مراسلات خاصة وأسرار عسكرية.. حرب تسريبات تضع جونسون في مأزق

يظل المشهد السياسي البريطاني وفيا لطبيعته المليئة بالإثارة والتغييرات الدرامية، والتي يعيش رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون واحدة من أكثر فصولها غرابة، وهو يشاهد كيف أن رجاله المقربين ينسحبون من حوله، ومنهم من تحول لخصم لدود لا يتوقف عن تسريب المعلومات الحساسة عن الحكومة وكيفية تدبيرها لجائحة كورونا.

وجاءت حادثة وزير الصحة السابق، مات هانكوك -الذي نُشرت صوره في وضع خادش بالحياء برفقة مساعدته- لتدفعه إلى تقديم استقالته، مخلفاً زوبعة إعلامية وسياسية لم تتوقف بعد.

وغطّت حادثة هانكوك والعديد من الأحداث المرتبطة بالمطبخ الداخلي للحكومة البريطانية على محاولات جونسون تسويق نجاح البلاد في عملية التلقيح مقارنة ببقية الدول الأوروبية. خصوصا بعد أن أضيف لها حادث ضياع وثائق عسكرية سرية للغاية، واكتشاف أن أرقام هواتف وزراء الحكومة غير محصّنة بالشكل المطلوب.

الكاميرا الخفية

وبعيداً عن النقاش المثار في وسائل الإعلام البريطانية، وخصوصا الصفراء منها، حول واقعة وزير الصحة مات هانكوك؛ ينصبّ اهتمام جهاز المخابرات الداخلية البريطانية (MI5) على التحقيق لمعرفة الجهة التي سربت هذه الصور من داخل مكتب الوزير لصالح صحيفة “ذا صن” (The Sun).

وتقول الحكومة البريطانية: إن لديها مؤشرات عن الجهات التي سربت الصور التي ليست جديدة، لكنها تنتظر نتائج التحقيق الرسمي، كما كشفت حادثة وزير الصحة عن اختراق أمني تمثل بتركيب كاميرا مراقبة في مكتب الوزير منذ عام 2017 دون أن ينتبه لها. وهو ما اعتبرته الحكومة أمرا غير مقبول. ورغم نفي المصادر الحكومية أن تكون هذه الكاميرا قد ركبت بشكل سرّي؛ فإنها استغربت تثبيتها في مكتب الوزير.

وينضم هذا الاختراق الأمني إلى ما كشفت عنه صحيفة “غارديان” (Guardian) البريطانية، بأن رقم هاتف وزير الخارجية دومينيك راب متوفر على الإنترنت منذ أكثر من 10 سنوات، ليُضاف بذلك إلى رقم رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي تم اكتشاف أنه أيضا متاح للعموم على الإنترنت منذ سنوات، وهو ما يجعل من هواتف المسؤولين البريطانيين سهلة الاختراق.

صداقة ثم عداوة

من ناحية أخرى، تحوّل دومينيك كامينغز، كبير مستشاري جونسون، الذي يعتبر أحد صانعي المجد السياسي لرئيس الوزراء، إلى واحد من ألد أعدائه، بعد أن بدأ بإدارة حملة غير مسبوقة ضده على الإنترنت، إضافة لكشفه عن معطيات صادمة خلال الاستماع له في لجنة برلمانية.

وكشف كامينغز -خلال هذه الجلسة- عن كواليس تدبير وإدارة جونسون لملف وباء كورونا، وكيف أنه كان يتأخر في اتخاذ قرارات الإغلاق، ووصف الحكومة بأنها “مجموعة من العميان يقودهم أعمى”. مضيفا أن طريقة اتخاذ القرار السياسي “ارتجالية وتنقصها الكفاءة”، وذلك على وقع نشرِه محادثة بينه وبين جونسون وفيها يصف الأخير وزير الصحة مات هانكوك “بأنه إنسان مفقود فيه الأمل”.

ويواصل كامينغز حربه على جونسون ويتهمه “بالكذب على الشعب في طريقة تدبيره لوباء كورونا”، مؤكدا أنه وافق على استقالة وزير الصحة “فقط بعد أن تلقى عشرات الرسائل من زوجته التي طالبته بذلك”، بعكس الرواية الرسمية التي تقول: إن جونسون هو من أقال وزير الصحة.

أسرار في الطريق

هدية من السماء تلقتها روسيا، بعد الكشف عن 50 وثيقة عسكرية ممهورة بختم “سري للغاية”، عُثر عليها بالصدفة في محطة للحافلات. وتكشف الوثائق التابعة لوزارة الدفاع البريطانية الاحتمالات التي وضعتها الأخيرة لرد الفعل الروسي المحتمل على مرور سفينة حربية بريطانية عبر المياه الأوكرانية قبالة ساحل شبه جزيرة القرم. وتتضمن هذه الوثائق تفاصيل عن خطط لوجود عسكري بريطاني محتمل في أفغانستان بعد انتهاء عملية الناتو التي تقودها الولايات المتحدة هناك.

ووفق شبكة “بي بي سي” (BBC) -نقلاً عن مصادر من الوزارة- فإن الوثائق حساسة جدا وتتضمن رسائل البريد الإلكتروني من مكتب وزير الدفاع شخصياً، وعروضاً عسكرية تم تقديمها للوزير ومسؤولين عسكريين رفيعي المستوى.

وفي هذه الحادثة أيضاً، تقوم المخابرات العسكرية ووزارة الدفاع بتحقيق لمعرفة كيف تم التسريب، وهل قُرئت هذه الوثائق من طرف أي شخص قبل تسليمها للسلطات. وعبّرت وزارة الدفاع عن “أسفها” لهذا الخطأ، وقررت توقيف الموظف الذي ضاعت منه الوثائق.

خصم جديد

أمام كل هذه الأحداث التي تضع مستوى الأمن في حكومة جونسون على المحك وتجعل من أسرارها على قارعة الطريق؛ يأتي رئيس البرلمان السابق جون بيركو، ليوجّه هو الآخر ضربة قوية لجونسون.

فالرجل -الذي اشتهر بطريقة تسييره لجلسات البرلمان خلال نقاشات “البريكست”- أعلن استقالته من حزب المحافظين والانتقال لحزب العمال، لكن المثير هو الانتقادات التي وجهها لحزب المحافظين في حوار مع مجلة “ذا أوبزيرفر” (The Observer)، ووصف الحزب بأنه “رجعي وشعبوي وقومي ومعادي للأجانب”.

وقال بيركو، الذي كان من الوجوه البارزة في حزب المحافظين ويتمتع بشعبية وثقة لدى الرأي العام: إن حكومة جونسون يجب أن ترحل وتحل محلها حكومة جديدة، “جونسون هو إنسان جيد في تنظيم الحملات الانتخابية لكنه مسيّر وقائد سيئ”.

كل هذه الصدمات والأحداث وضعت بوريس جونسون تحت ضغط وشكّ شعبي غير مسبوق، بعد أن ارتفعت شعبيته إثر نجاح عملية توزيع اللقاحات في البلاد.

Exit mobile version