البلدان الأكثر عرضة لخطر تغير المناخ والتلوث السام

 

في دراسة جديدة، أظهر الباحثون علاقة قوية بين التلوث السام، الذي يضر بشكل مباشر بصحة الإنسان، والتلوث غير السام، الذي يساهم في الاحتباس الحراري وتغير المناخ.

في هذه الدراسة، التي نُشرت في مجلة “PLOS ONE”، حدد الباحثون البلدان التي يمكن للمجتمع الدولي أن يدعمها بشكل فعال للحد من الآثار السلبية لكلا النوعين من التلوث.

حدد الباحثون في الدراسة أيضًا البلدان التي ستتطلب دعمًا لمواجهة تحديات الحوكمة من أجل الحصول على فرصة للتصدي بنجاح لمخاطر التلوث، وكما يقول د. ريتشارد ماركانتونيو، من معهد كروك لدراسات السلام الدولي بجامعة نوتردام، وأعوانه دراسة المؤلفين المشاركين.

التلوث والتدفئة العالمية

كان للتلوث البشري تأثير سلبي عميق على البيئة في جميع أنحاء العالم، وقد نشأ هذا التلوث من الانبعاثات السامة -مثل الجسيمات الدقيقة أو “PM2.5”- والانبعاثات غير السامة، مثل غازات الاحتباس الحراري.

فعلى مدى القرون القليلة الماضية، أطلق البشر الكثير من الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون، في الغلاف الجوي، ما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض والمساهمة في تغير المناخ.

وقد أظهر الباحثون أن تغير المناخ يشكل تهديدًا كبيرًا لصحة الإنسان، ويعتقدون أن له آثاراً سلبية على البيئة وسيؤدي ذلك لتغير مناخي لا رجعة فيه.

ويشعر العلماء بالقلق من أن نقاط التحول، التي قد يتم تجاوزها قريبًا، قد تسبب ردود فعل ذاتية التعزيز في الاحتباس الحراري، وفقًا للبروفيسور ويل ستيفن، خبير تغير المناخ والأستاذ الفخري في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا بأستراليا، ومن المؤلفين المشاركين في الدراسة، وهذا من شأنه أن يحد من قدرة البشرية على الاستجابة الجماعية لأزمة المناخ.

التلوث السام، مثل الجسيمات الدقيقة، هو أيضًا مشكلة صحية رئيسة.

الإنسانية أنتجت كميات كبيرة من التلوث السام وغير السام

وفقًا لوكالة “حماية البيئة” (EPA)، تم ربط الجسيمات الدقيقة بالعديد من المشكلات الصحية الخطيرة، التي من أهمها أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، وتلاحظ وكالة حماية البيئة أيضًا أن الجسيمات الدقيقة يمكن أن تلحق الضرر بالأنهار والبحيرات والمياه الساحلية والتربة والغابات.

وقد أظهر الباحثون أن التلوث السام وغير السام ليسا مسألتين منفصلتين، حيث يمكن أن يعزز كل منهما الآخر، ومع ذلك، يعتقد بعض العلماء أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم هذه العلاقة ولتحديد الاستجابة المناسبة للتخفيف من الآثار الصحية للتلوث السام وغير السام.

وعلاوة على ذلك، كما لاحظ باحثو هذه الدراسة، كان هناك القليل من الأبحاث التي تستكشف العلاقة بين مواقع التعرض للتلوث السام ومواقع التعرض لتغير المناخ.

وقد يكون تحديد هذا الارتباط مهمًا، لأنه قد يساعد المجتمع الدولي على تحديد البلدان التي يمكن دعمها بشكل أكثر فاعلية للاستجابة لكل من التلوث السام وغير السام.

البيانات تغطي 176 دولة

لتحديد العلاقة بين موقع التعرض للتلوث السام والضعف المناخي، قام الباحثون في هذه الدراسة بتحليل البيانات من 3 مصادر:

1- مؤشر الدولة لمبادرة نوتردام العالمية للتكيف، الذي يقيس مدى تعرض الدولة للضرر المرتبط بتغير المناخ.

مؤشر ييل للأداء البيئي، الذي يقيس الصحة البيئية لبلد ما.

3- التحالف العالمي للصحة والتلوث، الذي يقدر الوفيات بسبب التلوث السام.

وقد تضمنت البيانات 176 دولة وغطت عام 2018، آخر عام كانت جميع مجموعات البيانات تحتوي على معلومات شملت جميع البلدان.

ارتباط قوي

وجد الباحثون علاقة قوية بين تعرض الدولة للتغير المناخي وتعرض سكانها للتلوث السام.

وهذه النتيجة تؤكد فرضية الباحثين وتدعمها الأبحاث السابقة التي أظهرت أن الآثار السلبية لتغير المناخ والتعرض للتلوث السام يؤثران بشكل غير متناسب على أفقر دول العالم.

وفي حديثه إلى “Medical News Today”، قال البروفيسور فيليب ج. لاندريجان، مدير المرصد العالمي للتلوث والصحة في معهد شيلر المتكامل للعلوم والمجتمع، كلية بوسطن، الذي لم يشارك في البحث: إن احتراق الوقود الأحفوري المصدر الرئيس لغازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى تغير المناخ، وأيضًا مسؤولة عن 85%من تلوث الجسيمات المحمولة جواً وعن كل أنواع التلوث تقريبًا بواسطة أكاسيد الكبريت والنيتروجين.

وبالتالي، فمن المنطقي أن الآثار الصحية لهاتين المشكلتين يجب أن تقع بشكل غير متناسب على نفس السكان.

التلوث السام مثل الجسيمات الدقيقة يضر بصحة الإنسان بشكل مباشر

قائمة مستهدفة

النتائج التي توصل إليها الباحثون مكنتهم من تحديد البلدان الأكثر تعرضًا لخطر التلوث السام والأضرار المرتبطة بتغير المناخ.

وتمكن الباحثون أيضًا من إنتاج قائمة مستهدفة لأعلى 10 دول لتحديد البلدان التي هي في أفضل وضع لحماية نفسها من مخاطر التلوث السام وتغير المناخ بدعم من المجتمع الدولي. وهذه الدول هي: سنغافورة، رواندا، الصين، الهند، جزر سليمان، بوتان، بوتسوانا، جورجيا، كوريا الجنوبية، تايلاند.

وتحدد القائمة أيضًا الدول التي لن تكون قادرة على الاستجابة لهذه المخاطر حتى مع الدعم الدولي، وقد لاحظ الباحثون أن هذا قد يرجع إلى عدد من العوامل، من بينها عدم القدرة على تطبيق المعايير البيئية، واستغلال الشركات الخارجية لذلك، وقضايا جغرافية محددة.

فعلى سبيل المثال، سلط الباحثون الضوء على جمهورية الكونغو الديمقراطية (DRC) التي تتعرض للجسيمات الدقيقة من كل من الصحراء الكبرى ومن وسائل النقل في المناطق الحضرية، كما أن بها العديد من شركات التعدين الوطنية والدولية التي تساهم في تلوث مجاريها المائية وقد تضر بصحة الناس.

وعلاوة على ذلك، يعطل الاحتباس الحراري وزيادة هطول الأمطار الزراعة، مما يزيد من مخاطر سوء التغذية وانتشار الأمراض.

وبالنسبة للباحثين، فبدلاً من دعم بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل أساسي للتخفيف من الآثار السلبية للتلوث السام وتغير المناخ، يحتاج المجتمع الدولي أولاً إلى المساعدة في التخفيف من مشكلات عدم المساواة الهيكلية والفقر والفساد واستغلال المعايير البيئية المتساهلة. هذه القضايا تجعل من الصعب القيام باستجابة مباشرة للتلوث السام وتغير المناخ.

وقد وجد الباحثون، مع ذلك، أن دولًا مثل الصين والهند، وهما دولتان من أعلى خمس في القائمة المستهدفة، ليست فقط عرضة لتغير المناخ والتلوث السام ولكن أيضًا في وضع جيد للاستجابة لهذه القضايا مع الدعم المقدم من المجتمع الدولي.

في حديثه مع إلى “Medical News Today”، قال د. مارك أنطونيو: إن طبيعة التلوث السام وغير السام من غازات الاحتباس الحراري تؤثر أيضًا على نوع الاستجابة التي يجب أن يقدمها المجتمع الدولي.

وتؤدي القائمة المستهدفة إلى ترجيح الاستعداد وتتفاعل هذه القيمة مع الضعف المناخي المشترك وخطر التلوث السام، ولذلك فإن البلدان المدرجة في أسفل القائمة تميل إلى أن يكون لديها استعداد منخفض وتعرض عالي للتأثر بالسمية.

أحد الاختلافات الرئيسة بين هذه المتغيرات هو أن التلوث السام والجاهزية هما أمران داخليان لكل بلد، في حين أن العديد من العوامل التي تؤدي إلى قابلية التأثر بالمناخ هي عوامل خارجية؛ أي أن البلدان ليس لديها سيطرة عليها، لأنها مدفوعة بالنظام البيئي العالمي والتغييرات المدفوعة بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري لجميع البلدان.

لذلك، فالحد من التلوث السام يميل إلى أن يكون أكثر من برنامج سياسة محلية/ وطنية، في حين أن تقليل العديد من جوانب الضعف المناخي يتطلب تنسيقًا دوليًا، مثل اتفاقيات باريس المناخية.

ومع ذلك، لا توجد اتفاقية دولية وظيفية تحكم التلوث السام على الرغم من حقيقة أن التلوث السام يشكل أكبر خطر بيئي منفرد على صحة الإنسان اليوم، مع أن تغير المناخ قد يتفوق عليه في العقود القادمة.

التلوث غير السام يساهم في الاحتباس الحراري مما يضر بصحة الإنسان بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ

عدم المساواة

قال د. ماركانتونيو لـ”Medical News Today”: إن جوهر القضية يكمن في عدم المساواة العالمية في الاستهلاك وإنتاج التلوث.

يتطلب كل سياق، حتى مستوى المجتمع والمدينة، مخططًا مصممًا بشكل فريد للتخفيف و/ أو التكيف مع الظروف الحالية والمستقبلية بشكل أفضل، ولكن كمجتمع بشري، نحتاج، كقاعدة عامة، إلى تقليل استهلاكنا بشكل كبير على المحركات الأساسية للانبعاثات السامة وغير السامة وإعادة توزيع الاستهلاك، حيث توجد فجوات كبيرة في الاستخدام الحالي.

أفهم أن هذه بالنسبة للعديد من الأشخاص، قد تبدو إجابة واضحة، لكنها لا تحدث، ونحن لا نقيسها جيدًا.

تاريخيًا، كان لدى البلدان ذات الدخل المرتفع أعلى معدلات انبعاث لغازات الاحتباس الحراري للفرد الواحد وهي القوة الدافعة وراء الكثير من استهلاك السلع المنتجة في البلدان منخفضة الدخل التي تساهم في إنتاج التلوث السام على الرغم من أن بعض التلوث السام ناجم عن عمليات أخرى، مثل النقل، وما إلى ذلك، لذلك لا يمكن أن تُنسب بالكامل إلى الاستهلاك الخارجي.

لكن خلاصة القول هي أن الأشخاص الأكثر مسؤولية يكونون أقل تعرضًا للمخاطر، ويشكلون العديد من قضايا عدم المساواة الموجودة اليوم.

وقد أشار د. مارك انطونيو إلى أن الآثار السلبية لتغير المناخ والتلوث لا تقتصر على البلدان ذات الدخل المنخفض، ومع ذلك، فبسبب التفاوتات في كل من الاستهلاك والمساهمة في التلوث، تتحمل البلدان ذات الدخل المرتفع مسؤولية الاستجابة لهذه المشكلة.

وكما رأينا مع العديد من أحداث الطقس المتطرفة الأخيرة، فإن جميع البلدان معرضة لخطر تأثيرات تغير المناخ، سواء كانت غنية أو فقيرة، على الرغم من أن البلدان الفقيرة عموما ​​تواجه مخاطر أكبر.

ومع ذلك، فإن البلدان ذات الدخل المرتفع عليها دور مهم يجب أن تؤديه في كلا الأمرين، لأنها تميل إلى أن تكون الأكثر مسؤولية عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ولديها أعلى معدلات استهلاك للمواد بالنسبة للفرد الواحد، ويعود سبب هذه السلوكيات إلى حد كبير إلى أن المخاطر التي نحددها هي في المستويات التي هي عليها حالياً.

إن إدراك هذه العلاقة العكسية بين المسؤولية والمخاطرة ليس بالأمر الجديد، ولكن نأمل، على الأقل، أن تكون الآثار الأخلاقية والمعنوية لها أكثر وضوحًا وبروزًا من خلال عملنا.

وقد دعمت ذلك أيضًا د. ألكسندرا شنايدر، رئيسة مجموعة الأبحاث حول المخاطر البيئية وكبيرة العلماء في “Helmholtz Zentrum München” في ميونيخ بألمانيا، والتي لم تشارك في البحث الحالي.

وقد قالت د. شنايدر في حديثها إلى “Medical News Today”، النتيجة، في رأيي، تعكس الوضع الحالي لعدم المساواة لدينا داخل البلد الواحد وبين البلدان.

من غير المحتمل جدًا أن تتمتع دولة ما بالمرونة تجاه عامل بيئي ولا تتمتع بالمرونة تجاه عامل آخر، لذلك فالبلدان ذات المرونة المنخفضة، بالطبع، هي أيضًا أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ من تلوث الهواء، وبالنسبة لي، النتيجة ليست غير متوقعة أو جديدة تمامًا، ولكن من المهم الإشارة إليها وجعل الناس أكثر وعيًا بها.

 

 

 

 

 

 

 

 

_________________________________

المصد: “Medical News Today”.

Exit mobile version