مصر: الفقراء يواجهون الحياة ببطون خاوية… ورفع سعر الخبز يعصف بالمعدمين

لليوم الثاني على التوالي تحرص صحف القاهرة الصادرة اليوم 5 أغسطس/آب على عزف جماعي قوامه ومنتهاه الإشادة بالدعوة لرفع سعر رغيف الخبز، الذي يعد تميمة المصريين ضد الجوع، ووديعتهم الأبدية التي ظل حكامهم يحرصون على عدم المساس بها.. وعلى الرغم من أن البراهين التي ساقها الرئيس السيسي تبدو موضوعية، إلا أنها استنفرت قطاعاً من النخبة، عمد أفرادها على معارضة أي مساس بالرغيف، ويتخوف هؤلاء من هبات خطيرة، أبطالها أولئك الذين يواجهون الحياة بأمعاء شبه خاوية، حيث يكشر الغلاء عن أنيابه ويستشري الفقر بشهادات لجهات معنية. وبدوره أعلن حزب الكرامة المعارض أن عزم الحكومة رفع سعر الخبز “يعصف بالفقراء ويهدد السلم المجتمعي، ويطيح بمطالب العيش والعدالة الاجتماعية”، وشدد الحزب على رفضه الكامل لهذا التوجه الذي يحرم ملايين الفقراء من لقمة عيش تسد رمقهم، ويدفع المصريون ثمنها مقدما من الضرائب بمختلف أنواعها.

ومن معارك صحف أمس الخميس، التي أثارت جدلاً واسعاً، إثر تصريح متلفز للداعية مبروك عطية، قال فيه إنّه لا يجوز تشغيل القرآن الكريم في منزل خالٍ من السكان، ووصف من يفعل هذا الأمر بأنّها «حركة سودا»، لأنه «إذا قرئ القرآن فيجب على المسلم أن يستمع وينصت لما يتلى من آيات كي يتدبرها ويعمل بها».

ومن اخبار الصحة: تسبب إعلان المخرج محمد دياب بإصابته بمتحور “دلتا” رغم تلقيه للقاح كورونا في حالة من الذعر والقلق بين المواطنين، الذين بدأ حديثهم عن تخوفات انتشار “متحور دلتا”، وتبعات الموجة الرابعة من فيروس كورونا في مصر، رغم أن دياب أشار إلى أن حصوله على اللقاح كان سبباً كبيراً في تحسن حالته منذ إصابته بالفيروس قبل أسبوعين. ما دفع أعضاء في لجنة الصحة في مجلس النواب إلى التعليق حول مدى انتشار “متحور دلتا” وطالبوا بالالتزام بالإجراءات الاحترازية، بعد أن لمسوا تراجعا في اتخاذها من قبل المواطنين الفترة الماضية، وقالت الدكتورة ميرفت عبد العظيم، إن الأمر يعد بمثابة “جرس إنذار” للمواطنين عن أول حالة يتم الإعلان عنها. ومن الحوادث المؤلمة: نجحت الأجهزة الأمنية في مديرية أمن القاهرة في كشف غموض وملابسات سقوط فتاة البساتين من شرفة شقتها في الطابق الخامس في منطقة البساتين، وتبين أن وراء ارتكاب الواقعة والدتها وخالها بسبب رفضها الزواج من معاق ذهنياً، وتمكن رجال المباحث من ضبطهما.

سندوتش كشري

البداية غاضبة بصحبة أشرف البربري في “الشروق”: عندما يجتمع المسؤولون لمراجعة سعر رغيف الخبز المدعم من أجل زيادته، عليهم إدراك أن فقراء المصريين الذين يحصلون على 20 رغيف خبز بجنيه واحد، هم الذين يأكلون «الكشري بالعيش» ليس حبا في مذاق هذا الخليط الذي لا يتخيله كثيرون، وإنما لأنهم لا يمتلكون ما يكفي لدفع ثمن وجبة الكشري المشبعة لهم، فيلجأون إلى عمل «سندوتشات كشري» حتى يسدوا جوعهم بأقل تكلفة.. وعندما يجتمع هؤلاء المسؤولون، عليهم أن يراجعوا أولا التكلفة الرسمية لرغيف الخبز المدعوم، التي يقولون إنها تبلغ 65 قرشا في حين أن السريحة الذين يبيعون خبز المخابز الحرة، أو ما تسمى بالسياحية، يبيعون الرغيف الأجود والأنظف، وإن كان أقل وزنا، بسعر 50 قرشا تغطى التكلفة الفعلية، وتحقق هامش ربح للبائع والمخبز، وهذا الكلام يعني وجود خلل في حساب تكلفة الرغيف المدعوم، أو هدرا في إنتاجه وتداوله لتصبح تكلفته أعلى من سعر بيع الرغيف الأجود منه. وبحسب البيانات الحكومية فإن مخصصات دعم السلع التموينية خلال العام المالي الجديد تبلغ 87.5 مليار جنيه، المخصص منها لدعم الخبز حوالي 44.8 مليار جنيه يستفيد منها حوالي 66.7 مليون مواطن مسجلين على بطاقات التموين. قسمة هذا المبلغ على عدد المستفيدين من الدعم تعني ببساطة أن دعم رغيف الخبز للمواطن المستحق للدعم يبلغ نحو 1.85 جنيه يوميا، وهو مبلغ زهيد مقابل ضمان الحد الأدنى من الطعام لملايين الفقراء في البلاد. المفارقة التي انتبه لها الكاتب، أن فتح ملف زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم جاءت في إطار احتفالية تحدث فيها المسؤولون عن انتشار السمنة والتقزم وسوء التغذية بين تلاميذ المدارس، وقالوا إنهم سيعالجون هذا الأمر بتقديم وجبة غذائية صحية للتلاميذ في المدارس.

رغيف للفقير

واصل أشرف البربري انتقاده لسياسات الإنفاق العام: هل ستغني هذه الوجبة المدرسية التلاميذ عن الطعام باقي اليوم، بعد أن تقلص الدولة عدد الأرغفة للأسر؟ والسؤال الثاني: هل هناك أساسا مدارس ودراسة منتظمة نبدد فيها مليارات الجنيهات باسم الوجبات المدرسية؟ الحقيقة أنه يمكن للدولة أن ترفع سعر الخبز المدعم، بل أن تلغي دعمه تماما، شريطة أن تكون المرتبات والمعاشات التي تدفعها للمواطنين كافية لكي يستغني المواطن عن الخبز، مثل كل الشعوب ليست فقط الغنية، بل حتى الفقيرة، التي لا تعتمد على الخبز لملء بطونها، كما هو حال المصريين. المشكلة الحقيقة في مصر ليست، في زيادة سعر رغيف الخبز المدعم، ولا حتى في إلغاء هذا الدعم، ولكن في رؤية الحكومة التي لا ترى في أحيان كثيرة سوى الجباية وتقليص ما تقدمه من خدمات لعامة المواطنين، كحلول لما خلقتها سياساتها الاقتصادية من مشكلات مالية. فخلال السنوات الماضية ارتفعت أسعار الخدمات الحكومية، بدءا من رسوم استخراج الأوراق الرسمية، وحتى أسعار الكهرباء بأضعاف الزيادة في الدخول. وفي حين اتجهت غالبية حكومات العالم إلى التخفيف عن المواطنين، وتحسين دخولهم لمواجهة جائحة فيروس كورونا، كانت مصر هي الدولة الوحيدة تقريبا التي اعتبرت الموظف أو صاحب المعاش، الذي يحصل على أكثر من 2000 جنيه شهريا من الأثرياء، الذين يجب استقطاع 1% أو نصف في المئة من دخله لتمويل جهود مكافحة كورونا. في المقابل فإن هذا الحديث الحكومي عن الصعوبات المالية التي تواجه الخزانة العامة للدولة، وتجعلها غير قادرة على استمرار تقديم 1.85 جنيه يوميا لدعم رغيف الخبز للفقير، هي نفسها التي تصر على بناء أعلى برج وأوسع حديقة وأطول كوبري، وترسل أكبر بعثة أوليمبية لم تحقق ميدالية ذهبية واحدة، بدون أن تعيد النظر في أولويات الإنفاق.

البحث عن حياة

تساءلت هالة فؤاد في “المشهد”: من منا لا يحلم بحياة كريمة! لكن هل تتفق سمات تلك الحياة التي ينشدها المواطن مع ذلك الشعار الذي أطلقه النظام وتبنته الحكومة! حلم البسطاء بحياة كريمة أشبه بحالهم.. لقيمات تسد البطون الجائعة، وسكن يؤوي أجسادهم المتعبة، وستر يحفظ ماء الوجه ويغني عن شر السؤال والاحتياج، ويجنب انكسار مذلة الدين. لكن يبدو أن بساطة الأحلام لا تشفع لأصحابها ليصبح تحقيقها عصيا، لا يبدو أقرب لصبر أيوب، وإنما أشبه بعشم إبليس في الجنة. صارت الشكوى من ضيق ذات اليد هم كل أسرة.. وما اجتمع مصريان إلا وكان شبح الغلاء ثالثهما.. يتحايل الجميع بكل ما أوتوا من قوة لمواجهة تلك الأزمة.. تتفنن الزوجات في حذف كثير من قوائم الطلبات والاحتياجات التي كانت يوما أساسية، لتقتصر على أقل القليل، ويتحايل الأزواج بشتى الطرق لتلبية طلبات الأولاد، حتى إن كانت على حساب احتياجاتهم الملحة، التي توارت لذيل قائمة الأولويات، حتى كادت تختفي عن عمد، وتحت ضغوط لا ترحم. على هامش الحياة أصبحت تعيش ملايين الأسر المصرية.. فقراء ازدادوا فقرا، ومنتمون لطبقة متوسطة انحدروا للطبقة الأدنى، ووجهاء من الطبقة العليا ضاق بهم العيش، وتخلوا عن كثير من مظاهره الرغدة، وعانوا من تدبير أبسط احتياجاتهم الأساسية.

أحلامنا بسيطة

في تأملها لمشروع “حياة كريمة” التي تراهن السلطة وأنصارها على انه سيساهم في تغيير وجه الحياة بالنسبة لملايين المواطنين في قرى الصعيد والدلتا واصلت هالة فؤاد كلامها: يدغدغ الشعار البراق مشاعر الجميع، يتراءى أمام أعينهم حلم الحياة الكريمة.. تشتاق أرواحهم لسكينة تلك الحياة.. يلقون وراء ظهورهم سنوات العذاب والشقاء، حيث الجري اللاهث وراء لقمة العيش الشحيحة، والعقل الشارد لتدبير ميزانية البيت المختلة دوما، بفعل الغلاء، والوجوه العابسة بفعل ضغوط تدبير احتياجات فلذات الأكباد وعمل المستحيل لتلبية طلباتهم. ما أحوجنا لتلك الحياة الهادئة اليسيرة، لا نحسب فيها قدر العجز بين دخولنا المحدودة وتكاليف معيشتنا الصعبة.. لا نحمل هما لتدبير وجبات ثلاث ولا تشغلنا فاتورة كهرباء تصعق بأرقامها الفلكية عقولنا، ولا تؤرقنا فاتورة غاز تشعل في نفوسنا حريق العجز عن السداد، ولا تخيفنا أقساط مدارس تحرق بلهيبها كل ما تبقى لنا من مشاعر وأحاسيس.. ولا يصيبنا مرض طارئ بهموم تدبير تكاليف العلاج الفلكية، فيكفينا تحمل عناء وجع الجسد الواهن، فلا تزيدها قلة الحيلة والعجز عن تدبير ثمن الشفاء والإبراء. من حقنا أن نحلم بحياة كريمة وفق ما نحتاج ونأمل ونتمنى، ويقينى أن حلمنا ليس عصيا على التحقيق، فقط لو توفرت الإرادة وسعى الشعب بقوة لتلك الحياة.

الخبز الحرام

أشاد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بتوجه الدولة نحو زيادة سعر رغيف الخبز. ووفقاً لـ”الشروق”التي نقلت عن كريمة تصريحات متلفزة قال فيها: إن سعر الخبز في مصر لا مثيل له على مستوى العالم،، معبّرا عن تأييده الكامل لهذا القرار الذي وصفه بـ”الصائب والموضوعي”. فقهيا، أوضح كريمة أن تصرفات ولي الأمر أو الحاكم منوطة بالمصلحة، وتابع: “حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.. الرئيس لديه مؤسساته وأجهزته الرصدية والرقابية.. آن الأوان لتصحيح مسار إهدار أموال الشعب في دعم لا يصل حقيقة إلى الغرض الموضوع من أجله”. هذا الدعم يذهب لإطعام الدواجن والحيوانات، مؤكدا أن العربات “الكارو” تجوب المناطق الريفية وتجمع الخبز الملقى في البيوت، والذي أصابه العفن وتشتريه، ليُصنع منه مشروب محرم، وهو مشروب البوظة “المسكر”. وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي، قد أكّد يوم الثلاثاء الماضي، أن الدولة بصدد زيادة ثمن رغيف الخبز، قائلا خلال كلمته في افتتاح المدينة الصناعية الغذائية سايلو فودز في مدينة السادات: “آن الأوان لزيادة ثمن رغيف الخبز.. مينفعش يكون ثمن 20 رغيفا يساوي سيجارة”. وأضاف أنه سيتحمل مسؤولية زيادة سعر رغيف الخبز، ولن يترك الأمر للحكومة وحدها، مستنكرا بقاء سعر رغيف الخبز ثابتًا لمدة 30 عاما.

تحت السيطرة

استشهد مجدي صالح في “البوابة” بتقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أن نسبة الفقر في مصر انخفضت من 32.5% العام الماضي إلى 29.7% هذا العام بانخفاض أقل من 3% تقريبا، وهو أمر ربما يتناسب مع معدل النمو الذي شهدته مصر العام الماضي، بعد أن شهد انخفاضا عن المعدل المتوقع له بسبب جائحة كورونا، وكانت نسبة النمو تقريبا أقل من 3%. ولا شك في أن انخفاض نسبة الفقر هو أمر طيب، ولكن الرقم لا يزال مخيفا، وبحاجة إلى المزيد من الإجراءات لاحتواء هذه النسبة الكبيرة التي تعني أن نحو ثلث سكان مصر، الذين يتجاوز عددهم 30 مليون مواطن ما زالوا يعانون تحت خط الفقر. وربما تأتي هنا أهمية مبادرة تنمية الريف المصري، المعروفة باسم “حياة كريمة”؛ لأنها يمكن أن توفر الكثير من الخدمات التي تخفف الأعباء عن أهالينا الفقراء في ريف مصر، وهو الريف الذي تعيش فيه الأغلبية الغالبة من فقراء بلادي. ورغم أن نسبة الفقر في مصر بشكل عام قد شهدت انخفاضا عما كانت عليه في العقود القليلة الماضية، إلا أن النسبة ما زالت مقلقة، وتحتاج إلى مزيد من الحلول لمعالجتها، والتخفيف من وطأتها على ثلث سكان الشعب المصري، نظرا لما يترتب عليها من مشاكل اجتماعية وثقافية وأخلاقية خطيرة. وربما هذا يقودنا إلى ضرورة تأجيل رفع الدعم عن الغذاء، خاصة رغيف الخبز للمواطن المصري في المناطق التي تعاني نسبة عالية من الفقر سواء في الأحياء الشعبية أو في الريف المصري، أو بحسب تقديرات المستوى الاجتماعي بحسب المرتبات المرتفعة أو لمن يملك سيارة فارهة، أو حيازة عدد معين الأفدنة الزراعية وغيرها من الإجراءات التي تقوم بها الوزارة للتعرف على مستحقي الدعم.

سهل ومريح

وطالب مجدي صالح بأن تتم دراسة أمر الوجبات المدرسية بما لا يؤدي إلى إهدار الملايين دون عائد يذكر، خاصة في ظل عدم انتظام طلاب النقل في المدارس، في ظل جائحة كورونا، وامتناع طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية عن الذهاب تماما للمدارس في هذين العامين، ما سيؤدي إلى إهدار الملايين من الوجبات يوميا التي ستذهب إلى العاملين للمتاجرة بها، وربما يكون من الأفضل أن يتم تأجيل هذا الأمر لمدة عام على الأقل، حتى تنكشف غمة الجائحة، ونجد لها علاجا، ونعمم لها لقاحا للكبار والصغار. إن مسببات الفقر الأولى في مصر تتركز في النفقات التي يبذلها المواطن في التعليم والصحة بشكل رئيسي، أما عن التعليم فما زالت الدروس الخصوصية تستهلك الجانب الأكبر من دخول الأسر، فضلا عن رسوم الجامعات الخاصة، التي أفقرت مئات بل آلاف الأسر، بسبب رسومها الباهظة، بعد أن توقفت الدولة عن التوسع في افتتاح الجامعات الحكومية، وأصبح الالتحاق بها في بعض الكليات العملية يتطلب مجاميع “فوق السوبر”، ما يضطر أولياء الأمور للدخول في دوامة القروض و”الجمعيات” للتغلب على مصروفات الجامعات الخاصة التي استغلت حاجة الناس وأصبحت تمثل “بيزنس” سهلا وسريعا وعديم المخاطر. أما عن الصحة، فرغم النجاحات التي شهدتها البلاد مؤخرا – خاصة في ما يخص القضاء على “فيروس سي” – فما زال البحث عن سرير لمريض من الأمراض الخطرة، يمثل معضلة لكثير من المرضى الذين لا يملكون مصروفات المستشفيات الخاصة الباهظة، كما أن منظومة العلاج في المستشفيات الحكومية أو حتى الجامعية، حاليا بحاجة إلى دعم، وإعادة تنظيم.

محفوفة بالمخاطر

من المحبطين أمس الخميس مرسي عطا الله في “الأهرام”، لم تعد منطقة الشرق الأوسط كما كانت عام 2011 وإنما أصبحت ميدانا مفتوحا لصراعات القوى الكبرى، وساحة مستباحة لتعميق التناقض الإقليمي، من خلال إعادة بعث النزاعات النائمة، سواء كانت نزاعات حدودية مدفونة في تراب النسيان أو نزاعات على المياه.. وهذا خطر يستوجب سرعة تداركه والانتباه إلى مخاطره المحتملة، الخاسر الأكبر في السنوات العشر الأخيرة هو العالم العربي الذي تراجع دوره في المعادلة الإقليمية لصالح إسرائيل وإيران وتركيا، فإسرائيل استثمرت الأوضاع الجديدة في المنطقة لكي تعربد كما تشاء، وتدهس بأقدامها على ما سبق أن التزمت به في اتفاقيات البحث عن السلام، وذهبت إلى أبعد مدى بالمجاهرة بحقها في امتلاك معظم أراضي الضفة الغربية، بعد إعلانها ضم القدس العربية لها بدعم من إدارة ترامب، التي ابتدعت اتفاق «إبرهام» لتوسيع مساحة التطبيع العربي مع إسرائيل وشطب آخر معادلة متوازنة على موائد التفاوض «الأرض مقابل السلام». وبالتوازي وبالتزامن مع العربدة الإسرائيلية، برزت مطامع التمدد الإيراني وتجددت أحلام إعادة بعث تركيا لمشروع الدولة العثمانية القديم، في الوقت الذي تجاهر فيه إسرائيل ـ بدعم من أمريكا ـ بأنها تضع خطوطا حمرا لأي محاولات لمنازعتها في أن تكون وحدها القوة الأعظم في المنطقة، من خلال التلويح بأن عصاها الغليظة موجودة وقادرة على أن تهوى فوق أي رأس يريد أن يرتفع في الشرق الأوسط. وفي ظل هذه الأوضاع السائدة بذلت مصر جهودا سياسية ودبلوماسية فائقة، أغلبها غير معلن وغير معروف للعامة، من أجل العمل على رأب الصدع والانقسام في العالم العربي، ومحاولة إطفاء الحرائق المشتعلة، أو التي توشك على الاشتعال في العديد من الدول العربية.. وليست جهود مصر تجاه تونس وليبيا ولبنان وسوريا والعراق واليمن، سوى عناوين للهدف الأسمى الذي تسعى إليه مصر من أجل وقف معدلات التراجع في الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، التي ضربت بلدان الخريف العربي.

محلك سر

على شاكلة حال نهر النيل ومياهه تأخذ أزمة سد النهضة، كما أوضح الدكتور مصطفى عبد الرازق في “الوفد” الشكل ذاته ما بين فيضان في التناول إلى حد التخمة، وبزوغ نذر الخطر، وشح في الأخبار إلى حد النسيان أو الاندثار. وإذا كان يمكننا التأكيد أننا عشنا على مدار الشهور الماضية ما يمكن اعتباره فيضان أخبار بشأن أزمة السد، فإننا يمكننا القول بكل ثقة أننا سنشهد ندرة بالغة في أخباره خلال الفترة المقبلة، قد لا تزدهر وتنتعش إلا قبل فترة قليلة من الصيف المقبل وبدء إثيوبيا استعداداتها لعملية الملء الثالث. حينها سيبدأ فصل جديد من الأزمة أتصور أن تفاصيل وقائعه ربما تبدو قائمة في ذهن أو خيال الكثيرين، حيث تعلن أديس أبابا استعدادها للملء الثالث وفق اتفاقية إعلان المبادئ، في ما تعلن القاهرة والخرطوم رفضهما أي تصرف أحادي وعدم اعترافهما بأي نتائج لهذا الملء، في ما تدور في الساحات الدولية عجلة السياسة في محاولة للتوصل إلى حل لا يبدو لأطراف الأزمة ذاتها أنه ماثل في الأفق! وبعيدا عن تفاؤل المتفائلين أو تشاؤم المتشائمين، فلعل مسار الأحداث حتى الآن يشير إلى أنها جرت في مسار الحلول الوسط التي لا تلبي أي طموح أو أهداف أطراف الأزمة وهو أمر رغم سلبيته وسوئه من منظور المصالح المصرية إلا أنه يمكن قبوله باعتبار أن الفرصة ما زالت سانحة لتحقيق ما عجزنا عن تحقيقه في شوط الأزمة خلال العام المنصرم الذي انتهى مع انتهاء عملية الملء الثاني.

مهلة مفتوحة

تابع الدكتور مصطفى عبد الرازق، إثيوبيا لم تنجح في الوصول إلى كميات الملء المستهدفة وهي 13.5 مليار متر مكعب، وهو ما كان يفرض أمرا واقعا يمثل خطرا على مصر والسودان، صحيح أن ذلك قد يكون في جانب منه لأسباب فنية وإمكانيات تتعلق بعمليات الإنجاز في بناء السد، إلا أنه في جانب منه ربما يعكس ضغوطا من هنا أو هناك لإخراج الأمر بهذه الصورة بما يخرج الموقف بصورة لا تضعف موقف قادة إثيوبيا أمام الشعب هناك. أما على الجانب المصري والسوداني، فرغم أن الملء الثاني قد تم إلا أنه من منظورهما يمكن معه التعامل على أساس أنه لم يتم، حيث لا تمثل الكمية الجديدة وهي نحو 3 مليارات متر مكعب أو أكثر قليلا، أمرا يعكس تحولا عن وضع السد قبل الملء الثاني. وإن كان موقف الطرفين على الصعيد السياسي هو الأكثر إثارة للقلق من منظور المتابع للأزمة، في ضوء أن مسار مناقشات مجلس الأمن الذي كان يعلق عليه الأمل في وقف إثيوبيا عند حدها، سار في اتجاه معاكس، لكن يبقى أن المجلس لم يصدر قرارا وهو ما يمكن معه اعتبار جلسته كأن لم تكن، وتصبح الدولتان في حِل من أي قيود كان يمكن أن يمثلها القرار، وهو الدعوة للاستمرار في المفاوضات، بدون إلزام إثيوبيا بشيء يتجاوز ذلك، وفي الوقت ذاته فإن الشهور المقبلة، وحتى الملء الثالث تمثل فترة كافية يمكن للدولتين أن تشيرا إلى أنهما التزمتا خلالها برؤية المجلس، التي ظهرت في المناقشات والتي كانت تتمحور حول مهلة زمنية لستة شهور كإطار زمني للمفاوضات ما يوسع من نطاق حركتهما المستقبلية.

أفول إعلامي

تذكر طارق الشناوي في “المصري اليوم” سهير البابلي في “مدرسة المشاغبين” وهي تسأل مرسي الزناتي (سعيد صالح): تعرف إيه عن المنطق يا مرسي؟ عندما سأل مذيع قناة “العربية” عمرو خالد عن رأيه في تصنيف مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية لتنظيم الإخوان، باعتباره جماعة إرهابية، فقال له: أخ خالد – يقصد مقدم برنامج (سؤال مباشر) خالد مدخلي- لا تأخذني إلى أبعاد السياسة، وأنا بكلمك عن الروحانيات، ونحن في العشر الأوائل من ذي الحجة، وأضاف أنا ح أتكلم عن الإحسان، أنا ما ليش علاقة بالإخوان. أراد أو تصور أنه طالما لم يؤيد قرارات الدول الثلاث فهو ضمن ألا تغضب منه الجماعة، أو المتعاطفون والمتعاونون مع الجماعة. عمرو خالد يعيش حاليا في مرحلة أفول إعلامي، لم يعد له هذا التواجد الطاغي الذي كان يضعه بين أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم، أكرر في العالم أجمع وليس فقط عالمنا العربي، وهي استفتاءات موثقة، الرجل بلغ ذروة الحضور وهو يرتدي البدلة وملابس الكاجوال، وكان قد مضى على رحيل الشيخ الشعراوي سنوات قلائل، فكان لا بد من ملء الفراغ بمواصفات أخرى، التي بدأت في مطلع عام 2000، تأثير ساحر، نبرة صوته التي تقف بين الرجولة والأنوثة – وهذا مجرد توصيف لنبرة – تحمل ملمحا أنثويا وذكوريا، والمراهقات تحديدا يجدن في هذا الصوت قدرا من الارتياح والأُلفة تعرف مباشرة طريقها إلى قلوبهم، ذروة نجاح عمرو وصلت في السنوات العشر الأولى من الألفية الثالثة، حيث كان يتشكل جيل أطلقوا عليه (زد) هو جيل رقمي وُلد في السنوات الخمس الأخيرة من الألفية الثانية، وكان خالد عصريا في مفرداته، وعلى الموجة نفسها في التعامل مع (زد) وظهر له تلاميذ مثل معز مسعود ومصطفى حسني.

علموهم ما يفيد

قالوا قديماً والكلام لنشوى الحوفي في “الوطن” لا مستقبل لمن لا تاريخ له. ففي التاريخ هوية تمنحنا الملامح والأصل والجينات، وفي الماضي جذور تمدنا بالثبات والرسوخ. وكلاهما، الهوية والجذور، يمنحانا الصلابة في الأزمات، والبصيرة في وقت العتمة، والإدراك في غياهب الأيام. ولذا يحارب الهوية كل معتل النفس والفهم والإدراك، ويحارب الجذور كل محتل لأرض وحضارة وإبداع. فيقول من في قلبه مرض إنه لا وجود للأوطان، وإن الانتماء لا يكون لغير عقيدة، ويضلل من سار وراءه مغيباً أو جاهلاً، بينما كانت مكة أحب أرض الله لقلب رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه. ويحارب الحضارة كل طامع مغتصب كاره للنور ولمن فاقه علماً وفهماً وبصمة في الحياة، فيزوّر التاريخ ويدمّر الأثر ويقتل المبدع وينسب الفضل لغير أهله. من هنا.. علموا أولادكم هوية بلادنا وتاريخها يا سادة، إن كنتم تسعون لزرع انتماء في داخلهم. حدثوهم عن تاريخ الأجداد ممن تركوا في الحياة بصمة، اكتشفوا معهم تفاصيل التاريخ ففي الصفحات حكايات ضلت طريقها إلينا، وتهنا عن فهمها، فضللنا بين الأمم نظن بأنفسنا ضعفاً وهواناً، بينما منحنا الكثير من الأجداد مجداً لنا فيه عبرة وحكمة وحياة. أحيوا التاريخ في نفوسهم إن كنتم تبنون لهم مستقبلاً ليدركوا ما عليهم فعله للحفاظ عليه.

امتلكتم البصيرة

تابعت نشوى الحوفي: تأملوا في عبارات وبصمات من سبقونا، ففي آثارهم ما دفعوه من ثمن للتاريخ ليخلد اسمهم، وفي حكاياتهم مشاهد للكريم واللئيم ومن خان ومن حمى، وفي أيامهم ملامح الهزيمة والنصر، الكرامة والذلة، البذل والأنانية. فإن تأملتم أدركتم، وإن أدركتم امتلكتم البصيرة، وإن امتلكتم البصيرة لم تخشوا المتاهة في عالم بات يعتمد على فقد الذاكرة وتعتيمها. اقرأوا تفاصيل الهزائم، ففي الهزيمة صور الخيانة والطمع والحقد. وتعلموا خطوات الإعداد للنصر، ففي الانتصارات صور المثابرة والكبرياء والتحدي والتضحية. اقرأوا لتحموا الحاضر وتخططوا للمستقبل، اقرأوا لتدركوا أهمية التربية بهوية والتعليم بحداثة لأجيال لن نحيا معهم ولن نواجه الصعوبات معهم. نعم يا سادة في الهوية حياة لما نصنع اليوم، فما فائدة أن نبني لأجيال لا تدرك ما دفعه من سبقهم ليعيشوا الأمان والحضارة والاستقرار؟ ما فائدة أن نبذل الحياة لأجيال تسير وراء مرضى القلوب والعقول والضمائر؟ ما فائدة أن نمنح الحياة لأجيال لا ترى الفرق بين الموت والفناء، الجهل والعلم، الحضارة والانحطاط؟ نعم يا سادة في الجذور بركة ورفعة وكرامة وإحساس بالثبات الراسخ، مهما تطاول رعاة الشاء في البنيان، ومهما امتلك السفهاء نفوذ المال والقوة. فجذورنا تمنحنا سلامة الفهم وجينات الإبداع وعناصر المقاومة لكل قبيح. في الهوية حياة.. آه لو ندرك ونقرأ ونتعلم ونتأمل. في الهوية مصير ومسار لو نعلم. في الهوية نجاة فاسعوا لها لتحموا ما تبنونه اليوم.

سجن إرادي

يرى فاروق جويدة في “الأهرام” أنه أخطأ حين هرب من كورونا ولم يخرج من البيت شهوراً طويلة واختار السجن الاختياري. تابع الكاتب وطالت المدة وحين قررت الخروج ظهرت آثار عدم المشي رغم أن الصديق الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس نصحني كثيرا بأن أخرج وأمشي وأسعى في الأرض مثل كل الناس.. ولم أفعل.. لقد فضل الكثيرون مثلي السجن الاختياري عن مغامرة الخروج ومواجهة كورونا.. ولكن يبدو أن المبالغة في الأشياء تأتي بنتائج سلبية.. أنصحك ألا تمتنع تماما عن الخروج حتى لا تكرر أخطائي.. إن السجن الاختياري يمكن أن يكون لفترة محدودة أمام ظروف طارئة أما أن تترك نفسك في السجن راضياً فلن يتحمل جسدك هذه المغامرة.. إن للعمر أحكاما وللجسد مطالب والسجن الاختياري مغامرة قد يتحملها الإنسان أحيانا أمام الظروف.. ولكن هناك وقت لا بد أن نستسلم فيه لمطالب الجسد.. كنت دائما أقرأ عن فوائد المشي وأنه من ضرورات الصحة والحياة وكان كاتبنا الكبير نجيب محفوظ يأتي من بيته في العجوزة ماشياً إلى “الأهرام” وكثيراً ما كان يلتقي الراحل الكبير توفيق الحكيم عند كوبري قصر النيل، حيث كان الحكيم يسكن على نيل جاردن سيتي ويدخلان “الأهرام” معا.. وفي يوم من الأيام كانت شوارع القاهرة تجمع الآلاف الذين يمشون بالساعات ومنذ ضاقت الشوارع وتكدست بالسيارات أصبح المشي مهمة صعبة.. وسكان القاهرة ينتظرون الآن ممشى شاطئ النيل فقد يفتح أمام الناس فرصاً للاستمتاع بالمشي والنيل معا.. لا تقع في خطأ ساذج مثلي وتجلس في بيتك متصورا أنك تهرب من كورونا رغم أنني اكتشفت أنها تسللت إلى بيوت كثيرة وألقت القبض على آلاف الهاربين منها.. هربت من كورونا إلى السجن الاختياري وأصبحت أردد بيت إبراهيم ناجي حين أصيب في حادث سيارة في لندن خرجت من البلاد أجر همي ..وعدت إلى البلاد أجر ساقي. نحن أحيانا نبالغ في كثير من المواقف وأحيانا يظلم الإنسان نفسه وهو لا يدري.. وشيء من الحكمة مطلوب في كل الحالات.. أخرج واترك الباقي على الله.

عودة للمنفى

رغم أن الكتابه نوع من التحرر غير أنها بالنسبة لبعض المبدعين قد تكون قيداً بسبب الظروف الراهنة نادر ناشد عاد للكتابة في “الوفد” بعد غياب دام لسنوات خمس: أعود للكتابة بعد غياب خمس سنوات كاملة. كانت هذه السنوات بمثابة المنفى الاختياري، فقد اخترت أن أراجع نفسي، وأن تكون هذه السنوات فرصة للتقييم الذاتي ومحاسبة النفس. والبعد عن الكتابة أمر يشبه السجن وليس مجرد المنفى، العودة إلى الكتابة هي العودة إلى الحياة، فالكتابة عمر يضاف إلى عمر الكاتب. والشاعر نجيب سرور كتب في مجلة “الكاتب”: «ما زلنا نفرح بأسمائنا ونحن نقرأها في الصحف والمجلات والكتب، رغم أنها نشرت مرات يصعب حصرها لأن الكتابة هواية وغواية ونهش في أضلاع المستحيل». والشاعر صلاح عبدالصبور كتب قصيدة بعنوان “الشعر والرماد” بعد غياب أكثر من عشر سنوات، كان في حالة من الزهد وربما اليأس من حالة الركود التي عاشها الوطن في سنوات السبعينيات من القرن الماضي. قال عبدالصبور في قصيدته: ها أنت تعود إليّ يا صوتي الشارد زمنا في صحراء الصمت الجرداء.. يا ظلي الضائع في ليل الأقمار السوداء يا شعري التائة في نثر الأيام المتشابهة المعنى الضائعة الأسماء. والمدهش أنه رغم مرور هذه السنوات الخمس ومرور الأحداث سريعة متلاحقة ومتغيرة، بل قد يصل بعضها إلى حد العبث واللامعقول، إلا أنني أحس بأن هذه العودة كانت ضرورة، ولأن الكتابة حاليا أصبحت مثل الغناء لكل من هب ودب، مع الاعتذار، فقد دخلت مقالات الفيسبوك وهواة السخرية، بل هواة التجريح، تجريح الجميع بدون مسؤولية ولأن الأمر جديد على مجتمعنا، بل على العالم، فأعتقد أن قضية الكتابة تحتاج إلى إعادة نظر وتقنين ذاتي قبل أن تنتشر البلبلة والتشتت الفكري في مجتمع المفروض أنه طيب بالمعنى الحقيقي للكلمة وليس المعنى المشهور.

Exit mobile version