“مراسيم الضرورة”.. تطلُّع حكومي وتحذير نيابي كويتي

 

لطالما شكلت مراسيم الضرورة جدلاً دستورياً بين الفقهاء الدستوريين من جهة، وكذلك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة أخرى، وتعرف لوائح الضرورة بأنها قرارات بقوانين تصدرها السلطة التنفيذية بين أدوار انعقاد البرلمان أو حالة الحل إذا نشأت حالة من حالات الضرورة التي يستوجب إصدارها.

وتشكل المادة (71) من الدستور الكويتي التي أقرت نظرية الضرورة الأساس الدستوري للوائح الضرورة: حيث تنص المادة على أنه “إذا وجد فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو التقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.

ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشرة يوماً من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك.

أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر”.

تحذير نيابي

وبينما يقضي مجلس الأمة عطلته الصيفية، عقب انتهاء دور الانعقاد الأول، في فصله التشريعي السادس عشر، تصاعدت التحذيرات والتصريحات النيابية بعد تداول حديث عن اتّجاه الحكومة نحو إصدار مراسيم ضرورة خلال هذه الفترة، الأمر الذي رفضه نواب الأمة، وحذروا منه، معتبرين أنّه تجاوز ومخالفة دستورية، لانتفاء صفة الضرورة.

تركزت تصريحات النواب حول فكرة مركزية وهي عدم وجود أي ضرورة لإصدار ما يسمّى بمراسيم الضرورة، ولا سيما قانون الدّين العام أو تعديل قانون الانتخاب أو الضرائب أو فرض الرسوم، محذّرين الحكومة من الإقدام على هذه الخطوة التي لا يمكن أن تصبّ في مصلحة الوطن والمواطن والعلاقة بين السلطتين، ولافتين إلى أنه لا يمكن الوثوق بالحكومة أو تسليمها أموال الشعب.

أين هذه الضرورة؟

قال النائب حمد المطر: أقف ضد إصدار مراسيم الضرورة خلال فترة عطلة مجلس الأمة، فلا ضرورة لإصدار مثل هذه المراسيم، ولو كانت الحكومة كما تدّعي وجود هذه الضرورة، لكان الأولى بها استمرار انعقاد مجلس الأمة وعدم تحصين نفسها، خاصة فيما يتعلّق بالاستجوابات المقدمة أو المزمع تقديمها، فهذا هو الأولى.

وأضاف: أمّا الحديث عن إصدار مراسيم الضرورة، فهناك مادة تحكم هذا الأمر، يجتمع المجلس ويقرر خلال أسبوعين، لكن نحن نتحدث؛ أين هذه الضرورة لإصدار تلك المراسيم أو أي قانون سواء كان يتعلّق بالانتخابات أو الدّين العام، والحكومة كانت تستطيع معاودة جلسات مجلس الأمة لممارسة حقوقها؟ لافتا إلى أن نواب الأمة كان لهم موقف تاريخي بوقوفهم ضد تحصين رئيس الوزراء.

وتابع: أقف، بلا شك، ضد مراسيم الضرورة خلال هذه الفترة، فلا وجود إطلاقاً لما يسمّى باتجاه الحكومة نحو الضرورة.

تساؤل مشروع

من جانبه، تساءل النائب أسامة المناور: إذا كانت الحكومة تنوي إصدار مراسيم ضرورة، فلماذا لم تقدّمها كمشاريع بقوانين خلال فترة دور الانعقاد المنقضي، وهي تملك الأغلبية النيابية لإقرار مثل تلك القوانين؟ لماذا لم تقدّمها وآثرت تعطيل الجلسات لتقديم مراسيم ضرورة؟

وأضاف المناور: إذا كان أحد مراسيم الضرورة الذي تريد الحكومة الإقدام عليه هو الدَّين العام، فهذا مرفوض بتاتاً منّي شخصياً ومن أغلبية نواب الأمة، خاصة في كتلة الـ31، وإذا كانت هناك قوانين أخرى تتعلّق بالدوائر الانتخابية أو أيّ مواضيع أو قضايا تحتاج إلى تريّث أو دراسات ستكون مرفوضة أيضاً.

وأكد أهمية أن تضع الحكومة خطة عمل لها تكون حقيقية، ويتحمل الوزراء مسؤولياتهم للمضي قُدماً نحو معالجة مشكلات المواطنين والعمل على الإصلاح الشامل.

زيادة الكلفة على النظام السياسي

أما النائب مهلهل المضف فقال: لا وجود إلى أي حاجة لإصدار مراسيم الضرورة خلال هذه الفترة، مشدداً على أنه خطير ما يتداول من كلام عن اتجاه الحكومة لإصدار مراسيم ضرورة لا تحمل صفة الضرورة، مثل الدَّين العام والرسوم والضرائب، فهذا أمر مرفوض ولا داعي له، وإذا كانت الحكومة ترى وجود حاجة فعليّة، فلماذا لا تعرضها خلال فترة انعقاد المجلس؟

وقال: لا توجد أيّ ضرورة لإقرار مراسيم تتعلّق بالمادة (71) من الدستور، وهذا أمر خطير نحذّر منه.

وأكد أن وجود رئيس الوزراء على رأس الحكومة أمر غير محمود، وسيزيد الكلفة على النظام السياسي، وسيكون استمراره استمراراً للتصعيد، ولا سيما بعد تأجيل استجواباته المقدمة والمزمع تقديمها، لذلك سنقف له وللحكومة بالمرصاد.

مؤشرات استمرار التأزيم

على صعيد متصل، أكد النائب حمدان العازمي أن المؤشرات الموجودة تؤكد استمرار التأزيم، محذّراً الحكومة من إصدار مراسيم الضرورة خلال فترة عطلة المجلس الصيفية، خاصة أن المجلس في خضمّ عمله، ولا يوجد حلّ أو ما يستدعي إصدار هذه المراسيم.

وأضاف أن عطلة المجلس الصيفية تعد فترة مؤقتة، وإذا لدى الحكومة مشروع يجب أن تقدمه وقت عمل المجلس، وسريان دور الانعقاد البرلماني، فالضرورة تعني الضرورة الملحّة التي لا تحتمل التأخير، لذلك لا يُوجد ما يستدعي الضرورة لإصدار مثل هذه المراسيم، لافتاً إلى أن المجلس سيعود للالتئام بعد 3 أشهر، أمّا إذا كان هناك طارئ ملحّ للبلاد، فلا بدّ له والأكيد عدم وجود أيّ طارئ يستدعي إصرار مراسيم الضرورة خلال هذه الفترة.

وأكد أن الحكومة تملك الأغلبية، وإذا كانت تريد هذه المراسيم فلتقدّمها بأول جلسة للمجلس في دور الانعقاد الثاني، لافتاً إلى أنّه يقف ضد هذه المراسيم، خاصة الدَّين العام المرفوض شعبياً ومن نواب الأمة.

لا يمكن الوثوق بالحكومة

وإزاء تصاعد وتواتر الأنباء عن توجه الحكومة لإقرار مراسيم ضرورة خلال العطلة البرلمانية قال النائب مهند الساير: سمعنا أخيراً عن وجود توجّه لدى الحكومة لإصدار مراسيم ضرورة، ولو كانت هناك عطلة برلمانية، فهذا غير دستوري لسبب واضح، هو أن الحكومة نفسها هي التي أبطلت الجلسات ولم تحضرها، وتجاوزت الأعراف التي كانت تدّعي التمسك بها، وقالت: لن أحضر إذا جلس النواب على كراسي الحكومة والوزراء، لكنها في جلسة الميزانيات تخلّت عن كل ذلك، وأتت وحضرت وصوّتت على الميزانيات في الممرات وعند دورات المياه، مؤكداً أن الحكومة التي وصلت إلى هذه المرحلة لم يكن عليها ترك دور الانعقاد العادي للمجلس وتتجه إلى مراسيم الضرورة.

وأضاف: لو كان لدى الحكومة قوانين أو قضايا ملحّة، كان الأجدر بها طرحها خلال دور الانعقاد، وتناقش النواب، ولا سيما أننا في كتلة الـ31 أول مَن طرح ضرورة إقرار القوانين الخاصة بالإصلاح ومعالجة القضايا، مبيناً أن كل المواضيع التي تتجه الحكومة إلى الأخذ بها كمراسيم ضرورة طُرحت ونوقشت من الإخوة النواب خلال دور الانعقاد العادي.

الاستمرار في تجاوز الدستور

وأشار إلى أن انتفاء الضرورة واضح في كل ما تتجه إليه الحكومة على صعيد إصدارها المراسيم التي ترى أنها ضرورة، ونحن نرى عكس ذلك.

وإذا توجهت الحكومة هذا التوجه، فهذا دليل على الاستمرار في تجاوز الدستور ومخالفة القوانين، وهذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلاً، كما أننا لا يمكن أن نثق بهذه الحكومة أو نسلّمها أموالنا أو مفاتيح القوانين في ظل غياب المجلس، وإذا كانت هناك ضرورة فلتعمل كما عملنا عندما تقدّمنا بطلب عقد دور انعقاد غير عادي على خلفية حرية الرأي، وما تعرّض له جمال الساير وقضايا أخرى.

Exit mobile version