تصريحات ومواقف متضاربة.. هل تشهد مصر مصالحة محتملة بين النظام والإخوان؟

 

بعد 8 سنوات من حملة القمع والمطاردة لقادة وأنصار جماعة الإخوان في مصر أثر انقلاب وزير الدفاع حينئذ والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، عاد الحديث ليتجدد في مصر عن احتمالات مصالحة بين النظام والإخوان في أعقاب تصريحات متضاربة من السيسي ورجل الأعمال يوسف ندا.

الحديث عن المصالحة تجدد بسبب تصريحات للسيسي تحدث فيها عن قبوله لمن يختلف معه بشرط ألا يفرض رأيه عليه، وقول “ندا” إن باب الحوار مفتوح مع السيسي بلا شروط مسبقة.

رأي مراقبون أن احتمالات المصالحة وارده لسببين: “الأول” هو الضغوط الأمريكية على نظام السيسي كي يحسن من ملف حقوق الانسان في ظل حديث منظمات حقوقية عن اعتقال 60 ألف مصري، وتزايد الاعدامات، والتي توجت بحجب الخارجية الأمريكية مبلغ ضئيل من المعونة العسكرية (1.3 مليار دولار) هو 130 مليون دولار.

و”الثاني” إطلاق السيسي ما سمي “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان” 11 سبتمبر الجاري 2021 والتي كانت مؤجله منذ يوليو الماضي، وتتضمن حديث عن حقوق سياسية واقتصادية، ما اعتبره نشطاء مؤشر لانفراجه محتملة.

 هل قصد السيسي المصالحة؟

خلال كلمته الارتجالية، في حفل إطلاق استراتيجية حقوق الانسان، والتي تتضمن الحديث عن مواضيع عدة يصعب معها تحديد ما يقصده، قال السيسي على الهواء مباشرة: “المجتمع على مدى الـ 90 والـ 100 سنة يُصبغ بفكر محدّد معيّن”.

وأضاف: أن جماعة ظلت تنخر في جسد وعقل ووعي الإنسان في مصر منذ 90 عاما، وهو ما أجمع مراقبون على أنه قصد به جماعة الإخوان التي أحيت عام 2018 ذكرى مرور 90 عاماً على تأسيسها.

وفي موضع آخر قال السيسي وهو يتحدث عن حرية المعتقد وعدم اختلافه مع غير المؤمن بالإسلام: “أنا لست مختلفاً مع هؤلاء، لكن بشرط أن يحترموا مساري ولا يتقاطعوا معي ولا يستهدفوني (..) سأقبل فكره، لكن لا يفرضه علي، ولا يضغط به علي، لست أنا كشخص، ولكن على مصر والمجتمع”.

هذا التصريح الذي أعقب تصريحه الثاني فهمه بعض المحللين والمراقبين المصريين على انه تلميح واضح لقبوله المصالحة ووضعه شروط عليها.

فسره الصحفي المعارض جمال سلطان علي أنه فتح من جانب السيسي لباب المصالحة مع الإخوان وأعلن القبول بوجودهم، بشروط ثلاثة هي:

1 ـ يحترمون مساري: التسليم بسلطته وشرعيته

2 ـ لا يتقاطعون معايا: لا تقف في طريقي أو تنازعني الحكم

3 ـ لا يستهدفوني: لا تنتقدوني

https://twitter.com/GamalSultan1/status/1436671737605857281

وقد أثير جدل بعد إطلاق السيسي استراتيجية حقوق الانسان وحديثه عن عدم اختلافه مع اصحاب الفكر المعارض شرط عدم فرض رأيهم عليه، وهل يعني ذلك قبوله الحوار مع الإخوان أم لا؟

ففي نفس الكلمة هاجم الإخوان وقال إن الجماعة “ظلت تنخر في جسد وعقل ووعي الإنسان في مصر منذ 90 عاماً” في اشارة إلى الإخوان المسلمين.

وقد ذكرت قنوات ومواقع أن الأمر مرتبط بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وأن الحديث الذي أدلى به السيسي، يمكن تفسيره بأنه موجّه لجماعة “الإخوان”.

لكن مصادر صحفية وحكومية وأمنية نفت ما تردد عن إطلاق السيسي أو سعيه للمصالحة خصوصاً بعدما استقر له الحكم وجمع كافة السلطات التنفيذية والقضائية والإعلام وأجهزة الأمن والمخابرات والجيش في يده.

قالوا إن هناك فارق بين حديث السيسي عن الإخوان ضمنا بمهاجمته لهم، ثم حديثه عن ضرورة قبول الآخر (من المنظور الديني فقط) والحرية الدينية وحرية عدم الاعتقاد في أي ديانة، وإنه على استعداد لقبول أصحاب هذا الفكر.

وانه يقصد بذلك المخالفين له من اصحاب الفكر الديني المتشدد أو غير المؤمنين بأي دين والتعامل معهم، بشرط عدم ألا يحاولوا فرض رؤيتهم على الشعب المصري والدولة، وألّا يتقاطعوا مع المسار الذي تسلكه الدولة في دعم الحرية الدينية وتطوير الخطاب الديني.

في هذا السياق قال السيسي: “نؤكد احترامنا للاعتقاد وعدم الاعتقاد وهذا من منظور ديني، مش منظور حضاري، واللي عايز يؤمن يؤمن واللي مش عايز ميؤمنش”!!، وهو تصريح لا علاقة له بالإخوان.

لذا خلط البعض بين هذه العبارات التي كانت مسبوقة ومتبوعة بانتقادات مبطنة للأزهر وحديثه عن أنه “لم يشأ الدخول في صدام مع هذه المؤسسة”، وبين عبارة قيلت في سياق آخر تماماً عن جماعة الإخوان، التي وصفها السيسي بأنها “عنصر ينخر في عقول المصريين منذ 90 عاماً”، من دون أن يبدي أي تساهل في التعامل معهم.

قالوا إن ما يدلل على عدم نية السيسي المصالحة هو أحكام الإعدام النهائية الأخيرة والتنكيل بالإخوان في السجون، وقول محمد عصمت السادات رئيس حزب الاصلاح في حوار (تم حذفه) مع موقع “مدي مصر” لأنه فضح أن أحكام القضاء تتم بالتليفون، إن “ملف حقوق الإنسان السيسي أغلقه أمام الإسلاميين”.

كما أن استراتيجية حقوق الانسان التي قيل انها مناسبة المصالحة حُذف منها كل المبادئ والبنود التي تتضمن بعض الاستجابة أو تفاعلاً مع المطالب الحقوقية والعقلانية للتعامل الإيجابي مع المعارضين في الداخل والخارج، وتضمنت فقط بعض المبادئ الهامشية والسطحية عن حقوق الانسان في الطعام وعدم التحرش وبناء العاصمة الادارية، ما دفع نشطاء لوصفها بانها “بروباجندا” لإرضاء أمريكا.

وقد كتب الصحفي المعارض وائل قنديل مقالا في صحيفة “العربي الجديد” ينفي فيه نية السيسي المصالحة مع المعارضة وقال ان المعارضين تلقفوا وفهموا حديثه خطأ.

قال: “اللافت أن عبارات الازدراء والمحو والنكران لثورة يناير جاءت في سياقٍ كان السيسي يتحدّث فيه عن شروطه، لكي يقبل ببقاء خصومه على قيد الحياة في مصر، وهو ما تلقفته مجموعاتٌ محسوبةٌ على المعارضة المصرية في تركيا، تمنّي نفسها بنظرة أو لفتة أو إيماءة من الجنرال، يفهم منها أنه على استعداد لقبول مصالحاتٍ من أي نوع”.

أضاف: “لو افترضنا صحّة أن هناك بالفعل “أضغاث مصالحات”، فإن مفهوم السيسي لهذه المصالحة أنها لابد أن تشتمل على إقرارٍ بإلغاء ثورة يناير، وتاريخها، وكل ما بني عليها من معادلاتٍ سياسيةٍ وتغييراتٍ اجتماعية من الوجود، والإذعان لمساره وحده، الذي هو بالطبع مسار انقلابه في صيف العام 2013م. وبذلك يكون مطلوبًا من كل راغبٍ في المصالحة، أو بالأحرى العفو، ألا يتحدّث عن أية شرعية سياسية أو حتى أخلاقية لثورة يناير.

ماذا قال يوسف ندا؟

عقب تفسير البعض لحديث السيسي علي أنه رسالة مصالحة للإخوان تحدد الشروط بالتزامن مع اطلاقه استراتيجية حقوق الانسان، وبفعل الضغوط الأمريكية، سرعان ما جاء رد على لسان أحد أبرز رجال الجماعة التاريخيين وهو رجل الأعمال والقيادي البارز يوسف ندا.

“ندا” الذي كان مفوض العلاقات الخارجية السابق بجماعة الإخوان المسلمين قال إن الباب مفتوح للحوار مع رئاسة النظام المصري، وتفسده وضع شروط مسبقة، ولم يصدر بيان من الجماعة بشأن رسالة ندا، باعتبار أنه ليس مسئولاً حالياً بالجماعة.

تحت عنوان “مصر إلى أين؟”، قال ندا في رسالته: إن أسئلة كثيرة فرضها الحديث الإعلامي لرئيس النظام المصري بمناسبة الإعلان عن مشروع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

أضاف أن فتح الحوار مع رئاسة النظام المصري حالياً يُوجب إنهاء معاناة المسجونين من النساء والرجال ومعاناة أسرهم حتى لا تبقى مع المشروع الجديد لحقوق الإنسان وكأنها رهانات على الصبر وتحمل نتائجه.

أشار ندا إلى أهمية تجنب وضع شروط مسبقة قبل الإقدام على إجراء الحوار، مفيداً بأن تلك الشروط قد تفسده، لافتاً إلى أهمية “إنهاء معاناة المسجونين من النساء والرجال ومعاناة أسرهم” باعتبار ذلك أحد النتائج التي يجب تحقيقها حال أُجري الحوار مع الإدارة المصرية.

و”ندا” هو المفوّض السابق للشؤون الدولية والعلاقات الخارجية للجماعة، وشاهد عيان على أحداث ما يزيد على نصف قرن من الغضب والثورة والحروب وحوادث الإرهاب العالمي والأزمات الدولية المعقّدة.

وتوسّط في عديد المحافل في علاقات وأزمات إقليميّة، أهمها كان بين الإخوان والثورة الإيرانية، والسعودية واليمن، والسعودية وإيران، وبين الحكومة الجزائرية و”جبهة الإنقاذ”، وأزمة اجتياح العراق للكويت، حسب ما ورد تفصيلياً في كتابه “من داخل الإخوان المسلمين”.

وسبق الحديث ليوسف ندا شخصياً بشأن “مصالحة مشروطة”، عام 2018م عندما ذكر قيادي الجماعة أنّه تلقّى “اتصالات خلال السنوات الثلاث الأخيرة (2015-2018)، من شخصيات بارزة بمصر لم يفصح عن أسمائها، لحل الأزمة السياسية” بين الجماعة والسيسي.

بالتزامن مع حديث يوسف ندا الجديد عن المصالحة ورفضه أي شروط عليها، كتب نشطاء معارضون مصريون يعيشون في أوروبا: “من شهر تقريباً كان يوسف ندا وقيادات من الإخوان موجودين في النمسا لمقابلة شخصية مشهورة”.

زعموا أن الغرض من الزيارة التصالح مع النظام المصري مقابل تنازلات متبادلة، وأن هذا ربما يبرر ما قاله ندا.

لكن مصدر بجماعة الإخوان نفي وجود أي اتصالات مع النظام في مصر حالياً، وشدد على ثبات الجماعة على مبادئها ورفضها الانتهاكات ضد اعضاءها والأحكام المسيسة ضد قادتها، لتظل سفينة “المصالحة” بلا شاطئ ترسو عليه حتى الآن.

Exit mobile version