ما تداعيات انضمام العراق لاتفاقية “هلسنكي” للمياه؟

 

شارك وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني كمتحدث في الجلسة الاستثنائية رفيعة المستوى لمؤتمر الأطراف التاسع لاتفاقية المياه هلسنكي 1992 والمقامة في جنيف للفترة من 29 سبتمبر وحتى أكتوبر 2021.

وقال الحمداني خلال كلمته: إن العراق في خطواته الأخيرة للانضمام إلى اتفاقية المياه هلسنكي 1992، مشيراً إلى الجهود المبذولة من قبل وزارة الموارد المائية للتوصل إلى اتفاق منصف وعادل مع دول المنبع وإمكانية تقديم الاتفاقية الدعم اللازم لتعزيز موقفه لضمان حقوقه المائية.

جدير بالذكر أن العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 يخوض حرباً على المياه، بسبب انخفاض معدلات إيرادات نهري دجلة والفرات بحوالي 50% عن معدلاتها الطبيعية خلال الأعوام الماضية، ليتسبب انخفاض مليار لتر مكعب واحد من المياه بخروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية المنتجة عن الخدمة، بحسب إحصائيات شبه رسمية، كما يخسر في ذات الوقت آلاف المليارات المكعبة سنوياً بسبب ما يمكن تسميتها بالحرب المائية التركية الإيرانية عليه.

ما قواعد هلسنكي؟

هي قواعد بشأن استخدامات مياه الأنهار الدولية، وهي دليل دولي ينظم كيفية استخدام الأنهار والمياه الجوفية المتصلة بها التي تعبر الحدود الوطنية، التي اعتمدتها رابطة القانون الدولي (ILA) في هلسنكي، فنلندا في أغسطس 1966.

حيث ذهبت قواعد هلسنكي إلى أن البحيرات والأنهار التي تعبر الحدود الدولية أو تعتبر محددة لها دن أن تحكمها اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف تخضع لاعتبارات سيادة الدول تسببت في عدم اعتماد الأمم المتحدة لقواعد هلسنكي 1993 وأخرجتها من دائرة الالتزامات الدولية.

كانت قواعد هلسنكي تعني بمنابع الأنهار أكثر من مجراها، وقد كان من نتائج ذلك أنها اهتمت وأرست قاعدة الفرص المتساوية، ونصت قواعد هلسنكي بوجه خاص على أن كل الدول الشاطئة للأنهار أو البحيرات المائية من حقها الحصول على قدر معقول ومتوازن من المياه، ولكن برز خلاف حول تفسير هذا المعيار، كما أن قاعد هلسنكي ألقت أهمية على ضرره تفادي أي أضرار جسيمة لدول المصب ولكن اختلفت التفسيرات الاجتماعية لهذا المصطلح إلا أن الجوانب الجغرافية والاقتصادية والديموغرافية والتاريخية قد وضعت في الحسبان في الصياغة الأصلية للقواعد دون كثير من الاهتمام بنوعية المياه أو البيئة.

بالرغم من ذلك لاعتمادها من قبل دائرة أراضي “إسرائيل”، لا توجد آلية مطبقة لتطبيق القواعد؛ مما أدى إلى إنشاء الأمم المتحدة اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، في عام 2004، حلت محلها قواعد برلين بشأن الموارد المائية.

أزمة المياه في العراق

تعد أزمة المياه في العراق مسألة ذات أبعاد متعددة على مستقبل البلد الصحي والزراعي الذي ينعكس بالتأكيد على واقعه الاجتماعي، وكذلك التأثير على علاقاته الخارجية مع دول الجوار التي يشترك معها بموارده المائية.

كما هو معروف أن العراق يتمتع بموارد مائية مهمة مثل دجلة والفرات وروافدهما وشط العرب، إضافة إلى المياه الجوفية، وعلى الرغم من ذلك فقد بدأت ملامح أزمة المياه في العراق تظهر للعيان من خلال الجفاف الذي حدث في صيف 2018، وبالخصوص بسبب قلة الأمطار خلال هذا العام وهو ما لفت النظر إلى ضعف السياسات المائية في العراق.

لدى العراق عدد كبير من السدود التي تستوعب كميات هائلة من المياه، وهي كل من سد دوكان الخرساني وسد دربندخان الركامي وسد حمرين وسد حديثة والموصل وسد دهوك وسد العظيم، فضلًا عن عشرات النواظم التي تسهم في حفظ المياه، لكن ومنذ عام 2003 لم يضف العراق أي سد جديد أو بناء ناظم أو سدة على أقل تقدير، على الرغم من التوسع السكاني الكبير وازدياد الحاجة الملحة للمياه، فضلاً عن الضعف الواضح في إدارة ملف الموارد المائية مع دول المنبع.

العراق بلا أنهار 2040

يبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في البلاد نحو 53 مليار متر مكعب سنوياً، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.

ووفقاً لتوقعات “مؤشر الإجهاد المائي”، فإن العراق سيكون أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جداً في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.

الخلافات المائية مع طهران

ونتيجة لشح إمدادات المياه يعتزم العراق تدويل ملف الخلافات المائية مع طهران بعد أن شهدت السنوات الماضية انخفاضاً شديداً في إمدادات المياه القادمة من إيران.

ومنذ عدة سنوات، عمدت إيران التي تعاقدت في الثلاثين عاماً الماضية على بناء 600 سد على الأقل في البلاد، إلى قطع أو تحويل مجرى الأنهر التي تنبع من أراضيها وتدخل الأراضي العراقية.

جدير بالذكر أنه تنبع من إيران نحو 18% من مياه نهر دجلة.

وتسبب شح المياه في نهري دجلة والفرات بسبب السدود التي تبنيها تركيا وإيران، وامتلاء مجرييهما بكم هائل من نفايات المدن التي يعبرانها، بكارثة إذ بدأت الملوحة تتسرب إلى الأراضي الزراعية وتقتل المحاصيل.

وفي الأعوام الماضية، تسببت ملوحة المياه بتحويل آلاف الهكتارات من الأراضي إلى أراض بور، مما وجه ضربة قاضية للقطاع الزراعي العراقي الذي يشكل نسبة 5% من إجمالي الناتج الداخلي ويوظف نحو 20% من إجمالي اليد العاملة في البلاد.

وقال وزير الموارد المائية العراقية، مهدي رشيد الحمداني: إن بلاده بدأت بإجراءات تدويل الملف عبر إرسال مذكرة رسمية لوزارة الخارجية العراقية من 8 صفحات معدة بشكل محكم.

الخلافات المائية مع تركيا

تعود جذور أزمة المياه العراقية التركية إلى عشرينيات القرن الماضي، حيث شهد عام 1920 توقيع اتفاقيات “ثلاثية وثنائية” بين العراق وتركيا وسورية لتقسيم المياه وفق المعايير الدولية المتبعة حينذاك، التي عززت بعد ذلك بتوقيع معاهدة الصلح بين تركيا والحلفاء في لوزان عام 1923، وهي اتفاقية متعددة الأطراف تضمنت نصاً خاصاً يتعلق بمياه نهري دجلة والفرات حيث جاء في المادة (109) من هذه الاتفاقية “لا يحق لأية دولة من هذه الدول الثلاث إقامة سد أو خزان أو تحويل مجرى نهر من دون أن تعقد جلسة مشتركة مع الدول الأخرى وتستشيرها لضمان عدم إلحاق الأذى بأي طرف”.

وفي عام 1946 وقع الطرفان البروتوكول رقم (1) الخاص بتنظيم مياه النهرين الملحق بمعاهدة الصداقة وحُسن الجوار الموقعة بين العراق وتركيا، ثم جرت أولى المفاوضات بين دول الحوض عام 1962 لتقاسم المياه، حيث رفض الجانب التركي “ولا يزال يرفض” اعتبار نهري دجلة والفرات نهرين دوليين، وبذلك خالفت تركيا “المادة د” من مبادئ هلسنكي لعام 1966 باعتبار الفرات نهراً دولياً، واعتبرته نهراً عابراً للحدود فقط.

فرصة للعراق

يرى عدد من المراقبين أن العراق أمامه فرصة واعدة لتطوير قدراته المحلية في استثمار ثروة المياه وإمكانات التفاوض مع تركيا وسورية وإيران بشأن أنهاره المشتركة، بعد أن أصبحت اتفاقية هلسنكي 1992 التي تسمى باتفاقية المياه أيضاً، أول اتفاقية دولية نافذة لحماية واستخدام المياه المشتركة العابرة للحدود والبحيرات الدولية، حيث حظيت الاتفاقية بما لم تحظ به شبيهتها النيويوركية، إذ لا تزال اتفاقية نيويورك لعام 1997، وهي الخاصة بالاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية العابرة، غير داخلة في حيز النفاذ لعدم اكتمال نصاب الدول المصادق عليها.

 

 

 

 

 

 

 

____________________

مصادر ذات صلة:

1- قواعد هلسنكي بشأن استخدامات مياه الأنهار الدولية،

2- القواعد القانونية لإدارة الأنهار الدولية،

3- اتفاقية هلسنكي للمياه فرصة كبيرة للعراق،

4- أزمة المياه مع إيران.. العراق يعتزم تدويل الملف وشكوك حول “الموقف الموحد”، https://arbne.ws/2ZTvyQQ

5- الجفاف يهدد دجلة والفرات.. لهذا يدفع العراق ثمن حرب المياه،

6- العراق بلا أنهار عام 2040.. هذه قصة أزمة المياه،

Exit mobile version