هل تلغي مصر “الديانة” من بطاقات الهوية بعد تشجيع رسمي ورغم رفض الأزهر؟

 

عقب تصريح غامض من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في مداخلة هاتفية على فضائية «صدى البلد»، 23 أغسطس الجاري، حول ولادة المسلمين بالبطاقة والوراثة، وأنه “يجب أن نعيد صياغة فهمنا للمعتقد الذي نسير عليه”، تساءل مصريون عن هدف هذا التصريح!

المعارضون انتقدوا هذا الخطاب واعتبروه يشكك في عقيدة المصريين الإسلامية، وتساءلوا: “هل نبحث عن دين جديد؟”.

لكن مؤيدي الرئيس شرحوا المقصود، مؤكدين أن السيسي قصد تأييده لمقترح قديم أثار جدالاً ورفضه الأزهر الشريف يطالب بإلغاء خانة “الديانة” من هوية المصريين، وعدم ذكر المعتقد الذي يؤمن به أي مصري.

وأن هذا مدخل لكل القوى والمؤسسات المجتمعية خاصة مجلس النواب للنقاش حول إلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية.

السيسي قال: «كلنا اتولدنا المسلم وغير مسلم بالبطاقة والوراثة، لكن هل حد يعرف إنه يجب أن نعيد صياغة فهمنا للمعتقد الذي نسير عليه؟”.

وتابع: “كنا صغريين مش عارفين طب لما كبرنا هل فكرت ولا خايف تفكر في المعتقد الذي تسير عليه صح ولا غلط؟ هل فكرت السير في مسيرة البحث عن المسار حتى الوصول إلى الحقيقة؟”.

https://youtu.be/8bob5OOixLk

“علمنة” مصر

نشطاء قالوا: إن ما يجري هو خطوات متلاحقة لـ”علمنة” مصر، بدعاوى محاربة التطرف الديني، تشارك فيها قوى علمانية ونشطاء علمانيون ومنظمات مشبوهة.

قبل الجدل حول إلغاء خانة الديانة، أعلن اللواء كمال عامر، رئيس المخابرات الحربية السابق ولجنة الدفاع والأمن بمجلس النواب، في 26 فبراير 2021، وقبل وفاته بفيروس كورونا، موافقة وزارة التعليم على إدراج مادة جديدة تجمع كل الأديان في المناهج المصرية.

هذه المادة هي “القيم الدينية المشتركة بين الديانات السماوية”، التي تعني تدريس “اليهودية” بجانب الإسلام والمسيحية للطلاب في كتاب تعليمي واحد.

خبراء تربويون اعتبروا مادة “القيم المشتركة” جزءاً من تحولات خطيرة تجري في ملف التعليم بمصر، و”علمنة” مصر بدعاوى محاربة “التطرف الإسلامي” وتطوير الخطاب الديني، حسب وصفهم.

سبق هذا تلميح نائب وزير التعليم رضا حجازي، أن هناك توجيهات رسمية بحذف الآيات القرآنية من كل المناهج وقصرها على كتاب الدين الإسلامي فقط، وقال، خلال اجتماع يوم 14 فبراير 2021، مع لجنة الدفاع والأمن القومي: “نظراً لأهميتها، سيتم إدراج هذه المادة (القيم المشتركة) ضمن المجموع الكلي للطلاب”.

وفي أبريل 2021، عاد الجدل حول إلغاء خانة الديانة بعد تسريب صور لبطاقة الرقم القومي وجواز السفر المصري الجديد بدون خانة الديانة.

لكن اللواء يحيى الكدواني، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، نفى مناقشة المجلس لأي قانون مقدم، سواء من الحكومة أو أحد النواب، بخصوص حذف خانة الديانة من البطاقة الشخصية.

جدل خانة الديانة

أثار حديث الرئيس السيسي عن الدين جدلاً واسعاً، وفتح باب النقاش مجدداً حول خانة الديانة الموجودة في البطاقات الشخصية للمصريين.

حديث السيسي نزل برداً وسلاماً على قلوب العلمانيين الذين انتهزوا الفرصة، وسارعوا إلى فتح باب النقاش حول إلغاء خانة الديانة.

خالد منتصر (أحد رافعي راية العلمانية في مصر) رحب، مؤكداً أن شطبها هو تأكيد على مدنية الدولة وانضمامها لطابور الحداثة والتحضر، مشيراً لأن الهوية هي الوطن لا الدين.

قصة إلغاء الديانة من هوية المصريين قديمة، ويراها العلمانيون “حياداً للدولة تجاه المعتقد الديني” بينما يراها نشطاء وعلماء الأزهر انتهاكاً للقانون.

وحين حاول بعض نواب البرلمان، عامي 2016 و2018، الحديث عن مقترح إلغاء الديانة من بطاقات الهوية تصدى لهم علماء الأزهر بعد تدخل الأزهر مباشرة وإبداء رأيه فيها وإحراج من طرحوا الفكرة، فانتهي الأمر لسحب الاقتراحات التي أثارت انقساماً مجتمعياً.

فقد سبق أن اقترح النائب علاء عبدالمنعم، عضو مجلس النواب، و60 نائبًا، عام 2016، قانون منع التمييز وإلغاء الديانة، ثم قررت لجنة الشؤون التشريعية إحالة القانون إلى الحكومة للتعرف على ردها، وتم دفن القانون مؤقتاً بعد رفض الأزهر الصريح.

وبسبب اعتراض الأزهر عام 2018، رفضت أيضاً اللجنة التشريعية والدستورية في البرلمان المصري مشروع قانون تقدم به النائب إسماعيل نصرالدين وقتها لإلزام الحكومة المصرية بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.

ويتساءل المصريون: كيف سيتم الزواج والطلاق دون معرفة الديانة في بطاقات الهوية وقضايا الأسرة المختلفة؟

جدل ومشاريع قوانين

عقب حديث السيسي، استغل المحامي نجيب جبرائيل، الذي يعرف نفسه بمستشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الأمر وقام برفع دعوى قضائية، طالب فيها بإلزام وزارة الداخلية بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.

زعم في دعواه أنه آن الأوان للتخلص من كل ما لا يرتضي هذه الدولة والمتمثلة في بطاقة الرقم القومي.

وأكد ضرورة استغلال المداخلة التليفونية الأخيرة التي أجراها الرئيس السيسي، من خلال أحد البرامج التلفزيونية عن قضية الأديان والوعي والعقيدة، للتأكيد أن الأديان أكبر من مجرد اختزالها في خانة ببطاقة الرقم القومي.

وزعم أنه يجري اضطهاد غير المسلمين حين يعرف من يتعامل معهم في السكن أو المصالح الحكومية وغيرها أنهم على غير دين الإسلام.

وكثيراً ما أثارت خانة الديانة جدلاً في مصر خاصة بعد ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، حيث يعتبر المطالبون بضرورة إزالتها من الهوية الشخصية أنها ضد فكرة المواطنة، وأن العقيدة تخص الفرد فقط، فيما يؤكد المتمسكون ببقائها أنها ضرورية للحفاظ على تطبيق الشريعة، خاصة فيما يخص الزواج.

لم تكن دعوى جبرائيل هي الأولى، رغم أنها الأهم، باعتبارها جاءت من محام يعرف نفسه بمستشار الكنيسة المصرية، ما يعطي تعبيراً عن موقف الكنيسة، فقد سبقها عدد من الدعاوى أقامها محامون مصريون رفعت المطلب نفسه.

ويرغب من يدينون بمذاهب مشبوهة مثل البهائية وغيرهم في إلغاء خانة الديانة في مصر، إذ لا يعترف موظفو وزارة الداخلية المسؤولون عن تسجيل البيانات سوى بثلاث ديانات؛ هي الإسلام والمسيحية واليهودية، ما يحرم البهائيين من تسجيل هويتهم في بطاقة الرقم القومي، كما يرفض الموظفون تغيير الديانة إذا تحول مسلم إلى المسيحية.

وأقصى ما حصل عليه البهائيون في مصر حكم عام 2009، يسمح لهم بوضع علامة “ـــ” في خانة الديانة؛ ما يعني تركها فارغة، بعد أن كانوا يسجلون في بطاقات الرقم القومي كمسلمين.

وأظهرت استمارات التعداد السكاني الذي يجريه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017 عن وجود 5 خيارات لخانة الديانة، هي: “مسلم، مسيحي، يهودي، ديانات أخرى، أو غير مبين”.

تاريخ خانة الديانة

خانة الديانة في بطاقات الهوية لم يكن معمولاً بها فترة الملكية، وأضيفت للبطاقة الهوية عقب ثورة يوليو 1952.

حيث يعود تاريخ خانة الديانة في مصر إلى عام 1958، بعد تأسيس الجمهورية وإلغاء الملكية، عندما تغير شكل البطاقة الشخصية وتم إصدارها من وزارة الداخلية وأصبحت البيانات بها: الاسم، تاريخ الميلاد، الديانة، الحالة الاجتماعية، الوظيفة، محل الإقامة، فصيلة الدم.

وتمتعت حرية الدين والمعتقد بالحماية القانونية في مصر منذ أول دساتيرها الصادرة في عام 1923، والمادة (64) من الدستور الحالي المعدل في عام 2019، تنص على “حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون”.

وهناك 6 دول عربية إضافة إلى تركيا حذفت خانة الديانة من بطاقة الهوية الشخصية أو لا توجد في بطاقات مواطنيها هذه الخانة أصلاً، وهي: تونس والمغرب والسعودية ولبنان وفلسطين، والأردن الوحيد عربياً الذي ألغى الديانة في يونيو 2016 من بطاقات الهوية.

أيضاً تركيا، قررت الحكومة إلغاء خانة الديانة عام 2016 من بطاقات الهوية لمواطنيها؛ ضمن استعداداتها للانضمام للاتحاد الأوروبي، غير أن الأردن وتركيا يضعان معلومات مفصلة عن الديانة على شريحة إلكترونية مصاحبة للبطاقة.

Exit mobile version