لماذا أمتنعت أمريكا عن استخدام كلمة “انقلاب” لوصف أحداث السودان؟

 

اندلع غضب دولي من إجراءات الفريق عبد الفتاح البرهان، في السودان، ولم تتردد الولايات المتحدة ودول أخرى عن إدانته، لكنها لم تصف ما فعله بأنه “انقلاب”، لتعيد إلى الأذهان ما فعلته مع مصر حين انقلب الجيش علي الرئيس محمد مرسي عام 2013م.

فلماذا أمتنعت أمريكا عن استخدام كلمة “انقلاب” لوصف أحداث السودان الأخيرة، وأحداث مصر 2013؟

منذ إعلانه السيطرة على السلطة في البلاد من خلال حلّ المؤسسات الانتقالية وإعلان حال الطوارئ، تتجنب الولايات المتحدة، إطلاق مصطلح “الانقلاب” Coup على ما فعله البرهان، وتسميه “استيلاء عسكري” Military takeoverعلى السلطة.

بيان الخارجية الأمريكية حول اتصال وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ونظيره السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، لإدانتهما ما يجري في السودان استعمل مصطلح “استيلاء عسكري” Military takeover.

ووزير الخارجية بلينكن كتب أيضاً على حسابه الرسمي يصف ما جري بانه “استيلاء عسكري” Military takeover.

https://twitter.com/SecBlinken/status/1453170188149563398

المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أضطر لتبرير ذلك رداً على استفسارات الصحفيين بزعم أن “السودان يخضع لمحددات الانقلاب العسكري (Military coup restriction) منذ انقلاب 1989م من قبل نظام البشير”.

وقال: “لم تزال الخرطوم من هذا الوصف أساساً حتى بعد ثورة ديسمبر 2018م التي أطاحت بالبشير” مع إنه أكد: “عندما تنشأ مثل هذه الأحداث، نقوم بالفعل بتحديد وصف الانقلاب”.

أضاف برايس أن الإدارة الأمريكية تعتبر أن ما يحصل هو “استيلاء عسكري على السلطة”، مشيراً إلى أن “الانقلاب هو وصف قانوني تستخدمه وزارة الخارجية الأمريكية”.

“ونحن لا نقوم حالياً باستخدام هذا المصطلح في هذه الحالة، لأننا ندرك أننا نعمل تحت كنف تصنيف الانقلاب الذي يعود لعام 1989م”.

وأوضح برايس أن “محددات الانقلاب التي تعود لعام 1989م ستظل كما هي عليه حتى يقر وزير الخارجية الأمريكي أن حكومة منتخبة ديمقراطياً تولت السلطة”!

وبحسب تقرير للكونجرس الأمريكي 21 أبريل/ نيسان 2021م، فإن السودان، واحد من البلاد التي تقبع تحت المادة 7008 من قانون المخصصات المالية لوزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج الأخرى بسبب وصف الحكم فيها بـ “الانقلاب العسكري”.

ويلزم هذا الحكم قانوناً الولايات المتحدة، “بالتوقف عن تقديم المساعدات لحكومة أي بلد قد تمت إطاحة رئيسها بانقلاب عسكري أو بموجب مرسوم بعدما كان قد تم انتخابه حسب الأصول”.

لكن ما جري هو أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت مساعدات مالية للسودان 700 مليون دولار، خصوصاً عقب تطبيعه مع “إسرائيل”، ما يعني اعترافها أن حكم “حمدوك-البرهان” ليس انقلاباً عسكرياً، قبل أن تجمدها بعد انقلاب البرهان الذي ترفض وصفه انقلاباً.

فقد ندد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية برايس، بما فعله الجيش السوداني، معلناً تجميد واشنطن مساعدات بقيمة 700 مليون دولار التي كانت مخصصة لدعم الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وأكد أنه “لن نتردد في محاسبة أولئك الذين ينخرطون في أعمال العنف والانحراف بالسودان عن مسار الديمقراطية”، مضيفاً أن “ما حدث في السودان ليلة أمس هو استيلاء عسكري على السلطة”.

روسيا أيضاً رفضت اعتبار ما جري انقلاباً لأنها تريد قاعدة عسكرية في السودان.

حيث اعتبرت روسيا، أن ما جرى في السودان قبل يوم “قد يكون انتقالاً للسلطة وليس انقلاباً عسكرياً”، متهمة الرافضين لسيطرة الجيش على مقاليد السلطة في الخرطوم بـ”ارتكاب أعمال عنف”، وذلك وفق ما صرح به نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير، ديميتري بوليانسكي.

بوليانسكي، قال قبيل لحظات من بدء جلسة مشاورات مغلقة لمجلس الأمن الدولي حول تطورات الأوضاع في السودان: “لماذا نقول على ما حدث بالسودان انقلاباً عسكرياً؟! ولماذا لا يكون انتقالاً للسلطة، لقد رأينا ذلك من قبل.. في السودان قبل عامين عندما تم التحرك لعزل الرئيس السابق عمر البشير”.

مصر أيضاً ليست انقلاباً

حينما جرت إزاحة الرئيس المدني المنتخب في مصر محمد مرسي 2013م جاء أول إعلان عن أن أمريكا لا تعتبر ما حدث في مصر انقلاباً من المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جورج ليتل.

قال حينئذ إن قادة البنتاجون لا يرون أن التطورات الأخيرة في مصر انقلاب عسكري مبرراً هذا بأن الولايات المتحدة متمسكة بعلاقات جيدة ومتينة مع القوات المسلحة المصرية”، لذا أفرجت عن أربعة طائرات إف -16 تأجلت عقب انقلاب السيسي.

وعلى نفس المنوال عزفت الخارجية الأمريكية، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية جنيفر ساكي إن الرئيس “محمد مرسي لم يعد في منصبه رئيساً لمصر”.

 أي لم تعد تعترف به رئيساً وتوافق على اختطافه واحتجازه من قبل قادة الانقلاب، بل وزادت بالقول: “إن ما كان في مصر ليس حكماً ديمقراطيا”!!

حينها سخر عضو الكونجرس الأمريكي الراحل جون ماكين من حكومته ومن الصحفيين الذين سألوه هل ما جري في مصر انقلاب أم لا؟، فقال عبارته الشهيرة: أنه لا يجد تعريفاً آخر للانقلاب العسكري ما عدا أنه انقلاب.

قال: “طالما أن تسير مثل البطة و”تكاكي” مثلها فهي بطة مهما حاولت تغيير طريقة مشيها”، ما جعل صحف مصر تصفه حينئذ بأنه “عدو العرب”.

https://www.youtube.com/watch?v=9IG3FR7Lvr0

الأغرب أيضاً هو طريقة تعامل أمريكا مع مسؤولين مدنيين عربيين قام ضدهما انقلاب عسكري، فهي لم تتدخل لدعم الرئيس المدني محمد مرسي حين تم اختطافه وإخفاؤه ولا حين قُتل بالإهمال الطبي وهو يحاكم.

بينما انتفضت وتدخلت لصالح رئيس الوزراء السوداني المدني عبد الله حمدوك وضغطت على البرهان حتى أعاده لبيته وتلقي اتصالاً رسمياً أمريكياً من وزير الخارجية بلينكن، وألتقي به سفراء الدول الغربية رغم أنه معزول من الحكم.

https://twitter.com/SecBlinken/status/1453170188149563398

https://twitter.com/azmosaa/status/1453180858664427520?t=aHqdBZOt_5mleOLtGOwaqw&s=09

الخلاصة أن مبدأ الامريكان هو البراجماتية (النفعية) التي تبحث عن المصالح بأكثر مما تنتصر للمبادئ أو الديمقراطية أو حقوق الانسان.

كما أنهم لا يرحبون بفوز أي رئيس أو حزب ينتمي للتيار الإسلامي خشية أن يتعارض ذلك مع مصالحهم القائمة على تقديم المزايا والهدايا والسلاح لحكومات الدول مقابل حماية المصالح.

وأحد أهم المصالح الأمريكية في مصر هي أن تكون هناك علاقات مصرية “إسرائيلية” جيدة وأن تسمح مصر لأمريكا بالعبور الحر في قناة السويس دون انتظار لبوارجها وحاملات طائراتها.

Exit mobile version