مر 26 يوماً على الانقلاب في تونس والغلاء يتصاعد والتعدي على الحريات يأخذ منحى خطيراً مع تفاقم العجز التجاري وخلو المحلات من مواد أساسية كالزيت والسكر، فضلاً عن استمرار تشويه مؤسسة القضاء بعد أن رفضت الركوع للإملاءات.
الاعتداء على الحريات
تمثل الرسالة التي خطها رئيس كتلة ائتلاف الكرامة في مجلس نواب الشعب (البرلمان) سيف الدين مخلوف نموذجاً عن الاعتداءات على الحريات في تونس بعد الانقلاب، التي ينكرها الرئيس قيس سعيّد رغم أنها عامة وطامّة فتحت عنوان “ها قد بدأنا” كتب سيف الدين مخلوف على صفحته على “فيسبوك”:
“أعوان أمن بالزي المدني يتعمدون مضايقة زوجتي ليلاً أمام منزلي.. والفيديوهات موجودة.. ولن أنشرها احتراماً للمعطيات الشخصية وحماية للأعوان البسطاء.. الذين يطبقون تعليمات المنقلب بمضايقة عائلات نواب شعب شرفاء شرفاء شرفاء”.
وتابع: “المضايقة تمت بعد أن اكتشفت زوجتي بأن سيارتي الشخصية الرابضة أمام منزلي قد تعرضت لجريمة فلق متعمّد لعجلاتها الأربع.. علماً بأن سيارة أمنية تربض أمام منزلي على مدار الساعة منذ تاريخ الانقلاب.. وسيارة أخرى تطوف حول المنزل كل ساعة تقريباً”.
وأردف: “هذه باكورة نتائج التهديدات والشحن والسموم التي ينفثها المنقلب على خصومه كل يوم.. ونتيجة طبيعية للخطاب الفاشي للرئيس الوحيد في العالم الذي ينعت مخالفيه بالجراثيم والفيروسات والخونة والمنافقين والصرف الصحي وغيرها من الألفاظ النابية”.
وأضاف: “الألفاظ التي أصبحت مألوفة ومفهومة إلى حد ما من شخص لا يحمل أدنى ثقافة ديمقراطية ولا أدنى احترام للآخر المخالف”.
واستطرد: “لكن ما لم أفهمه ولن أقبل استيعابه أبدًا هو قابليّة أجهزة الدولة للعودة للاستبداد وللانصياع بكل سهولة إلى تطبيق التعليمات غير الدستورية وغير القانونية وغير الديمقراطية.. وقابليتها للعودة للتعامل مع المعارضين كما تعامل المجرمين.. وأكثر من المجرمين”.
وذكر مخلوف بأنه “إبّان الثورة عانى عديد الأمنيين قيادات وأعوان من التتبعات الجزائية وحتى العسكرية نتيجة الطاعة العمياء لتعليمات الطاغية المجرم.. ومن المفروض أن تكون قد اتعظت وتعلّمت الحياد الحقيقي والانضباط لدولة الدستور والقانون وليس لدولة الشخص الفرد ولكن للأسف الشديد ما يحصل وما نعيشه منذ انقلاب 25 يوليو لا يوحي بشيء من ذلك”.
معركة خاسرة وجبانة
ووصف سيف الدين مخلوف الإجراءات ضد الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ومجلس نواب الشعب (البرلمان) بالمعركة الخاسرة، ولكم في الحصيلة “الأمنية” وفي حملة مكافحة “الفساد الموهومة شاهد ودليل، ياسين العياري، وفيصل التبيني في السجن.. وإقامات جبرية تعسفيّة ومنع سفر واستنفار أمني ومحاكمة عسكريّة مهزلة لخمسة من نواب ائتلاف الكرامة المنتخبين بتهمة التآمر! نعم التآمر على أمن الدولة! التي تصل عقوبتها للإعدام شنقاً أو رمياً بالرصاص عند المحكمة العسكريّة.. ومداهمات لبيوتهم وترويع لأهاليهم ومراقبة لمنازلهم على مدار الساعة.
وتساءل: “من أجل ماذا؟ من أجل ممارسة دورهم الرقابي الطبيعي على تجاوزات في حق مواطنة تونسية.. وخلاف عادي حول الحق في السفر تعرضوا بسببه إلى اعتداء همجي بالضرب والسب والتهديد بما يوجب عقاباً جنائياً من بعض مرتزقة النقابات الأمنية وبعض المعزولين المرافقين لهم.
تحييد الأسر
سيف الدين مخلوف في رسالته دعا لعدم إقحام العائلات والأسر في المعركة السياسية، خاصة أولئك الذين لديهم تعليمات بالتنكيل بالمعارضين، من لديه تعليمات من وراء البحر بمحو ائتلاف الكرامة بالذات من الوجود السياسي في تونس، لأنه حزب مقلق فعليه أن يواجه نواب ائتلاف الكرامة لا عائلاتهم وبيوتهم.
وتوجه للرئيس سعيّد قائلاً: “اسمع يا منقلب.. من يريد تصفية حساباته السياسيّة مع نواب شعب مدنيّين وينزع عنهم سلاحهم الوحيد وهو حصانتهم الدستوريّة بجرد أمر رئاسي باطل وبالمقابل يستقوي عليهم بأجهزة الدولة العسكريّة والأمنيّة والقضائية فلتعلم بأن معركتك خاسرة وجبانة.. وأننا نحن الغالبون حتى لو قطعت رؤوسنا، واعلم بأن من يريد المواجهة مع ائتلاف الكرامة.. فعليه احترام القانون والدستور.. وإلا فإنه لن يربح من مقارعة الشرفاء.. سوى الخزي والعار”.
حملات ضد القضاة
بدورها، استنكرت جمعية القاضيات التونسيات في بلاغ لها يوم الأربعاء 18 أغسطس2021م، ما وصفته بحملة التشويه المنظمة التي تتعرض لها السلطة القضائية من قبل أطراف عدة سواء بواسطة صفحات التواصل الاجتماعي أو من خلال وسائل الاتصال السمعي والبصري.
ونددت الجمعية بشدة بالحملات المشبوهة التي يتعرض لها القاضيات والقضاة بنشر أخبار مسيئة مع نشر معطياتهم الشخصية وهو ما من شأنه المس من أعراضهم والنيل من سمعتهم والإساءة لأسرهم دون وجه حق، وأكدت أن هذه الممارسات والأفعال تعد خرقاً واضحاً للقوانين المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية وموجبة للتتبع الجزائي.
واعتبرت أن مكافحة الفساد لا يكون بضرب السلطة القضائية وشن حملات تشكيك ضد القاضيات والقضاة وأن كل فساد يحاسب مرتكبه طبقاً للقانون في إطار محاكمة عادلة مع ضمان حق الدفاع.
وطالبت النيابة العمومية بالتدخل الفوري وتحريك الدعوى العمومية ضد كل من تعمد ضرب السلطة القضائية دون وجه حق، داعية المجلس الأعلى للقضاء إلى تحمل مسؤولياته في الذود عن حقوق القضاة التي انتهكت عبر التشهير.
استهداف العمل الخيري
وكتب الناشط السياسي والإعلامي طه البعزاوي معلقاً على الحملة الإعلامية ضد النشاط الخيري في تونس على صفحته الرسمية على “فيسبوك” قائلاً: “كلما انتعش الاستبداد واستقوى بدأ باستهداف المجتمع المدني وخاصة العمل الخيري”!
وتابع: “حتى نضع النقاط على الحروف دون مساحيق تجميل نقول بأن الذين يحاربون العمل الخيري يفعلون ذلك لأن أغلب الناشطين في هذا المجال متدينون يبغون الأجر والثواب من إغاثة المحتاجين والأرامل واليتامى”.
وأضاف: “يحاربون العمل الخيري لأنهم يعتبرونه خادماً للأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية وأساساً النهضة، وخاصة إذا وجد نهضوياً ينشط في هذه الجمعيات، كأن القانون يحرم على من له انتماء سياسي أن يفعل خيراً أو يرحم محتاجاً”!
ووصف تقرير صحفي نشر بإحدى الجرائد الصفراء بأنه أشبه ما يكون بـ “التقرير “البوليسي” المحرض على العمل الخيري والقاطع للمرحمة والمعروف”.
ووصف التقرير المذكور بأنه يعتمد على “معلومات صحيحة ثم يبني لها من الخيال والكذب أجساداً معتلة، حتى يتمكنوا من وأد العمل الخيري”.
يشير التقرير إلى أن المؤسسات الخيرية تبني المستوصفات، وتقتني سيارات الإسعاف، والمستلزمات الطبية وأنها نفذت 150 مشروعاً بالشمال الغربي، ومنحت مراكب صيد لبعض من صغار البحارة بصفاقس، ونظمت قوافل إغاثية لولاية (محافظة) القصرين، ووزعت وسائل الوقاية من كورونا على القوات الأمنية والعسكرية.
ثم يقفز التقرير استناداً لهذه المنجزات وغيرها كثير مما لم يذكره ليقول: “الشيء الذي يطرح أكثر من سؤال عن التجاوزات المالية لهذه الجمعيات ومدى شفافية تجميع الأموال”!
ولم يكلف معد التقرير نفسه حمل السؤال للمسؤولين عن الجمعيات الخيرية ليعرف منهم الجواب بدلاً من التشكيك وزرع الريبة في نشاطها، وهو ما يؤكد عدم براءة مثل هذه التقارير التحريضية على العمل الخيري، بدل التنافس في الخير وخدمة المحتاجين واليتامى والأرامل “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، ولا سيما في ظل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وافتقاد مواد كالزيت والسكر، وانكماش الاستثمار وتفاقم العجز التجاري.
تفاقم العجز التجاري
وفق إحصاءات المعهد التونسي للإحصاء فقد تفاقم العجز التجاري لتونس مع نهاية يوليو 2021م، أي مع تاريخ الانقلاب ليبلغ 8725.3 مليون دينار مقابل 7567.1 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2020م (اليورو يساوي 3.5 دينار تقريباً).
وأظهرت معطيات حول التجارة الخارجية لتونس بالأسعار الجارية لشهر يوليو2021م نشرها المعهد الوطني التونسي للإحصاء، أمس الأول الخميس، أن تونس سجلت تحسناً في الصادرات، خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2021م، بنسبة 23% مقابل تراجع بنسبة 19.5%، خلال نفس الفترة من سنة 2020م.
وارتفعت الواردات بنسبة 21% مقابل تقلص في حدود 23.3%، خلال الأشهر السبعة الأولى من سنة 2020م، وقد بلغت قيمة الواردات 35156.4 مليون دينار مقابل 29063.4 مليون دينار، خلال نفس الفترة من سنة 2020م.
ولم تتمكن الصادرات من تغطية الواردات وظلت تعاني من عجز بنسبة تزيد عن 25%، وفق نفس المصدر.