الأضحية.. أحكام وآداب

 

تعريف الأضحية(1):

الأضحية بضم الهمزة وكسرها هي: اسم لما ينحر من النعم تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر، سواء كان المكلف بها قائماً بأعمال الحج أو لا باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية فقالوا: إنها لا تطلب من الحاج.

وقتها ودليل مشروعيتها(2):

شرعت الأضحية في السنة الثانية عن الهجرة: كالعيدين، وزكاة الفطر، وثبتت مشروعيتها بالكتاب، والسُّنة، والإجماع، قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 2)، وقال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الحج: 63)، وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: “ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما”، وغير ذلك من الأحاديث، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها.

شُرعت في السنة الثانية من الهجرة

فضل الأضحية:

روى الترمذي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفساً”، وأخرج الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: “قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه، وقولي: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)”، وروى الإمام أحمد وابن ماجة عن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: “سُنة أبيكم إبراهيم عليه الصلاة والسلام”، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: “بكل شعرة حسنة”، قالوا: فالصوف يا رسول الله؟ قال: “بكل شعرة من الصوف حسنة”.  

حكم الأضحية:  

الأضحية سُنة مؤكدة، ويكره تركها مع القدرة عليها لحديث أنس الذي رواه البخاري ومسلم “أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر”، وروى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره”، فقوله صلى الله عليه وسلم: “أراد أن يضحي” دليل على السُّنة لا على الوجوب، وروي عن أبي بكر، وعمر أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يُرى ذلك واجباً، وقال ابن حزم: لم يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، ويرى أبو حنيفة أنها واجبة على ذوي اليسار ممن يملكون نصاباً من المقيمين غير المسافرين، لقوله صلى الله عليه وسلم: “من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا” (رواه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم).

لها فضل عظيم عند الله تعالى فهي سبب لغفران الذنوب وسُنة مؤكدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم

متى تجب الأضحية؟

ولا تجب إلا بأحد أمرين:

1- أن ينذرها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من نذر أن يطيع الله فليطعه”.

2- أن يقول: هذه لله أو: هذه أضحية، وعند مالك إذا اشتراها نيته الأضحية وجبت.

حكمة الأضحية:

والأضحية شرعها الله إحياء لذكرى إبراهيم عليه السلام، وتوسعة على الناس يوم العيد، ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام أيام التشريق فقال: “لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل” (صححه الألباني).

مم تكون الأضحية؟

لا تكون الأضحية إلا من الإبل والبقر والغنم، ولا تجزئ من غير هذه الثلاثة، قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) (الحج: 34)، ويجزئ من الضأن ما له نصف سنة، ومن المعز ما له سنة، ومن البقر ما له سنتان، ومن الإبل ما له خمس سنين، يستوي في ذلك الذكر والأنثى.

لا تكون إلا من الإبل والبقر والغنم ولا يجوز التضحية بالمعيبة كالعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها

1- روى أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “نعمت الأضحية الجذع من الضأن”(3).

2- وقال عقبة بن عامر: قلت يا رسول الله، أصابني جذع قال: “ضحِّ به” (رواه البخاري ومسلم).

3- وروى مسلم عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “لا تذبحوا إلا مسنة، فإن تعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن”، والمسنة الكبيرة هي من الإبل ما لها خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة، ومن الضأن ما له سنة وستة أشهر، على الخلاف المذكور من الأئمة(4).

ما لا يجوز أن يضحى به:

ومن شروط الأضحية السلامة من العيوب، فلا تجوز الأضحية بالمعيبة مثل:

1- المريضة البين مرضها. 

2- العوراء البين عورها.

3- العرجاء البين ظلعها.

4– العجفاء(5) التي لا تنقي.  

5- العضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أربعة لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ظلعها والعجفاء التي لا تنقي” (صحيح أخرجه الترمذي).

يشترط في ذبحها أن يكون بعد صلاة العيد

وقت الذبح:

ويشترط في الأضحية ألا تذبح إلا بعد طلوع الشمس من يوم العيد ويمر من الوقت قدر ما يصلى العيد، ويصح ذبحها بعد ذلك في أي يوم من الأيام الثلاثة في ليل أو نهار، ويخرج الوقت بانقضاء هذه الأيام، فعن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء” (أخرجه البخاري).

وقال أبو بردة: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: “من صلى صلاتنا ووجه قبلتنا ونسك نسكنا فلا يذبح حتى يصلي”، وروى الشيخان عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “من ذبح قبل الصلاة، فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة والخطبتين فقد أتم نسكه وأصاب سُنة المسلمين”.

كفاية أضحية واحدة عن البيت الواحد:

إذا ضحى المسلم بشاة من الضأن أجزأت عنه وعن أهل بيته، فقد كان الرجل من الصحابة رضي الله عنهم يضحي بالشاة عن نفسه وعن أهل بيته، فهي سُنة كفاية، وروى ابن ماجة، والترمذي أن أبا أيوب قال: “كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار كما ترى”.

جواز المشاركة في الأضحية:

تجوز المشاركة في الاضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، وتجزئ البقرة أو الجمل عن سبعة أشخاص إذا كانوا قاصدين الأضحية والتقرب إلى الله، فعن جابر قال: “نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة” (رواه مسلم وأبو داود والترمذي).

إذا ضحى المسلم بشاة من الضأن أجزأت عنه وعن أهل بيته

توزيع لحم الأضحية:

يسن للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي الأقارب ويتصدق منها على الفقراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلوا وأطعموا وادخروا”، وقد قال العلماء: الأفضل أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويدخر الثلث، ويجوز نقلها ولو إلى بلد آخر، ولا يجوز بيعها ولا بيع جلدها، ولا يعطى الجزار من لحمها شيئاً كأجر، وله أن يكافئه نظير عمله، وإنما يتصدق به المضحي أو يتخذ منه ما ينتفع به.

المضحي يذبح بنفسه:

يسن لمن يحسن الذبح أن يذبح أضحيته بيده ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن فلان -ويسمي نفسه- فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشاً وقال: “بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضحِّ من أمتي” (رواه أبو داود والترمذي)، فإن كان لا يحسن الذبح فليشهده ويحضره، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: “يا فاطمة، قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملته، وقولي: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين”، فقال أحد الصحابة: يا رسول الله، هذا لك ولأهل بيتك خاصة أو للمسلمين عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل للمسلمين عامة”(6).

 

 

 

 

 

 

 

_________________________________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة – جـ1 – صـ643.

(2) المرجع السابق – جـ1 – صـ644.

(3) الجذع: ما له ستة أشهر عند الحنفية، وما له سنة عند الشافعية.

(4) فقه السنة جـ3 صـ320.

(5) العجفاء التي ذهب مخها من شدة الهزال.

(6) فقه السنة جـ3 – صـ 320:324.

Exit mobile version