انقلاب السودان.. “مسرحية مفبركة” ماذا وراءها؟

 

كانت مفارقة غريبة أن يجري الإعلان عن محاولة انقلاب عسكرية في السودان من قبل عضو المجلس السيادي، ولجنة التمكين الصحفي ذوي الميول اليسارية محمد الفكي سليمان، ويقول للسودانيين على صفحته الرسمية في “فيسبوك”: “هبوا للدفاع عن بلادكم وحماية الانتقال”، دون أن يعلن الجيش السوداني أي شيء!

بعدما كتب الساعة السابعة صباحاً تقريباً بتوقيت السودان يطالب السودانيين بالتحرك وإنقاذ بلادهم من الانقلاب، عاد بعدها بساعة واحدة ليكتب تدوينه أخرى يقول فيها: “الأمور تحت السيطرة والثورة منتصرة”!

 https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=603115604390718&id=111279963574287

السودانيون كتبوا على مواقع التواصل ساخرين من هذه المحاولة الانقلابية السرية، وسألوه: “عن أي انقلاب تتحدث؟”، مؤكدين: “ده شغل بتاع شيوعيين وبعثيين وعملاء لاستدرار عطف المواطن، ومحاولة انقلابية معده سلفاً ومسرحية سيئة الإخراج من حكومة العملاء”.

ما فعله هذا الصحفي التابع للحزب الاتحادي والكاره للتيار الإسلامي، الذي امتلأت صفحته بتعليقات ساخرة على ما قاله، فعلته أيضاً قناة “العربية” حين سارعت لوصم من قاموا بالانقلاب (وهم مجهولون) بأنهم تابعون لجماعة الإخوان المسلمين.

وفعله أيضاً رئيس الوزراء السوداني المنتمي إلى تيار “الحرية والتغيير” اليساري عبدالله حمدوك، الذي بادر بالزعم، أن ما جرى “كان من تخطيط فلول النظام السابق”، في إشارة للإسلاميين وحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً.

انقلاب السودان تمثيلية مزورة من التحالف العسكري اليساري الحاكم لمزيد من إقصاء الإسلاميين داخل الجيش

وكذلك وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة حمزة فلول من تيار الحرية والتغيير اليساري الذي اتهم “فلول النظام البائد” بأنهم “هم من نفذوا محاولة الانقلاب الفاشلة دون أن يسميهم”.

وكان لافتاً أن حمدوك طالب رداً على هذا الانقلاب المزعوم ‏بسرعة تولي وهيكلة المؤسسات المدنية بعدما ظهرت خطورة انقلابات العسكريين، وسرعة تأمين الانتقال الديمقراطي بالتعاون مع لجنة تفكيك النظام المعزول، أي تسريع انتقال الحكم من عسكر السودان إلى المدنيين، لكن من التيار اليساري والليبرالي فقط مع إقصاء الإسلاميين.

مقابل هذا الإعلان من القوى المدنية اليسارية عن “انقلاب وهمي” واتهام الإسلاميين بتدبيره، جاء بيان الجيش (مجلس الأمن والدفاع) مختلفاً لا يتهم أحداً ويتحدث عن اعتقال عسكريين دون تصنيفهم.

قال: وردت لدى الأجهزة الأمنية معلومات بالتخطيط والتنفيذ لمحاولة انقلابية بقيادة اللواء ركن عبدالباقي الحسن عثمان (بكراوي) ومعه عدد 22 ضابطاً آخرين برتب مختلفة وعدد من ضباط الصف والجنود، ما يعني أنه لم يحدث انقلاب حقيقي، وإنما تم اعتقال ضباط بتهمة الانقلاب.

كانت مفارقة أخرى أن يزور المشير عبدالفتاح البرهان، في اليوم نفسه، “سلاح المدرعات” المتهم بقيادة الانقلاب، ويحيي الضباط والجنود، وكأن شيئاً لم يحدث!

لهذا أصدر حزب البشير (المؤتمر الوطني) بياناً ينتقد فيه الانقلاب المدني الذي أعلنته الحكومة اليسارية ومسارعتها لاتهام الإسلاميين ويؤكد رفضه لأي انقلابات.

وأكد الرفض التام للانقلابات العسكرية كوسيلة للتغيير السياسي، وإدانة “هذه المحاولة التي ما كانت البلاد لتجني منها شيئًا سوى المزيد من التردي وشتات الأمر”.

وانتقد الخطأ الذي وقعت فيه حكومة حمدوك من استباق لبيان القيادة العامة للقوات المسلحة، بالحديث عن الانتماء السياسي لمن دبروا هذه المحاولة “لا لشيء إلا لدافع الخصومة السياسية”.

بينما “بيان القوات المسلحة يشير إلى أن من قاموا بتلك المحاولة مجموعة من الضباط والرتب الأخرى، ويخلو تماماً من أي إشارة إلى الجهة التي كانت تود الحكومة ورئيس وزرائها وناطقها الرسمي إلصاق تلك التهمة فيها وتوريطها بالباطل تشفياً وانتقاماً”.

 https://www.facebook.com/NationalCongressPartyOfSudan/posts/10160042310563714

سبب المسرحية؟

يبدو أن ما أعلنته الحكومة اليسارية من “محاولة انقلابية فاشلة” ليس سوى مسرحية مرتبة بعناية لمزيد من إقصاء الإسلاميين ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم بدعاوي “إزالة التمكين” والضغط على العسكريين لتسليم السلطة في نوفمبر المقبل للمدنيين.

فقد تصاعد الصراع بين طرفي الحكم (العسكري، اليساري) تزامناً مع قرب انتهاء ولاية المجلس السيادي في نوفمبر 2021 وتسليم رئاسة المجلس السيادي لمسؤول مدني من أعضاء المجلس الذي تمتد ولايته 39 شهراً يحكم خلالها عضو عسكري 21 شهرًا ثم عضو مدني لمدة 18 شهرًا، لحين انتهاء الفترة الانتقالية.

وتزامن هذا مع صراع بين العسكريين داخل تيارهم وصراع آخر بين المدنيين داخل تيارهم، وفشل الحكومة اليسارية في حل مشكلات السودانيين، وعلى العكس زيادة الأسعار والمعيشة عما كانت أيام حكم البشير.

وجاء إعلان الحكومة –لا الجيش- أنه تم وأد الانقلاب بعد ساعة واحدة من اندلاعه في مقر سلاح المدرعات، أقوى سلاح بحكم امتلاكه دبابات ومدرعات، والتحقيق مع من قاموا به ليشير لأن الانقلاب المعلن عنه “مسرحية” مدبرة.

كانت مفارقة أخرى أن تعلن أسماء سيد أحمد، المُعِدّة في “التلفزيون السوداني”، أنهم حين ذهبوا للتلفزيون أبلغهم فني البث أن اثنين من ضباط الجيش بلباس عسكري حضرا وطلبا منه أن يبث “مارشات” عسكرية؛ لأن هناك انقلاباً، فرفض وانصرفا، بينما المعتاد في هذه الحالات اقتحام المبنى وإذاعة البيان العسكري غصباً بقوة السلاح.

 https://www.facebook.com/asmaa.seedahmed/posts/4382387901843928

لذا، استغرب سودانيون وكتبوا يقولون: كيف يحضر عسكريون للتلفزيون ويطلبون بث “مارشات” عسكرية وبيان بالانقلاب ويرفض عامل بسيط طلبهم ثم يتركونه وينصرفون؟!

ما أثار استغراب السودانيين والعالم أيضاً أنه منذ انقلاب البرهان، وحمدوك، على البشير، وإلقاء السودان في أحضان أمريكا و”إسرائيل” باتفاقات التطبيع تم الإعلان عن 7 انقلابات من جانب النظام العسكري دون تقديم اسم جنرال قاد أياً من هذه الانقلابات للمحاكمة!

كيف لعسكري مبتور الساق أن يقود أو يشارك في انقلاب؟!

وحتى اللواء الركن عبدالباقي الحسن عثمان (بكراوي) الذي قيل: إنه تم اعتقاله، مع 21 آخرين من العسكريين الصغار على خلفية الانقلاب، تبين أنه معاق حركياً، وتم بتر ساقه، فكيف يقوم بالانقلاب؟!

المصادر السودانية قالت: إن اللواء بكراوي الذي قيل: إنه قاد محاولة الانقلاب، يعاني من مرض السكري، وكان في القاهرة للعلاج وتم بتر ساقه، ورجع من القاهرة قبل يومين ثم تم إعلان مشاركته في الانقلاب!

المصادر السودانية قالت: إن هذا اللواء “بعثي” سبق أن فصلته جبهة الإنقاذ الحاكمة سابقاً من الجيش وتمت إعادته قبل عام بطلب من حزب البعث.

وقالت مصادر أخرى: إنه “إسلامي”، ومريض بعدة أمراض، وكان في رحلة علاجية خارج السودان، ومسرحية الانقلاب هدفها اجتثاث كل الضباط الإسلاميين في الجيش السوداني، وتهيئة الجيش لعقيدة الديانة الإبراهيمية بعد التطبيع.

موقع “نادوس نيوز” قال: إن قائد المحاولة الانقلابية اللواء بكراوي يعاني من داء السكري، وكان معتقلاً في الفترة الأخيرة؛ مما أدى إلى تفاقم مرضه، وأجرى عملية لبتر ساقه بالقاهرة، وإنه قريب لمصطفى عثمان إسماعيل، وزير خارجية السودان السابق خلال حكم البشير.

لكنهم قالوا: إنه لم يكن ملتزماً بالحركة الإسلامية، ودخل في خلافات كثيرة مع الإسلاميين حول سلوكه المتمرد، وقال عسكريون: إنه فعل هذا كرد فعل لما عاناه في الفترة الأخيرة، وكان مدفوعاً من قبل عدد من الضباط الإسلاميين!

والسؤال: كيف لعسكري مبتور الساق أن يقود أو يشارك في انقلاب؟! وكيف عاد من مصر ليقوم بانقلاب بعد 48 ساعة، رغم أن أي انقلاب يحتاج فترة طويلة للإعداد؟! وكيف يسيطر من قاموا بالانقلاب على سلاح المدرعات، أقوى سلاح، ولا يمكنهم قصف واحتلال كل السودان؟ ثم يزورهم المشير البرهان بعدها بساعات ويظهر محتفلاً معهم؟!

لذا، قال الكاتب السوداني د. تاج السر عثمان: إن الحديث عن محاولة انقلاب فاشلة في السودان والسيطرة عليها بهذه السرعة يثير التساؤلات عن مصداقية الحدث، وما إذا كان محاولة لإسكات الشارع عن الأوضاع المتدهورة، أو ربما يكون ذريعة لتصفية المؤسسة العسكرية لطرف على حساب آخر.

 https://twitter.com/tajalsserosman/status/1440223851762184195?s=09

وقال مغردون سودانيون: إن انقلاب السودان غير منطقي، ولا هدف له سوى تخويف السودانيين من الثورة على السلطة الحالية المشكَّلة من عسكر ويساريين، وفاشلة في حل مشكلات البلاد، بحيث يخاف السودانيون من الانقلاب المزعوم ويتمسكون بحكومة فاشلة رفعت الأسعار عما كانت عليه أيام البشير أضعافاً مضاعفة.

وقال الكاتب الليبي إبراهيم قصوده: إنه “انقلاب تحت سقف الانقلاب”، بمعنى أن المنقلبين الأوائل على البشير (البرهان، وحميدتي) افتعلوا انقلاباً وهمياً لنيل الثقة أكثر من الشعب، ولمسح صفة الانقلاب الحقيقي عما فعلوه وسمي “ثورة سودانية”، أو هو محاولة لصناعة تدابير جديدة تعطي العسكر صلاحيات أكبر تحت مسمى حماية البلاد من محاولة انقلاب جديد.

وأكدوا أن الشراكة بين العسكر والمدنيين من التيار اليساري الذي احتكر السلطة وأقصى الإسلاميين هي “شراكة مؤامرات”، فكل طرف يمكر للآخر، وكل طرف يسعى لفبركة أخبار عن انقلابات أو اضطرابات لضمان سيطرته وحده على السلطة، محذرين من ضياع هوية السودان الإسلامية على أيدي هؤلاء الذين يحكمون السودان حالياً، وحالة الفوضى العسكرية والأمنية والاقتصادية الحالية التي تعيشها البلاد حالياً.

فمنذ الانقلاب الذي قاده البرهان، وحميدتي، وقوى يسارية ضد البشير، وهم يتحدثون عن حل مشكلات السودانيين الاقتصادية وغلاء الأسعار خلال حكم البشير، بينما ما حدث هو أنهم فشلوا وحدث تردٍّ للأوضاع السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد، فجاءت “مسرحية الانقلاب” لإلهاء السودانيين والقبول لما هو موجود.

Exit mobile version