قوة “إسرائيل” الناعمة.. كيف اخترقتنا؟ وكيف نواجهها؟

 

يعدّ مفهوم القوة من المفاهيم الأساسية في علم السياسية وعلم الاجتماع السياسي، وهو الإطار الحاكم للعلاقات في المجتمع الدولي، وللقوة تعاريف كثيرة نكتفي بذكر ثلاثة منها على النحو التالي:

الأول لروبرت دال، فهو يقول: إنّ القوة هي «القدرة على حمل الآخرين على القيام بما لم يرغبوا في فعله».

أما الثاني فهو لكارل فريدريك الذي يقول: إنّ «القوة هي في إنشاء علاقة تبعية بين طرفين يستطيع من خلاله الطرف الأول أن يجعل الطـرف الثاني يفعل ما يريد أيّ التصرف بطريقة تضيف إلى مصالح مالك القوة».

“إسرائيل” توظف قوتها الناعمة لتبييض صورتها العنصرية وتبرير جرائمها بحق الشعب الفلسطيني 

أما الثالث لجوزيف س.ناي، منظر مفهوم القوة الناعمة الذي عرفها بقوله: «إنها القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشى وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة، كما كان يجري في الإستراتيجيات التقليدية الأمريكية، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد».

ولقد استخدم ناي هذا المصطلح في كتابه «مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيّرة للقوة الأمريكية» الصادر عام 1990، علماً أنّ ناي نفسه طوّر هذا المفهوم فقام وعرضه بالتفصيل في كتاب آخر أصدره عام 2004 بعنوان «القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية».

وتستخدم القوة الناعمة في مجالات كثيرة وبآليات متنوعة منها وسائل الإعلام الموجهة، وتعتبر القوة الناعمة من أفضل الأسلحة السياسية والإعلامية والثقافية التي تعتمد عليها الدول في رسم صورتها الذهنية وتحقيق أهدافها الإستراتيجية، إذ إنها تستطيع السيطرة على الآخرين، وأن تجعلهم يتضامنون معها وينحازون إلى مواقفها دون أن تستخدم قوتها العسكرية.

وبالنسبة لـ”إسرائيل”، فإنها في الوقت الذي تستخدم القوة العسكرية المفرطة بحق الشعب الفلسطيني ولا سيما ضد قطاع غزة والمقاومة الفلسطينية، إلا أنها تستخدم القوة الناعمة في محيطها الإقليمي ومع بقية دول العالم؛ بهدف غزو عقول الشباب العرب والمسلمين المهتمين بالشأن الفلسطيني، وذلك بهدف قلب الحقائق، وتزييف التاريخ، وتبييض صورتها العنصرية وتبرير جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وذلك عبر استخدام قوتين متوازيتين في آن واحد، وهما القوة العسكرية في الداخل والقوة الناعمة في الخارج.

ويتم ذلك من خلال الترويج لهما عبر استخدام الماكينة الإعلامية “الإسرائيلية” الموجهة، والاعتماد على الإعلام الأمريكي والأوروبي الرسمي الذي يعتبر “إسرائيل” واحة للديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وأنها مستهدفة ومهددة من جيرانها رغم عنصريتها التي تمارسها ليلًا ونهارًا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي.

قوة “إسرائيل” الناعمة 800 قناة على “السوشيال ميديا”

النفاذ إلى دول العالم

في الوقت الذي ساعد فيه الغرب، خاصة بريطانيا وفرنسا، وتاليًا الولايات المتحدة الأمريكية على بناء جيش “إسرائيلي” قوي في المنطقة، استطاعت “إسرائيل” خلال العقود الماضية (1948-2021م) من خلال قوتها الناعمة المدروسة بناء علاقات مع غالبية دول العالم، حيث تؤكد وزارة الخارجية “الإسرائيلية” من خلال موقعها على شبكة الإنترنت أن “إسرائيل” -التي أصبحت عضوًا في الأمم المتحدة عام 1949م- باتت تقيم علاقات مع معظم دول العالم.

كما حرصت منذ تأسيسها على تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، وبناء على ذلك تم عام 1958م تأسيس المركز الدولي للتعاون، وهو قسم يعمل داخل وزارة الخارجية، ويكلف بتخطيط مشروع التعاون الدولي “الإسرائيلي” وتنفيذه.

مؤشرات استثمار “إسرائيل” للقوة الناعمة

ثمة مؤشرات على نجاح استثمار “إسرائيل” للقوة الناعمة عبر آليات ووسائل كثيرة منها وسائل الإعلام الحديثة، ومن هذه المؤشرات ما عرضته وكالة «ميديا لاين»، التي تقدم نفسها على أنها وكالة أنباء مستقلة وغير ربحية تغطي الشرق الأوسط، في المقابلة التي أجرتها مع بعض أعضاء فريق الدبلوماسية الرقمية “الإسرائيلية” التابع لوزارة الخارجية، تناولت فيه النجاح الذي حققه الفريق من خلال وجوده على منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما بعد إبرام اتفاقات التطبيع الأخيرة مع دولتين خليجيتين.

200 مليون يتابعون الخارجية “الإسرائيلية”

يقول يفتاح كوريل، الذي يرأس القسم الرقمي العام في الخارجية “الإسرائيلية”، لوكالة «ميديا لاين»: «كنا روادًا إذ كنا من أوائل الدول التي فتحت قنوات رقمية، واليوم نحن نقود أكبر العمليات الرقمية في جميع أنحاء العالم».

“إسرائيل” تمتلك حوالي 250 حسابًا لدبلوماسييها

ولم يلبث فريق الدبلوماسية الرقمية الذي بدأ بصفحة واحدة باللغة العربية على «فيسبوك» في يناير 2011م، أن توسع باطراد من حيث الحجم والوصول.

ويتحرك القسم الذي يترأسه كوريل عبر 5 منصات رئيسة: «فيسبوك»، و«تويتر»، و«إنستجرام»، و«يوتيوب»، و«تيليجرام»، بينما يقوم بمشروعات تجريبية في شبكات متخصصة مثل: «بينتيريست»، و«ريديت»، و«تيك توك» و«لينكد إن» وغيرها.

وأضاف يفتاح: «نحن الوزارة الأولى في العديد من المواقع»، مشيرًا إلى أن النشاط الرقمي لـ”إسرائيل” يشمل أكثر من 800 قناة فريدة تتحدث 50 لغة، ويتابعها حوالي 10 ملايين شخص، ويشمل ذلك 250 قناة رسمية في الوزارات والقنصليات، وحوالي 250 حسابًا لدبلوماسيين “إسرائيليين”.

ويضيف: «نحن إلى حد بعيد أكبر شبكة رقمية رسمية في إسرائيل»، إذ يصل القسم في كل شهر إلى حوالي 200 مليون شخص.

طرازٌ جديد من الدبلوماسية الناعمة

وتحدث كورييل إلى شبكة «ميديا لاين» قائلًا: «إن المجال الرقمي أثبت فعاليته الكبيرة بالنسبة لوزارة الخارجية لأنه «يعمل جيدًا» وفق التقاليد “الإسرائيلية”، وأن «الإسرائيليين مبدعون جدًّا في هذا المجال».

ويضيف كورييل أن وزارة الخارجية تتعاون أيضًا مع مجموعات مدنية ومنظمات أكاديمية على مستوى العالم بقوله: «عقدنا في الشهر الماضي مؤتمرنا الثالث للدبلوماسية الرقمية، واستضفنا 27 وزارة خارجية ومندوبين عن موقع «تويتر» ومشاركين من الأوساط الأكاديمية، وناقشنا بعض أمور السياسة، ومحاربة معاداة السامية، وخطاب الكراهية، ومجموعة من القضايا ذات الصلة».

تأثير القوة الناعمة “الإسرائيلية”

ويرى هؤلاء الذين يُديرون الذراع الدبلوماسية الناعمة لـ”إسرائيل” أن ثمة مهمة أسمى تدفعهم لأداء هذا الدور، إذ أكد أحد أعضاء هذا الفريق الإعلامي ويدعى جونين قائلًا: «إن هدفنا الأساسي هو إقامة حوار مباشر مع الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لطالما حلمتُ بذلك، نحن نريد تحطيم القوالب النمطية التقليدية والتحدث عمَّا يُوحدنا، ودائمًا يدور محتوى الحوار الأكثر انتشارًا حول أوجه التشابه بين الإسلام واليهودية».

200 مليون يتابعون الخارجية “الإسرائيلية” على منصات التواصل

ويضرب جونين مثالًا ملموسًا على تأثير وزارة الخارجية “الإسرائيلية” في الرأي العام بالعالم الإسلامي، قائلًا: «كان من المستحيل، في العراق، إيجاد الكثير من التعليقات الإيجابية تجاه التواصل “الإسرائيلي” قبل 5 سنوات، ولكن الآن، أصبحت هذه التعليقات على صفحة «فيسبوك» المحلية للوزارة إيجابية بنسبة 99%، وهذا بسبب نشاطنا على منصات التواصل الاجتماعي».

ولهذا نجحت “إسرائيل” في اختراق جدار الثقافة العربي ونفذت إلى عقول الآلاف من الشباب العربي والمسلم، وغيَّرت بعض المسلَّمات المتعلقة بجوهر الصراع في القضية الفلسطينية.

ماذا عن قوتنا الناعمة؟

بعد نجاح “إسرائيل” في استثمار قوتها الناعمة، وكسب الكثير من المؤيدين والمطبعين معها، ماذا عن القوة الناعمة العربية؟ وكيف يمكن استثمارها لصالح قضايا الأمة المركزية؟

على الرغم من نجاح الشباب العربي في استخدام بعض أدوات القوة الناعمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، و”يوتيوب”، و”تويتر”، منذ اندلاع “الربيع العربي” في عام 2011 وتحقيق نجاحات كبيرة في رحيل بعض النظم الدكتاتورية في المنطقة، فإننا أمام حالة تشرذم وتحدٍّ كبير في مجال استخدام القوة الناعمة لخدمة الأهداف الإستراتيجية العليا التي تتمثل أساساً في التصدي لمعسكر الثورة المضادة، وجمع الأمة العربية والإسلامية حول قضيتها المركزية في صراعها مع الاحتلال الصهيوني.

لا شك أن التحديات كبيرة بسبب قيام معسكر الثورة المضادة بمشاريع مضادة للشباب العربي في فضاء “السوشيال ميديا” كمشروع الذباب الإلكتروني الذي أطلقته إحدى الدول العربية عقب نجاح ثورات “الربيع العربي”، فضلاً عن انشغال الكثير من الأنظمة العربية بملاحقة الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي بدلاً من التصدي للقوى الناعمة الصهيونية التي تستهدف ثوابت الأمة وقضيتها المركزية في فلسطين.

– وتبعاً لذلك، تحتم الضرورة علينا إعطاء بعد أكثر وضوحاً لمسارات مواجهة القوة الناعمة “الإسرائيلية” في المنطقة.

– توحيد الخطاب الإعلامي حول القضايا الجامعة وفي مقدمتها قضية فلسطين.

– تحشيد الشباب على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ليكون بمثابة رافعة وحاضنة للمقاومة الفلسطينية في مقابل مشروع تهويد القدس.

– توعية الأمة بحقيقة الصراع مع المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة وأبعاده.

– كشف مخططات التهويد والعنصرية التي تمارسها “إسرائيل” ليلاً ونهارًا بحق الشعب الفلسطيني.

– كشف عملاء التطبيع من الدول والأفراد والجوقة الثقافية التي تروج للتطبيع عبر وسائل الإعلام.

Exit mobile version