كيف قرأ التونسيون رسالة بايدن إلى الرئيس سعيّد؟

 

يخوض التونسيون، على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، نقاشاً حاداً حول رسالة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرئيس التونسي قيس سعيّد التي سلّمها له النائب الأول لمستشار الأمن القومي جون فينير، وقال عنها البيت الأبيض: إن بايدن أكد فيها دعمه الشخصي ودعم إدارته للشعب التونسي، ويحث على العودة السريعة إلى مسار الديمقراطية البرلمانية في تونس، وأن النائب الأول لمستشار الأمن القومي جون فينير، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة جوي هود، والسفير الأمريكي بتونس ناقشوا مع الرئيس سعيّد الحاجة الملحة إلى تعيين رئيس وزراء مكلف لتشكيل حكومة قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية والصحية العاجلة التي تواجه تونس.

وحرص بايدن، في رسالته، حسب بيان البيت الأبيض، التأكيد على أن تمكين حكومة جديدة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد سيخلق أيضًا مساحة لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المقترحة استجابةً للمطالب التي تم التعبير عنها على نطاق واسع للعديد من التونسيين لتحسين مستويات المعيشة فضلاً عن الحكم الصادق والفعال والشفاف.

وقد اعتبر محللون أن صورة الرئيس التونسي سعيّد وهو يقرأ رسالة بايدن كانت توحي بقلق الرجل البالغ من محتوى الرسالة، كما لاحظوا أن بيان الرئاسة التونسية لم يتحدّث عن لب رسالة بايدن وهو العودة إلى المسار الديمقراطي.

وقال الكاتب الصحفي سمير حمدي لـ”المجتمع”: بيان الرئاسة خلا تماماً من الإشارات الواضحة في رسالة بايدن إلى ضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي وتعيين رئيس حكومة، وعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها وفق المسار الديمقراطي الذي مضت فيه تونس من أكثر من 10 سنوات.

وتابع: أفهم من ذلك إما أن الرئاسة غير راغبة في الاستجابة للمطالب الداخلية والخارجية بالعودة للمسار للديمقراطي، وأنها حزمت أمرها بالمضي قدماً في الانقلاب على أساس وعود إقليمية.

 بيان الرئاسة التونسية

بيان الرئاسة التونسية، يوم السبت 14 أغسطس، لم يأت على ذكر ما قاله جوناثان فاينر، مساعد مستشار الأمن القومي الأمريكي، من أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم المسار الديمقراطي في تونس، وتتطلّع إلى الخطوات المقبلة التي سيتخذها رئيس الجمهورية على المستويين الحكومي والسياسي.

كما لم يذكر أن الرئيس الأمريكي يتابع تطور الأوضاع في تونس، وأن الإدارة الأمريكية تعلم حجم ونوعية التحديات التي تواجهها تونس، ولا سيّما منها الاقتصادية والصحية.

وركز بيان الرئاسة التونسية على ما قاله الرئيس سعيّد أثناء اللقاء، وهو أن التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، ولا سيّما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والرشوة.

وأن الرئيس التونسي حذّر من محاولات البعض بث إشاعات وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس، وأنه لا يوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي تتقاسمها تونس مع المجتمع الأمريكي.

كما أشار إلى أن الرئيس التونسي تبنى إرادة الشعب وقضاياه ومشاغله، ولن يقبل بالظلم أو التعدي على الحقوق أو الارتداد عليها، مؤكّداً أن تونس ستظل بلداً معتدلاً ومنفتحاً ومتشبثاً بشراكاته الإستراتيجية مع أصدقائه التاريخيين.

تباين حاد

وتساءل أستاذ الإعلام أمين بن مسعود، في تدوين له على صفحته الرسمية بـ”فيسبوك”، عن التناقضات التي وصفها بالحادة: لماذا هذا التباين الحاد بين البلاغين شكلاً ومضموناً، ففي الأصل هناك لقاءات ختامية بين رئيسيْ الوفدين لتنسيق البلاغات السياسية، أيعني هذا أنّ رئيسيْ الوفدين لم يتفقا على خطوط عريضة موحّدة؟

وتابع: لماذا أخفت الرئاسة التونسية المطالب الأمريكية، في حال التسليم بمصداقيتها طبعاً، وجعلتها عامّة في آخر فقرة في آخر سطر من البلاغ؟ ولماذا في المقابل قفز البيت الأبيض على مجمل أقوال الرئيس سعيد، وهي أقوال سياسية مهمة؟

وأردف: في المحصلة، القارئ لبيان البيت الأبيض يلحظ أنه يدور حول 3 كلمات مفتاحية (الديمقراطية النيابية، رئيس الحكومة، الحوار كأساس لأي تغيير دستوري أو سياسي)، وبيان رئاسة الجمهورية التونسية يرصد 3 كلمات مفتاحية أيضاً (الإرادة الشعبية، المطالب، الشراكة)، الموقفان التونسي والأمريكي ما يزالان بعيدين عن بعضهما بعضاً في الموقف والتمثّل والتصوّر حيال ليلة 25/ 7، وحيال ما بعدها.

لا طريق ثالثاً

الناشط السياسي والإعلامي محمد علي حراث استغرب، في تدوين له على “فيسبوك”، من عدم وجود ردود فعل من قبل الرافضين للتدخلات الخارجية المنتقاة، حيث لم نسمع لهم ركزاً، فأين ذهبت شعارات “لا أمريكا لا قطر”، في حين أنهم مع أطراف أخرى لا تكف عن إثارة الفتن وإيقاد نار الحروب الأهلية في المنطقة بدفع صهيوني؟!

وذهب آخرون إلى اعتبار الرئيس سعيّد بين خيارين لا ثالث لهما؛ أولهما المضي في طريق الانقلاب بدعم المطبعين والداعين للتطبيع، الذين لديهم مخطط لجلب تونس لمربع التطبيع من خلال ضرب العلاقات التونسية مع الدول التي ترغب في استمرار المسار الديمقراطي وتحديداً الجزائر وقطر وتركيا، وبعض الدول الغربية المؤيدة للمسار الديمقراطي، والاستفراد بالرئيس سعيد والضغط عليه عن طريق الحاجة للتطبيع أو التخلي عنه في منتصف الطريق كما فعلوا مع السودان، وما يعني ذلك من احتدام الأزمة في تونس ودخول البلاد فيما لا يحمد عقباه.

والطريق الثاني هو العودة للمسار الديمقراطي وتجنيب البلاد المزيد من الهزات بمساعدة الأشقاء والأصدقاء مع التعاون داخلياً في محاربة الفساد وجائحة كورونا، والبحث عن حلول جماعية للبطالة، والمحسوبية والرشوة وكل أوجه الفساد الذي نخر البلاد منذ أكثر من 6 عقود.

Exit mobile version