ظاهرة العنف تهدد المجتمعات.. من المسؤول؟

 

“العنف” هو كل تصرفٍ يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون هذا الأذى جسدياً بالضرب والقتل، أو نفسياً؛ كالسخرية والاستهزاء والتحرش، وفرض الآراء بالقوة، وإسماع الكلمات البذيئة، والعنف جزء من العدوان، وشكل من أشكاله، سواء كان ذلك العدوان على الأفراد، أم على الممتلكات، أم على المجتمع، لكن العنف يظهر جلياً بأنه سلوك عدواني مستمر.

جرائم غير معهودة

ولقد هز الشارع الكويتي استمرار مسلسل جرائم العنف المتزايدة خلال الفترة الماضية التي أسفرت عن إزهاق 4 أرواح بريئة خلال فترة وجيزة أقل من ثلاثة أشهر.

بدءاً من جريمة القتل التي شهدتها منطقة صباح السالم وراحت ضحيتها المغدورة فرح أكبر، في 20 أبريل الماضي، مروراً بمقتل الشرطي عبدالعزيز الرشيدي، ومواطنة أخرى، في 28 يونيو الماضي، على يد مقيم سوري، انتهاء بمقتل عامل هندي، الأسبوع الماضي، على يد مواطن، قرعت هذه الجرائم الثلاث أجراس الخطر لوقوعها في زمن وجيز من ناحية، ولكون مرتكبيها من الشباب أرباب السوابق.

وأثارت الجرائم الثلاث غير المعهودة على الشعب الكويتي المسالم الكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب والدوافع وراء هذه الجرائم المتكررة بصورة تهدد الأمن والسلم المجتمعي، وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً على المستوى التشريعي والجنائي والأمني والاجتماعي لعودة الأمن والاستقرار للمجتمع وعلاج هذه الظاهرة من جذورها.

إحصاءات حول الظاهرة

وفيما كشفت مصادر مطلعة لـ”القبس” أن الأجهزة الأمنية سجلت خلال النصف الأول من العام الجاري 10 جرائم قتل راح ضحيتها مواطنون ومقيمون، فيما أسفر العنف والسلوك العدواني عن 500 مصاب، تبين أن أغلب هذه الجرائم ارتكبها شباب، وكان إدمان المخدرات القاسم المشترك بين معظم مرتكبي هذه الجرائم.

وسائل الإعلام متهمة

يحمل علماء الاجتماع وخبراء التربية والسلوك والصحة النفسية وسائل الإعلام النصيب الأكبر من المسؤولية لدورها البارز في تنامي ظاهرة العنف لدى المراهقين، فالبرامج الإعلامية، وخصوصاً التلفزيونية، تقدم لهم عينة من التصرفات الخاطئة، مثل العنف الذي يشاهده المراهق لمجرد التسلية والإثارة، قد ينقلب في نهاية التسلية والإثارة لواقع مؤلم بفعل التأثير السلبي القوي والفعال لوسائل الإعلام لتجسيد العنف بأنماطه السلوكية المختلفة.

ولا يخفى علينا أن المراهقين لديهم القدرة على التقليد والمحاكاة لما يشاهدونه في التلفزيون، كما أنهم ينجذبون لمشاهد العنف، ويجدون فيه المتعة، لذا نجد أن معظم حديثهم يدور حول البرامج التلفزيونية العنيفة.

تجارة العنف

يرى الكثير من المختصين في علم الاجتماع أن العنف الذي نشاهده اليوم في مجتمعاتنا وبين فئة الشباب والمراهقين بصفة خاصة هو نتاج طبيعي للوضع المحيط بنا من جميع الجوانب وفي كل ثانية من حياتنا سواء في الإعلام أو في الوقائع، وتحول إلى تجارة في “الميديا” وحتى في ألعاب الأطفال.

فلقد أصبحت آليات تكوين الثقافة في المجتمع هي العنف، وتحول هذا العنف إلى تجارة، فالطفل الصغير الذي بدأ يدرك بعض الأشياء عندما يمسك بالهاتف تجده يشاهد العنف والقتل والدماء، بمعنى أننا قمنا بتغذية الطفل بمادة العنف، فما الذي يمكن أن تنتجه هذه الثقافة سوى العنف داخل الأسرة وفي المجتمع.

غياب التنشئة الأسرية

كما أن التربية في الأسرة لها الدور الأكبر في التنشئة العنيفة للطفل، ففي بعض الأحيان يستخدم الآباء العنف مع الطفل خوفاً عليه وفي أحيان أخرى يقومون بضربه، ولو سألت الطفل: لماذا عنَّفك أبواك؟ تكون الإجابة: “لا أعرف”، وهنا ينشأ الشاب على العنف وقد يستخدمه ضد الغير بلا مبرر.

لذا يجب أن نركز على التربية داخل الأسرة، ففي السابق كان لدى الآباء أدوات للتربية تصنع من الطفل رجلاً له القدرة على اتخاذ مواقف واحترام الآخر ويعلم حدود حقوقه وما عليه من واجبات ومسؤوليات اجتماعية نحو الآخر، أما الآن فما يشغل الأسرة هو كيفية تعليم الطفل أو الصبي كيف يضرب إذا تعرض لأي مضايقة، وأصبح لديهم مفهوم الرجولة يعني الذكورة.

وهذا يستوجب ضرورة البدء بالتنشئة السليمة وتغيير تدريجي في البيئة المحيطة سواء كانت ثقافية أو إعلامية والبدء من الأسرة صعوداً للمجتمع بالكامل، لأن الاستمرار بتلك التغذية العنيفة للأطفال سيزيد من وتيرة العنف بالشارع بشكل قد يصعب عملية السيطرة عليه مستقبلاً.

قسوة منذ الصغر

ومن الأسباب المحركة للجريمة الأسباب الصحية والنفسية التي ترافق الشاب حال ارتكاب واقعة العنف ضد الآخرين، حيث يرى المختصون في الصحة النفسية أن الذين يمارسون العنف في فترات متأخرة من حياتهم أو في بداية حياتهم أو في مرحلة المراهقة، لو بحثنا في الدوافع نجد أن هؤلاء الأشخاص قد تعرضوا للعنف في الصغر، من جانب والديه أو قسوة من المحيطين به، هذا العنف يولّد شعوراً مكبوتاً داخل الطفل في مراحل حياته؛ فإما يظل مكبوتاً أو ينتقل للخارج “المحيطين به”، ويتحول هذا الشخص إلى العنف مع الآخرين.

أمراض نفسية

والنوع الأخر من الشخصيات العنيفة وهي ما يطلق عليها اصطلاحاً “الشخصية المضادة للمجتمع”، وهي شخصية عنيفة تمارس العنف وتتلذذ به لإثبات ذاتها أو للشعور بالسيطرة لكي يتحدث عنه الناس ويعجب الآخرين.

أما النوع الثالث هو الشخصية “السيكوباتية”، وهؤلاء يكون لديهم عنف موجَّه إلى المجتمع بشكل كبير جداً، ويستحسنون هذا العنف، ويرون أن هذا حقهم ولا يخشون الضرب أو العنف أو مناظر الدماء أو إهانة الآخر وأذيته وحتى قتله والاستهانة بالعقاب، ويظهر هذا جلياً في الشخصية السيكوباتية في مرحلة المراهقة والشباب وعمليات التنافس على الفتيات.

خلل في منظومة القيم والأخلاق

من المعلوم أن غياب وتراجع الكثير من القيم المجتمعية تقف وراء الكثير من الجرائم، وفي الجرائم الثلاث التي نحن بصددها وجدنا التحرش والإدمان والتعدي على حقوق الغير والبلطجة تقف وراء هذه الجرائم، وكلها مؤشرات لأمراض غزت المجتمع وتعكس تراجعاً للكثير من القيم المجتمعية التي ينبغي أن تسود المجتمعات المسلمة، مثل: الحفاظ على حرمة الآخرين، وبر الوالدين، وصون الدماء وحرمتها، وحفظ النفس والعقل من كل ما يذهب به كالإدمان والمخدرات والمسكرات.

عنف أممي متصاعد

وقالت منظمة “يونيسف”، عبر موقعها على شبكة الإنترنت تحت عنوان “القضاء على العنف”: إن كل 7 دقائق يُقتَل مراهق بسبب عملٍ من أعمال العنف، وما يقرب من 3 بين كلّ 4 مراهقين لقوا حتفهم نتيجة للنزاع في عام 2020 كانوا يعيشون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ما يقرب من واحدة بين كلّ اثنتين من الضحايا الإناث قُتلت على يدِ أحد أفراد الأسرة أو شريك حميم، وما يقرب من اثنين من بين 3 وفيات عنيفة للمراهقين كانت نتيجة جرائم القتل في عام 2020.

Exit mobile version