التداعيات الكارثية للملء الثاني لـ”سد النهضة” على مصر والسودان

 

وسط حالة من ترقب الآثار الناجمة عن الملء الثاني الوشيك لسد النهضة الإثيوبي، وبعد فشل مسار المفاوضات حتى الآن، تعيش كل من مصر والسودان حالة من حبس الأنفاس؛ حيث بات أمراً واقعاً أن تخزن إثيوبيا المليارات المكعبة من المياه في “سد النهضة”، المقام على أراضي إقليم بني شنقول، خلال يوليو الجاري وأغسطس المقبل.

من جانبها، تلعب التصريحات الإثيوبية على الحالة النفسية للمفاوضين المصري والسوداني ومن خلفهما الملايين في البلدين، حيث قال وزير الري الإثيوبي سيليشي بيكيلي، الإثنين الماضي: “مستعدون للانخراط مع جميع الأطراف للتفاوض ووضع اللمسات الأخيرة على صفقة رابحة للجميع”.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قال، الجمعة الماضي: “يمكن أن يكون سد النهضة الإثيوبي الكبير مصدراً للتعاون بين دولنا الثلاث وأبعد”، وأود أن أطمئن الشعبين السوداني والمصري أنهم لن يتعرضوا أبداً لضرر ذي شأن بسبب ملء السد”.

وفي 5 يوليو الجاري، أعلنت وزارة الري المصرية أن إثيوبيا أخطرتها ببدء عملية الملء الثاني لـ”سد النهضة”، في خطوة أحادية رفضتها مصر والسودان.

الملء الأول تسبب في تعطل محطات المياه في الخرطوم

الخبراء يشككون

التخوفات المصرية تتزايد من الملء السد فيما تعتبره إثيوبيا خطوة أساسية في عملية بناء السد.

وتهدف إثيوبيا إلى تخزين 13.5 مليار متر مكعب في الملء الثاني، مع بدء موسم الأمطار في الهضبة الإثيوبية.

إلا أن كثيراً من الخبراء يشككون في مقدرتها على تحقيق ذلك، مقارنة بارتفاع مستوى البناء في الممر الأوسط الذي يحجز المياه، ويحتاج إلى بناء نحو 30 متراً إضافية حتى يحقق حجز 13.5 مليار متر مكعب خلال هذه المرحلة.

تداعيات الملء الأول

سبب التخوفات التي تعيشها مصر والسودان هي تداعيات الملء الأول، ففي 15 يوليو 2020، أعلن السودان تراجعاً في مستويات المياه في نهر النيل الأزرق (بما يعادل 90 مليون متر مكعب يومياً، ما يؤكد إغلاق بوابات “سد النهضة”.

وفي اليوم ذاته، أعلنت إثيوبيا في “التلفزيون الرسمي” أنها بدأت الملء الأول، وعادة لا تُفصح إثيوبيا عن كثير من المعلومات عن “سد النهضة”.

وفي 19 يوليو 2020، أعلن السودان ثانية، انحساراً مفاجئاً بالنيل وخروج محطات بالعاصمة الخرطوم عن الخدمة.

وقدر الملء الأول بنحو 4.9 مليار متر مكعب، ما سبب بأضرار للسودان بسبب تأثر الري على نهر النيل الأزرق، إلى جانب تعطل محطات المياه في الخرطوم.

وفي أبريل 2011، أعلنت إثيوبيا عن وضع حجر الأساس لـ”سد النهضة” لتوليد الطاقة الكهرومائية على النيل الأزرق في ولاية بني شنقول، على مسافة 20 كلم من الحدود السودانية، بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار.

والهدف الأساسي للسد هو توليد الكهرباء لسد حاجة إثيوبيا وتصدير الطاقة الكهربائية إلى البلاد المجاورة، ويعد السد أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

ويبلغ ارتفاع “سد النهضة” نحو 170 متراً، وبسعة تخزينية تبلغ نحو 74 مليار متر مكعب، وتقدر مدة الملء من قبل إثيوبيا بين 5 و7 سنوات.

ويبلغ إجمالي تدفق المياه السنوي للنيل الأزرق في المتوسط 49 مليار متر مكعب من المياه.

ووفق خبراء، فإن إثيوبيا لو استطاعت تعلية الممر الأوسط للسد بارتفاع 4 أمتار إضافية، فيمكنها تخزين حوالي 6 مليارات متر مكعب من المياه خلال يوليو الجاري.

كما أن زيادة ارتفاع الممر الأوسط إلى 30 متراً سيسمح لإثيوبيا تخزين نحو 13.5 مليار مكعب خلال يوليو وأغسطس في الملء الثاني، بالاستفادة من موسم الأمطار التي تهطل بنحو 200 مليون متر مكعب يومياً، وفق تقديرات الخبراء.

وتنحسر بحيرة “سد النهضة” في موسم الجفاف؛ ما يسمح بإكمال بناء جدار السد، حتى تستطيع إثيوبيا إكمال المتبقي من بناء السد في المراحل المقبلة وصولاً إلى 74 مليار متر مكعب.

مع انتهاء الملء الثاني من المرجح توقف عمل توربينات كهرباء السد العالي

الإعلان عن الملء الثاني

عقد العشرات من جلسات المفاوضات بينما كانت إثيوبيا ماضية في بناء السد وإتمام مراحله الأخيرة استعداداً للملء الثاني، وفي يونيو الماضي، كشف وزير الري الإثيوبي سيلشي بيكلي أن سد النهضة وصل إلى ارتفاع 565.4 متر، وأن العمل جارٍ للوصول بعد 20 يوماً إلى مستوى 573 متراً.

وإذا نجحت إثيوبيا في تحقيق الارتفاع المطلوب في المرحلة الثانية، سيبلغ مخزون السد من المياه حوالي 18.5 مليار متر مكعب، مع احتمال فقد حوالي 3 مليارات متر مكعب أخرى نتيجة التبخر والتسرب في الفراغات والتشققات، وفقًا لخبراء الموارد المائية.

ويرجح خبراء المياه أن تتم التعلية بحوالي 15 مترًا فقط بدلًا من 30 مترًا، وبسعة تخزينية تصل إلى 7 مليارات متر مكعب بدلًا من 13.5 مليار متر مكعب.

تداعيات كارثية على السودان

من المؤكد أن السودان سيكون الأول والأكثر ضررًا حيث يتأثر بسرعة بأي نقصان في مياه نهر النيل الأزرق خلال عملية ملء “سد النهضة” لقربه من الحدود الشرقية، إذ يبعد السد عن الحدود السودانية – الإثيوبية بين 20 و40 كلم.

وتخشى الحكومة السودانية من تأثيرات “سد النهضة” على سد الروصيرص بولاية النيل الأزرق، الذي يعد مصدراً رئيساً لتوليد الكهرباء في البلاد.

وتسعى الخرطوم إلى اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد لضمان المعلومات بشأن المياه القادمة من نهر النيل الأزرق حتى تتحسب كمية المياه ونوعها.

وفي 20 يونيو الماضي، أكد مدير الإدارة العامة لشؤون النيل عبدالرحمن صغيرون أن عدم حصول السودان على المعلومات والبيانات يجعله في حال رصد دائم لنوعية المياه وكميتها، ولا سيما أن السودان يستخدم المياه في سدود صغيرة، مثل الروصيرص وسنار، يستخدمها في الكهرباء وفي الري للمشاريع الزراعية على طول النيل الأزرق.

وتتمحور الأضرار، بحسب خبير المياه السوداني أحمد المفتي، في حديث سابق إلى “الأناضول”، في عدم وجود اتفاق يضمن أمان السد والأمن المائي والتعويض عن الأضرار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.

كما يدفع الكثير من الخبراء بالتأثيرات المحتملة للتشغيل الطويل الأمد لـ”سد النهضة” الإثيوبي، بما فيها فيضانات متوقعة في حال ارتفعت المياه في السد أعلى من المستويات المطلوبة لتوليد الكهرباء؛ ما يعني إطلاق كميات من المياه للحفاظ على جسم السد، وقد يتسبب ذلك بفيضانات في السودان.

ويعدد خبير المياه الدولي السوداني سلمان محمد سلمان فوائد السد للسودان، في مقالات منشورة، قائلاً: إن فوائد “سد النهضة” على السودان متعدّدةٌ، وتشمل، وقف الفيضانات المدمّرة من مياه النيل الأزرق، تعدّد الدورات الزراعية (من دورةٍ واحدةٍ وحتى ثلاث دورات في العام)، وانتظام وزيادة توليد الكهرباء.

ويرى أن التغذية المتواصلة للمياه الجوفية المرتبطة بالنيل الأزرق (ونهر النيل ذاته)، انتظام الملاحة على النيل الأزرق ونهر النيل طوال العام، وحبس الجزء الأكبر من الطمي الوارد من الهضبة الإثيوبية، وإمكانية شراء الكهرباء الإثيوبية التي تقلُّ تكلفة توليدها كثيراً عن تكلفة التوليد في السودان.

الملء الثاني سيتسبب بفقدان 200 ألف أسرة لمصدر رزقهم الرئيس في الزراعة

تداعيات كارثية على مصر

كذلك ستضرر بلد المصب من بناء السد الإثيوبي، وتبرز مخاوف مصر من “سد النهضة” في سنوات الجفاف، على الرغم من تخزينها كميات كافية من المياه في السد العالي، ومن تأثير ملء السد الإثيوبي على الرقعة الزراعية في مصر.

وقد يؤدي هبوط مستوى التخزين في بحيرة السد العالي أثناء ملء السد الإثيوبي إلى مستويات يتوقف معها عمل توربينات كهرباء السد.

وتبلغ السعة التخزينية الكلية للسد 162 مليار متر مكعب من المياه، وسعة التخزين الميت 32 مليار متر مكعب، والمقصود بـ”التخزين الميت” كمية المياه التي لا يمكن نقلها من خلال فتحات السد، حيث تقع هذه الكمية أسفل منسوب فتحات جسم السد.

وفي 2 يوليو الجاري، قال وزير الري المصري محمد عبدالعاطي: إن أي نقص في الموارد المائية سوف يتسبب في أضرار جسيمة، إذ إن نقص مليار متر مكعب من المياه سيتسبب بفقدان 200 ألف أسرة لمصدر رزقهم الرئيس في الزراعة؛ وهو ما يعني تضرر مليون مواطن من أفراد هذه الأسر.

وأفاد الوزير بأن قطاع الزراعة في مصر يعمل فيه مليون نسمة على الأقل، وبالتالي فإن أي نقص في الموارد المائية ستكون له انعكاسات سلبية على نسبة كبيرة من سكان مصر، وسيؤدي إلى فقدان فرص العمل لحالة من عدم الاستقرار المجتمعي.

 

 

 

 

 

 

____________________________

مصادر ذات صلة:

1- عند اكتمال الملء الثاني لسد النهضة.. هذه الأضرار المتوقعة على مصر والسودان، الجزيرة نت،

2- دراسة تحذر من مخاطر سد النهضة على الزراعة في مصر.. وباحثون ينتقدون نتائجها،

3ـ في حالة انتهاء الملء الثاني.. كيف تتفاوت مخاطر سد النهضة بين مصر والسودان؟،

4- سد النهضة: ما هي سيناريوهات حل الأزمة أمام مصر؟ https://bbc.in/3iaM3NY

5- خبير يكشف عن مخاطر كبيرة تنتظر مصر من إثيوبيا،

Exit mobile version