ما “الديانة الإبراهيمية” الجديدة التي يروّج لها الصهاينة والأمريكيون بعد هوجة “التطبيع”؟

 

رغم تراجع التطبيع العربي الصهيوني بعد معركة “سيف القدس” في غزة التي كشفت هشاشة الاحتلال وفضحت المطبعين.

وبعد غياب عراب التطبيع ترمب الذي روج لما يسمى “اتفاقات أبراهام”، لا تزال أكذوبة ما يسمى “الديانة الإبراهيمية الجديدة” التي ظهرت بعد اتفاقات التطبيع تروج لها دراسات لمراكز بحثية ضخمة وغامضة في العالم، تسمى “مراكز الدبلوماسية الروحية”.

ويعمل على تمويل تلك المراكز أكبر وأهم الجهات العالمية، مثل الاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأمريكية.

بحسب خبراء، بدأت فكرة الدين الإبراهيمي الجديد في تسعينيات القرن العشرين، حينما قامت الإدارة الأمريكية بإنشاء “برنامج أبحاث دراسات الحرب والسلام”، وبدأت اختبار المفهوم الإبراهيمي عام 2000 عن طريق جامعة هارفارد.

هارفارد أرسلت فريقاً من الباحثين الأمريكيين لمنطقة الشرق الأوسط لاختبار فرضية طرح دين جديد باسم نبي الله “إبراهيم”، تتجمع حوله هذه الدول المختلفة، بدعوى حل الصراع العربي “الإسرائيلي” من خلال هذا التجمع الإبراهيمي الجديد.

مصطلح “الديانة الإبراهيمية” وضعه أصحاب المصالح في عالم اليوم لبسط الهيمنة والنفوذ، بينما هو متنفس لمخططات شريرة للاستيلاء على دول ومناطق بأكملها دون إراقة قطرة دم واحدة.

كان الهدف هو استحداث ديانة تشتق نواميسها من الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، وتدعو إلى نشر التسامح وقبول الآخر تسمى “الديانة الإبراهيمية الجديدة”.

والمستهدف هو الجيل الجديد، تشويه معالم أديان بعينها، وتصوير الأديان القائمة في شكلها الحالي على أنها ما هي إلا مصدر للمتاعب، ويجب إعادة تأويلها، بحسب تقديرها.

ويبدو أن الهدف النهائي لمن روجوا لهذا الدين الرابع الجديد المزعوم هو محو الهوية الإسلامية بدعاوى القيم المشتركة والأخوة، ومن ثم انتشرت دعاوى تدريس اليهودية في مصر ودول عربية وتدريس مادة تسمى “القيم المشتركة”، والسعي لحذف آيات قرآنية من مناهج الطلاب العرب تعادي “إسرائيل”.

لذا، وصف نشطاء عرب هذا الدين الجديد بأنه يحمل أهدافًا سياسية بحتة، ويسعى لتمكين الولايات المتحدة و”إسرائيل” من بسط سيطرتهما وتحقيق أطماعهما في المنطقة العربية.

ما “الدين الإبراهيمي”؟

“الإبراهيمية” مصطلح غامض فضفاض ذو طابع ديني، نبيّه المزعوم الذي بشر به هو اليهودي جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، الذي روج لاتفاقات التطبيع باسم “أبراهام”، في إشارة لنبي الله إبراهيم عليه السلام، كما ينطق بالعبرية.

ويقصد بـ”الديانات الإبراهيمية” اليهودية والمسيحية والإسلام، ومع هذا ولمزيد من طمس الهوية الإسلامية، يطرح البعض مذاهب أخرى فاسدة مثل البهائية والأيزيدية والدرزية والسامرية، لضمهم لأتباع هذه الديانة الإبراهيمية!

والهدف هو توظيف هذه الديانة الوهمية لتنفيذ رؤى وإستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية، ودعمها مصالح “إسرائيل” وتطبيع وجودها بين الدول العربية ليس كمجرد دولة ولكن كزعيمه للعرب.

وليس غريباً أن تكون “اتفاقات أبراهام” التطبيعية التي أبرمتها “إسرائيل” مع 4 دول عربية بدعم إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترمب، مدخلاً لحديث مراكز الأبحاث “الإسرائيلية” عن تحالف “إسرائيلي” عربي تارة ضد إيران، وتارة أخرى ضد “التطرف الإسلامي”.

وجاء سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تسمية اتفاق التطبيع باسم “اتفاق أبراهام” خطوة مقصودة وبناءً على توجهات فكرية وسياسية مقررة منذ عقود، تعتمد بالأساس على توظيف الدين لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وفي الصراع العربي-“الإسرائيلي” بوجه خاص.

وقد نشر المستشرق خبير الأمن القومي الصهيوني دان شوفتان مقالاً في صحيفة “يسرائيل هيوم”، في 10 سبتمبر الجاري، يرى في “الإهانة” التي تلقتها أمريكا في أفغانستان فرصة إستراتيجية لـ”إسرائيل” لطرح نفسها كقائدة حلف يضم الدول العربية.

قال: إن هدف هذا الحلف الذي يضم دولاً عربية هو سد الفراغ الذي ستتركه أمريكا في المنطقة مقابل مكاسب هائلة تجنيها “إسرائيل” من واشنطن.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني صالح النعامي ما كتبه شوفتان طرحه رئيس الوزراء “الإسرائيلي” نفتالي بينيت صراحة على بايدن في لقائهما الأخير بواشنطن، ويتبناه الكثيرون في “إسرائيل”.

وأكد، في تغريدة على حسابه، تعليقاً على مقال شوفتان، أن هذه السردية تفترض أن تحصل “إسرائيل” فقط على مكاسب هائلة، متسائلاً: وماذا ستحصل نظم الحكم العربية التابعة لها؟

ومنذ عام 1811، يجري الترويج لما يسمى “الميثاق الإبراهيمي” (The Abrahamic Covenant) الذي يجمع بين المؤمنين في الغرب، وذلك قبل أن يتحول اسم إبراهيم إلى اصطلاح بحثي لدى المؤرخين في الخمسينيات من القرن العشرين.

وكان أول من رسّخه المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون، في مقالة نشرها عام 1949، تحت عنوان “الصلوات الثلاث لإبراهيم، أب كل المؤمنين”، ثم تحولت “الديانات الإبراهيمية” إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها.

لكن قصة الدين الإبراهيمي الجديد بدأت تروج في تسعينيات القرن العشرين، بـ”برنامج أبحاث دراسات الحرب والسلام” عن طريق جامعة هارفارد.

لترويج قبول هذا الدين بين المسلمين روجوا أن مستقبل العالم سيرتكز على “السلام العالمي” الذي سيتحقق عبر الديانات الإبراهيمية والعقائد المتداخلة، كمدخل جديد لحل النزاعات في العلاقات الدولية، وكطرح بديل لنظرية هنتنغتون حول “صدام الحضارات”، ونظرية فوكوياما حول “نهاية التاريخ”.

ومن ثم السعي لنهج جديد في العلاقات الدولية أهم ملامحه ظهور مفاهيم جديدة، كالتسامح العالمي، والأخوة الإنسانية، والحب، والوئام، وصهر الأديان السماوية الثلاثة؛ الإسلام واليهودية والمسيحية، لينتج منها ديانة جديدة، يزعم دعاتها أن من خلالها سيعم السلام والأخوة الإنسانية والمشترك الديني.

من يروجون لهذه الديانة الرابعة المزعومة يروجون أن العناصر الأساسية لها، هي:

– محورية النبي إبراهيم عليه السلام باعتبار أن ذكره يحمل القبول والقدسية والتقارب، ويمثل المشترك بين الأديان.

– يتحاور ممثلون عن الديانات الإبراهيمية الثلاث من رجال دين وساسة ودبلوماسيين، للوصول إلى وضع ميثاقٍ تكون له القدسية الدينية كبديل من المقدسات السماوية! يؤسس للمشترك الديني بين هذه الأديان وينحي الخلاف.

– الاعتماد على آلية المفاوضات غير الرسمية (الدبلوماسية الروحية) كساحة لعمل وتعاون رجال الدين والساسة لمناقشة القضايا الحساسة خارج الأطر الرسمية، تمهيدًا لإعلانها لاحقًا حال الاتفاق عليها، وتمهيد الساحة للإعلان عنها رسميًا.

– استغلال القادة الروحيين المؤيدين لهذه الديانة الفاسدة الرابعة الجديدة لنشر هذا المفهوم على الأرض، وجذب المريدين والمؤمنين بالفكرة، ويتم اختيارهم بناء على معايير كثيرة، أهمها تمتعهم بالتأثير داخل مجتمعاتهم، وقيادة عدد كبير من الأتباع.

– التركيز على القيادات الصوفية باعتبارها الأكثر قربًا للتعامل مع الفكرة وتقريب وجهات النظر على الأرض، حيث الصوفية ليست مقصورة على الدين الإسلامي وحسب، ولكنها تمتد إلى باقي الديانات السماوية، بل وتشتمل على الملحدين أيضًا، كبوتقة روحية قادرة على خلق المشترك والجمع بين المريدين على الأرض.

– تشجيع البحث العلمي لتجميع “المشترك الديني” أو “القيم المشتركة” وما يسمى “إعادة قراءة النصوص الدينية المقدسة” لوضع “الميثاق الإبراهيمي المقدس”.

– تشكيل ما يسمى “أُسر السلام” وهي جماعات قاعدية تنتشر في كافة الدول والمجتمعات في المنطقة التي تعاني نزاعات دينية قائمة، بهدف حل الصراع والتقريب بين القيادات الإبراهيمية عبر ضمانة تطبيق الميثاق الإبراهيمي المشترك.

– جذب المريدين والمؤيدين والداعمين من المجتمعات المحلية، عبر ما يسمى “الحوار الخدمي” لنشر الأفكار والحوار بشأنها، من خلال تقديم خدمات تنموية مثل التخلص من الفقر العالمي.

باختصار، الهدف هو إلغاء الوجود الفعلي للأديان الثلاثة والإسلام تحديداً باعتباره أكثر الأديان انتشاراً وتأثيراً، وتدعو إلى كتابة دين جديد واحد للعالم، تكون عناصره ومكوناته مستمدة من الأديان التي ألغيت؟

وتذويب وهدم الهوية الإسلامية ونشر العلمانية باسم “القيم المشتركة” والديانة الإبراهيمية الجديدة.

ربما لهذا حذَّر ضابط مصري سابق من مخطط جديد لـ”ديانة جديدة” سيفرض على الشعوب العربية ويتم إعداده في مطبخ الولايات المتحدة الأمريكية.

نائب مدير مباحث أمن الدولة المصرية الأسبق اللواء خيرت شكري، قال لـموقع “التلفزيون الروسي” (RT): إن “هناك وثيقة بعنوان “الولايات الإبراهيمية المتحدة” لا تقل خطورة عن وثيقة “هنري كامبل” لمؤتمر 1907.

قال: إن فكرة هذه الوثيقة بدأ العمل على تنفيذها من عام 2013، أي من 8 سنوات فقط، والتطبيق والتنفيذ على الأرض يتم بسرعة كبيرة، محذراً من “وعد بلفور” جديد، حيث بدأت فكرته في مؤتمر 1907 بوثيقة “هنري كامبل” عن تأسيس كيان غريب في المنطقة العربية، عرف فيما بعد بدولة “إسرائيل”، التي أصبحت واقعاً الآن.

وأشار شكري إلى أن المخطط الجديد يزعم أن تكون الديانة الجديدة حلاً لجميع مشكلات الشرق الأوسط، محذراً من المخططات التآمرية على المنطقة العربية، فوثيقة “هنري كامبل” بدأت عام 1907، وبعد 113 عاماً تحولت إلى واقع تعيشه المنطقة هو “وعد بلفور”.

Exit mobile version