مالي.. تدخلات دولية مستمرة واتهامات رسمية لفرنسا بدعم الإرهاب

 

تعيش مالي رغم المساعي السياسية التي تقودها الجزائر والدور العسكري الفرنسي على وقع نزاع لا يكاد ينتهي حتى يبدأ من جديد بفعل التدخلات والتنافس الدولي على ثرواتها وضد أكثر من جهة، أبرزها الحركات الأزوادية، وهي كثيرة، تناضل للحصول على الاستقلال، والمجموعات “الإرهابية” وهي متشعبة، حيث إن رائحة البترول وأخبار اكتشاف المعادن النفيسة كاليورانيوم والذهب في مالي يطرح اليوم أكثر من تساؤل حول دواعي كل هذه التدخلات الدولية والإقليمية وحول المطالب الانفصالية ذاتها وعن اتهامات مالي الرسمية لفرنسا بدعم المجموعات الإرهابية.

فقد مضى أكثر من 8 سنوات على تدخل فرنسا في مالي -المستعمرة الفرنسية السابقة- ولم تخرج فرنسا منها، رغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرح في وقت سابق أنه “قد اكتفى” فإن الولايات المتحدة لم تؤيد الأمر.

وأعلن ماكرون من قبل عن خطط لسحب قوة يزيد قوامها على 5 آلاف جندي فرنسي من المنطقة في إطار عملية “برخان”، تاركًا وراءه قوة متبقية من القوات الخاصة الأفريقية والدولية لكن لم يحدث.

فرنسا تدعم الإرهاب

قبل 3 أيام، اتهم رئيس الحكومة الانتقالية في مالي شوغيل مايغا فرنسا بالوقوف وراء تدريب من وصفهم بـ”الجماعات الإرهابية” الناشطة في البلاد، وأن حكومته تملك أدلة على ذلك.

وقال مايغا، في تصريحات لوكالة “ريا نوفوستي” الروسية: إن “الإرهابيين” الموجودين حالياً في مالي جاؤوا إلى البلاد من ليبيا، وإن القوات الفرنسية أنشأت جيشاً في كيدال -شمالي مالي- وسلمته إلى حركة تشكلت من “أنصار الدين” المتعاونة مع تنظيم “القاعدة”، حسب قوله.

وأضاف أنه لا يمكن لحكومته الوصول إلى كيدال حالياً كونها منطقة معزولة تسيطر عليها فرنسا، ولديها مجموعات مسلحة هناك دربها ضباط فرنسيون.

وقال رئيس وزراء حكومة مالي الانتقالية: إن على فرنسا أن تدرك أن القيادة الحالية لمالي مسؤولة عن أمن البلاد، ونظراً لعدم رضاها عن تصرفات باريس فستطلب المساعدة من شركاء آخرين.

وكان مايغا اتهم فرنسا -في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي- بالتخلي عن بلاده في منتصف الطريق حين قررت سحب قوة “برخان” التي تساعد باماكو في مواجهة مجموعات “إرهابية”، مما دفع بلاده إلى البحث عن شركاء آخرين.

محاولات سد الفراغ

وقال: إن بلاده تسعى للحصول على مساعدة عسكرية أخرى “لسد الفراغ الذي سينجم بالتأكيد عن انسحاب قوة برخان من شمال البلاد”.

كما ذكر مايغا أن بلاده لن تتعاون في مسألة شراء الأسلحة مع الدول التي تستخدم سياسة الابتزاز بحق بلاده وتتدخل في شؤونها، وأكد أن مالي تعتبر روسيا شريكاً موثوقاً به.

وبما أن السياسة لا تحتمل الفراغ، فإن الانسحاب الفرنسي سيزيد من احتدام التنافس في المنطقة، فالصين الناشئة وروسيا العائدة تتنافسان وتنافسان فرنسا في منطقة نفوذها التقليدية، وتدفعان القوى السياسية المحلية المعادية للوجود الفرنسي بتعويضه بوجودهما، بما يعني زيادة حالة الاستقطاب في المنطقة.

تدخل روسيا في المشهد

فيما يتعلق بالتدخل الروسي، فقد عادت روسيا إلى أفريقيا مع نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وهي شريك للقارة متواضع للغاية: 20 مليار دولار من المبادلات في الوقت الذي تبلغ فيه مبادلات الصين مع أفريقيا 200 مليار دولار، وتحاول روسيا على غرار الصين بسط نفوذها في القارة، وتعد قمة روسيا-أفريقيا المنعقدة في سوتشي عام 2019 نقطة انطلاق رسمية لسياسة النفوذ الروسي في القارة، والمستندة إلى 4 مرتكزات أساسية: المحروقات، القطاع المنجمي، النووي المدني والتسلح.

وكانت فرنسا قد بدأت مطلع سبتمبر الماضي في إعادة الانتشار من قواعد في شمال مالي، وذلك في إطار إعادة تشكيل قوة برخان التابعة لها والمؤلفة من 5 آلاف فرد، لتضم شركاء أوروبيين آخرين.

وقد أفادت تقارير بأن حكومة مالي التي يهيمن عليها العسكريون، تقترب من التعاقد مع ألف مسلح من المجموعة الروسية التي تفيد تقارير بأن لها صلات مع الكرملين.

وحذرت باريس باماكو من مغبة التعاقد مع المرتزقة الروس، وقالت: إن ذلك لا يتماشى مع استمرار الوجود الفرنسي في هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، كما حذر الاتحاد الأوروبي من أن هذا الأمر سيؤثر على العلاقات بينه وبين مالي.

خلاصة المشهد

حال مالي كحال الدول الأفريقية في تعاملها مع القوى المتنافسة عليها كالمستجير بالرمضاء من النار، فهي تستقوي بقوة أجنبية ضد قوة أجنبية أخرى، لكنها دائماً الخاسر الأكبر في المحصلة النهائية لأنها توسع من دائرة تبعيتها الخارجية وتستبيح سيادتها، في الوقت الذي تدعي فيه أنظمتها التسلطية حماية سيادة البلاد.

وملخص المشهد في مالي يشير بوضوح لعجزها السياسي والاقتصادي والأمني، لذا هي حائرة ومستمرة في الاستقواء بالخارج لاستضعاف الداخل، لكنها في نهاية الأمر لم تحقق ما تريد في الداخل من كبح جماح حركات التمرد والحروب أهلية ولا التحرر والانعتاق من سيطرة الخارج.

 

 

 

 

 

____________________

مصادر ذات صلة:

1- مالي تتهم فرنسا بتدريب جماعات إرهابية وإنشاء جيش شمالي البلاد،  

2- فرنسا تستأنف العمليات العسكرية مع مالي وتعلن مقتل واعتقال قياديين بتنظيم الدولة،

3- فرنسا تريد الخروج من مالي والولايات المتحدة تقاوم،

4- رئيس وزراء مالي يتهم فرنسا بتدريب جماعات إرهابية في بلاده،

5- هل هناك تنافس دولي وصراع داخلي على ثروات مالي النفطية والمعدنية؟

6- فرنسا والتنافس الدولي في منطقة الساحل،

7- دوافع التنافس الروسي – الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء،

Exit mobile version