آيات في تطور الكون.. بين حقائق القرآن وملاحظات الإنسان

 

الكون مخلوق حادث، فله بداية وليس أزليا، وله نهاية فليس أبديا، فلا بد له من مبدع خالق. وقد تحدى الله أن يكون هناك خالق غيره، فقال سبحانه (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) الأحقاف. وهناك ملاحظات عن الكون، تدعو إلى التدبر بلا تكلف في إشارات الآيات القرآنية، والاستئناس بما تقترحه العلوم البشرية.

الكون

بداية، إن ما جاء في القرآن ويدل على الكون “المشاهَد” هو السماوات والأرض وما بينهما (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ) السجدة.  لكن الكون “المخلوق” أسبق وأكبر وأعظم بكثير من الكون المشاهد؛ فهنالك السماوات التي زراها رسولنا صلى الله عليه وسلم وقابل فيها الأنبياء، ورأى فيها سدرة المنتهى. وهنالك الملائكة في صورتها الحقيقية العظيمة، وهنالك عرش الله وكرسيه الذي وسع السماوات والأرض.

والعرب تعرف كلمة الكون: جاء في لسان العرب: الكون: الحدث، وقد كان كونا وكينونة. والكائنة: الحادثة. وكونه فتكون: أحدثه فحدث. والله مكون الأشياء يخرجها من العدم إلى الوجود.

هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الحديد)

الأزلية والأبدية هما صفتان لله واردتان في القرآن الكريم في قوله (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ)، فالله تعالى سابق في وجوده لكل موجود سواه، فهو بهذا المعنى أول (قديم بلا ابتداء)، وباق بعد زوال كل مخلوق زائل فهو بهذا المعنى آخر (دائم بلا انتهاء)، كما يشير قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن)، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء..) مسلم.

وإذا كان كل ما في الوجود –ما عدا الله– حادثاً، وكان هو سبباً لكل حادث؛ فلا حادث يعتمد اعتماداً كلياً على حادث غيره، لا في مجيئه إلى عالم الوجود، ولا في استمراره موجوداً. فكما أن الله خالق الحوادث وموجدها، فهو حافظها وراعيها؛ وهذا هو معنى الربوبية والقيومية.

والخالق الأزلي الأبدي لا بد وأن يكون واحدا، في ذاته وصفاته، فلا ثاني له يماثله. وواحدا في أفعاله، لا يشركه في فعلها شيء، لأنه لو أشركه: فإما أن يكون الأثر معتمداً عليهما معاً، بحيث إن أحدهما لا يستطيع الاستقلال به، وفي هذه الحال يكون كل منهما عاجزاً معتمداً في فعله على غيره؛ والذي يعتمد في فعله على غيره يلزم أن يكون حادثاً. وإما أن يضاد عمل أحدهما عمل الآخر، وبذلك، ومن باب أولى، تنتفي عنهما صفة الأزلية. وأيضاً فلا بد أن يعلو بعضهم على بعض (1).

وهذا من معاني الآيات: (لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء، (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) المؤمنون.

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؟

عن جبير بن مطعم قال “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون، أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون)”قال: كاد قلبي أن يطير. البخاري. يعني قارَب قلبه أن يخرج من مكانه لما جاء في الآيات من بليغ الحجة. وكان إذ ذاك مشركا، وكان سماعه هذه الآيات من جملة ما حمله على دخول الإسلام.

وقد تقرر في العقل مع الشرع، أن الأمر لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:

إما أنهم خلقوا من غير شيء أي: لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا عين المحال.

أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، فإنه لا يتصور أن يوجدوا أنفسهم.

فإذا بطل هذان الأمران، وبان استحالتهما، تعين القسم الثالث أن الله الذي خلقهم، وإذا تعين ذلك، علم أن الله تعالى هو المعبود وحده، الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح إلا له تعالى (تفسير السعدي).

فالآيات القرآنية هذه تدلنا على أنه يلزم كلَّ منكر لوجود الخالقِ الحق، إما القول بأن الحوادث لا يحدثها شيء، بل تأتي من العدم المحض، أو القول بأنها تخلق نفسها، أو القول بوجود خالق غير الله الخالق الحق.

ومن يتتبع أقوال الملحدين من فلاسفة وعلماء طبيعة وآخرين غيرهم، فلن يجدها تخرج عن هذه الدعاوى الثلاثة الباطلة.

كون حادث

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (هود)

من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم.. ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا قد قبلنا يا رسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره (وفي رواية: ولم يكن شيء قبله)، وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض”. البخاري

من الملاحظات العلمية التي تدل على حدوث الكون وأن له بداية، هو اقتراب علماء الفلك من حسم جدل قديم، والاتفاق (حاليا) على تحديد عمر الكون وذلك من خلال دراسة أقدم ضوء في الكون، والذي تم تحديده بما يقارب 14 مليار سنة. جاء ذلك في ورقتين علميتين لفريق دولي على رأسهم علماء من جامعة كورنيل الأمريكية، بمجلة علم الكونيات والفيزياء الفلكية، ديسمبر2020 (2). فمن مرصد مرتفع فوق صحراء أتاكاما في تشيلي، ألقى علماء الفلك نظرة جديدة على أقدم ضوء في الكون. وبنوا النتيجة على ملاحظاتهم، بالإضافة إلى علم الهندسة الكونية. ويتطابق التقدير الجديد قياسات نفس الضوء التي تم إجراؤها بواسطة القمر الصناعي بلانك التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (3). وأيا كان العمر المقترح، فالله أعلم به، ولكن فيه إشارة أن لخلق الكون بداية.

كون جديد

يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (الأنبياء)

ومعنى طي السماء تغييرُ أجرامها من موقع إلى موقع، أو اقترابُ بعضها من بعض، كما تتغير أطراف الورقة المنشورة حين تطوى ليَكتب الكاتب في إحدى صفحتيها، وهذا مظهر من مظاهر انقراض النظام الحالي، وهو انقراض له أحوال كثيرة وُصف بعضها في القرآن. وفي سورة الزمر (وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (التحرير والتنوير لابن عاشور). عن ابن عباس قال: يطوي الله السماوات السبع بما فيها من الخليقة، والأرضين السبع بما فيها من الخليقة، يطوي ذلك كله بيمينه، يكون ذلك كله في يديه بمنزلة خردلة (ابن كثير).

 

طبقا لوكالة الفضاء الأمريكية، فقد اقترحت الملاحظات الحديثة للمستعرات الأعظمية البعيدة supernova (الانفجار الهائل للنجوم)، أن تمدد الكون يتسارع. يقولون إذا كانت كثافة الكون أقل من الكثافة الحرجة، فسيتمدد الكون إلى الأبد. فلا يوجد سحب جاذبية كافٍ من المادة لإيقاف أو عكس التمدد الخارجي. يُعرف هذا باسم “البرد الكبير” Big Chill لأن الكون سوف يبرد ببطء أثناء تمدده حتى يصبح في النهاية غير قادر على الحفاظ على أي حياة. وإذا كانت كثافة الكون أكبر من الكثافة الحرجة، فستنتصر الجاذبية في النهاية وسينهار الكون مرة أخرى على نفسه، وهو ما يسمى “السحق الكبير” Big Crunch (4).

هل يفهم منه أنه “الطي الكبير”؟ أي تقلص الكون إلى حالة من الكثافة العالية للغاية ودرجة الحرارة (وهو عكس افتراضي للانفجار العظيم). في هذا الكون، توجد كتلة كافية فيه لإبطاء التوسع إلى حد التوقف، ثم عكسه في النهاية.

وإنما يغيره الله بمشيئته وقدرته (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) إبراهيم.

https://news.cornell.edu/stories/2021/01/astronomers-agree-universe-nearly-14-billion-years-old

Exit mobile version