الأزمة بين المغرب والجزائر.. حسابات الربح والخسارة

 

قبل أيام، أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن بلاده قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، اعتباراً من الثلاثاء 24 أغسطس 2021، وفقاً لما نقلته “وكالة الأنباء الجزائرية” الرسمية.

وقال لعمامرة: إن الجزائر قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب ما وصفها بـ”أفعال عدائية متواصلة” من المغرب ضد الجزائر، حسب “وكالة الأنباء الجزائرية”.

وأضاف أن قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني بأي شكل من الأشكال أن يتضرر المواطنون الجزائريون المقيمون بالمغرب والمغاربة المقيمون بالجزائر من هذا القرار.

قرار الجزائر يأتي حتماً بتأثير على الاقتصاد الطاقي للبلدين

وكان المجلس الأعلى للأمن الجزائري قد قرر، الأربعاء الماضي، إعادة النظر في العلاقات بين الجزائر والمغرب، وذلك خلال اجتماع استثنائي بقيادة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

إعلان قطع العلاقات اعتبره عدة مراقبين أنه كان منتظراً، بسبب التصعيد في الأزمة القائمة بين البلدين في الآونة الأخيرة، لكن هناك من يرى أن هذه العلاقات كانت مقطوعة أصلاً منذ سحب الجزائر سفيرها من الرباط على خلفية تصريح موفد المغرب في الأمم المتحدة حول منطقة القبائل.

خلفيات الأزمة

ومع تفاعل صدى الأزمة عربيًا ودوليًا لمَّح وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب، إلى نية بلاده في عدم تجديد اتفاقية أنبوب الغاز مع المغرب، فيما تحدثت تقارير إعلامية جزائرية عن “خسائر فادحة” سيتكبدها المغرب جراء هذا القرار.

على الطرف الآخر، كان المغرب، قبل أيام، قد أعرب عن رغبته في تجديد عقد أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وأوروبا مروراً بأراضيه، الذي ينتهي في أكتوبر القادم.

في المقابل، يأتي قرار الجزائر حتماً بتأثير على الاقتصاد الطاقي للبلدين، ما يدفع للسؤال حول الخاسر الأكبر من القرار.

العلاقات التجارية بين البلدين في تدهور كبير منذ العام 1994

وحسبما أعلنته “وكالة الأنباء الجزائرية”، وأثناء استقبال السفير الإسباني لدى الجزائر، أكد عرقاب التزام بلاده التام بتغطية جميع إمدادات الغاز الطبيعي نحو إسبانيا عبر أنبوب “ميدغاز” الذي يربطها مباشرة بإسبانيا عبر المتوسط؛ ما يحمل تلميحاً إلى أن الجزائر ستستغني عن خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الذي يمر عبر المغرب.

وأوضح الوزير الجزائري أن للجزائر قدرات لتلبية الطلب المتزايد على الغاز من الأسواق الأوروبية وخاصة السوق الإسبانية، وذلك بفضل المرونة من حيث قدرات التسييل المتاحة للبلاد.

ولفت إلى توسيع طاقة خط أنابيب الغاز ميدغاز الذي يربط الجزائر مباشرة بإسبانيا، عبر البحر الأبيض المتوسط.

وكان المغرب أعرب، قبل قطع العلاقات، عن تأييده تمديد خط الأنابيب الذي يربط حقول الغاز الجزائرية بالقارة الأوروبية مروراً بالمملكة، الذي ينتهي الاتفاق بشأنه في أكتوبر 2021.

حيث أكدت المديرة العامة لـ”المكتب الوطني للمحروقات” المغربي، أمينة بنخضرة، أن إرادة المغرب للحفاظ على هذا الخط لتصدير الغاز جرى دائماً تأكيدها بوضوح وعلى جميع المستويات منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وحسب بنخضرة، فإن خط أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي، الذي دخل الخدمة منذ 25 سنة، يمثل أداة رائعة للتعاون رابح-رابح ونموذجاً لمشروع إقليمي مهيكل ومفيد للجانبين، وفق تعبيرها.

وأضافت أن هذا الخط كانت قد أنشأته إسبانيا لتمكين الغاز الجزائري من الوصول إلى أوروبا عبر المغرب في ظروف سلامة مثلى، كما أن الولوج إلى هذه الخدمة سيكون حراً، وأن الأسعار ستكون شفافة وغير تمييزية، وأكثر تنافسية من أي وسيلة نقل منافسة أخرى.

خسائر فادحة

بالمقابل، تحدَّثت الصحافة الجزائرية عن “خسائر فادحة” للمغرب إذا لم يتم تجديد عقد أنبوب الغاز.

المغرب سيكون مضطراً إلى البحث عن حلول لفقدان الغاز الجزائري

وقالت نقلًا عن خبير اقتصادي بأن استجلاب المملكة المغربية من الغاز الطبيعي في العام 2020 بلغ 750 مليون متر مكعب وإمدادات الجزائر عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي هو 600 مليون متر مكعب، بمعنى أن الاستهلاك المغربي يعتمد على الغاز الجزائري.

وأضافت أن المغرب سيكون مضطراً إلى البحث عن حلول لفقدان الغاز الجزائري وهي حلول صعبة في عمومها، في حال رفضت الجزائر بصفة رسمية تجديد اتفاقية الغاز أو أوقفت التصدير نحو المغرب، وهو المرجح في ظل القرارات الأخيرة.

دور “إسرائيل” في تأجيج الخلاف

تحت العنوان أعلاه، كتب أندريه ياشلافسكي، في “موسكوفسكي كومسوموليتس”، حول دور “إسرائيل” في تأجيج الخلاف بين الجارين العربيين.

وجاء في المقال: العلاقات بين المغرب والجزائر متوترة منذ عقود، ويرجع ذلك أساساً إلى مشكلة الصحراء الغربية، لكن الوضع تفاقم بعد أن قالت السلطات الجزائرية، الأسبوع الماضي: إن حرائق الغابات الأخيرة التي أوقعت عدداً كبيراً من الضحايا في الجزائر كانت من عمل جماعات “إرهابية” قيل: إن إحداها تحظى بدعم من المغرب.

وتدعم الجزائر حركة البوليساريو التي تسعى إلى إنشاء جمهورية صحراوية عربية ديمقراطية مستقلة في الصحراء الغربية، التي تعدها المملكة المغربية جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، ينعكس هذا الخلاف في المسألة الحالية لقطع العلاقات الدبلوماسية: اتهمت الجزائر الرسمية الرباط بعدم الوفاء بالتزاماتها الثنائية بشأن قضية الصحراء الغربية.

في نوفمبر من العام الماضي، بعد سنوات من الهدوء النسبي، اندلعت مشكلة الصحراء الغربية من جديد، فقد أعلنت حركة البوليساريو عن استئناف الكفاح المسلح، وفي ديسمبر 2020، اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مقابل تحسين علاقات الرباط بـ”إسرائيل”.

وكلتا هاتين الحالتين أدت مرة أخرى إلى تفاقم التوترات في علاقات المغرب مع الجزائر، ففي الواقع، لعب العامل “الإسرائيلي” دوراً مهماً، في السياق الحالي لتدهور العلاقات بين البلدين.

تفاعلت السلطات الجزائرية، التي لا تعترف رسمياً بـ”إسرائيل”، بشكل شديد السلبية مع التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية “الإسرائيلي” يائير لابيد خلال زيارته إلى المغرب، التي عبّر فيها عن “قلقه من الدور الذي تمارسه الجزائر في المنطقة” ومخاوفه من التقارب الجزائري مع إيران، بحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

لابيد خلال زيارته إلى المغرب عبّر عن قلقه من الدور الذي تمارسه الجزائر بالمنطقة

من المتضرر من قطع العلاقات؟

بحسابات الربح والخسارة، وبحسب مراقبين، فإن تأثيرات قطع العلاقات على المستوى الاقتصادي يؤثر بشكل قوي على الوضع الاقتصادي، خاصة أن الجزائر تحدثت عن إمكانية وقف توريد الغاز عبر الأنبوب المار من المغرب، ويرى أن المغرب يستفيد في أنبوب الغاز، وأنه وقع في تناقض، خاصة أنه أصبح في مأزق حال تغيير الجزائر ممر أنبوب الغاز.

وبحسب رشيد ساري، الخبير الاقتصادي المغربي، فإن العلاقات التجارية بين المغرب والجزائر في تدهور كبير منذ العام 1994.

حيث تشهد العلاقات هبوطاً كبيراً توضحها أرقام السنوات الأخيرة، حيث إن صادرات المغرب انتقلت من 173 مليون دولار عام 2018 إلى 133 مليون دولار عام 2020، بنسبة 0.5% من حجم الصادرات المغربية نحو العالم التي بلغت عام 2020 ما يعادل 28 مليار دولار.

الأمر ذاته ينعكس على الجانب الجزائري، إذ انتقل رقم الصادرات من 742 مليون دولار عام 2018 إلى 433 مليون دولار عام 2020، إذ يمثل 2% من حجم الصادرات الجزائرية نحو المغرب التي بلغت ما يقارب 21 مليار دولار نحو العالم عام 2020.

وأشار إلى أن الركود الاقتصادي والتجاري بين البلدين يضيع على كل منهم 2% من الناتج الداخلي الخام، وعلى منطقة المغرب العربي 5 نقاط.

ويرى أن القرار أحادي غير المفهوم للحكومة الجزائرية حتماً سيكون له ما بعده على المستوى الاقتصادي، لكن بشكل جد ضعيف لأن حجم المبادلات التجارية بين البلدين ضعيفة بالأساس.

مآلات محتملة للأزمة

قطع العلاقات الدبلوماسية والخلافات العميقة بين الطرفين، هي حقاً أزمة كبرى، لا تثقل كاهل البلدين فقط بل حتى المنطقة ككل في بناء فضاء مغاربي، يشكل قوة انطلاقة جديدة لمشاريع كبرى تعود بالنفع على شعوب المنطقة.

من الواضح أن المغرب يلتزم بسياسة ضبط النفس التي اعتاد عليها في علاقته مع الجزائر، أما المآلات والسيناريوهات المحتملة فتتوقف على أمرين:

الأمر الأول يرتبط بقضية الصحراء، والوضع الداخلي في الجزائر، حيث ترى إن الجزائر تبحث عرقلة تقدم المغرب إقليمياً، والهروب من توتر وضعها الداخلي بتهريبه نحو المغرب وخوض سياسة الأرض المحروقة، خاصة بعدما أصبحت ورقة البوليساريو ضعيفة.

من المرجح في المدى القريب أن تزداد العلاقات فتورًا وتشنجًا لكن هذه الخلافات ستنتهي بالدخول في مفاوضات جدية، وستصل لحل المشكلات العالقة، لربما ستكون برعاية جهة معينة كدول المنطقة، الجامعة العربية أو دول الخليج أو دول صديقة”، لربما قد تكون القوة الاستعمارية السابقة التي دعت إلى “الحوار بين دول المنطقة لترسيخ الاستقرار والازدهار فيها”.

 

 

 

 

 

 

 

 

__________________

مصادر ذات صلة:

1- الجزائر تقرر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.. ما أسبابها؟  https://cnn.it/38rbeqN

2- أُعلنَ سبب قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، روسيا اليوم، 

3- المغرب يصدر بياناً حول قرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية، سكاي نيوز عربية، 

4- ما هي الآثار المترتبة عن قطع الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب؟ فرانس 24،

5- علم الجزائر المغرب والجزائر.. سيناريوهات التصعيد والتهدئة،

6- أول إجراء مغربي بعد قرار الجزائر قطع العلاقات؟ https://arbne.ws/3mGRpEy.

7- المغرب والجزائر: انقسام شديد حول قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين، https://bbc.in/2WwvMvk.

8- من المغرب.. لابيد يهاجم الجزائر بسبب موقفها المناهض لـ”إسرائيل” في الاتحاد الأفريقي،

Exit mobile version