بعد 20 عاماً.. كيف استثمر مسلمو أمريكا أحداث 11 سبتمبر لصالحهم؟

قبل 20 عاما انزوى عدة ملايين من مسلمي أمريكا داخل منازلهم عقب حملة شيطنة ضخمة، تم شنها ضدهم بتحميلهم مسئولية تفجيرات أبراج التجارة العالمية ومبنى البنتاجون، ثم جرت سلسلة اعتداءات كبيرة ضدهم دفعت بعض النساء لخلع الحجاب، وضُرب كثير من الرجال في الشوارع.

برغم هذا سعى فريق من المسلمين الأمريكان للاستفادة مما جرى بمنع شيطنتهم، فقاموا بتعليم بعض الأمريكان حقيقة الإسلام الذي يعارض هذه التفجيرات ويرفض قتل الأبرياء، ما دفع آلاف الأمريكان والغربيين لشراء مصاحف وكتب مترجمة للقراءة عن “عدوهم الجديد”، وهو الإسلام والمسلمين، فساهمت هذا القراءات للقرآن والكتب الإسلامية في تعريفهم أكثر بالإسلام بل وزيادة أعداد من أسلم بعد 11 سبتمبر.

سعى العديد من المسلمين في الاتجاه الآخر، وحرصوا على تمثيل دينهم، والمشاركة بشكل أكبر في الحوار بين الأديان وتوضيح حقيقة الإسلام.

واعترفت أرقام أمريكية رسمية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن الدين الإسلامي يتقدم، وأنه قد يتحوّل إلى الديانة الأولى في البلاد، وأن معتنقي الإسلام زادوا، وأن عدد المسلمين الأمريكيين ارتفع ليفوق عدد اليهود للمرة الأولى في معظم مناطق الغرب الأوسط وجزء من الجنوب.

وأشارت أرقام أمريكية أخرى إلى اعتناق نحو 20 ألف أمريكي سنويا للدين الإسلامي، وتحدثت وزارة الداخلية الأمريكية عن رقم 100 ألف مسلم في السنوات العشر التي تلت الحادث فقط

من الشيطنة إلى الاستقواء

مجلة إيكونوميست البريطانية أكدت في تقرير نشرته في ذكرى 11 سبتمبر 2021 أن شيطنة المسلمين في أمريكا بعد هجمات 2001 لم تمنع من صعودهم وتحقيقهم إنجازات مهمة.

سعى فريق من المسلمين الأمريكان للاستفادة مما جرى بمنع شيطنتهم، فقاموا بتعليم بعض الأمريكان حقيقة الإسلام الذي يعارض هذه التفجيرات

وقالت إن الـ20 عاما الماضية كان فترة ذهبية للمسلمين الأمريكيين؛ فقد تضاعف عددهم إلى 3.5 ملايين، وزاد حضورهم في الحياة العامة أضعافا مضاعفة، وزاد عدد المساجد في مرحلة ما بعد 2001 إلى الضعف.

وأشارت إلى أن المسلمين الأمريكيين أكثر الأقليات الدينية تعلما؛ حيث تبلغ نسبة الأطباء المسلمين في ميتشغان 15% مع أن عددهم لا يشكل سوى 3% أو أقل من السكان.

واستطردت: “لا تسأل عن أعداد الفنانين والصحافيين والسياسيين المسلمين الذين ظهروا في السنوات الأخيرة، ولا مسلمي نواب الكونجرس مثل رشيدة طليب وإلهان عمر، أول امرأة محجبة تنتخب للكونجرس بخلاف أعداد لا تحصى من المسؤولين المسلمين الذين تم انتخابهم في مجالس المدارس والحكومات المحلية”، معتبرة كل هذا دليلا على استقواء المسلمين بعد هذه الهجمات وتعزيز وجودهم.

يذكر أن مسلمي أمريكا فاز منهم في انتخابات أمريكا الأخيرة 2020 قرابة 67 مسلم في مناصب نيابية وحكومية مختلفة، ووعدهم بايدن بتغيير سياسته تجاه العالم الإسلامي ووقف السياسات الخاطئة ضد المسلمين.

استهداف المسلمين

عقب هجمات 11 سبتمبر أصبح الهجوم على المسلمين مترسخا في أوساط اليمين المتطرف المسيحي والكارهين للإسلام.

أشارت أرقام أمريكية لاعتناق نحو 20 ألف أمريكي سنويا للإسلام، وتحدثت وزارة الداخلية الأمريكية عن 100 ألف مسلم بالسنوات العشر التي تلت الحادث

ووفقًا لبريان ليفين، مدير مركز دراسة الكراهية والتطرف في جامعة ولاية كاليفورنيا: “شهدت جرائم الكراهية ضد المسلمين تصاعدًا لم نشهده من قبل، وارتفعت من 30 حادث في العام قبل 11 سبتمبر إلى 481 في عام 2001، أغلبهم في الأسابيع الأولى بعد الحادث”.

وأظهرت تقارير في وسائل الإعلام أن بعض النساء المسلمات بدأن يخلعن حجابهن.

واستهدفت سياسات ومبادرات “مكافحة الإرهاب” للحكومة الأميركية التي تم إطلاقها بعد الهجمات الإرهابية العرب والمسلمين في الولايات المتحدة؛ فمن بين 20 سياسة ومبادرة تم تنفيذها في الأشهر الـ 12 الأولى بعد 11 سبتمبر، استهدفت 15 سياسة ومبادرة صراحة العرب والمسلمين.

وبحسب قناة الحرة الأمريكية 11 سبتمبر 2021، جرت عدة خطوات لاستهداف واتهام كل مسلمي أمريكا.

على سبيل المثال، في نوفمبر 2001، قالت وزارة العدل إنها تخطط لإجراء مقابلات مع 5000 شخص من دول عربية وإسلامية كانوا في الولايات المتحدة بتأشيرات مهاجرين غير شرعيين، وسيتم استجواب هؤلاء الأشخاص حول علاقتهم بالحادث الإرهابي، وفي يونيو 2002 طُلب من جميع الرجال المسلمين والعرب التسجيل لأخذ بصمات أصابعهم، كما وضعت شرطة نيويورك الشركات والمطاعم والمنظمات المجتمعية المملوكة لمسلمين تحت المراقبة.

وقد امتد برنامج التجسس -الذي استمر من عام 2002 حتى عام 2014- إلى ولاية بنسلفانيا وكونيتيكت ونيوجيرزي وخارجها، واعترفت شرطة نيويورك لاحقًا بأن البرنامج لم يؤد إلى أي خيوط أو اعتقالات.

مهمة التعامل مع العالم الإسلامي

بالتزامن مع استقواء مسلمي أمريكا وتولية العديد من المناصب وخشية تكرار أمريكا تعاملها العنصري مع مسلم العالم، كما حدث مع مسلميها عقب تفجيرات 11 سبتمبر، دعا خبراء أمريكا لإسناد التعامل مع العالم الإسلامي لمسئولين مسلمين بإدارة بادين.

فتحت عنوان America needs a foreign policy by Muslims for Muslims، أو “أمريكا تحتاج لسياسة خارجية يعدها مسلمون تجاه المسلمين”، دعا “معهد الشرق الأوسط” بواشنطن، إدارة بايدن لتغيير تعامله مع المسلمين في العالم وإنهاء سياسات العداء لهم التي استشرت منذ هجمات 11 سبتمبر، مطالبا بسياسة خارجية مع المسلمين يعدها مسلمون.

وقد شددت الدراسة على أن إدارة بايدن بحاجة إلى سياسة خارجية شاملة تجاه العالم الإسلامي، تعتمد على مواهب وخبرات الأمريكيين المسلمين، الذين هم في وضع أفضل اليوم ليمثلوا جسرًا موثوقًا به بين واشنطن وعواصم الدول الإسلامية.

إيكونوميست: تضاعف عدد المسلمين بأمريكا إلى 3.5 ملايين، وزاد حضورهم في الحياة العامة أضعافا مضاعفة وأصبحوا أكثر الأقليات الدينية تعلما

ونوهت إلى أنه يوجد ما يقرب من ملياري مسلم منتشرين في 50 دولة ذات أغلبية مسلمة، وجميع هذه الدول ينتمي لها أعداد من مسلمي المهجر، والعالم الإسلامي مرتبط ارتباطا وثيقا بالخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية، وهو ما يجب مراعاته بالتالي في السياسة الأمريكية.

وتوضح الدراسة أنه منذ 11 سبتمبر تنظر الولايات المتحدة إلى العالم الإسلامي من خلال عدسة مكافحة الإرهاب فقط، وتنظر إلى حكومات الدول الأخرى باعتبارهم حلفاء أو أعداء بمقدار الدور الذي يلعبونه في مكافحة الإرهاب بصرف النظر عن موقف تلك الدول من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وأكدت أن “هذه الاستراتيجية ضيقة الأفق”، عكست صورة سلبية لدى المسلمين عن الولايات المتحدة، وأصبح المواطن المسلم يعتبرها دولة معادية للإسلام والمسلمين، وأن حظر ترمب لسفر المسلمين لأمريكا زاد من تعزيز وجهة النظر هذه.

إقبال على الإسلام

عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 تنبأ كثيرون في الغرب أن تكون هذه الهجمات هي كلمة النهاية للإسلام في أمريكا، فجاءت التقارير الأمريكية، بعد تداعيات الأزمة المختلفة، لتؤكد تزايد أعداد المؤمنين بالدين الإسلامي، بعدما أقبلوا على القراءة عن هذا “العدو الجديد” وعرفوا حقيقته على خلاف ما فعله مرتكبو جريمة هدم برجي التجارة العالمي وقتل ألفي أمريكي.

دراسة: إدارة بايدن بحاجة إلى سياسة خارجية شاملة تجاه العالم الإسلامي، تعتمد على مواهب وخبرات الأمريكيين المسلمين

وبعد كل موجة عداء ضد الإسلام في أعقاب هجمات، أو بعد أي عملية إرهابية في الغرب، تنتشر أنباء عن دخول العديد من غير المسلمين إلى الإسلام رغم الحملات الإعلامية الشعواء في جميع وسائل الإعلام الغربية والأمريكية ضد المسلمين والإسلام.

لكن هناك بعض الحملات المنصفة التي ظهرت كرد فعل على هذه الحملات المتطرفة؛ فمثلا الممثل الأمريكي “بن أفليك” –غير مسلم– انبرى على شاشات التلفزيون الأمريكي في حلقة من برنامج “ريال تايم” ليدافع بحرارة عن الإسلام والمسلمين ضد انتقادات وكلام اعتبره “مقززا وعنصريا” قاله “بيل ماهر” المعروف بإلحاده وبميوله اليسارية المتطرفة على شبكة “أتش بي أو”.

وقال: “هناك مليار شخص ليسوا متطرفين ولا يسيئون إلى النساء ويريدون الذهاب إلى المدارس والصلاة خمس مرات في اليوم ولا يقومون بأي من الأمور التي تقول إن المسلمين يقومون بها”، وأضاف “لقد قتلنا من المسلمين أكثر مما قتلوا من صفوفنا بفارق كبير”.

والممثل ليام نيسون الذي أشيع أنه اعتنق الدين الإسلامي، خلال تصويره لفيلم «2Taken» بمدينة إسطنبول التركية، بعث برسالة إيجابية عن الإسلام للغربيين، حين قال: “عندما كنت في أسطنبول وسمعت صوت الأذان كان شيئًا غريبًا عليّ، لكنه بعد ذلك دخل إلى قلبي وشعرت بشيء من الروحانيات”.

ويقول مفكرون مسلمون وكتاب وأئمة مساجد إنالمثير للغاية أن الكثيرين ممن تحولوا إلى الإسلام لم نكن نحن المسلمين مَنْ قدم لهم الصورة الجيدة عن الإسلام، ولم يؤدِّ الكثيرون منا دوراً مؤثراً في إسلامهم، إنما يأتي دخولهم إلى الإسلام بسبب حادثة ما، أو رغبتهم في إيجاد ملاذ نفسي آمن”.

وقالوا إن “معظم الداخلين للإسلام قرأوا كتباً، وأبحروا في الفضاء الإلكتروني للتعرف عليه، وتعمَّقوا بشكل جلي في فهم الإسلام كما يجب”، وبعضهم قال لأصدقاء مسلمين بعد إسلامه إنهم “يدركون بصورة جلية أن بعض المسلمين لا يمكن أن يمثلوا الصورة الحقيقية لهذا الدين، وأنهم يدركون أن هناك حدوداً ما دين ما وأتباع هذا الدين الذين قد يفعلوا ما هو مخالف لهذا الدين أحيانا”.

وفي عام 2008، قامت جامعة كوبنهاجن بدراسة خاصة ضمّت 69 صفحة، أكدت أن المئات من الدانماركيين لم يكتفوا بالاطلاع الفضولي على الدين الإسلامي في أعقاب أزمة الرسوم الدنماركية المسيئة، وإنما اعتنقوه.

وتحدثت صحيفة “تليجراف” البريطانية حينئذ عن تفوق مرتادي المساجد في إنجلترا وأوروبا على مرتادي الكنائس، إذ لم يزد الذين يتوافدون على الكنائس عن 670 ألف متعبد مسيحي كل يوم أحد، في الوقت الذي فاق عدد مرتادي المساجد في إنجلترا 680 ألف مصلٍّ خلال أيام الجمعة.

 

Exit mobile version