تونس.. القضاة ينتفضون ضد الانقلاب وتسييس القضاء

 

بعد المجلس الأعلى للقضاء في تونس، وجمعية القضاة التونسيين، الذين نددوا بالانقلاب ودعوا للفصل بين السلطات، والعودة للمسار الديمقراطي، وعودة البرلمان إلى مقره، طالب عدد من أشهر القضاة في تونس برفع الإقامة الجبرية عن القاضي البشير العكرمي، رئيس النيابة العمومية، سابقاً، ورفع يد الرئيس قيس سعيّد عن القضاء.

قرار سياسي

ووصف القاضي بمحكمة التعقيب حمادي الرحماني قرار وضع القاضي بشير العكرمي قيد الإقامة الجبرية بأنّه قرار سياسي يستند إلى ما تم ترسيخه سياسياً وإعلامياً دون حجج قوية إلى الآن أو سردية واضحة وغير قابلة للدحض من أن العكرمي تستر على الإرهاب.

وأشار القاضي الرحماني إلى أنّ العكرمي سبق أن دحض هذه الاتهامات في كل مرة بالأدلة المضادة لدى مؤسسات الرقابة.

وتساءل الرحماني: كيف يُمكن وضع قاض تحت الإقامة الجبرية وهو لا يزال متمتعاً بصفته كقاض؟ وكيف يتم ذلك وهو غير مشمول حتى بالتتبع الجزائي، وإن كانت تمت إحالة ملفه على النيابة العمومية التي لم تبحث بعد في ملفه ولم تتخذ فيه أي إجراء؟

وكيف يتم ذلك وهو بصفته تلك يرجع بالنظر للمجلس الأعلى للقضاء الوحيد المؤهل دستورياً وقانونياً للبت في مساره المهني وفي تأديبه وفي كل ما يمكن أن يُمثل تعدياً على القانون من قِبله؟ وكيف نضع قاضياً على ذمة وزير الداخلية والسلطة التنفيذية عموماً في غياب أي قرار أو إجراء قضائي ضده؟

وذكّر الرحماني، في تدوين على صفحته الرسمية على “فيسبوك”، بأنّ البشير العكرمي وضع نفسه طواعية على ذمة مجلس القضاء العدلي والنيابة العمومية، ولا يسوغ لأي جهة تنفيذية التدخل في أمره بأي وجه، كما أنّ لائحة القرار لم تصدر بعد ولم يبلغ بها القاضي المعني للطعن فيه لدى المحكمة الإدارية.

واعتبر الرحماني أنّ وضع قاض تحت الإقامة الجبرية مهما تعلقت به من تتبعات وهي إلى الآن غير موجودة هو بمثابة وضع السلطة القضائية برُمّتها تحت سطوة وزير الداخلية، وهو وضع الدستور والقانون تحت حذاء السلطة التنفيذية.

وحذّر القاضي الرحماني مما سيحصل مستقبلاً، وقال: لا يبدو أن لهذا الانقلاب حدوداً في التعسف والقهر والتعدي على الدستور والقانون، وها نحن نشهد بأعيننا وبالتفصيل المُملّ فصول انقلاب على الثورة والديمقراطية وحتى الدولة، درس تطبيقي لا يقوى عليه أكبر أساتذة القانون ولا أفظع التجارب الدكتاتورية.

الفتك بالعدالة

ودوّن القاضي عفيف الجعيدي: الاحتفاء بالاعتقال، بالوضع تحت الإقامة، في ظاهره طلب للعدالة وفي واقعه تأسيس للفتك بها.

وكتب القاضي أحمد الرحموني، الرئيس الأسبق لجمعية القضاة التونسيين: من للقضاة وقد انفرد بهم الرئيس؟

وأضاف: هل لنا أن نصدق ما يقول الرئيس وهو يستقبل المجلس الأعلى للقضاء، أم علينا أن نصدق قرارات وزير الداخلية؟

وأشار الرحموني إلى أنّه في اليوم نفسه الذي يصرح فيه قيس سعيد أنّه سيحترم الإجراءات القضائية كلها، ولن يتم اعتقال أي أحد إلا من كانت لديه قضايا، وضع قاضياً في الإقامة الجبرية.

وتابع الرحموني: في اليوم نفسه، يلقى أحد القضاة في بيته، تحت الإقامة الجبرية، بقرار من وزير الداخلية مع معرفته بأنه قاض (لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون)،لا يمكن جبره كغيره من المواطنين، وبأنه يتمتع بحصانة قضائية لم يرفعها أحد، وأن أي إجراء يخصه يتم بموجب قرار معلل من المجلس الأعلى للقضاء.

وذكّر الرحموني بأنّ القاضي البشير العكرمي لم تصدر ضده أي عقوبة تأديبية أو أي حكم قضائي أو أي إجراء من النيابة العمومية، وهو على ذمة المجلس الأعلى للقضاء لاستكمال البت في أخطاء مهنية منسوبة إليه كغيره من القضاة المحالين على مجالس للتأديب.

واعتبر أحمد الرحموني أنّ ما أقدم عليه قيس سعيد من تعطيل سلطات الحكومة ومجلس نواب الشعب وتركيزها بين يدي رئيس الجمهورية، فضلاً عن رفع الحصانة عن جميع النواب والتقدم في إجراءات الملاحقة الفردية والإعفاءات الوظيفية لم يكن كافياً لبلوغ الأهداف من التدابير الاستثنائية.

وحذّر القاضي من أنّ تونس تتجه بوضوح إلى اعتداءات شخصية على القضاة المباشرين وأيضاً إلى تعديات فادحة على اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء، وهو الهيكل الوحيد المتبقي من سلطات الدولة الثلاث.

هروب بالخزينة!

من المسؤولين عن العدالة إلى المسؤولين عن المالية العمومية، حيث رد الرئيس سعيّد على سؤال بخصوص ما إذا كان وزير المالية المقال حديثاً من قبله قد فر بالخزينة بقوله: لا ندري إن كان فر أم لم يفر بها، وقد انتقد وزير المالية الأسبق فوزي عبدالرحمن، الثلاثاء، في تدوين نشره على صفحته الرسمية على “فيسبوك” تصريحات الرئيس سعيد بخصوص وزير المالية علي الكعلي قائلاً: لا يعذر الجاهل بجهله، خاصة عندما يكون رئيس دولة، وكيف يكون رئيس دولة؟!

وتابع: الكعلي كان في عطلة عائلية، وكان من المفروض أن ينتقل إلى روما، يوم 27 يوليو الماضي، للتحضير لزيارة رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى إيطاليا، لكن بعد قرارات رئيس الجمهورية عاد الكعلي إلى تونس يوم 29 يوليو، وهو يواصل عمله بصفة عادية بالوزارة.

وأردف أنه بإقالة رئيس الحكومة كل الوزراء أصبحوا وزراء تسيير أعمال، وقانونياً وأخلاقياً وسياسياً لم يعد بإمكانهم الإمضاء على أي وثيقة.

وأكد أن الخزينة في الدولة العصرية هي في الغالب دفاتر إلكترونية، وخزينة الأموال موجودة في البنك المركزي، كان على الرئيس الدولة التثبت قبل أن يكون كلاماً ليس خاطئا فقط، ولكن يدخل في خانة الثلب الموجب للعقوبة لو كان هناك قضاء مستقل.

Exit mobile version