هل يُغرق النزاعُ في تيغراي القرنَ الأفريقي في دوامة الحروب؟

تصدرت إثيوبيا عناوين الصحف خلال السنوات القليلة الماضية لجملة من التطورات الإيجابية التي شهدتها البلاد، وذلك بفضل نموها الاقتصادي السريع والتحول إلى نظام سياسي ديمقراطي، في أعقاب عقود كانت فيها إثيوبيا في قائمة أفقر الدول في القرن الأفريقي.

لكن البلاد تواجه الآن مواجهات عسكرية وأزمة إنسانية في إقليم تيغراي الشمالي، وقد يكون للوضع هناك تداعيات خطيرة على مستقبل البلاد، ما يؤدي إلى آثار كارثية على القرن الأفريقي برمته.

خلفيات الصراع

التوترات في تيغراي ليست جديدة، فالإقليم موطن 7 ملايين شخص من أصل 122 مليون نسمة عدد سكان إثيوبيا.

أبناء تيغراي هم ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد بعد الأورومو والأمهرة.

تيغراي موطن 7 ملايين شخص من أصل 122 مليون نسمة عدد سكان إثيوبيا

وتنقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتي إلى حد كبير ولكن مع مؤسسات مركزية.

هناك عداء شديد للحكومة المركزية في هذه المنطقة التي عانت بشدة خلال الفترة الطويلة من الحكم العسكري والحرب الأهلية، التي أعقبت خلع الإمبراطور الإثيوبي الأخير هيلا سيلاسي عبر انقلاب عسكري عام 1974.

كانت تيغراي بؤرة المجاعة بين عامي 1983 و1985 التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وأكثر من مليوني نازح داخلياً.

وبعد عقود من الاستقرار النسبي اندلع القتال في نوفمبر 2020 بين قوات من حكومة إقليم تيغراي والحكومة الفيدرالية.

صراع دموي

إزاء هذا المشهد والصراع الدموي، فرضت الحكومة المركزية تعتيماً إعلامياً تاماً على تيغراي، لكن يُقدر أن القتال خلَّف آلاف القتلى ونزوح أكثر من مليوني شخص.

وتقول الأمم المتحدة: إن أكثر من 5 ملايين شخص في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدات في المنطقة، بينما هناك نحو 350 ألف شخص على الأقل على حافة المجاعة وهو ما تنفيه الحكومة الإثيوبية.

وتُتهم جميع الأطراف بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وتنفيذ عمليات قتل جماعي.

الإقليم كان بؤرة المجاعة بين عامي 1983 و1985 التي راح ضحيتها أكثر من مليون شخص

أسباب الصراع

كانت جبهة تحرير شعب تيغراي شبه العسكرية جزءاً من التحالف الذي أطاح بالحكومة في عام 1991.

وظلت الجبهة قوة مؤثرة في السياسة الإثيوبية حتى عام 2019 عندما شكل رئيس الوزراء والحائز على جائزة “نوبل” للسلام، آبي أحمد، ائتلافاً جديداً رفضت جبهة تحرير شعب تيغراي أن تكون جزءاً منه.

وظلت المجموعة في السلطة في تيغراي حتى سبتمبر من العام الماضي وتحدت حكومة آبي أحمد بإجراء انتخابات على الرغم من تأجيل الانتخابات على الصعيد الوطني بسبب جائحة فيروس كورونا.

وبعد شهرين من ذلك، شنت قوات الجبهة هجوماً على قاعدة محلية للجيش الإثيوبي، ورداً على ذلك شنت الحكومة الفيدرالية هجوماً عسكرياً كبيراً على تيغراي.

تداعيات محتملة

بعد التعتيم الإعلامي وتضارب الأنباء الواردة من الإقليم وتورط أطراف كثيرة في الصراع، يبرز السؤال الأهم: كيف يمكن أن يؤثر ما يحدث في تيغراي على الاستقرار في القرن الأفريقي؟

الأزمة التي يشهدها الإقليم لم تقتصر آثارها على إثيوبيا فحسب، بل امتدت عبر حدود البلاد حيث عبر آلاف اللاجئين الحدود إلى السودان.

وشاركت قوات من إريتريا المجاورة في الهجوم على مقاتلي جبهة تحرير شعب التيغراي في نوفمبر رغم أنه لا يعرف إن كانت القوات الإريترية لا تزال في الإقليم أم انسحبت منه.

كما أن هناك خطراً يتمثل في أن تركيز الحكومة الفيدرالية على جهدها العسكري في تيغراي قد يضعف مشاركتها في دعم الحكومة بالصومال في مواجهة مقاتلي حركة الشباب.

تحذيرات أممية

مؤخرًا، وبعد عدة تحذيرات أممية متواصلة، أعلنت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أمس الإثنين، أن انتهاكات صارخة تُرتكب من جميع الأطراف في تيغراي، وحذرت من خطر تمدد النزاع في أنحاء القرن الأفريقي.

وقالت ميشيل باشليه، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف: إن معاناة المدنيين تنتشر على نطاق واسع في المنطقة الشمالية من إثيوبيا، بحسب ما نقلته “وكالة الصحافة الفرنسية”.

قوات من إريتريا شاركت في الهجوم على مقاتلي جبهة تحرير شعب التيغراي

تبريرات آبي أحمد

كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أرسل قواته إلى تيغراي في نوفمبر العام الماضي.

وبرر أحمد، الحائز جائزة “نوبل” للسلام عام 2019، الخطوة بأن حملته جاءت رداً على هجمات استهدفت ثكنات للجيش شنتها «جبهة تحرير شعب تيغراي»، الحزب الحاكم في الإقليم آنذاك.

خسائر 10 أشهر

وأودى النزاع المستمر منذ 10 أشهر بين القوات الحكومية ومتمردي تيغراي بآلاف الأشخاص وتسبب بأزمة إنسانية كبرى، ولفتت باشليه إلى أن القتال امتد إلى مناطق أخرى في إثيوبيا، محذرة من «خطر تمدد النزاع إلى القرن الأفريقي برمته».

وقالت باشليه: إنه في الأشهر الأخيرة استمرت الاعتقالات الجماعية وعمليات القتل والنهب الممنهج وأعمال العنف الجنسي في إشاعة «مناخ من الخوف وتلاشي الظروف المعيشية»؛ ما تسبب بنزوح قسري لمدنيين من تيغراي.

وأكدت الرئيسة السابقة لتشيلي: إن «معاناة المدنيين تنتشر على نطاق واسع، والإفلات من العقاب شائع»، أضافت: «حتى مع تغير الديناميكيات في النزاع، كان هناك ثابت واحد وهو: تقارير عدة عن انتهاكات صارخة مفترضة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني وقانون اللاجئين، من جميع الأطراف».

أجرى مكتب باشليه والمفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان مهمة ميدانية في إطار تحقيق مشترك، ومن المتوقع صدور التقرير في الأول من نوفمبر.

دوامة العنف الوحشي

وقالت باشليه: «واضح أن القضايا الموثقة تتضمن العديد من الانتهاكات المفترضة لحقوق الإنسان، ومنها هجمات على المدنيين وعمليات قتل خارج إطار القانون، وتعذيب وإخفاء قسري، من بين انتهاكات جسيمة أخرى»، وأوضحت: «اتسمت أعمال العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي بنمط من الوحشية الشديدة، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والتعذيب الجنسي والعنف الجنسي على أساس عرقي».

أضافت باشليه أنه خلال الفترة المعنية بالمراجعة، كانت قوات تيغراي مسؤولة عن هجمات مفترضة على مدنيين، من بينها عمليات قتل عشوائي أسفرت عن نزوح قرابة 76500 شخص في منطقة عفر، و200 ألف في أمهرة.

وقتل أكثر من 200 شخص، وفق تقارير، في الاشتباكات الأخيرة في المنطقتين، فيما أصيب 88 شخصاً بينهم أطفال بجروح، كما قالت.

وأضافت: «تلقينا تقارير خطيرة عن تجنيد أطفال في النزاع من جانب قوات تيغراي، وهذا محظور بموجب القانون الدولي»، ودعت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين جميع الأطراف إلى وضع حد للقتال فوراً من دون شروط مسبقة، والتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار.

ورأت أنه «مع التطلع نحو المستقبل، لن يتحقق السلام المستدام إلا من خلال المساءلة وحوار شامل حقيقي وعملية مصالحة وطنية».

——————————————

 مصادر ذات صلة :

Exit mobile version