د. ناصر الصانع: مكافحة الفساد تبدأ من حُسن اختيار الشعب لمن يمثله

“الفساد”، كلمة السر في انهيار الحضارات وتأخر الأمم؛ ولذا فإن مكافحة الفساد هي الطريق لمن أراد الاستقرار والتقدم.

في هذا الحوار، تفتح “المجتمع” الكثير من زوايا هذا الموضوع مع د. ناصر الصانع، رئيس منظمة “برلمانيون عرب ضد الفساد”، عضو مجلس الأمة لعدة دورات سابقة، وكان عضواً في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الشعبي الكويتي عام 1990م أثناء فترة الغزو العراقي الغاشم.

أولاً، نرحب بكم في «المجتمع»، واسمح لنا في البداية بهذا السؤال: هناك الكثير من المنظمات والجمعيات التي أنشئت ضد الفساد، من بينها «برلمانيون عرب ضد الفساد»، ومع ذلك ما زال الفساد قائماً؛ فما دور هذه المنظمة، وأهدافها؟

– بداية، كم أنا سعيد بهذا اللقاء مع مجلة «المجتمع»، هذا المنبر الإعلامي الذي يعد سلاحاً مهماً في مواجهة الفساد والمفسدين.

أما منظمة “برلمانيون عرب ضد الفساد” فهي الفرع العربي للمنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد، وهذه المنظمة الدولية تم إنشاؤها في كندا عام 2004م، بمبادرة من البرلمان الكندي، عندما شعر مجموعة من البرلمانيين في العالم أن الفساد بدأ يستشري، وأنه يجب أن يكون لأعضاء البرلمان دور في مكافحة هذا الفساد، فتم توجيه دعوة لمؤتمر تأسيسي، وأنا كنت على تواصل مع اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر، وطلبوا مني التحرك في المنطقة العربية، حتى نشجع البرلمانيين العرب، ونحضهم على الحضور، وكان أول برلمان تحركت عليه وتفاعلت معه هو البرلمان الكويتي؛ حيث أقنعت جاسم الخرافي، رحمه الله، بالفكرة بعد أن كان متردداً في البداية، وتم تشكيل وفد من البرلمان، كنت أحد أعضائه لحضور المؤتمر. 

في المؤتمر التأسيسي تم اختيار مجلس الإدارة، وفي كل إقليم من الأقاليم العالمية تم اختيار أحد الأعضاء، وقد وقع الاختيار على الأخ عبدالله النيباري ممثلاً للإقليم العربي، لعضوية مجلس الإدارة، وكان هذا اتفاقاً بين الوفود العربية؛ لأنهم اختلفوا كثيراً فيمن يمثل الإقليم العربي، وكان طرح النيباري توافقياً ومقبولاً لدى كافة البرلمانيين العرب.

أما طبيعة المنظمة، فهي منظمة برلمانيين، وليست منظمة برلمانات؛ فهم أشخاص مستقلون، على أمل أنه في المستقبل سينضم إليها برلمانات، ولكن حتى الآن لم يتم تفعيل هذا البند، لأن كثيراً من البرلمانات مرتبطة بحكوماتها، وحركتها مقيدة، ولا تقف في المواقف القوية ضد الفساد لأن لديها موازنات.

وكان الهدف من إنشاء المنظمة ثلاثة أمور:

الأول: تدريب وتعليم أعضاء البرلمانات في العالم على مكافحة الفساد، وما القوانين التي تساعد في مكافحة الفساد، وكيف تتم عمليات الاستجواب داخل البرلمانات، وكيف يتم قراءة الميزانية ومعرفة جوانب الخلل، بالإضافة إلى تعليمهم الكثير من المهارات، وبالتالي نحن نقوم بعمليات تدريب للأعضاء حتى يكون العضو البرلماني عضواً محنكاً في عمله، وماهراً في أداء الوظيفة المنوطة به.

ونحن في الفرع العربي للمنظمة لدينا 6 كتب قمنا بتأليفها، وكل كتاب تم تأليفه بالتعاون مع منظمة عالمية معتبرة، ومتاح باللغة العربية، ومن خلال هذه الكتب نقوم بتدريب الأعضاء الجدد المنضمين إلى المنظمة، على كيفية التعامل مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

الثاني: إعداد فريق متعاضد ضد الفساد، والتعاضد والتكاتف في العمل أمر مطلوب، ومن يساهم في مكافحة الفساد يكون عُرضة للاعتداء عليه أو اغتياله، كما حدث في محاولة اغتيال العضو عبدالله النبياري، حين تم إطلاق الرصاص عليه، ولكن الله سبحانه وتعالى نجَّاه من هذه المحاولة، كذلك هناك نواب تم إدخالهم السجن، وهناك نواب حالياً خارج الكويت، كل ذلك فاتورة يدفعها النواب نتيجة تحركهم الجاد في مكافحة الفساد، لأن ماكينة الفساد قوية، ولديها تحالفات.

الثالث: القيادة؛ نحن نريد أن يكون أعضاؤنا في كل دولة هم من يقودون جهود مكافحة الفساد؛ فنحن نريد برلمانياً يقود هذا الجهد، ويقوم بالتنسيق بين كل من يسعى لمكافحة الفساد، وكون العضو قائداً لمكافحة الفساد، فهذا يعني أنه يجب أن يكون نموذجاً يحتذي به البرلمانيون في العالم، ويُشار إليه بالبنان على أنه رمز لمكافحة الفساد.

ماذا عن الفرع الكويتي للمنظمة؟ وهل تواصلتم مع أعضاء مجلس الأمة الكويتي، وقمتم بتوزيع الكتب التي تم تأليفها؟

– الفرع الكويتي تم إنشاؤه في العام 2005م، وكان في البداية نشيطاً، وكان هناك تنافس على عضويته ورئاسته، ومعظم الأعضاء طلبوا تسجيل أسمائهم، وكان عندنا بعض الحرج؛ لأن بعض ممن تقدم لتسجيل أسمائهم عليهم علامات استفهام ومن الصعب قبولهم، لذا قمنا بتفعيل البند الذي لا يسمح بقبول العضو في المنظمة إلا بعد موافقة من مجلس الإدارة، وضمن استمارة قبول العضوية، يوجد بند فحواه أنه في حالة إثارة أي شبهة حول أي عضو من الأعضاء الذين تم قبولهم في المنظمة، عليه أن يأتي إلى المنظمة، ويقوم بالشرح والتوضيح، ودحض الشبهة التي تم إلصاقها به.

ومع مرور السنين، تعرّض الفرع الكويتي للضعف، ومنذ سنتين عملنا على إحيائه، وقمنا بإنشاء مجلس إدارة مؤقت، وأصدرنا كتاباً بعنوان “الفساد في الكويت.. دراسة تحليلية وتفصيلية”، وتم إصداره عام 2020م، وتم توزيعه على كل الوزراء وكل أعضاء مجلس الأمة، وعلى الهيئات الرقابية لمكافحة الفساد، وعلى ديوان المحاسبة، وعلى مجموعة من الشخصيات، واتفقنا مع صحيفة “القبس” الكويتية أن يتم نشر الكتاب على حلقات، وبالفعل تم النشر والحمد لله؛ وبالتالي نحن بصدد إحياء الفرع الكويتي من جديد.

ونقوم بالترتيب مع مجموعة مؤقتة، ونعمل على إعادة العضوية للفرع الكويتي، ونقوم بتسجيلها في وزارة الشؤون، كجمعية نفع عام، أو رابطة، ليتم انطلاقها للعمل في الكويت، وهناك شباب جاهزون لاستلام الفرع، للانطلاق والعمل على مكافحة الفساد في الكويت.

وآخر الكتب التي قمنا بإصدارها “الدليل البرلماني العربي في متابعة خطة التنمية المستدامة”، وحتى يتسنى لهذا الكتاب أن يخرج إلى النور، قمنا بإعداد ورشة عمل خليجية داخل مجلس الأمة الكويتي، ووجهنا دعوات لكل برلمانات دول الخليج العربي، وتجاوب معنا كل من عُمان وقطر والبحرين والكويت، وحضر رئيس مجلس الأمة افتتاح ورشة العمل، وتم توزيع الكتاب على الأعضاء، وقد أتينا بمحاضِر شاب من فلسطين لعرض محتويات الكتاب، وتفاعل الأعضاء مع المحاضرة، وهذا الكتاب متاح للتوزيع، وآخر كتاب قمنا بتوزيعه على صدى أوسع هو كتاب “مكافحة الفساد في الكويت”.

دعنا ندخل في بعض الجوانب الفنية المتعلقة بالفساد وموقع الكويت في مكافحته؛ فما المقصود بمصطلح الفساد؟

– المقصود بالفساد هو استغلال الوظيفة العامة للمنفعة الخاصة، ويترتب على ذلك استفادة، سواء كانت نقدية أم عينية؛ فكثير من الناس استغلوا الوظائف العامة للتكسب من ورائها؛ حيث كانت حالتهم المالية معروفة قبل المنصب، ولكن في ظل المنصب أو بعده، نلاحظ أنهم طرأت عليهم حالة ثراء غير طبيعي، فمن أين له ذلك؟! فمن هنا هؤلاء يثيرون عليهم علامات استفهام: من أين لك هذا؟

ما ترتيب الكويت في مدركات الفساد؟

– دليل مدركات الفساد مجرد انطباعات على الدول، وليس قياساً حقيقياً، لكنه مؤثر، وكثير من الدول تعلن عن تذمرها إن ظهر ما يثبت عنها في نظر الناس أنها فاسدة.

أما ترتيب الكويت في هذا المضمار فليس طيباً، فهي دخلت فيه في العام 2003م، وكان ترتيبها على مستوى العالم 45، والآن ترتيبها فوق الـ80، وقياساً على الدول الأخرى، نحن في حالة تراجع.

هل معنى هذا أن الكويت دولة فاسدة؟

– هذا المصطلح يتم استخدامه برلمانياً أو إعلامياً، لكن علمياً لا نستطيع استخدامه، فالكويت تنتمي إلى 85، أي تنتمي للنصف الأكثر فساداً في العالم، بمعنى القائمة التي تنتمي إليها قائمة فاسدة، مع العلم أن هناك أكثر منها فساداً في القائمة التي تنتمي إليها، وكل ما نستطيع تأكيده هو أن الكويت في حالة تراجع في هذا المؤشر.

ما الأسباب؟ لدينا برلمان قوي، وأعضاء “يطيحون” بوزراء، وقوانين قوية لمكافحة الفساد!

–  أنا أجيب عن هذا السؤال كمنظمة برلمانية، فأقول:

أولاً: السبب في هذا الفساد يبدأ من الشعب، فإذ كان الناخبون حريصين على اختيار من يمثلهم أن يكون نظيفاً، ذا صراحة وشفافية، ويفتح ملفات الفساد، في هذه اللحظة نحن نسير على الطريق القويم الصحيح.

فبداية الفساد وعدمه تبدأ من الناخب، فإذا ضبط الناخب وصول النواب إلى البرلمان، واستطاع صناعة كتلة معارضة إصلاحية كبيرة، في هذه الحالة تنكمش الأجهزة الحكومية التي يعتريها نوع من الفساد، وتخشى المساءلة أو الاستجوابات المقدمة في حقها.

أما إذا أساء الناخب الاختيار، وترتب على ذلك عدم وجود كتلة برلمانية معارضة وإصلاحية، ففي هذه الحالة سيكون المجلس أقرب ما يكون إلى مجلس نيابي حكومي، وفي هذه الحالة تتضخم الأجهزة الفاسدة ويتغلغل نشاطها؛ لأنها لا تخشى المساءلة أو الاستجوابات البرلمانية.

ثانياً: عدم وجود مؤسسات حصيفة ودقيقة وقوية لمواجهة الفساد، باستثناء ديوان المحاسبة، وهو المؤسسة الوحيدة التي تتصدى للفساد، وهي مؤسسة ذات تقدير ومصداقية، فلا أحد يستطيع أن يشكك في تقاريره، أو يطعن في مصداقيته، قد تصدر منه بعض الأخطاء مثله مثل بقية المؤسسات، لكنه يظل من المعالم المهمة ذات المصداقية في دولة الكويت.

إذن، نحن في حاجة لبناء مؤسسات لمكافحة الفساد، مثل هيئة مكافحة الفساد؛ لكنها منذ أن أنشئت إلى اليوم لم تحظَ بثقة الناس، لأن الناس لا يريدون مجرد خُطب وإجراءات، بل يريدون أن يروا أن من يتم اتهامه بالفساد تتم محاسبته، وإلقائه وراء القضبان.

فهناك الكثير من التشريعات والإجراءات التي يجب اتخاذها للتصدي للفساد والفاسدين، حتى يتم تصنيف الكويت عالمياً في زمرة الدول المكافحة للفساد.

هل قوانين التصدي للفساد في الكويت قاصرة؟

– نعم، فمثلاً في القضية التي شغلت الرأي العام الكويتي «القبيضة»، أعلن أمن الدولة أنه تم رصدهم في أثناء تسلمهم للأموال، والبنوك قامت بإخطار النيابة بدخول هذه الأموال في حساباتهم، ومجلس الأمة قام بتشكيل لجنة، شارك فيها أمن الدولة، وأعلن أن الواقعة حقيقية، وعندما عرضت القضية على القاضي للنطق بالحكم فيها، أعلن أنه لا يوجد عنده تشريع يعاقب الشخص في حالة دخول حسابه أموال مجهولة المصدر، فقام النواب بتقديم قانون لسد هذه الثغرة، فثبت أن القانون الذي تم تقديمه يوجد به ثغرة، والآن يتم تعديل هذا القانون، ونحن في المنظمة ندعم من يقوم بتقديم قوانين بتشريعات لمكافحة الفساد، خصوصاً أن لدينا خبراء وباحثين ومتحرين عن الأدلة.

وتمت دعوتنا في مجلس الأمة، حينما كان يتم مناقشة قانون مكافحة الفساد في الكويت، وقدّمنا نقاطاً محددة، وأبرز نقطة قدمناها: أنه لا يجوز تبعية هذه الهيئة للحكومة، لأنه في هذه الحالة ستكون هذه الهيئة تحت رئاسة الوزير، ومن فوقه رئيس الوزراء، ومجلس الوزراء، وبالتالي كيف تقوم هذه الهيئة بمراقبة الحكومة وهي مجرد هيئة ضمن إحدى الوزارات في الدولة؟

وكان اقتراحنا أن تتبع هذه الهيئة مجلس الأمة، مثلها مثل ديوان المحاسبة، فقيل لنا: لا يمكن أن تكون تبعيتها لمجلس الأمة لأنها غير موجودة في الدستور، أما ديوان المحاسبة فهو موجود في الدستور.

فقلنا لهم: يتم استحداث قطاع داخل ديوان المحاسبة، بحيث ينقسم ديوان المحاسبة إلى قطاعين؛ قطاع تقليدي، وقطاع لمكافحة الفساد، وبالتالي تكون هيئة مكافحة الفساد تابعة لمجلس الأمة، وتكون صلاحيتها مثل صلاحية ديوان المحاسبة، ولكن لم يتم الأخذ برأينا.

بعض المجلات العالمية تروّج أن الكويت أصبحت إحدى منصات غسيل الأموال في العالم؛ فهل هذا الترويج مرتبط بقضايا الفساد؟

– كلمة منصة كبيرة، وتعني أنها المكان الرئيس لغسيل الأموال، وهذا لا ينطبق على الكويت.

نحن لا ننفي أنه تم كشف الغطاء عن الكثير من قضايا غسيل الأموال في الكويت، وهناك الكثير من القضايا لم يتم الكشف عنها، والله أعلم بالمستور، وهذا شائن من جانب من يقومون بذلك في حق الكويت وحق شعبها وقيادتها وسمعتها، لذا فإن هذا الأمر يحتاج إلى وقفة.

والسؤال المطروح: من يستطيع أن يكشف عمليات غسيل الأموال؟ من يستطيع ذلك هو وحدة التحريات المالية، وهي وحدة مستقلة، تتعاون مع البنك المركزي الكويتي، لكشف عمليات غسيل الأموال.

هناك من يزعم أن مجلس الأمة هو السبب الوحيد لوجود الفساد في الكويت؛ فهل ترون حل المجلس هو الحل؟

– مهما كان مجلس الأمة ضعيفاً أو يوجد به خلل، فإن حلّه يزيد الأمر ضبابية وسوءاً، وقد تم حل المجلس في العام 1976، إلى العام 1981م، وأسفر عن ذلك أزمة سوق المناخ، ودخلنا في أزمات كبيرة، وتم حله أيضاً في العام 1986م، وأعقب ذلك الغزو في عام 1991م، وسرقة الاستثمارات؛ فما الداعي لحل المجلس وتعطيله عن أداء عمله؟ فحل المجلس يعني ترك العنان للحكومة تسرح وتمرح، دون حسيب أو رقيب.

فرغم مثالب المجلس وعيوبه، ووجود أعضاء لا يمثلون طموح الناخبين، فإن وجوده ضرورة، وغيابه عن المشهد كارثة بمعنى الكلمة.

كيف تتم مكافحة الفساد على الوجه الأكمل؟

– اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فيها خارطة طريق إرشادية، إذا تتبعناها وسرنا في دربها فسننجح في مكافحة الفساد، فمن مواد الاتفاقية غير المطبقة في الكويت أنه لا يجوز تعيين الموظف العام إلا من خلال مسابقات، ليس المسؤولين فقط، بل الموظف العام، فإذا تم الإعلان عن وظيفة شاغرة، يتم ذلك في الصحف والمجلات المحلية، ويتقدم كل مواطن يرى في نفسه كفاءة لهذه الوظيفة، وهناك لجان للاختبار وللاختيار، ويترتب عليه اختيار الموظف المناسب الذي تنطبق عليه الشروط، في هذه الحالة نكون قد طبقنا هذا البند بحذافيره، ولا يترتب على ذلك أي شبهة فساد لا الآن ولا في المستقبل.

كنا نتأمل أن يصدر قانون بخصوص كيفية اختيار القياديين للمناصب القيادية، ولكنه بكل أسف حتى الآن لم يصدر.

أذكر أنني تقدمت بمقترح بقانون تنصيب القياديين عام 1992م، عندما تم اختياري عضواً في مجلس الأمة، ولكن للأسف تم عرقلة هذا الاقتراح من عام 1992 إلى عام 2006م، أي 14 عاماً.

وعندما نجحنا في الحركة الدستورية بـ6 أعضاء، قابلنا رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد –حينها- واقترحنا عليه أن نقدم قانوناً لتنصيب القيادة، وأن هذا القانون فيه فائدة كبيرة للكويت والكويتيين؛ قيادة وشعباً، فهو يعطي حماية للحكومة، بحيث لا يستطيع أحد أن يضغط عليها بتعيين أي شخص في منصب قيادي، وستكون حجة الحكومة قوية في الرفض لوجود قانون ينظم تعيين وتوظيف القياديين، وأنه لا تستطيع تجاوز هذا القانون، وكذلك هذا القانون يحمي النواب، الذين يتعرضون للضغط عليهم من قِبل ناخبيهم الذين يقومون بترشيح أحد أبنائهم لتولي منصب قيادي، فقد يكون هذا الابن كفاءة فيجب على النائب أن يتحرك، وقد يكون غير كفء، فيتعرّض للنائب للحرج.

كما أن هذا القانون يمنح أهل الكفاءة فرصتهم لتولي المناصب القيادية، دون أن يتذمر أحد أو يتحسر على ضياع المنصب الذي يرى نفسه أهلاً له، هذا القانون يريح الجميع ولصالح الجميع، لكن للأسف الشديد، لم توافق الحكومة على القانون.

وفي عام 2012م، كنت في زيارة لهيئة مكافحة الفساد، فأخبرني الأخ النمش بأنه جاءنا ضوء أخضر بتقديم قانون القياديين، بعد التعديل عليه، ومع ذلك لم تتم الموافقة عليه.

فالمفتاح الرئيس للإصلاح في الكويت هو وضع ذوي الكفاءات في أماكنهم المناسبة، ومنح الشباب فرصة للتنافس بشرف، بدل التنافس على أبواب دواوين الوزراء والنواب، فلندعهم يتنافسون بشرف في أعمالهم، خصوصاً أننا عندنا شباب أصحاب طاقات وإخلاص في العمل.

ملامح الكويت في مكافحة الفساد، هل سنعبر إلى الأفضل، أم أن تجربة فنزويلا ستكرر في الكويت؟

– أنا أعتقد العكس، فالآن توجد قيادة جديدة للبلد، وصاحب السمو الشيخ نواف، وسمو ولي عهده، حفظهما الله ورعاهما، يقومان الآن بترتيب البيت الكويتي، الذي به الكثير من المشكلات في الحكومة والبرلمان وغيرهما، وعندنا ميزة كبيرة، وهي رئيس مجلس الوزراء؛ فمهما تختلف معه، فإن أحداً لا يتكلم عن نزاهته، وهذه الميزة لها ما بعدها، وكل الشعب الكويتي يدرك ذلك في سمو رئيس مجلس الوزراء.

الساحة السياسية مليئة بالفوضى والصراعات، ولكن هناك بوادر إصلاح لا بد أن نترقبها، فللمرة الأولى تتم إحالة رئيس مجلس وزراء سابق للنيابة، وكذلك المرة الأولى يتم إدخال أحد الوزراء إلى السجن، ويتم التحقيق معه، هذه ظواهر جديدة على الكويت، حتى وإن قال الناس: إن هذه القضايا سيتم حفظها في النهاية، لكن بالنهاية هؤلاء سيتم عرضهم على التقاضي، فإن كانوا مذنبين سيعاقبون، وإن كانوا أبرياء سيتم إطلاق سراحهم، فالأمر في يد القضاء، فالمسألة ليست انتقاماً شخصياً.

هذه الملامح تفضي إلى تنمية روح الأمل والتفاؤل في هذا العهد الجديد، ورغم كل ما نشاهده لا تزال متطلبات الضبط والإدارة الحصيفة، ومكافحة الفساد متوفرة، ولكن تحتاج إلى تفعيل وإصرار أكثر، للنهوض بالبلد ووضعها في مصاف الدول المتقدمة في مكافحة الفساد.

Exit mobile version