذ المخطط.

وأفادت قناة “BFM” الفرنسية بأن عسكريين سابقين أمروا بتدريب المجندين لإنجاز خطة الهجوم على قصر الإليزيه، المقر الرسمي للرئيس ماكرون.

يعادون المسلمين

وهذا التطرف داخل الجيش الفرنسي ليس جديداً، ففي يوليو 2021 نشرت وسائل إعلام فرنسية عريضتين نُسبتا لعناصر من الجيش، وقَّعهما أزيد من 205 آلاف عسكري، بينهم جنرالات وضباط سامون لا يزالون في الخدمة.

وتضمنت العريضتان خطابات عنصرية ومعادية للمسلمين، كمثال تعبير أولئك الجنود عن استعدادهم لحماية البلاد مما ادعوا أنه “خطر الإسلامية وجحافل الضواحي (المأهولة في أغلبها بجالية مسلمة) الذين يحتلون قطاعات واسعة من أراضينا، ويخضعونها إلى دوغمائية مناقضة لما جاء به دستورنا”، وفق زعمهم.

وقالوا: إنهم لن يبقوا مكتوفي الأيدي أمام “انعدام جرأة الحكام التي تقلقنا وتقلق عامة الشعب الفرنسي”، مشددين على “الثقة في استجابة المؤسسة العسكرية لتطلعاتنا”.

وقد اتهم سياسيون ونشطاء إيمانويل ماكرون بتواطئه مع صعود اليمين المتطرف بالبلاد، بل ومساهمة سياساته في هذا الصعود، حيث إنها الآن أمام يمين متطرف يُملي أجندته على الساحة السياسية الفرنسيَّة.

وبالتواطؤ الكليِّ لرأس السلطة وحكومته، كما يقول إيدوي بلينيل، الصحفي اليساري ومدير موقع “ميديابارت”، مضيفاً أنّ العنف الحاصل ليس ارتداداً على استهتار السلطة مع هذا الخطر اليميني، بل ومنحه الشَّرعيَّة واستخدام وصف “الانعزالية” للتفرقة بين الفرنسيين على أساس الديانة، و”جعل المسلمين أكباش فداء للرهان السياسي”.

Exit mobile version