ماذا يريد الأفغان من حكم حركة طالبان؟

يدعو بعض الخبراء والمحللين الحركاتِ الإسلامية إلى مساعدة ودعم حركة طالبان في الحكم؛ بهدف تصحيح وتقييم مسارها، ووضع حدٍ للحروب الطويلة، وتجنباً لتكرار أحداث عالم ١٩٩٢م من الحرب الأهلية بين الأحزاب الجهادية، وذلك بعد تحرير أفغانستان من المحتل السوفياتي بأيدي المجاهدين آنذاك.

وحركة طالبان وإن لم يمض على حكمهم الوقت الطويل، ولا يُتوقع منهم إنجاز شيء كبير في هذه الفترة الوجيزة، إلا أن هذا التأييد والنصح والإرشاد مطلوب، بل واجب على الحركات الإسلامية والمخلصين من أبناء هذه الأمة؛ فعلى الحكام الحاليين (طالبان) قبول النصح والتعاون كي ينجحوا في القيام بواجباتهم تجاه الشعب الأفغانيّ.

استطاعت حركة طالبان بمشاركة الشعب الأفغانيّ معهم، وبتضحيات جميع المخلصين العظيمة، دحر تحالف الاحتلال الغربي الغاشم، وإخراجه من أفغانستان ذليلاً، واسترجاع حرية البلد من أيدي الغزاة بعد نحو عشرين سنةً. وهذا حدث تاريخي –بلا شك- عظيم، لم يقع مثله في التاريخ الحديث إلا قليلًا.

على رجالات حركة طالبان أن يتذكروا أنهم الآن رجالات دولةٍ مسئولةٍ عن جميع أفراد الشعب، وليسوا رجال الجهاد كما كانوا وهذا الأمر يحمّلهم مسئوليات جسيمة تجاه الشعب

إن الناظر في جغرافية أفغانستان يرى أنه بلد متنوع القوميات، والقبائل، والعرقيات، وحتى الطوائف، ولكل منهم عاداتهم وتقاليدهم في ظل دين الإسلام الحنيف، كما أن لكل منهم حقوقهم، وعليهم واجباتهم تجاه بلدهم، ولهم مطالبهم المشروعة من كل حكومة؛ لذلك يجب على حكومة طالبان أن تراعي هذ التنوع وتستجيب لمطالب كل فئة وقومية بحدود الشرع والمنطق.

 وهنا لا بد من الإشارة إلى بعضها باختصار:

             إن أفغانستان بلدُ كلِ فردٍ يعيش على هذه الأرض، وقد أثبتت التجارب السابقة أن جهة واحدة مهما أوتيت من قدرة وإمكانيات، لا يمكنها إدارة أفغانستان وحدها، فلا بد من مشاركة جميع أطياف الشعب، وعدم إقصاء أحد من المشاركة في أداء واجبه ومسؤوليته تجاه البلد، ومن حق كل جهة أو جماعة أو طائفة أن ترى من يمثلها أو يتبنى أهدافها في الحكومات التي سوف تتشكل؛ فالإقصاء لن يأتي بخير، أو بأي نتيجة إيجابية صالحة للشعب الأفغانيّ، فيجب على طالبان أن يمكّنوا كل فرد صالح من الشعب من أداء هذا الواجب.

             يجب على رجالات حركة طالبان أن يتذكروا أنهم الآن رجالات دولةٍ مسئولةٍ عن جميع أفراد الشعب، وليسوا رجال الجهاد -كما كانوا- وهذا الأمر يحمّلهم مسئوليات جسيمة تجاه الشعب، يجب عليهم أداؤها بإخلاص وصدق وأمانة.

             على الحركة الاستفادة من الكوادر الصالحة والمخلصة في إعادة بناء الدولة؛ فلا يخفى على أحد أنه في الثلاثين سنة الماضية وقعت أزمات جسيمة، ومشاكل كبيرة في أفغانستان، تعرضت فيها الأحزاب الجهادية القديمة إلى هزات عنيفة، وأزمات شديدة، من خلافات داخلية، وحروب أهلية، ناهيك عن الفساد، حتى وصل الأمر إلى أن تمزق بعض هذه الحركات، ووقع فيها انشقاقات سياسية متكررة، كان آخرها في الحزب الإسلامي للسيد حكمتيار، وهو انشقاق القائد الميداني “جمعة خان همدرد” من حزب حكمتيار، بيد أن كل هذا لا يعني أن هذه التنظيمات الجهادية السابقة جميعها كانت فاسدة، لا.. بل إن العكس هو الصحيح؛ ففي هذه التنظيمات كوادر من العلماء والمختصين من أهل الخبرات وأصحاب التجارب والمصداقية، في شتى المجالات، كالإدارة، والاقتصاد، والسياسة، والدبلوماسية والتعليم والقضاء، والعسكرية وغيرها، وعلى ضوء ما سبق فإن حركة طالبان مطالبة بالاستفادة من خبراتهم وتجاربهم -كلٌ في تخصصه- في إعادة بناء الدولة الحديثة من جديد.

             على طالبان التعاون مع المؤسسات التعليمية القائمة –لا سيما الخاصة منها- فإن أغلب هذه الأحزاب الإسلامية الأفغانية لديها مؤسسات تعليمية من المدارس والمعاهد والجامعات وغيرها “كجامعة سلام” لجمعية الإصلاح، و”جامعة الدعوة” للبروفيسور عبد رب الرسول سياف، و”الجامعة الإسلامية” لحكمتيار وغيرها كثير؛ فيمكن للحكام الجدد أن يستفيدوا من هذه المؤسسات العلمية والتعليمية، باستخدام الوسائل التربوية والتكنولوجيا الحديثة، في استيعاب وتربية عشرات الآلاف من أبناء الشعب الأفغاني من الطلاب والطالبات، لترفع مستواهم العلمي والتعليمي على أسس علمية حديثة متينة، دون المساس بهذه المؤسسات أو باستقلاليتها.

أفغانستان بلد كل الأفغان، ومن حقهم المعيشة فيه بأمن وأمان؛ وعليه فإن حركة طالبان مطالبة باتباع سياسة داخلية ودولية متوازنة منفتحة مرنة وفق المصالح الإسلامية العليا مع مراعاة مصالح الشعب والبلد

             أفغانستان بلد كل الأفغان، ومن حقهم المعيشة فيه بأمن وأمان؛ وعليه فإن حركة طالبان مطالبة باتباع سياسة داخلية ودولية، متوازنة، منفتحة، مرنة، وفق المصالح الإسلامية العليا مع مراعاة مصالح الشعب والبلد، وألا تعرّض البلد مرة أخرى إلى عزلة وعقوبات دولية، أو جعله ميدانا للصراعات الإقليمية أو الدولية، أو تدخلات دول الجوار الإقليمي والدولي بسبب بعض سياساتهم الخاطئة، كما حصل في السابق.

             استثمار موارد الدخل، والمعادن الثمينة المتنوعة لبناء اقتصاد قوي للبلد؛ فأفغانستان بلد غني بالمعادن المتنوعة تقدر قيمتها -وفق دراسات اقتصادية حديثة- بتريليونات من الدولارات، وهي مناجم بِكر لم تمسها يدٌ حتى كتابة هذه السطور، إلا أن أفغانستان يمر بأسوأ أزمة اقتصادية هذه الأيام؛ فالشعب يريد من الحكام الجدد استثمار هذه المعادن بأحسن وأفضل الطرق الحديثة الممكنة، لإعادة بناء الدولة وإنعاش اقتصادها.

             إعادة تسكين أو توطين المهجّرين خارج البلد وداخله في المدن المختلفة بسبب الحروب السابقة؛ فأفغانستان أكبر دولة تعرضت للهجرة والتهجير والتشريد في العقود الأربعة الماضية، ولها أكثر من مليوني مهاجر في باكستان المجاورة، ومثل هذا العدد في إيران، وأضعاف هذه الأعداد مهجّرون في داخل أفغانستان؛ فعلى حكومة طالبان العمل على توطينهم وإعادة تسكينهم في قراهم وبلداتهم التي هُجّروا منها بسبب الحروب الطاحنة، وهذا من الأولويات والمسؤوليات المهمة على عاتق الحكام الجدد في أفغانستان، لا سيما بعد أن وضعت الحرب أوزارها.

             توفير فرص للعمل -عادلة ومتساوية- لكل فرد يعيش على هذه الأرض، وإيجاد سبل الحياة الكريمة والمعيشة الهنية، من مسئوليات الحكومة الجديدة من حركة طالبان؛ فالبطالة وصلت إلى حدٍ لا يتحمله أحد، خاصة بعد سقوط الحكومة السابقة، وما محاولة الشباب الهروب والهجرة إلى خارج البلد إلا لعدم توفر فرص العمل في داخل أفغانستان.

             طلب المساعدات الدولية العاجلة من دول العالم لتوفير الغذاء والدواء لأكثر من ١٨ مليون أفغاني؛ فهم بحاجة ماسة إلى هذه المساعدات الغذائية والطبية العاجلة، ولا سيما أن أفغانستان مقبل على شتاء قارس في أغلب مناطق أفغانستان.

نرجو أن نجد آذاناً صاغية لمطالب الشعب الأفغانيّ المنكوب من قِبَل حركة طالبان.

—-

* منسق الجالية الأفغانية بالكويت.

Exit mobile version