أزمة سياسية وانتخابات مُؤجلة.. إلى أين يتجه الصومال؟

 

على مدار 8 أشهرٍ مضت؛ عاش الصومال أوضاعًا سياسية مضطربة بسبب التأجيل المستمر للانتخابات البرلمانية والرئاسية منذ فبراير الماضي، وأثار هذا التأجيل قلقًا سياسيًا وأمنيًا بين المعارضة ونظام الرئيس محمد عبدالله فرماجو، مما جعل البلاد أمام أزمة دستورية خانقة تضعها أمام تحدٍّ جديد، وسط أزمات عديدة تُهدد البلد الأفريقي المُتعَثر.

تأجيل مستمر

انتهت ولاية الرئيس محمد عبدالله فرماجو في الثامن من فبراير هذا العام، واستمر فرماجو في منصبة دون غطاء قانوني حتى منتصف أبريل الماضي، محاولًا تمديد فترته الرئاسية لمدة عامين من قِبل مجلس الشعب، وتسبب ذلك في إثارة فوضى سياسية وأمنية في البلاد كادت أن تعيدها إلى زمن الحرب الأهلية.

فحدثت انشقاقات داخل الشرطة والجيش، كما شوهد تبادل إطلاق نار قرب القصر الرئاسي، وهو ما أجبر الرئيس على التراجع عن قرار التمديد تحت ضغط الشارع، عبر اتفاقية سياسية تستبعده من إدارة العملية الانتخابية، على أن يُدير رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي عملية الانتخابات.

وفي الرابع من يونيو، أعلن روبلي عن تشكيل لجنة انتخابية فيدرالية جديدة تتكون من 25 عضوًا، إلى جانب لجنة أخرى لحلّ الخلافات وضمان سير عملية تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد.

ونشرت اللجنة في منتصف يوليو الماضي جدولًا يضم مسارًا انتخابيًا طويلًا يبدأ بانتخاب مجلس الشيوخ في الخامس والعشرين من يوليو، على أن ينتهي في 10 أكتوبر بانتخاب الرئيس، غير أن هذه المواعيد الانتخابية لم يتم الالتزام بها حتى الآن، إذ أعلنت الحكومة عن إرجاء انطلاق الانتخابات مرة أخرى.

وفي أغسطس الماضي، عُقد في مقديشو مؤتمر تشاوري ضمّ رؤساء الولايات الفيدرالية ورئيس الحكومة الصومالية محمد حسين روبلي، لاستكمال ملف الانتخابات والنقاش في الإجراءات الفنية الباقية بخصوص تنظيم انتخابات مجلس الشعب.

وقال الناطق باسم الحكومة الصومالية محمد إبراهيم معلمو، في كلمة متلفزة: إنّ المؤتمر ناقش سبل استكمال الانتخابات النيابية التي انطلقت في البلاد في 25 يوليو الماضي، إلى جانب البحث عن ميزانية مالية لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.

بينما يرى مراقبون أن بطء عملية تنظيم الانتخابات النيابية سيؤجل اكتمال نواب البرلمان، مما يؤدي إلى عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في أكتوبر الحالي، حسب ما كان مدرجًا في جدول الانتخابات الصادر عن اللجنة الفيدرالية للانتخابات.

في هذا الصدد، يوضح الصحفي الصومالي ومدير مركز الصومال للدراسات، الشافعي أبتدون، أن هناك أسباباً عدة أدت إلى تأجيل الانتخابات، منها عدم الالتزام بجدول زمني معين من قِبل الحكومة الصومالية، فقد أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات جداول مختلفة، ومن الراجح أن الانتخابات ستتأجل لبضعة شهور بسبب الأزمات السياسية والأمنية في البلاد.

وأضاف أبتدون لـ”المجتمع” أن هناك ضعفاً في الميزانية لانعقاد الانتخابات، حيث تواجه الحكومة أزمة مالية لتسهيل إجراء تنظيم الانتخابات، ولا تزال تناشد المجتمع الدولي للالتزام بوعوده لدعم الاستحقاق الانتخابي في البلاد، آخرها دعوة “الخارجية” الصومالية لجامعة الدول العربية بتوفير منحة مالية قدرها 12 مليون دولار لتيسير إجراءات تنظيم الانتخابات.

ويرى الصحفي الصومالي أن ظهور جماعة أهل السُّنة والجماعة بوسط البلاد، يمكن أن يُعرقل سير عملية تنظيم الانتخابات بوسط البلاد، ويعيد المواجهات المسلحة إلى إقليم جلمدغ، وأضاف أن الخلافات بين الرئاسة الصومالية والحكومة الفيدرالية، تمثل حاليًا التهديد الأكبر للانتخابات الرئاسية في البلاد، هذا فضلًا عن فشل الأجهزة في ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار.

صراع سياسي متصاعد

عندما تم تكليف محمد حسين روبلي، في مايو الماضي، بمهمة الإعداد للانتخابات الرئاسية، التي لم يتمكن الرئيس المنتهية ولايته، محمد فرماجو، من تنظيمها بنفسه، نجح روبلي في جمع كل الأطراف حول طاولة المفاوضات، وتم الاتفاق على جدول زمني للانتخابات، وشَكّل هذا إنجازًا كبيرًا وشعبية واسعة له، وعلى إثره بدأت العلاقات تتوتر بين فرماجو الذي تولى الرئاسة منذ عام 2017، وروبلي الذي عُين رئيسًا للوزراء في سبتمبر 2020م.

ففي أغسطس الماضي، زار روبلي كينيا ليباشر تقاربًا بين البلدين، رغم أن الرئيس حظر إبرام اتفاقات مع كيانات أجنبية قبل الانتخابات، كما تصدى روبلي لوكالة الاستخبارات الوطنية الواسعة النفوذ، فأقال مديرها فهد ياسين المقرب من الرئيس، في سبتمبر الماضي.

ورَد الرئيس فرماجو على الفور، فعين ياسين -وهو الصديق المقرب له الذي كان مهندس فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2017- في منصب المستشار الأمني للرئاسة.

فقام روبلي بإقالة وزير الأمن حسن حندوبي جمعالي، وعين مكانه عبدالله محمد نور المعارض للرئيس، فرفض فرماجو هذا القرار، مُعتبرًا أنه باطل دستوريًا.

وفي 16 من سبتمبر الماضي، قام الرئيس الصومالي فرماجو بتعليق صلاحيات رئيس الحكومة روبلي، فيما يخص عزل أو تعيين أي مسؤول، حتى استكمال الانتخابات المقررة في أكتوبر الجاري، واتهم بيان للرئاسة الصومالية روبلي بخرق القانون، وإصدار قرارات بالاعتداء على حقوق القوات المسلحة، كما دعا فرماجو الوزراء لأداء مهامهم الدستورية، وأوصى لجان الانتخابات الفدرالية بالإسراع في استكمال انتخابات المجالس التشريعية والرئاسية.

ويثير هذا التصعيد السياسي مخاوف دولية، خاصة في وجود حركة الشباب الصومالية وزيادة المواجهات المسلحة في مقديشو، كان آخرها تفجير بالقرب من حاجز أمني في مديرية حمروين جنوب العاصمة الصومالية مقديشو، في 25 من الشهر الماضي، قُتل على إثره 7 أشخاص وأصيب 8 آخرون، وقد أعلنت حركة الشباب المجاهدين مسؤوليتها عن الانفجار.

المشهد الانتخابي إلى أين؟

يُتوقَّع أن يحدث تأخير عن المواعيد المقترحة للانتخابات، قد تمتد لأشهر، لحل الخلافات السياسية العالقة، وترى المعارضة أن أي تأجيل فني محدود لن يؤثر في العملية الانتخابية، لكن جملة التحديات السياسية السابقة قد تقود البلاد إلى دوامة جديدة من العنف.

حيث أعاد الرئيس فرماجو الصومال مرة أخرى إلى حافة الصراع المسلح، وأعاد إنتاج الانقسامات العشائرية التي طُويت في عهد الحرب الأهلية، وتُعتبر حركة الشباب هي المستفيد الأكبر من هذه الظروف، لتكثيف نشاطها القتالي بسبب انشغال أجهزة المخابرات في عملية الانتخابات.

يعتقد الشافعي أبتدون أن الانتخابات ستتأجل حتى مطلع العام القادم، لأن كل المؤشرات توحي بذلك، بسبب التعقيدات السياسية والأمنية الراهنة، ويذهب أبتدون إلى أن المَخرج من انسداد أفق الأزمة السياسية والدستورية الراهنة هو الحوار وحل الخلافات بتفاهمات محلية، قبل التدخل الدولي والأفريقي؛ لسحب البساط من كليهما والدفع نحو انتخابات يديرها رعايا آخرون من المجتمع الدولي.

وأكد أبتدون لـ”المجتمع” أن إجراء الانتخابات هي الحل الأمثل لتجاوز أزمة الصلاحيات الدستورية في البلاد، لكنها لن تكون علاجًا ناجعًا للخلافات الدستورية المتكررة في هرم السلطة، ما لم تكن هناك معالجة جذرية وإعادة نظر في البنود التي تمثل عين التناقضات والإشكاليات في الدستور المحلي المؤقت.

ويستمر تصاعد الأزمة السياسية والأمنية في الصومال، مُؤديةً لتعطيل التجربة الديمقراطية عن المضي قدمًا، في بلدٍ أنهكته الصراعات القبليّة والحروب الأهلية، ويتعطش للديمقراطية والاستقرار، فهل ينجح الصومال في تجاوز الأزمة الراهنة وإتمام الانتخابات المرتقبة؟ أم يتصاعد الصراع داخل البلد الأفريقي؟

 

 

 

 

 

 

____________________________

(*) صحفية مهتمة بالشأن الأفريقي.

Exit mobile version