الاحتلال الصهيوني يحرم الطفل من جرعة الكيماوي ويعتقل والده

 

في مشهد صباحي يفيض بالكثير من المشاعر ينحني الأب حجازي القواسمة (37 عاماً) ليطبع قبلة على وجه ابنه المريض بالسرطان أحمد (11 عاماً) فيما يحمل على ذراعه طفله الأصغر وبجواره طفلته ورد ذات الأربع سنوات تنتظر دورها في توديع والدها، تارة تنظر لوجهه المشع بالأمان، وأخرى لوجه جيش الاحتلال المليء بالإجرام الذي يتسطر من خلفها، كانوا مدججين بالأسلحة منتظرين انتهاء مشهد الوداع الخاطف الذي لم تحظ به ابنته هبة الله ذات التسع سنوات، فوالدها لم يشأ أن يوقظها من نومها فتفزع برؤية الجيش يحاصرها، كما لم يعطه المحتل وقتاً لاحتضانها قبل أن يقوم بتقييده واعتقاله.

تقول أم أحمد لـ”الشرق”، والحزن يأكل قطعة من قلبها على ذلك الاعتقال الجديد لزوجها وهو الذي قضى 8 سنوات في سجون الاحتلال: “ليلة اعتقال زوجي نام ابني أحمد وقد استعد نفسياً لجلسة الكيماوي التي سيتلقاها صباح اليوم التالي، فقد حرصنا على أن نوفر له كل أجواء الطمأنينة والاستقرار والحب”، كانا يحسبان ألف حساب لكل تصرف يحدث في البيت، لتبقى مناعته الصحية قوية ويتمكن من أخذ الجرعة بشكل طبيعي.

مصدر الأمان

وتضيف: “جلس والده بجواره وتحدث إليه كثيراً، أما أنا فكنت أنتقل من مكان لآخر في البيت ما بين تلبية احتياجات أحمد الخاصة واحتياجات صغاري الثلاثة الآخرين، مراقبة ابتسامة أحمد وسعادته بقرب والده رغم ألم مرضه”.

مسح على رأسه.. احتضنه.. حكى له حكاية قبل النوم.. أخبره أنه “جدع” وقادر على تحمل المرض اللعين.. وأن رأسه الفارغة من الشعر جميلة كقلبه، وأنه سيشفى ذات يوم قريب.. أمسك كفيه وقبلهما وقبل وجنتيه كثيراً، أخبره أيضاً أنه لن يبتعد عنه وأنه قريب على الدوام حتى وإن حرمه الاحتلال من مرافقته في أصعب رحلات علاجه، تروي والدته لـ”الشرق”.

غفا أحمد وما تزال كفا والده الدافئتان تحيطانه بهالة من الطمأنينة والأمان، قبل أن يبزغ الفجر ويبدد جيش الاحتلال أمنه ويغمر بالحزن قلبه، حين انتزع والده من حضنه في بيته بمدينة الخليل، ولم يترك له سوى بضع دقاق ليطبع فيها قبلة على رأسه ويترك أحمد غارقاً في دموع القهر والحزن.

توضح والدة أحمد: “قبّل أبو أحمد صغيري وبكري أحمد متجرعاً ظلم الاحتلال بهدوء كي لا يربكه فتنقص مناعته ويحرم من جرعة الكيماوي ذلك اليوم، لكن أنى لذلك أن يحدث ووالده يقيد أمام عينيه؟! لقد نقصت مناعته على الفور وتم تأجيل الجرعة”.

 

وتكمل: “ثم حضن زوجي طفلي الأصغر وقبلهما، أما ابنتي هبة ذات التسع سنوات فلم يسمح وقت جيش الاحتلال لأبيها بتوديعها في فراشها فكانت ما تزال نائمة”.

وكانت هبة الله قد ولدت ووالدها حجازي معتقل في سجون الاحتلال وحين أفرج عنه كانت بعمر الثمانية شهور”.

منذ مرض أحمد وقلب والده وجسده معلق في البيت، نادراً ما يخرج للضرورة وللترفيه شيئاً عن أحمد بالخروج سوياً في سيارته والدوران هنا وهناك في شوارع الخليل لتجديد طاقته وتغيير أجواء البيت، كان يشعر بأن صغيره بأمسّ الحاجة إليه، ولم يكن يمر يوم إلا ويخبره فيه أنه بطل وقوي وفق وصف والدته.

معاناة العائلة بأكملها

ويذكر أن حجازي هو شقيق الأسيرين المحكومين بالسجن المؤبد حسين، وحسام القواسمي، كما أبعد الاحتلال شقيقه الثالث إلى غزة، واستشهد شقيقاه أحمد، ومراد برصاص الاحتلال في انتفاضة الأقصى، تعلق والدة أحمد: “لقد تفنن الاحتلال بإجرامه في التنغيص على الأسرة، وارتكاب الجرائم بحقها”.

الاحتلال حرم أحمد تماماً من أن يرافقه والده إلى مستشفى المطلع بالقدس للحصول على جرعة الكيماوي، وكذلك حرمه من مرافقته إلى تركيا لما سافر لإجراء عملية مستعجلة وضرورية بعد إصابته بالسرطان، وحرمه أيضاً من مرافقة والدته، فلم يسمح لها باللحاق بأحمد إلا بعد شهر من سفره، في حين كان بأمسّ الحاجة لوجودهما معه، سافر وحيداً من والديه ودموع الجميع تسيل بلا توقف.

بعد ذلك تمكنت والدته من اللحاق به، والوصول إليه واحتضان آهاته، إلى أن انتهت الرحلة العلاجية وعادت للضفة الغربية برفقته على كرسي متحرك ورفقة أولادها الثلاثة من بينهم رضيع.

تعبر: “لقد تركني جيش الاحتلال على جسر الملك حسين الذي يربط الأردن بالضفة الغربية والذي يسيطر عليها الاحتلال مدة أربع ساعات أنتظر الدخول للضفة دون ذكر أي أسباب لإعاقة وتأخير دخولنا، فالاحتلال لا يتوانى لحظة عن التنغيص علينا وبث القهر في قلوبنا وهو يعلم حجم معاناتنا”.

اليوم يتمدد أحمد على سريره وحسرة كبيرة تملأ عينيه على فراق والده، يظهر أمام الفضائيات ويقول بكلمات حزينة والدموع تنسكب من عينيه: “أبي هو سندي، وأنا أحبه كثيراً، إنه أحب شخص لقلبي، كنت أتمنى دوماً أن يذهب معي إلى المستشفى حين نتخطى الحواجز العسكرية من أجل الحصول على جرعة الكيماوي لكن الاحتلال لا يعطيه تصريحاً أبداً أبداً”.

Exit mobile version