ارتفاع درجات الحرارة ونشاط الرياح وراء حرائق الغابات

 

أكد مراقب التنبؤات الجوية بإدارة الأرصاد الجوية بالطيران المدني الكويتي عبدالعزيز القراوي أن التطرف المناخي وارتفاع درجات الحرارة الشديدة هما السبب في اندلاع حرائق الغابات التي شهدها عدد من الدول خلال الأشهر الماضية، مثل تركيا واليونان وبعض دول شرق أوروبا، وكذلك الجزائر والمغرب وتونس.

وأشار القراوي، في حواره مع «المجتمع»، إلى أن الغابات تمثّل الرئة للكرة الأرضية، وبالتالي فكثرة الحرائق وقلة الغطاء النباتي والغابات تؤدي إلى آثار سلبية، قد تؤثر على الحياة البشرية في الكرة الأرضية.

محطة «مطربة» بالكويت سجلت أعلى درجة حرارة في آسيا وثالث أعلى درجة بالكرة الأرضية

دائماً ما نسمع عبارة «التغيرات المناخية»، ما دلالة هذه العبارة، وتعريفها وأسبابها، والعوامل التي أدت إلى التغيرات المناخية في الفترة الأخيرة؟

– نتشرف بلقاء مجلة «المجتمع»، من أجل أن نستفيد، ونفيد في الوقت نفسه.

بداية، يقاس المناخ من خلال عنصرين، هما: التغير في درجات الحرارة، وفي كميات الأمطار، ولتقريب مفهوم «تغير المناخ»، نأخذ مثالاً بالجزيرة العربية بما فيها دولة الكويت، فهل هناك تغير في مناخ دولة الكويت والجزيرة العربية؟

أتوقع في المستقبل القريب انتشار السيارات والمباني صديقة البيئة بدول الخليج

الإجابة: نعم؛ حيث نلاحظ من خلال البيانات المسجلة عندنا في الكويت منذ عام 1962م تقريباً أن هناك ارتفاعاً في درجات الحرارة، بمعدل 1.8 خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث لاحظنا في السنوات الأخيرة أن محطات قياس الحرارة سجلت في مناطق بالكويت أرقاماً قياسية في ارتفاع درجات الحرارة، مثل مدينة الكويت؛ حيث سجلت درجة الحرارة فيها 52 درجة في عام 2016م، كما أن مدينة الجهراء سجلت هذا العام ارتفاعاً ملحوظاً حيث بلغت درجة الحرارة فيها 53.5 درجة، ويعتبر هذا الرقم قياسياً؛ حيث إن درجة الحرارة فيها اقتربت من 54 درجة، كما سجلت محطة «مطربة» الصحراوية في 21 يوليو 2016م أعلى درجة حرارة في قارة آسيا، وثالث أعلى درجة في الكرة الأرضية؛ بـ53.9 درجة.

للكرة الأرضية رئتان تتنفس منهما الأولى غابات الأمازون بأمريكا الجنوبية والثانية غابات وسط أفريقيا

إذن لا شك أن هناك تغيراً في المناخ بالكويت، وأيضاً في شبه الجزيرة العربية، والوطن العربي بشكل عام، ووتيرة ارتفاع درجة الحرارة في حالة تزايد في شبه الجزيرة العربية وفي الوطن العربي، وكذلك في الكرة الأرضية، وسطح الأرض بشكل عام.

خلال الأشهر الماضية، حدثت حرائق غابات في كل من تركيا واليونان وبعض دول شرق أوروبا، وفجأة انتقلت إلى كل من الجزائر والمغرب وتونس، والسبب ربما يرجع إلى تغيرات مناخية؛ فهل هذه التغيرات من الممكن أن تنتقل من إقليم إلى آخر بهذه الطريقة؟

التطرف المناخي وارتفاع درجات الحرارة يؤديان إلى حرائق الغابات

– ما يخص حرائق الغابات في كل من تركيا واليونان وتونس والجزائر، فإن الغابات لها أهمية كبيرة للحياة على الأرض؛ فهي الرئة التي تتنفس منها الكرة الأرضية، فكما أن الإنسان له رئتان للتنفس، فللكرة الأرضية رئتان للتنفس أيضاً، الأولى غابات الأمازون بأمريكا الجنوبية، والثانية غابات وسط أفريقيا، وهذه الغابات من أهم المناطق التي تحرص عليها البشرية وخصوصاً الدول العظمى.

وهذه الغابات تقوم بإنتاج غاز الأكسجين، وفلترة الجو بشكل عام، من خلال امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي أي أضرار تتعرض لها هذه الغابات يسبب تهديداً للحياة البشرية على سطح الأرض.

هناك حلول يمكن تطبيقها مثل التوجّه إلى الطاقة البديلة والسيطرة على الوقود الأحفوري

أما الحرائق التي حدثت في كل من تركيا واليونان وكثير من الدول، فهي تحدث سنوياً، ففي عام 2019م حدثت حرائق كثيرة في غابات الأمازون، التي هي بمثابة الرئة الأولى للكرة الأرضية، وأسباب هذه الحرائق التي تحدث سنوياً هي الارتفاع المتطرف في درجات الحرارة على هذه البقع، وأيضاً نشاط الرياح، أما عن كيفية حدوثها، فإن أوراق الأشجار الجافة الميتة، في ظل وجود أنشطة للرياح وارتفاع درجة الحرارة تسبب احتكاكاً بين هذه الأوراق الجافة، ينتج عنه بعض الحرارة الكامنة في هذه الأوراق مع نشاط الرياح والاحتكاك القوي وارتفاع درجات الحرارة؛ فتشتعل هذه الأوراق، وبالتالي تشتعل الغابات؛ فنتيجة هذا التطرف المناخي وارتفاع درجات الحرارة الشديدة يؤديان إلى ارتفاع نسبة حرائق الغابات في دول العالم.

ما وجه العالم بعد حدوث هذه الحرائق؟ وإذا تطورت هذه الظاهرة وأصبحنا نراها في أستراليا، أو نيوزيلندا، أو أمريكا اللاتينية، وانتشرت بشكل كبير، فما التغيرات التي من الممكن أن تحدث في العالم؟

– انتقال ظاهرة الحرائق من إقليم إلى آخر، مثل تركيا واليونان وكثير من الدول، صعب ومستحيل، لكن حدوثها في مناطق مختلفة من بقاع الأرض في الوقت نفسه جائز ومتوقع، ويرجع ذلك إلى أنه متى ما توفرت هذه الظروف التي تؤدي إلى حرائق الغابات، فسوف تشتعل هذه الغابات، كما واجهنا في هذا الصيف ارتفاع درجات الحرارة في اليونان وتركيا والجزائر، مع أنه يفصل بينها البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فالظروف التي تهيئ للحرائق كانت متوفرة في كل من الجزائر وتركيا واليونان، ومن ثم اشتعلت هذه الغابات.

والغابات -كما ذكرنا آنفاً- تمثّل الرئة للكرة الأرضية، وبالتالي فكثرة الحرائق وقلة الغطاء النباتي على سطح الأرض تؤدي إلى آثار سلبية، بالإضافة إلى انخفاض غاز الأكسجين في الغلاف الجوي وانتشار التلوث به؛ ما يؤدي إلى الإضرار بالصحة العامة في الكرة الأرضية.

لذا، لا بد من الاهتمام بهذا الموضوع، وندعو القيادة العليا في الطيران المدني وإدارة الأرصاد الجوية الكويتية أن تشارك في مؤتمرات كثيرة للحد من التغيرات المناخية، والدعوة للتكيف مع هذه المتغيرات التي من المتوقع أن تحدث في المستقبل سواء على ارتفاع درجات الحرارة أو الفيضانات، أو الجفاف، أو حرائق الغابات، أو العواصف الشديدة، فالتكيف مع هذه الظواهر المستجدة أمر حتمي ومطلوب، مع محاولة الحد من انتشارها، والسيطرة على الأنشطة البشرية المؤدية إلى مثل هذه الظواهر العنيفة، وهذا الأمر لا يتم إلا بالعلم، لذا لا بد أن نعلم وندرس طبيعة المناخ والغلاف الجوي والظواهر الجوية العنيفة، من خلال رجال متخصصين في هذا المجال، يشاركون القيادة العليا والقيادة السياسية في وضع حلول عاجلة لهذه التغيرات المناخية وكيفية التأقلم والتكيّف معها.

المتخصصون في المناخ دائماً ما يحذرون أن العالم في طريقه إلى المجهول؛ فهل سيتغير وجه العالم أم يظل على ما هو عليه؟

– كثير من المتخصصين في مجال الأرصاد الجوية يطلقون التحذيرات تلو التحذيرات للانتباه لما يدور حولنا من تغيرات مناخية ستؤثر علينا، وهذا أمر طبيعي من المتخصصين، لأننا نتعايش مع هذه التغيرات ونراقبها عن قرب بحكم عملنا، وحكم تخصصنا، بعكس غير المتخصصين، الذين يعيشون بصورة طبيعية، فقط يشعرون أن اليوم فيه ارتفاع بدرجة الحرارة، أو ارتفاع في نسبة الرطوبة وغيره، أما ما يتعلق بالإحصائيات والمراقبات الدقيقة لهذه التغيرات فنحن المتخصصين نكون الأقرب إليها.

وكل المؤتمرات والاجتماعات المتخصصة في هذا المجال والمنظمات الدولية المعنية منذ سنوات طويلة وهي تحذِّر من التغيرات المناخية، مع دعوتها لضرورة وضع حلول عاجلة للتكيف معها، أو التصدي لها، أو التخفيف من آثارها.

هناك حلول باستطاعة البشر أن يقوموا بتطبيقها، مثل التوجّه إلى الطاقة النظيفة، أو البديلة، ومحاولة السيطرة على انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون والسيطرة قدر الإمكان على استخدام الوقود الأحفوري.

ونحن الأشخاص جزء من المسؤولية، ففي بعض المناطق بالكويت لاحظت في البيوت السكنية ألواحاً شمسية، لاستخدامها في الإنارات الخارجية كالأسوار، وإنارات الحدائق المنزلية، وهي متوفرة في معظم الأسواق.

وهذه خطوة جيدة أن نشعر بالمسؤولية في مواجهة هذا التغير المناخي، بأن نتوجه لاستخدام الطاقة البديلة والطاقة النظيفة، مثل الألواح الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية.

فالتغيرات المناخية كابوس يمر به العالم في المستقبل، ونحن لا نعلم ماذا سيحدث، لكننا نقوم بتحليل البيانات الموجودة عندنا، ونحلل الأسباب العلمية بناء على علمنا المحدود في هذا المجال، ونحاول أن نتخذ الأسباب والاحترازات، لمواجهة المستقبل مهما كان، ونأمل ألا تكون الأضرار المترتبة على التغيرات المناخية جسيمة في شبه الجزيرة العربية، ووطننا العربي الكبير، وبحمد لله تعالى دولة الكويت لا تتعرض للأعاصير المدارية المدمرة.

فالاهتمام بتغيرات المناخ وما يترتب عنها مسؤولية تهم الجميع؛ قيادة وحكومة وشعباً، ومؤسسات علمية وبحثية.

بالحديث عن التغيرات المناخية هل ستتأثر كمية الأمطار بالكويت، في ظل هذه التغيرات؟

– دولة الكويت بوصفها مناخها صحراوياً يعاني من شح الأمطار، نستطيع القول: إن معدلات الأمطار ستبقى في المعدلات الطبيعية، ومن الممكن أن نعاني من طفرات وظروف مناخية متطرفة، مثلما حدث في عام 2018م، حيث كانت الأمطار غزيرة، ولكن بشكل عام، معدلات الأمطار إلى الآن في معدلاتها الطبيعية، في شبه الجزيرة العربية، وكذلك في الكويت.

أما في حالة قياسها على دول العالم، فسوف نلاحظ انخفاضاً في معدلات كميات الأمطار، فبعض الدول التي كان معدل كميات الأمطار يتجاوز الـ1500 إلى 1700 ملليمتر، مثل الدول الاستوائية وبعض الدول الممطرة، سنجد أن هناك تغيراً في كمية ومعدلات الأمطار السنوية، وذلك يرجع إلى سببين؛ أحدهما طبيعي، والآخر من صنع البشر.

أما الأسباب الطبيعية، فترجع إلى ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وكذلك ارتفاع درجة حرارة سطح المحيطات الكبيرة، وهذا يؤدي إلى خفض نسبة امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون.

فمن المعروف أنه إذا انخفضت درجة حرارة المسطحات المائية عن درجة معينة، فإنها تمتص نسبة كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو يعتبر غازاً دفيئاً، ومن أخطر الغازات على تركيبة الغلاف الجوي، ويؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، ما يؤدي في المستقبل إلى حالات جوية متطرفة سواء غزارة في الأمطار، أم فيضانات، أم إلى جفاف في جزء آخر من الكرة الأرضية؛ لذا فإن ارتفاع درجة حرارة المحيطات يؤدي إلى قلة امتصاص هذه المسطحات المائية الكبيرة لغاز ثاني أكسيد الكربون، ومن ناحية أخرى يزيد من تبخر الماء في المسطحات الكبيرة، فإذا تبخر الماء في المسطحات الكبيرة بكميات أكبر من المعدل، يؤدي ذلك إلى زيادة نسبة بخار الماء في الغلاف الجوي؛ ما يؤدي إلى تغيُّر فيزيائية الغلاف الجوي التي تؤثر على تحرك الأنظمة الجوية على سطح الأرض، وبالتالي يؤدي إلى ظواهر جوية متطرفة، ويتمثل ذلك في غزارة الأمطار، أو عواصف مدارية عنيفة جداً، من بينها «الهوريكنز»، و«والتيرنيدوز»، و«التايفونز» التي تؤدي إلى أضرار جسيمة على الحياة البشرية.

أما ما يتعلق بالأنشطة البشرية، فهي تتمثل في كثرة المصانع، وزيادة استخدام الوقود الأحفوري، والغازات، وتحريك المصانع لأنواع مختلفة من الوقود، الذي يتم إنتاجه بوساطة مصانع ضخمة، وتحتاج إلى مواد ملوثة لتشغيل هذه المصانع، التي تنبعث منها الغازات الدفيئة ومنها الإيثان والميثان وثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون، فكل هذه المصانع بسبب مخلفاتها تسبب الكثير من الأضرار في طبقة الأوزون الواقية للكرة الأرضية من الأشعة الكونية الضارة.

طبقة الأوزون، أو غاز الأوزون، يرتفع عن سطح الأرض من 20 إلى 25 كيلومتراً، في طبقة الإستراتسفير، أو السراتوبوس تحديداً، وتتكون من غاز الأوزون، وهو ذرة واحدة من «O3» أو 3 ذرات من الأكسجين، فانبعاث هذه الغازات وخصوصاً ثاني أكسيد الكربون يتفاعل مع هذه الطبقة وبالتالي يقلل من سماكتها، ويؤدي إلى ضعفها؛ ما يسمح للأشعة الكونية الضارة باختراقها، وتصل إلى سطح الأرض فتسبب الكثير من الأضرار الصحية وتؤثر على النباتات والمحصولات الزراعية، وكذلك ضعف هذه الدرجة يؤدي إلى زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي، ما يتسب في تغير فيزيائية الغلاف الجوي، الذي بدوره يؤثر على تغير الأنظمة الجوية على سطح الأرض وبالتالي يؤدي إلى حدوث ظواهر جوية متطرفة.

لهذا السبب، هناك الكثير من الاجتماعات والمؤتمرات الدولية منذ سنوات، وما زالت مستمرة من أجل وضع حلول لهذه التغيرات المناخية، فنرى الكثير من الدول اتجهت إلى استخدام الطاقة النظيفة، والبديلة، من خلال السيارات الكهربائية، والاستفادة من الطاقة الشمسية، وكثير من الدول المتقدمة سبقتنا في هذا المجال، وجيراننا في دول الخليج أدخلوا الكثير من المدن التي تعمل بالطاقة البديلة أو النظيفة، ودولة الكويت الآن بدأت في مشروع «الشقايا» للاستفادة من الطاقة الشمسية، وأيضاً طاقة الرياح.

 وأتوقع في المستقبل القريب انتشار السيارات والمباني صديقة البيئة بدول الخليج خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة، خصوصاً أن الدول الغربية والمتقدمة سبقتنا بمراحل في هذا المجال.

Exit mobile version