قضية الأحواز المنسية إلى الواجهة من جديد

 

فيما يبدو أن قضايا الأمة المنسية استعصت على النسيان رغم كثرتها من طنجة إلى جاكرتا، فهناك الأندلس الكنز المفقود، وهناك فلسطين الجريحة والقدس الأسير، واليمن الحزين، وسورية الممزقة، والروهنجيا المضطهدة، والإيغور الإقليم المسجون، ومأساة آسام الهندية.. والقائمة تطول بطول خطوط الطول وتتسع باتساع دوائر العرض على الخرائط، وتدفن المآسي بعمق الجراح، وتمتد المأساة على مدى التاريخ.

في هذا التقرير، نعيد إحدى هذه القضايا إلى الواجهة مجددًا، إنها قضية الأحواز التي يطلق عليها قضية العرب والمسلمين المنسية، فلقد أطلقت الدولة الصفوية على الإقليم الواقع جنوب غرب إيران، على رأس الخليج العربي بمحاذاة العراق وتقطنه أغلبية عربية قوامها ‏12‏ مليون نسمة، اسم عربستان ثم تغير إلى خوزستان‏.

تغيير ديمغرافي

تبلغ مساحة “إقليم الأحواز” 370 ألف كيلومتر مربع، ولكن الحكومة الإيرانية اقتطعت في عام 1936 تحت ستار إجراء التنظيمات الإدارية الحديثة مساحات من أراضيه وضمتها إلى ولايات أخرى مجاورة بهدف تقليص مساحته الجغرافية وتحطيم أواصر الوحدة بين أجزائه، والمساحات المقتطعة، هي:

1- 11 ألف كيلومتر مربع اقتطعت من الجزء الجنوبي للإقليم وضمت إلى محافظة فارس.

2- 10 آلاف كيلومتر مربع اقتطعت من الجزء الشرقي للإقليم وضمت إلى محافظة أصفهان.

3- 4400 كيلومتر مربع اقتطعت من الجزء الشمالي وضمت إلى محافظة لرستان.

وبذلك يكون مجموع مساحات الأراضي الأحوازية المقتطعة من الإقليم 25400 كيلومتر مربع، وبهذا تقلصت مساحة الأحواز الكلية من 370 ألف كيلومتر مربع إلى 344600 كيلومتر مربع.

تغيير الأسماء العربية

‏قامت إيران بتغيير الأسماء العربية لمدن الإقليم إلى أخرى فارسية ‏في عهد الشاه رضا بهلوي الذي قام بخلع حاكمه الشيخ خزعل الكعبي وفرض السيطرة الإيرانية على الإقليم منذ عام 1925‏ لوجود نحو ‏85‏% من البترول والغاز الإيراني‏، و35% من المياه في هذا المكان.

تاريخ

أقام العرب أول دولة لهم في المنطقة بعد سقوط الدولة العباسية وهي دولة بني أسد التي اتخذت من مدينة الأهواز الحالية عاصمة لها.

وفي بداية القرن السادس عشر، اعترفت الدولتان الصفوية في فارس والعثمانية باستقلال دولة عربية بالأهواز هي الإمارة المشعشعية التي انتقل الحكم فيها لبني كعب في القرن الثامن عشر، وكان آخر أمرائها الشيخ خزعل الكعبي الذي سقطت إمارته عام 1925.

وكان سكان الأهواز قد دعموا الثورة الإيرانية عام 1979 ضد نظام الشاه، حيث كان الشيخ الخاقاني القائد الروحي للأهواز على اتصال بقائد الثورة الخميني قبل مجيئه إلى إيران.

هذا، وتعد أراضيه من أخصب الأراضي الزراعية في الشرق الأوسط وتجري هناك ‏3‏ أنهار كبيرة وأهمها نهر كارون، ونهر الميناو، ونهر الكرخة.

وأغلب سكانه من العرب السُّنة وتُصنفه منظمة الصحة العالمية من أكثر مناطق العالم تلوثاً.

ويتميز بسهوله المنبسطة (متوسط ارتفاع الأراضي لا يتجاوز 20 متراً عن مستوى سطح البحر) وبأدغاله الرطبة التي يُغذيها نهر دجلة عبر أودية وروافد كثيرة ومتعرجة.

وتحرم حكومة طهران سكان الأحواز من هذه الخيرات الطبيعية، مما يجعل البعض يصف الشعب الأحوازي بأنه أفقر شعب يسكن أغنى الأراضي خصوبة وخيراً.

والأهواز تُطلق كذلك على عاصمة هذا الإقليم وفق التسمية الفارسية التي تدعو الإقليم “خوزستان”، وتعني بلاد أو أرض الأحواز، وهي تسمية موروثة عن العهد الساساني أحياها رضا شاه عام 1925، وتقع مدينة الأهواز على بعد 120 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة عبدان النفطية الواقعة على الحدود مع العراق على مستوى شط العرب.

الأهمية الإستراتيجية

تستمد الأهواز أهميتها من خصوبة أراضيها ووفرة إنتاجها الزراعي والحيواني؛ ما جعل منها سلة غذائية بامتياز بالنسبة لمحيطها المباشر سواء في إيران أو العراق والخليج، وإن كان التلوث الشديد بالمنطقة يُهدر فرصاً حقيقية للنهوض الشامل بالمجال الزراعي.

وتتوفر المنطقة كذلك على مخزون مهم من النفط، كما أنَّ إحدى مدنها، وهي عبدان، تُعد أهم مركز تكرير وتصدير للبترول بإيران، وترتبط منشآتها بحقول النفط والغاز في مختلف أرجاء البلاد.

وعبدان كذلك مرفأ إستراتيجي يُتيح لإيران واجهة ثمينة على الخليج العربي وعلى الملاحة الدولية المتجهة من هذه المنطقة النفطية إلى مختلف أرجاء العالم.

قمع وإعدامات سرية

كانت آخر انتفاضة عارمة للأحوازيين في أبريل 2005 ضد سياسات الحكومة الإيرانية الرامية إلى تغيير النسيج السكاني للإقليم، وتهجير العرب من أرض آبائهم وأجدادهم وإحلال مكانهم مهاجرين من الفرس وسائر القوميات، وتحويل العرب في الأحواز من أكثرية إلى أقلية في موطنهم.

تأثر الأحوازيون عام 2011 بثورات “الربيع العربي”، وخاصة الثورة السورية، إذ قاموا بمظاهرات سلمية واسعة، ولكن التعتيم الإعلامي الشديد الذي يمارسه النظام الإيراني والإهمال العربي والتجاهل الدولي لقضية الأحواز وعدم تغطيتها ودعمها، ساهم في قمع طهران لهذه الانتفاضة بصمت.  

حاولت السلطات الإيرانية ربط الحراك العربي الأحوازي بالعامل الطائفي في المنطقة، وتعرض الأحوازيون إلى القمع والعنف المنظم بدءًا من تصفية النشطاء السياسيين من خلال الإعدامات السرية أو العلنية، وصدور أحكام بالسجن لفترات طويلة، وممارسة التعذيب ضد نشطاء المجتمع المدني وحتى المواطنين العاديين.

وفي أواسط أبريل 2011، تناقلت التقارير الحقوقية إطلاق قوات الأمن النار على العشرات من المتظاهرين وقتلهم، في منطقة الأحواز، وشهد العام زيادة حادة في استخدام عقوبة الإعدام.

نضال من أجل الحقوق

جرّب الشعب العربي في الأحواز كل القنوات السياسية السلمية للحصول على حقوقه الأساسية والمشروعة والمنصوص عليها في الدستور الإيراني الحاليّ، كما سعى على وجه الخصوص من أجل تطبيق المادتين (15) و(19) من الدستور، اللتين تؤكدان حق التعليم باللغة الأم لجميع الجماعات العرقية، بما في ذلك العرب والأتراك والأكراد والبلوش.

لكن النظام الإيراني يرفض تنفيذ هاتين المادتين؛ الأمر الذي يحرم أكثر من 50% من السكان غير الفرس من لغتهم الأم، وبدلًا من ذلك، فرض النظام اللغة الفارسية كلغة رسمية في مناهج التعليم، وأدت هذه السياسة إلى ارتفاع معدلات الطلاب الذين يتركون المدارس في سن مبكرة في المناطق غير الفارسية المهمشة.

المأساة مستمرة

كشفت تقارير حقوقية أحوازية عن استغلال السلطات الإيرانية الرسمية للكثير من الأزمات ومعظمها مفتعلة لتهجير السكان من مناطقهم العربية، وتحاول السلطات الإيرانية إجبار الأحواز داخل بعض المدن مثل الحويزة والبسيتين والخفاجية والرفيع وغيرهم على مغادرة منازلهم بسبب الفيضانات، وقدر هؤلاء من قبل منظمات حقوقية أحوازية بما يزيد على 300 ألف مواطن، وقامت قوات من الحرس الثوري الإيراني بالهجوم على القرى الأحوازية والتنكيل بأهلها وقتل وإصابة الكثير منهم بعد إطلاق النار عليهم، واعتقال الرافضين للسياسات الإيرانية التي تمثلت إحداها في فتح السدود لإغراق قطاع كبير من الأراضي بهدف تهجير السكان جماعياً، خاصة في المناطق الريفية على الحدود مع العراق وكذلك في الشمال، ورفضت السلطات الإيرانية دعم المتضررين في الريف من قبل المنظمات الإغاثية، ورفض دخول المساعدات إلى المناطق المتضررة، ورفض الكثير من السكان المحليين عروض السلطات الإيرانية بتهجيرهم إلى محافظات في وسط إيران وذلك إدراكاً منهم بالمخطط الحكومي لتغيير التركيبة السكانية للإقليم.

ورغم مسؤولية السلطات الإيرانية عن الكوارث التي تعرض لها السكان الأحواز في مناطقهم، فإنها رفضت تقديم الغوث للمتضررين من فتح السدود لإغراق الأراضي الزراعية مما دعا السكان الأحواز العرب في وسط وجنوب شرقي الأحواز إلى المبادرة بإرسال المساعدات لأقرانهم من السكان المتضررين في القرى المختلفة التي بلغت نحو 13 قرية في مناطق الشعيبية الريفية، ورفضت السلطات الإيرانية الإجابة عن أسئلة المنظمات الحقوقية لتصرفاتها بحق الإقليم.

 

 

 

 

 

 

_________________

مصادر ذات صلة:

1- جغرافيا الأحواز، موسوعة المعرفة،

2- منطقة الأهواز، الجزيرة نت،

3- محافظة الأحواز ونهراها الكبيران، الشرق الأوسط،

4- الصراع الدولي حول إقليم الأحواز،

5- الأحواز.. القضية المنسية عربياً ودولياً، الأهرام المصرية،

6- قضية الأحواز المنسية.. ماذا يحدث غرب إيران؟

7- قضية الأحواز.. انتهاك إيراني لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية،

8- تعرف على حكاية عرب الأهواز مع إيران، https://bbc.in/3Adda1B

Exit mobile version