الوضع الاقتصادي في تونس.. بين بساطة طرح سعيّد وتعقّد المسائل المالية والاجتماعية

 

جدّد الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس الأربعاء، الدعوة إلى تخفيض الأسعار والتصدي للمضاربة والاحتكار وذلك خلال لقائه برئيسة الحكومة المعيّنة نجلاء بودن التي يصفها التونسيون بساعي البريد، والسكرتيرة حيث جميع الوزراء من اختيار قيس سعيّد بمن فيهم بودن نفسها.

وحسب بيان للرئاسة في تونس، التي يصفها المعارضون بإدارة قرطاج، في إيحاء للخرق الجسيم للدستور الذي ارتكبه سعيّد بتعليق العمل بالدستور، وغلق البرلمان بالدبابات، وحل الحكومة فإن سعيّد دعا إلى ضرورة التخفيض في الأسعار، واللجوء إلى تسعير السلع والتصدي لكل أشكال المضاربة والاحتكار بالوسائل القانونية المتاحة، وقيام السلطات المعنية بدورها كاملاً في مواجهة كل التجاوزات ومقاومة الفساد.

لكنّ الأسواق شهدت ارتفاعاً في أسعار عديد المواد مثل لحوم الدواجن وبعض أنواع الخضراوات، فضلاً عن مواد البناء رغم كل التحركات التي قام بها، وخلعه لمخازن بجنزير دون التمكن من إثبات مخالفة أصحابها للقانون، حتى بات يعرف شعبياً بـ”أبو جنزير”.

حديث سعيّد أثناء تنصيب حكومته كان بمثابة الإنذار الخطير

وقال قضاة: إن ما قام به يرتقي إلى درجة الجريمة لولا الحصانة التي يتمتع بها كرئيس للبلاد، كما ارتفعت أسعار الكتب المدرسية والزيت النباتي غير المدعم، بعد فقدان الزيت المدعم من الأسواق وأصبح وجوده نادراً في البلاد أو منعدم كما هو الحال الآن.

فيما شهدت الأسواق ندرة فادحة في التزويد بالمياه المعدنية المعلبة.

خارج القانون

لم يكن خروج سعيّد عن نواميس السياسة المعترف بها، كالتقيد بالدستور والقانون، والفصل بين السلطات فحسب، بل حتى قوانين السوق، التي يحكمها العر والطلب، والتكلفة، وهامش الربح، فعندما يطلب التخفيض في الأسعار دون مراجعة لكل ما يتعلق بالتكلفة والشحن والوسائط، يكون كمن يفصل القول عن الفعل أو الإنتاج عن وسائل الإنتاج وتكلفته وهامش الربح فيه.

وقد انسحب تمشي سعيّد في التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية على علاقات تونس الدولية ولا سيما مع المؤسسات الدولية في وقت يؤكد فيه الخبراء أنه يتعين على تونس التسريع بالإعلان عن خارطة طريق واضحة خاصة أن مؤسسات الترقيم السيادي تستعد لوضع تصنيفاتها القائمة، على أسس علمية، أواخر أكتوبر الجاري مما قد يفتح لتونس في صورة تحسنها أو الإبقاء عليها، آفاقاً مالية دولية.

بساطة في الطرح

كان حديث سعيّد أثناء تنصيب حكومته برئاسة نجلاء بودن، يوم الإثنين الماضي، بمثابة الإنذار الخطير، حيث كشف عن جهل مطبق بطبيعة عمل مؤسسات الترقيم السيادي، والمؤسسات الدولية المانحة، إذ إنّ مؤسسات التّرقيم السيادي المهمة وهي وكالات “فيتش” و”موديز” و”ستاندرد آند بورز”، تراقب عن كثب تطور الوضع السياسي في تونس، وهي تعتمد على ضوابط علمية وعلى معطيات لتقييم الدول قصد للتوصل إلى تصنيف يعتمد نصفه تقريباً على الجانب السياسي.

الشكندالي: حديث سعيّد عن مؤسسات الترقيم السيادي لا تستند إلى منطلقات علمية

وقد أثار ذلك الحديث استغراب المتخصصين في الشأن الاقتصادي عند حديثه عن العلاقة بين تونس ومؤسسات الترقيم والمانحين، حيث شبّه سعيّد علاقة تونس بمؤسسات الترقيم السيادي والمؤسسات المانحة بالعلاقة القائمة بين الأستاذ والتلميذ ووجوب احترام السيادة الوطنية وإقامة علاقة ندّية مع هذه المؤسسات، قائلاً: إن تونس ليست تلميذاً تنتظر الدروس ومنح الأعداد من الأساتذة في إشارة إلى مؤسسات الترقيم السيادي والمؤسسات المانحة، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونوادي التمويل الدولية.

وذلك عوضاً عن الحديث عن طبيعة العلاقة القائمة بين تونس ومؤسسات التصنيف الدولية ومع مؤسسات التمويل الدولية وأوجه الاختلاف بينهما والخطوات المطلوبة لإعادة بناء هذه العلاقات على أمل ضمان تصنيف سيادي يفتح آفاقاً مالية دولية أفضل.

وكان عليه، وفق خبراء، أن يتحدث عن الاهتمام بنوعية السياسات التي تتفاوض حولها الحكومات مع المؤسسات الدولية، وهي علاقة لا تصنف في خانة المسّ من السيادة الوطنية، كما يذهب إلى ذلك البعض في ظل امتلاك الإرادة، وحق القبول بالشروط أو الرفض والبحث عن البدائل.

وقال خبراء، من بينهم الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي: إنّ حديث سعيّد عن ضرورة تغيير منهجية التصنيف الدولي لمؤسسات الترقيم السيادي لا تستند إلى منطلقات علمية.

رؤية اقتصادية غائبة

إلى جانب بساطة الطرح، والاستمرار في تلك البساطة إلى جانب غياب رؤية واضحة تقترحها الحكومة على المانحين أو تفاوض المانحين على جودة السياسات الاقتصادية التي يقترحونها.

وقد أكد الخبراء كالخبير الاقتصادي محسن حسن أن السياسات التي طبّقتها حكومات ما بعد الثورة، هي خياراتها وبرامجها وليست إملاءات من طرف المانحين بمن فيهم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وقد أدت تلك السياسات إلى تراجع جلّ المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن الحكومات مسؤولة على خياراتها أمام الشعب.

وهو ما رفع الدين الخارجي إلى نحو 45 مليار دولار أمريكي، قابلة للزيادة في ظل الحاجة الملحة للاقتراض لتغطية عجز الميزانية في عام 2021 والإعداد لميزانية عام 2022.

الترقيم السيادي

ويرى المنجي السعيداني أن العلاقة مع مؤسسات الترقيم السيادي تخضع لمنهجية محددة تأخذ بعين الاعتبار 3 جوانب مهمة لتحديد نسبة المخاطر في دول العالم؛ وهي الجانب السياسي بنسبة 50% من الترقيم، في حين تتوزع الحصة المتبقية بالتساوي بين الجانب الاقتصادي والمالي.

وأن العلاقة مع هذه المؤسسات تستند إلى 5 معطيات مهمة، هي: فعالية المؤسسات ودرجة الاستقرار السياسي وهيكلة الاقتصاد وآفاق النمو إلى جانب مدخرات العملة الصعبة وحجم الاستثمار الخارجي والقدرة على تعبئة الموارد الجبائية والتخفيض في الديون وكذلك المرونة النقدية.

وأن هذه التصنيفات تحدد قدرة الدول على الاقتراض من الأسواق المالية الدولية، وتمكن من قياس نسبة المخاطر في هذه الدول، وبالتالي نسبة الفائدة على سندات الدولة وتنير المستثمرين الأجانب وصناديق الاستثمار الدولية حول مخاطر الاستثمار في شراء سندات هذه الدول.

حسن: السياسات التي طبّقتها حكومات ما بعد الثورة ليست إملاءات من طرف المانحين

ويربط الخبراء تراجع الترقيم السيادي لتونس خلال السنوات العشر ما بعد الثورة، أساساً، بعدم الاستقرار السياسي وتراجع جلّ المؤشرات الاقتصادية والمالية.

ولا شك أن تونس تحتاج إلى تحسين هذه المؤشرات عوضاً عن الخوض في مسائل منهجية لا فائدة ترجى من ورائها، بل يمكن أن توحي لدى هذه المؤسسات عدم قدرة تونس، وهي تعيش فترة استثنائية، على تحسين مؤشراتها المالية والاقتصادية.

الحوار السياسي

يمثل الجانب السياسي، وهو الأهم خاصة بالنسبة لمؤسسات الترقيم السيادي والمؤسسات الدولية المانحة، ركيزة أساسية، وهو ما يستوجب تحديد الفترة الاستثنائية والإفصاح عن خارطة طريق واضحة لما بعد هذه الفترة، فهذا التوجه يمكن أن يقنع مؤسسات الترقيم السيادي بمراجعة التصنيف الائتماني لتونس على الأقل في اتجاه الإبقاء عليه، خاصة وأن تشكيل الحكومة الجديدة قد يدفع نحو تحسين المؤشرات الاقتصادية والمالية للفترة القادمة.

وهو يفرض فتح حوار اقتصادي واجتماعي مع كل الأطراف السياسية والاجتماعية في تونس قصد التوصل إلى برنامج تفصيلي قد يقنع صندوق النقد الدولي للجلوس على طاولة المفاوضات.

وهو ما سيمكن تونس من إعداد ميزانية الدولة لسنة 2022 في ظروف مريحة من حيث التمويل الخارجي إلى جانب مزيد استقطاب المستثمرين التونسيين والأجانب.

Exit mobile version