الثانوية العامة بمصر.. قلق بالبيوت حتى إعلان النتائج

 

قلق واسع في بيوت المصريين باتت لا تخطئه عين مع بدء انطلاق امتحانات الثانوية العامة، في 10 يوليو الجاري، والمقررة حتى 5 أغسطس المقبل، حيث تسيطر جلبة كبيرة على المنازل في فترة الامتحانات خوفاً من تواضع المجموع النهائي أو سقوط الطالب في براثن الغش تحت الضغوط ومن ثم القبض عليه كما حدث مع أحد الطلاب في أول يوم للامتحانات.

مختصون معنيون بالعملية التعليمية والتربوية تحدثوا لـ”المجتمع” عن أسباب الجلبة السنوية وطرق المواجهة والعلاج في هذا التقرير.

أخطاء نمطية متكررة

د. علاء حسني، المستشار التعليمي والتربوي، يرى في حديث لـ”المجتمع”، أن الثانوية العامة في مصر ما زالت لدى الكثيرين الباب الملكي للدخول إلى الجامعة لاكتساب مهنة مستقبلية محترمة عبر التخصص في نوع ما من أنواع الدراسات المؤهلة لاكتساب المهن، وبرغم أن الأيام الأخيرة شهدت ظهور مفهوم الجدارات، حيث يكون المعتمد في التوظيف مرتبطاً لا بالشهادة بل بقدر ما اكتسبه الشخص من جدارات مؤهلة للمهنة المرغوبة، فإن السعي للشهادة لم يزل مطمح كل أسرة مصرية ومحور اهتمامها وليس التوجه لإكساب أبنائهم الجدارات أو المهارات اللازمة لممارسة الحياة والنجاح فيها.

د. علاء حسني: الحل يمكن في تطوير الرؤية التعليمية

 

وأضاف د. حسني أن الأمر يعود بجذوره إلى بعيد، حيث كانت “البكالوريا”، وهو الاسم القديم للشهادة الثانوية، شهادة ذات أهمية حقيقية للطالب وأسرته، فقد كانت تؤهله ليس فقط للدراسة الجامعية، وإنما للحصول على وظيفة محترمة، حيث كان التوجه السائد بين الناس شدة التعلق بالوظيفة الحكومية حتى شاع القول السائر: “إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه”! واليوم مع تزايد التنافسية في مجتمع محدود الموارد محدود الوظائف صار للشهادة الثانوية قيمة مضاعفة، ومن ثم يمكن فهم ما ينفق عليها من أموال طائلة من قبل الأسر في شكل دروس خصوصية ومجموعات وكتب إضافية ونحو ذلك.

ويشير د. حسني إلى سبب آخر في تصاعد تلك الأزمة، وهو ما يسميه “الوجاهة الاجتماعية”، بحيث تبحث أسر بمصر عن شكل ما من أشكال الإنجاز تحرص على التباهي به كل أسرة، ومن هنا بقي للثانوية العامة تلك الأهمية الرمزية في الوجدان الاجتماعي.

ويرى د. حسني أن الحل يكمن في تغيير الرؤية التعليمية بمصر، موضحاً أنه مهما قيل عن تطوير نظام الثانوية العامة، إلا أن النجاح النمطي المتمثل في نظام الثانوية العامة وروتينية التنفيذ اللاإبداعي من قبل القائمين على العملية التعليمية ومسايرة لتطلعات الناس وتوقعاتهم أبقى ويبقى هذا النظام الذي يحتاج إلى الكثير من التطوير.

طوق النجاة

د. منال خضر، المستشارة الأسرية مدير مركز أسرتي للاستشارات الأسرية، تؤكد أن الحل التربوي الصحيح هو طوق النجاة من تلك الجلبة المتكررة في البيوت كل عام، وذلك عبر وجود حب غير المشروط بنتيجة أو معدل تجاه الأبناء من ذويهم بجانب التعامل مع الثانوية العامة كأي سنة من سنوات الدراسة مع الحرص أن يجتهد الطالب ويجد في كل سنوات دراسته بطرق تربوية في التوجيه الأسري.

د. منال خضر: التربية الصحيحة مدخل مهم للعلاج الشامل

وتشير، في حديث لـ”المجتمع”، إلى أن تغيير الفهم العقيم لكل أنواع الدراسة بمصر حل مهم في هذا السياق، خاصة المسار الفني، وذلك عبر أن تحترمه مؤسسات الدولة وتوفر فرص عمل محترمة بناء على جامعات محترمة للدراسة فيها.

وتوضح أن تغيير مفاهيم الأطفال تجاه المصائر والمستقبل مهم، حيث يجب أن يتدرب الأبناء منذ الطفولة على العمل الخاص وتأسيس مشاريع وتحصيل خبرات تجعلهم أقوياء في مواجهة المجتمع إذا لم يحصلوا على المعدل المطلوب.

البعد الإيماني مهم كذلك، بحسب د. خضر، التي تؤكد أهمية أن نغرس في نفوس أبنائنا أن الدراسة والتعليم ضمن الوسائل التي تعرفنا بالله وتقربنا منه عز وجل، حتى يصبح الهدف هو رضا الله بالجد والاجتهاد وبذل الوسع بغض النظر عن النتيجة الحاصل عليها.

دون إفراط أو تفريط

أما محمود القلعاوي، المستشار الأسري، فيرى أن الناظر إلى نظم التعليم في الدول المتقدمة لا يجد هذه الحالة المصرية من التشنج والتوتر في مراحل التعليم كلها مع تقدمهم ورقيهم، مما يؤكد فكرة لعبة الإلهاء السياسي التي يمارسها النظام، بحسب رأيه.

ويستنكر القلعاوي وصول الأمر إلى أن “الثانوية العامة” بمصر باتت رعباً في كل البيوت المصرية، وتمثل حالة قلق وترقب واضطرابات نفسية واجتماعية ليس للطالب فقط، ولكن للبيت كله للأسف، حتى في البيوت ذات الأفق التعليمي العالي.

محمود القلعاوي: رفع الحالة الإيمانية ووقف التشنج مهمان

 

ويحمّل القلعاوي الأسر المصرية المسؤولية في الاستجابة لمحاولات سنوية لتصدير الطاقة السلبية والتشنج العائلي والتهويل والتضخيم والتوتر مما يعود على الأبناء بالسلب ويوقعهم فيما يتم رصده من حالة الإرباك والإعياء النفسي والجسدي.

ويرى القلعاوي أن العلاج يبدأ من أن يخفف أولياء الأمور درجات التشنج الموجودة بالبيوت مع الاهتمام بالعملية التعليمية لكن دون إفراط أو تفريط، مع إشاعة حالة الهدوء النفسي في البيوت، وقبل كل هذا رفع الحالة الإيمانية في البيوت مما يجعل البيت في حالة هدوء نفسي مع الاهتمام بالتغذية السليمة والنوم الكافي.

ليس نهاية المطاف

ولا يختلف رأي أولياء الأمور الذين خاضوا التجربة في وقت سابق مع المستشارين كثيراً، حيث يوضح عبدالله رضوان، “موظف”، لـ”المجتمع”، أن المشكلة في أن البعض يتصور أنها نهاية العالم، وأنها تحديد المصير النهائي للطالبة أو الطالبة، وهذا غير حقيقي.

ويضيف أنه في تجربته مع أولاده الذي وصل أحدهم للجامعة الآن وتخرج فيها آخر كان يدعم تقدمهم بحرص وعناية ولا يرعب أحداً منهم، وكانت كلمته لهم بحسب قوله: “اعمل اللي عليك والباقي على الله”، مشيراً إلى أن ابنه صار بعد ذلك أول دفعته.

Exit mobile version