التوتر الأذري الإيراني.. ماذا وراء الأكمة؟

 

عجيب أمر جمهورية إيران “الإسلامية” “الشيعية”، بنص الدستور الإيراني، لماذا تقف مع أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية وتدعمها ضد أذربيجان الدولة ذات الأغلبية المسلمة “الشيعية”؟ مرة أخرى، على ماذا تستند إستراتيجية الجمهورية الإسلامية؟ ولماذا ترعد إيران وتزبد الآن في مواجهة أذربيجان؟ وترد أذربيجان بهدوء! وإلى صدر من توجه القوة الإيرانية الإقليمية الناعمة والخشنة؟ وهل يتفق هذا مع الدين والمذهب الذي تعتنقه إيران؟ أم أن دين إيران ومذهبها شيء، والإستراتيجية التي تتبناها شيء آخر؟  

لماذا الآن؟

لماذا الآن؟ لماذا انتقلت مناورات إيران للحدود الأذرية الإيرانية؟ سؤال طرحة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في حديث مع وكالة “الأناضول” التركية في أواخر سبتمبر معلقاً على مناورات “خيبر” الإيرانية قائلاً بهدوء: “يمكن لكل دولة إجراء أي مناورات عسكرية على أراضيها، إنه حقها السيادي، لكن لماذا الآن؟ ولماذا على حدودنا؟ فالأذريون في أنحاء العالم يتساءلون عن ذلك”، وتابع علييف: إن “السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تنفذ هذه التمرينات خلال فترة الاحتلال؟ لماذا تُجرى بعد تحرير هذه الأراضي وإنهاء 30 عاماً من الأسر والاحتلال؟ هذه أسئلة مشروعة”.

ماذا وراء الأكمة؟

المناورات الإيرانية على الحدود مع أذربيجان، الآن، بعد تأييد إيران ودعمها المعلن والمستمر لأرمينيا، المسيحية الأرثوذكسية، المعتدية التي ما زالت تحتل أراضي أذربيجانية، تلقي الضوء على الإستراتيجية الإيرانية، في مقابل إستراتيجيات أخرى، فهذه ليست المناورات أو التدريبات التي تسببت في حدوث هذه التوترات، ففي 12 سبتمبر الماضي، أطلقت أذربيجان تمرينًا مشتركًا مع تركيا وباكستان، علق عليه محذراً ممثل المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي في مقاطعة أردبيل (المتاخمة لأذربيجان) “بعدم اللعب بذيل الأسد”، فمن كان يقصد؟ أذربيجان “الصغيرة” أم تركيا وباكستان “الكبيرتين”؟

ذيل الأسد!

تصريح “ذيل الأسد” والتحذير الذي أطلقه ممثل المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي في مقاطعة أردبيل لم يكن التحذير أو التصريح الوحيد المعادي لأذربيجان من قبل المسؤولين الإيرانيين، فقد قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للصحفيين في موسكو: “بالتأكيد لن نتسامح مع التغيير الجيوسياسي وتغيير الخريطة في القوقاز”، وأضاف: “لدينا مخاوف جدية من وجود إرهابيين وصهاينة في هذه المنطقة”، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده: “نحن باستطاعتنا الدفاع عن أمننا بصورة مناسبة لكن نطلب من باكو العمل بالتزاماتها”. 

وقد أشار المرشد الإيراني علي خامنئي، في كلمة ألقاها، إلى توتر العلاقات الحدودية بين إيران وأذربيجان دون أن يذكر الأخيرة بالاسم، وقال: “تجري أحداث في شمال غرب البلاد في بعض الدول المجاورة، يجب حلها بمنطق وتجنب السماح بحضور الأجانب”.

هل تتحالف باكو مع “داعش” والكيان الصهيوني؟

نشرت بعض أجهزة الإعلام الموالية لإيران تصريحات غير رسمية لمسؤولين إيرانيين تتهم باكو بالتعاون مع كل من “الكيان الصهيوني” و”داعش” فقد صرح الدبلوماسي الإيراني السابق أمير موسوي عن وجود معلومات لإيران بوجود 1000 عنصر “إسرائيلي”، و1800 عنصر من “داعش” داخل أراضي أذربيجان.

والحق أن العلاقات بين أذربيجان الرسمية “العلمانية” ذات الأغلبية الشيعية قديمة، تسبق ربما الاحتلال الأرميني لإقليم قرة باغ، ولم تفكر أذربيجان بتحرير الإقليم المحتل، رغم وجود الدعم والتسليح الصهيوني، إلا بعد توفر الدعم التركي، هذه حقيقة لا يغفلها إلا غافل أو مغرض، أما الحديث عن خطر صهيوني على حدود إيران من ناحية أذربيجان فحديث متهافت، والأشد تهافتاً منه الحديث عن وجود “داعشي” في أذربيجان جنباً إلا جنب مع الوجود الصهيوني.

الإستراتيجية المعتنقة والخطر الحقيقي

الخطر الحقيقي الذي أصبح يقض مضاجع صناع القرار في إيران هو عودة تركيا إلى الحياة بإستراتيجية واضحة جسورة تتمثل في الاعتماد التركي الإستراتيجي على العمقين التركي والعربي، فتركيا الجديدة، المنعتقة من الهيمنة الغربية، والعائدة إلى حضن أمتها، تقوم بثقة بإعادة مد جسور التعاون والتعاضد مع العمق التركي في وسط آسيا، وإلى العمق العربي والإسلامي في آسيا وأفريقيا، هذا هو الذي تخشاه جمهورية إيران “الإسلامية”، وإلا فلماذا دعمت وتدعم أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية، إلا لتكون خنجراً في ظهر تركيا يقطعها عن امتدادها التركي في جمهوريات وسط آسيا الإسلامية من الأصول العرقية التركية؟ ولماذا استدعت روسيا الشيوعية، سابقاً، والأرثوذكسية، حالياً، لتقتل معها السوريين المطالبين بحقهم في الحرية؟ وقبل ذلك، لماذا ساعدت جمهورية إيران “الإسلامية” الأمريكيين على احتلال العراق ومن بعدها أفغانستان؟

ولماذا تترك شيعة أذربيجان يذوبون في العلمانية ومن قبلها الشيوعية وهي تقاتل في العراق وسورية ولبنان واليمن لنشر “المذهب”؟

ممارسات إيران تفضح إستراتيجيتها، جمهورية إيران “الإسلامية” تستخدم الدين وتستخدم المذهب ولا تعتنقهما، فالبون شاسع بين اعتناق الدين أو المذهب واستخدامه، هل نشك بعد كل هذه الأدلة في أن إستراتيجية دولة إيران لا تخدم سوى العرق الفارسي الذي يشكل بالكاد نصف سكان إيران؟           

Exit mobile version