تقنين “الإسلاموفوبيا” في فرنسا

 

في الوقت الذي يشهد فيه العالم الحر تهاوي التماثيل والأصنام التي تخلد من تورطوا في تجارة الرقيق والتسلط على خلق الله واستعباد من ولدتهم أمهاتهم أحراراً، قام برلمان فرنسا التي تصدعنا صباح مساء بشعارات الحرية والإخاء والمساواة، بسن قانون سيئ السمعة؛ قانون مناهضة الانفصال! أو احترام قيم الجمهورية! فرنسا راعية الحرية والإخاء والمساواة تقر قانوناً عنصرياً تستهدف به التهميش والاستبداد والاضطهاد لفئة كبيرة من الفرنسيين، فئة كبيرة ولكنها فقيرة، ضاربة عرض الحائط بكل مبادئ العدل والمساواة.

فرنسا التي “لم تتوقف عن ممارساتها الاستعمارية في عشرات الدول الأفريقية”، كما قال لويجي دي مايو، نائب رئيس الوزراء الإيطالي، الذي طالب أيضاً بفرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي عليها: “الاتحاد الأوروبي ينبغي عليه فرض عقوبات على فرنسا وجميع الدول التي تحاكيها في إفقار أفريقيا وحمل الأفارقة على مغادرتها لأن الأفارقة ينبغي أن يكونوا في أفريقيا، لا في قاع البحر المتوسط”، فرنسا تتوجه باضطهادها اليوم لمواطنيها على أساس العرق والدين، بعد أن فشا ظلمها واضطهادها لضعاف أفريقيا الذين كانت وما زالت السبب الأول في ضعفهم وفقرهم.

ما التغييرات التي تحدثها؟ وكيف ستؤثر على المسلمين الفرنسيين؟

سيقوم القانون بتوسيع صلاحيات الحكومة وتمكينها من حل أي منظمة لا ترغب في وجودها لأسباب عنصرية مدفوعة بكراهية غير مبررة، لدين ولمعتنقي هذا الدين (إسلاموفوبيا)، والقانون الجديد ما هو إلا إطار عمل فضفاض سيخضع الجمعيات الثقافية لرقابة مالية وإدارية بالغة الصرامة، وقد قامت الحكومة الفرنسية بالفعل وقبل اعتماد القانون بحل منظمتين إسلاميتين رئيستين غير حكوميتين في عام 2020م.  

وبموجب القانون الجديد:

– سيتعين على المنظمات التي تسعى للحصول على أموال عامة توقيع “عقد جمهوري” والالتزام بشروطه، يفرض الخضوع الفلسفي لهوي الدولة التي لا تطيق أدنى مساحة من الاختلاف مع أيديولوجيتها.

– سيتم تعزيز وتوسيع النسخة الفرنسية من العلمانية (laicité) التي تتطلب نوعاً خاصاً من الحياد السياسي والفلسفي والديني لأي موظف حكومي، من خلال توسيع هذا الشرط القانوني ليشمل الموظفين غير الحكوميين المرتبطين بالهيئات العامة أو الخاصة المشاركة في مهام الخدمة العامة.

– ولتعزيز ذلك بشكل أكبر، يستهدف القانون التعليم الإسلامي الخاص من خلال إدخال أدوات تنفيذية جديدة تسهل تعليق أو إغلاق المدارس الإسلامية الخاصة.

– كما أنه يقيد بشدة التعليم المنزلي، ويجبر هذا الإطار الجديد بحكم الأمر الواقع الآباء المسلمين على إرسال أطفالهم من خلال نظام التعليم العلماني العام الذي تُحظر فيه الإشارات الدينية العلنية مثل الحجاب، وهكذا تعمل الحكومة بشراسة على منع النقل الفعلي للإسلام من الآباء إلى الأبناء لصالح الفلسفة العلمانية الفرنسية.

اضطهاد ممنهج

عند تقديم مشروع القانون، أوضح مجلس الوزراء أنه “عنصر هيكلي لإستراتيجية الحكومة لمكافحة الانفصالية والهجمات على المواطنة”، فما الآليات المؤسسية لهذه “الإستراتيجية”؟ وما هدفها السياسي؟

في عام 2019م، كشف وزير الداخلية السابق كريستوف كاستانير، في خطاب وجهه إلى رؤساء المحافظات، أن الدولة كانت تقود سياسة تهدف إلى وقف “الإسلاموية” و”الانسحاب المجتمعي” منذ عام 2018م.

والحكومة الفرنسية تعني باستخدام “الإسلاموية” أو “الإسلام الراديكالي” أو “الانفصالية الإسلامية”، المعتقدات الإسلامية المعيارية، حيث ترى الدولة في ارتداء الحجاب أو إطلاق اللحية أو الصلاة أو زيادة تدين المرء خلال شهر رمضان إشارات إلى التطرف.

واستخدام الدولة الفرنسية لتعبير “الانسحاب الجماعي” يعني أن فرنسا لا تعترف بالوجود السياسي والقانوني للأقليات على أراضيها، ففهم الأمة في فرنسا، مستمد إذن من الموروث اليهودي، بأن الأمة يجب أن تكون فئة واحدة تحت راية الجمهورية، ويجب ألا تُفهم تلك الوحدة على أنها شكل من أشكال التضامن الوطني، بل يجب أن تُفهم على أنها فكرة هوية يكون فيها المساواة مرادفًا للتطابق.

ومن ثم، فإن “الانسحاب الجماعي” يصف السلوكيات، سواء كانت ثقافية أو دينية، لمجموعة أقلية من الأفراد، توحدها هوية محددة، تختلف عن القاعدة الفعلية للأغلبية.

سياسة الاضطهاد والقمع والإقصاء ليست جديدة

تم تنفيذ أول عامين من هذه السياسة قبل صدور القانون في 15 منطقة بالجمهورية الفرنسية، وكما أعلن وزير الداخلية السابق، فقد أدى ذلك إلى السيطرة على 1030 مؤسسة عامة (مساجد أو مدارس أو مؤسسات ثقافية أو رياضية أو دور عامة) يُعتقد أن “الإسلاميين” يديرونها.

وقد قال وزير الداخلية الفرنسي السابق كاستانير: “حالما تكون هناك شكوك حول أي مكان أو جمعية، نقوم بإجراء عمليات التفتيش والرقابة بلا تردد، وإذا ثبت وجود خروقات، نقوم بإغلاق إداري (لا قضائي) أيضاً بدون تردد”.

تتم عمليات “التفتيش والضبط” هذه من قبل مراقبين إداريين يقومون بفحص كل جزء من التشريع المطبق على المؤسسات العامة؛ مما يعني أن السلطات يمكن أن تستخدم أي شكوك حول النظافة أو خرق اللوائح فيما يتعلق بالأنشطة الرياضية، والقواعد المتعلقة باستقبال القصر أو مكافحة الاحتيال لتفتيش الأماكن المفتوحة للجمهور.

عرقلة منهجية

وقد وصف كاستانير هذه الطريقة بأنها “عرقلة منهجية”، ولا يخفي على عاقل أن هذه إستراتيجية لممارسة أقصى وأقسى ضغط على المجتمع المدني الإسلامي لجعل العمل اليومي صعبًا بشكل لا يطاق، ولخنق مجتمع هو الأضعف بالفعل بسبب عقود من التعصب الممنهج.

وقد أعلن وزير الداخلية السابق أن السياسة ستنفذ الآن في جميع أنحاء البلاد.

ومن أجل تسهيل هذا التطبيق، أنشأت الدولة الفرنسية 101 “خلية وزارية تكافح الإسلاموية والانسحاب المجتمعي”، ووفقًا للدولة، فإن هذه الخلايا هي “فريق متعدد التخصصات، يخضع لسلطة حاكم المقاطعة، ويهدف إلى تنسيق عمل جميع الجهات التي من المحتمل أن تساهم في مكافحة الإسلاموية وانسحاب المجتمع”.

مهمتهم العمل كمخابرات محددة معادية للمسلمين، لجمع المعلومات ذات الصلة وتقديمها إلى الحاكم الذي سيتولى معالجتها والمطالبة بإجراء تفتيش في حالة “الشك”.

اعتبارًا من مايو 2021م، أدى ذلك إلى إغلاق ما لا يقل عن 37 مسجدًا و4 مدارس و210 دور عامة يديرها مسلمون فرنسيون، وبالإضافة إلى ذلك، تم إغلاق حوالي 559 شركة أو منظمة مملوكة لمسلمين، وتم التحقيق مع 22222، كما سمح للدولة بمصادرة أكثر من 43 مليون يورو (50.6 مليون دولار) من مجتمع مسلم فقير بالفعل.

وهذا يعني أنه في المتوسط​​، يتم تنفيذ 27 من هذه الضوابط كل يوم عمل، 569 في الشهر، ويتم الإعلان عن 4 عمليات إغلاق كل شهر ومصادرة 10 ملايين يورو (11.8 مليون دولار) كل عام.

وقد أصدر رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس تعميمًا عامًا، في 24 يونيو الجاري، حدد صراحة الهدف الأسمى لمشروع قانون مناهضة الانفصال الذي تم تغيير اسمه إلى تعزيز احترام القيم الجمهورية: “سيتم تعزيز سياسة العرقلة هذه قريبًا من خلال أحكام مشروع قانون تعزيز احترام المبادئ الجمهورية (قانون الانفصالية)”.

ومن خلال هذا التشريع، وسعت الحكومة الفرنسية سلطاتها القانونية والتنفيذية الكبيرة بالفعل لتضخيم وتسهيل سياستها المعادية للإسلام.

إن الإطار الذي تم تقديمه حديثًا واضح جدًا، فالدولة الفرنسية في حالة حرب مع مجتمعها المسلم، الذي سيتعين عليه الآن الخضوع لمطالب الولاء غير العادية والمتطرفة.

وكما ينص ميثاق الإمام سيئ السمعة، فإن المسلمين الفرنسيين “ملزمون بموجب هذا الميثاق” بالخضوع الكامل لأيديولوجية فرنسا، ولا يمكن التسامح مع المعارضة المستوحاة من الإيمان، ونتائج هذا “العرقلة الممنهجة”، الصادمة، تشير فقط إلى حقيقة الهجوم الممنهج على المسلمين.

هذا اضطهاد حقيقي بقيادة الدولة بدافع “الإسلاموفوبيا” يحدث على مرأي ومسمع من العالم أجمع.. العالم الحر!

Exit mobile version