تونس.. حديث في الكواليس عن قرب عودة نشاط البرلمان في مقره والضغوط تتزايد على الانقلاب

 

دخل الانقلاب في تونس يومه الرابع، وسط ضغوط متزايدة على الرئيس قيس سعيّد داخلياً وخارجياً للتراجع عن قراراته التي أعلن عنها الأحد الماضي، ومنها إعفاء رئيس الحكومة هشام مشيشي من منصبه، وتجميد عمل مجلس نواب الشعب (البرلمان) واختصاصاته لمدّة 30 يوماً، ورفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء المجلس النيابي، وتوليه رئاسة النيابة العمومية وأيضاً رئاسة السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعيّنه بنفسه.

عودة المجلس إلى مقره

أخبار الكواليس المتداولة على نطاق ضيّق تفيد بقرب عودة البرلمان إلى مقره، حيث يعمل الآن من خارجه بعد إغلاقه بقرارات مخالفة للدستور الذي ينص وفق المادة (80) من الدستور على أن البرلمان يظل في حالة انعقاد.

فيما يستمر الضغط داخلياً وخارجياً (كما سيأتي) لدفع الرئيس سعيّد للتراجع عن القرارات التي وصفها أساتذة القانون الدستوري وفي مقدمتهم عياض بن عاشور بأنها خرق جسيم للدستور، ونفى بن عاشور، في تصريح لإذاعة “موزاييك” الخاصة، أن يكون سعيّد أستاذاً للقانون الدستوري، “بل أستاذاً مساعداً فاشلاً في عمله الوظيفي”، كما وصفه.

وطالبت مجموعة من المنظمات والنقابات (مجموعة ثانية) الرئيس بضبط خارطة طريق وفق رزنامة واضحة لا تتجاوز الثلاثين يوماً، وبصفة تشاركية مع كل القوى المدنية تتعلق بالقضايا المستعجلة، كمحاربة فيروس كورونا والشروع في مراجعة القانون الانتخابي والنظام السياسي ومكافحة الفساد، وفق ما جاء في بيان مشترك نشرته، مساء أمس الثلاثاء، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.

وحذرت المنظمات والنقابات من أي تمديد غير مشروع ومبرر في تعطيل مؤسسات الدولة وفي مقدمتها البرلمان، مشددة على ضرورة الالتزام بمدة الشهر المعلنة والمنصوص عليها بالدستور لإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية وتجميع السلطات بيد الرئيس.

وأكدت ضرورة احترام السلطة القضائية كسلطة مستقلة تماماً عن السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وقد صدر هذا البيان المشترك عن كل من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، والاتحاد العام التونسي للشغل، والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وجمعية القضاة التونسيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وكان القيادي بحزب حركة النهضة نور الدين البحيري قد ذكر، في تدوين له الثلاثاء، أن “ما أتاه رئيس الدولة انقلاب بأتم معنى الكلمة وإلغاء للنظام الجمهوري القائم على الفصل بين السلطات، والقول بخلاف ذلك أو البحث عن مبررات له تزييف للحقائق وتزيين لجريمة في حق الشعب والدولة والثورة”.

وتابع، في تدوين له على صفحته الرسمية على “فيسبوك”: “ليس أمام من يرفض عودة الحكم الفردي المستبد والنظام الملكي إلا مواصلة النضال السلمي أفراداً وجماعات لإسقاط الانقلاب وإفشاله، على ألا تغرّنا وعود الانقلاب وأنصاره؛ لأن التاريخ علّمنا أنه لا عهد لهم ولا ميثاق، وأن من تسوّل له نفسه الانقلاب على الدستور وعلى قيم الجمهوريّة والحنث في اليمين في وقت عصيب تعيشه بلاده لا يمكن أن يكون داعية للخير ولا مبشّراً بديمقراطيّة أو حرّية أو تنمية أو نهوض اقتصادي أو اجتماعي”.

الاحتكام للشرعية الدستورية

بعد المجلس الأعلى للقضاء، جمعية القضاة التونسيين أعربت بدورها عن أن حل للأزمة الحالية يتم بالاحتكام إلى الشرعية الدستورية وباحترام كامل الضمانات التي يتطلبها النظام الديمقراطي من تفريق بين سلط الدولة، وشددت على استقلال النيابة العمومية وفق مقتضيات الدستور باعتبارها جزءاً من القضاء العدلي وعلى ضرورة النأي بها وبالقضاء عموماً عن كل توظيف سياسي.

وطالبت جمعية القضاة، في بيان لها، الثلاثاء، النيابة العمومية بالاضطلاع بدورها الحقيقي والمستوجب في حماية المجتمع والدولة وإنجاح التجربة الديمقراطية.

كما طالبت الجمعية رئيس الجمهورية بضرورة التسريع في إنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية، والإفصاح عن آليات استئناف المسار الديمقراطي الحامي للحقوق والحريات وللسير العادي لمؤسسات الدولة في إطار خيارات وطنية تشارك فيها جميع القوى الوطنية تعمل على تصحيح المسار الديمقراطي وتضع كافة الضمانات لإنجاحه.

التأويل الأحادي للدستور

إلى ذلك، حذرت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، في بيان لها، الثلاثاء، من مخاطر التأويل الأحادي والواسع للفصل (80) من الدّستور، معتبرة أنّ حلّ الخلافات السّياسيّة الدّاخليّة لا يمكن أن يكون إلّا في إطار احترام القانون من قبل الجميع، ودون المساس بمكتسبات الثورة التونسيّة واحترام الحقوق والحرّيات الفرديّة والجماعيّة والاحتكام إلى علويّة القانون والحفاظ على المؤسّسات الدّستوريّة واستكمال مسار تركيزها.

وحذرت الهيئة من خطورة الانجرار للفوضى وتصفية الحسابات السّياسيّة خارج أطر القانون والشرعيّة وتعتبر السّلامة الفرديّة لكلّ المواطنين وحرّياتهم خطّا أحمر لا يمكن انتهاكه أو التضحية به مهما كان المبرّر.

وأكدت أنّها تواصل ممارسة مهامّها الرّقابية طبق دستور الجمهوريّة التونسيّة والاتفاقيّات الدّوليّة المصادق عليها وقانونها الأساسي، داعية كلّ السّلطات الإداريّة والأمنيّة إلى تسهيل عمل فرق الزّيارة الميدانيّة تطبيقا للفصل الرّابع من القانون الأساسي عدد (43) لسنة 2013 المتعلّق بالهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب، باعتبار أنّ جريمة التعذيب هي الجريمة الوحيدة التي لا يمكن تبرير اقترافها أو تعطيل تتبّع مرتكبيها ولو في حالات الطوارئ وحالات الحرب.

ودعت “الكونفدرالية العامة التونسية للشغل” (منظمة نقابية) الرئيس إلى احترام مبادئ الدستور، وذلك عبر إعلان خارطة طريق واضحة وعملية ضمن جدول زمني محدد.

من جهتها، أكّدت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، الثلاثاء، ضرورة تحديد المدة الزمنية للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس سعيد، في 25 يوليو الجاري، والتقيد بها واتخاذ إجراءات عاجلة لتطويق الأزمة الصحية والتصدي للوباء وإنقاذ أرواح التونسيات والتونسيين.

ودعت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس، وجمعية بيتي، وجمعية جسور المواطنة، وجمعية كلام، وجمعية المواطنة والتنمية والثقافات والهجرة بالضفتين، ومركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، في بيان مشترك، إلى تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة في أقرب الآجال وتحييد المؤسسة العسكرية وتجنيب البلاد أي انزلاق نحو العنف أو أي نوع من الدكتاتورية.

وأكدت أن تأويل الرئيس للفصل (80) من الدستور هو تأويل خاطئ دستورياً وتعسفاً سياسياً لا يتماشى مع نص وروح الدستور، رافضة ما ترتب عنه من قرارات وإجراءات.

ودعت كل القوى الديمقراطية والمدنية والمنظمات الوطنية لتوحيد الجهود لإيجاد حل للخروج بالبلاد من الأزمة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان في فترات الأزمات طبقاً لنص الدستور وللفصل الرابع من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

الجزائر وليبيا

وفي أخبار الكواليس تأكيدات عن رفض الجزائر وليبيا للانقلاب، وإعلان طرابلس معارضة أي انقلاب في تونس وتهديد طرابلس بإغلاق المعابر بين تونس وليبيا، وإلغاء كل الاتفاقيات بين البلدين.

كما جرت مكالمة هاتفية بين الرئيس الجزائري تبون، والرئيس سعيد، تقول الكواليس: إنها ليس لتهنئة، بل تهديد ووعيد، وأن الرسالة التي وصلت من الجزائر إلى سعيد حملها وزير الخارجية الجزائري، فيها تهديد بإغلاق كل الحدود والمعابر بين تونس والجزائر ومنع أي معاملات معها إن واصل سعيد في انقلابه؛ مما يعني أن تونس ستصبح محاصرة من الغرب والشرق وليس لها أي منفذ على حدودها البرية.

تركيا وقطر

من أخبار الكواليس أيضاً، تهديد تركيا بسحب الودائع المالية التي في البنك المركزي التونسي وسحب اعتماداتها في تونس.

كما تهدد قطر بالتراجع عن أي التزامات مع تونس وسحب ودائعها المالية التي تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار إن واصل سعيد في تنفيذ انقلابه.

علاوة على إيطاليا التي هي الأخرى علاقاتها متوترة مع فرنسا تعارض معارضة شديدة هذا الارتماء الكلي لسعيد في أحضان قوى إقليمية ودولية.

دول الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ضد الانقلاب، وتواصل مساعيها لعودة تونس للمسار الديمقراطي واستئناف عمل المؤسسات الدستورية في أجواء طبيعية.

وتشير الكواليس إلى أن الانقلاب لا يدعمه سوى أقلية كحركة الشعب القومية، وبعض من يأكلون من كل الموائد، وترحيب فرنسي إماراتي مصري.

وأن الرئيس وجد نفسه محاصراً من جميع الجهات ويعيش عزلة أفريقية مع عزلة في محيطه الإقليمي مع معارضة داخلية شديدة، كل هذا جعل الانقلاب صورياً فقط، مع بعض الإجراءات الظاهرية لحفظ ماء الوجه.

وتبشر الكواليس بعودة قريبة للحوار بين الأقطاب الثلاثة والمنظمات الوطنية على رأسها اتحاد الشغل وقصر قرطاج والنهضة وحلفاؤها مما يمهد لتفاهمات جديدة يتمخض عنها حكومة مدعومة من هذه الأطراف لعودة الاستقرار الداخلي لمواجهة هذه الأزمات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تعصف بالوطن، فالانقلاب قد سقط وولد ميتاً.

Exit mobile version