يوم ذبحت فرنسا مئات الجزائريين في باريس وألقتهم في نهر السين

 

في مثل هذا اليوم من عام 1961 صدَّق عشرات الآلاف من الجزائريين الذين كانوا يعيشون في فرنسا، ويحملون الجنسية الفرنسية، الدعاية الفرنسية الكاذبة بأن فرنسا مهد “الحرية والإخاء والمساواة”! تحترم الحرية وتحترم الإنسان، أياً كان عرقه ولونه، فانطلقوا يتظاهرون مطالبين فرنسا، التي كان يحكمها آنذاك شارل ديجول، وما أدراك ما شارل ديجول، أيقونة الحرية، الذي حرر فرنسا من العنصرية النازية، انطلقت المظاهرات التي شارك فيها آلاف الفرنسيين من أصل جزائري، فانطلق معها رصاص الشرطة يقتل المتظاهرين بغير حساب، يقتل المتظاهرين الفرنسيين دون تمييز لأنهم من أصول جزائرية، ويلقيهم في نهر السين لتطفو جثثهم بالعشرات بعد أيام!

يتذكر الجزائري حسين حكيم مذبحة سيئة السمعة لكنها غير معروفة في العاصمة الفرنسية قبل 60 عاماً: “كانت معجزة أنهم لم يلقوا بي في نهر السين”.

نزل حوالي 30 ألف جزائري إلى شوارع باريس في احتجاج سلمي ضد حظر التجول، ودعوا إلى الاستقلال بعد ما يقرب من 7 سنوات من الحرب ضد الحكم الفرنسي في شمال أفريقيا.

في ذلك اليوم، قتلت الشرطة مئات المتظاهرين، وألقت بالعشرات غيرهم في نهر السين، مما جعله أحد أحلك الصفحات في تاريخ فرنسا الاستعماري.

300 قتيل وآلاف الجرحى و14 ألف معتقل

كان حكيم يبلغ من العمر 18 عامًا في ذلك الوقت، يقول وهو يروي قصته لصحيفة فرنسية بعد عقود من التعتيم والقمع لكل من يحاول تذكر أو التذكير بالمجزرة، وهو واحد من بين 14 ألف جزائري اعتقلوا خلال العملية.

قامت الحكومة في ذلك الوقت بمراقبة الأخبار، ودمرت العديد من الأرشيفات ومنعت الصحفيين من التحقيق في الخبر.

وأفادت نشرات إخبارية معاصرة عن حدوث 3 حالات وفاة، من بينهم مواطن فرنسي، ولم يتم تغطية الحدث في الصحافة الدولية، ودمرت كل الوثائق والأدلة التي توثق واحدة من أبشع المذابح وقعت في باريس، مدينة النور!

تقول بريجيت لايني، التي كانت أمينة في الأرشيف الباريسي، في عام 1999: إن بعض الوثائق الرسمية نجت وتكشف عن حجم عمليات القتل، وقالت: كان هناك الكثير من الجثث، بعضها محطمة الجماجم والبعض الآخر بجروح من طلقات نارية.

قال رئيس البرلمان: إن حوالي 300 متظاهر (وآلاف الجرحى) جزائري سلمي قتل في المذبحة في باريس، وسيظل هذا وصمة عار على جبين فرنسا.

تم انتشال ما مجموعه 110 جثث على ضفاف نهر السين خلال الأيام والأسابيع التالية، قُتل بعضهم ثم أُلقي بهم في النهر، فيما أصيب آخرون، وألقوا في المياه الباردة وتركوا ليغرقوا.

أصغر الضحايا كانت فاطمة بيدا، كانت تبلغ من العمر 15 عامًا، وعُثر على جثتها في 31 أكتوبر بقناة بالقرب من نهر السين.

تواطؤ المعارضة

في بيان بمناسبة الذكرى الستين للمجزرة، قال الرئيس ماكرون: إن الجرائم التي ارتكبت تحت سلطة قائد الشرطة “لن يعتذر عنها”.

وتعرضت الأحزاب اليسارية الفرنسية، التي كانت معارضة في ذلك الوقت، لانتقادات لعدم إدانتها للمذبحة، وقد نُظر إليهم على أنهم متواطئون في التستر نظرًا لأنهم رفعوا دعوى قضائية ضد الشرطة لإطلاق النار على المتظاهرين الفرنسيين المعارضين للحرب، مما أسفر عن مقتل سبعة، بعد بضعة أشهر، ومع ذلك التزموا الصمت بشأن مذبحة الجزائريين.

لم تظهر تفاصيل المجزرة إلى النور إلا في الثلاثين عامًا الماضية.

تم استدعاء المسيرة احتجاجاً على حظر التجوال، أراد المنظمون التأكد من أن الوضع كان سلميًا، وأن الناس تم تفتيشهم قبل ركوب القطارات والحافلات من الضواحي المتهالكة للذهاب إلى وسط باريس.

لم يتم بعد تحديد التعليمات الدقيقة التي صدرت لقوات الأمن، لكن قائد شرطة باريس في ذلك الوقت، موريس بابون، كان ذا سمعة سيئة.

وكان قد خدم في قسنطينة بشرق الجزائر، حيث أشرف على قمع وتعذيب السجناء السياسيين الجزائريين عام 1956.

كانت هذه الملاحقة القضائية -التي حدثت بين عامي 1997 و1998- هي التي رفعت الغطاء عن بعض المحفوظات السرية المتعلقة بمذبحة 17 أكتوبر، ومهدت الطريق لبحث مكثف في التستر الاستثنائي.

تم إجراء تحقيقات رسمية أولية في الأحداث، ورفض ما مجموعه 60 مطالبة بالتحقيق.

لم يحاكم أحد بحجة أن المجزرة كانت خاضعة للعفو العام الممنوح عن الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب الجزائرية.

البرلمان الجزائر يُحيي الذكرى

ورفض برلمان الجزائر، أمس السبت، التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها الرئيس الفرنسي ماكرون حول الحقبة الاستعمارية في الجزائر، حيث قال: إنه في يوم واحد من عام 1961، قُتل حوالي 300 جزائري مسالم على أيدي الشرطة الفرنسية.

وتبقى المجزرة، بحسب رئيس البرلمان إبراهيم بوغالي، وصمة عار على فرنسا، لأن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط، وذكر بيان لوزارة الإعلام الجزائرية أن المتظاهرين الجزائريين في فرنسا هم مدنيون تعرضوا للوحشية والتعذيب والقتل.

وجاء في البيان: في بلد يروج لنفسه زوراً كمدافع عن حقوق الإنسان، خلف التدخل ضد المتظاهرين 300 قتيل، بينهم نساء وأطفال وشيوخ.

Exit mobile version