موريتانيا.. أزمة الحريات العامة في ظل القمع والتعذيب

أصدر المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان تقريره الحقوقي الخاص بموريتانيا لعام 2020، استعرض فيه الحالة الحقوقية الموريتانية من خلال ستة محاور رئيسية، تتناول القوانين والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان، واستقلالية القضاء الموريتاني، وجائحة كورونا وتأثيرها على حقوق الإنسان، والهيئات الوطنية المكلفة بملف حقوق الإنسان، والحريات العامة والحقوق الفردية، وقمع الاحتجاجات والتعذيب، بالإضافة إلى ظروف السجون ومراكز الاحتجاز، والتمييز والانتهاكات الاجتماعية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

حراك دبلوماسي في أروقة المنظمات الدولية لتحسين الصورة الحقوقية للبلاد

وقال المرصد الموريتاني، في تقريره الذي اطلعت عليه لـ”المجتمع”: إن موريتانيا شهدت في العام 2020 تطورات على المستويين الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الداخلي رصد المرصد الموريتاني حضوراً لافتاً لقضايا القمع والتعذيب والتضييق على الحريات العامة، أما على المستوى الخارجي فرصد المرصد حراكاً دبلوماسياً موريتانياً “في أروقة المنظمات الدولية من أجل تحسين الصورة الحقوقية السيئة المنعكسة من الداخل بسبب أداء السلطات”، حسب نص التقرير الحقوقي.

وفي هذا التقرير، سنسلط الضوء على جوانب من القضايا المتعددة التي ناقشها المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان في تقريره الحقوقي الخاص بموريتانيا لعام 2020، الذي أعلن عنه خلال ندوة نظمها مساء الأربعاء الماضي في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

أزمة الحريات العامة تتمثل في عدم تطبيق القوانين على أرض الواقع

أزمة تطبيق القوانين

افتتح المرصد الموريتاني محاور تقريره التسعة بالحديث عن واقع القوانين والتشريعات المتعلقة بحقوق الإنسان في موريتانيا، حيث قال: إن أزمة الحريات العامة في موريتانيا تتمثل في كونها أزمة تطبيق القوانين على أرض الواقع أكثر من كونها أزمة غياب للنصوص التشريعية، مشيراً إلى أن السلطات الموريتانية قامت بسنّ بعض القوانين تقول: إنها لخدمة المواطن ومساعدته في تحقيق طموحاته الثقافية والاجتماعية والمدينة، ولكن السلطات في الوقت نفسه ضمّنت تلك القوانين بعض العبارات الفضفاضة، وقامت بتقييدها ببعض الترتيبات التي يصعب معها الاستفادة منها، والوصول للمعنى المقصود منها بالضبط.

وقد توقف المرصد الموريتاني مع استقلالية القضاء التي تُعدُّ نقطة مركزية في حديث الشارع الموريتاني، وقال: إن المتابع للمشهد القضائي الموريتاني يلاحظ الضعف العام للمؤسسة القضائية في موريتانيا وعدم استقلاليتها من خلال عدة أمور، منها: هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء من خلال وزير العدل، وقدرة المجلس الأعلى للقضاء على عزل أي قاضٍ عملياً عن القضايا المطروحة أمامه حتى ولو كان ذلك ضد إرادته، رغم أن المادة (8) من النظام الأساسي للقضاء تنص على أنه “لا يجوز عزل قضاة الحكم ولا يحوّلون إلا بطلب منهم أو لعقوبة تأديبية أو لضرورة قاهرة للعمل”.

المؤسسة القضائية تعاني من عدم الاستقلال وهيمنة السلطة التنفيذية

وفي هذا السياق، اقترح المرصد الموريتاني مجموعة من الحلول من أجل تحقيق استقلالية القضاء الموريتاني، منها: فصل النيابة العامة بشكل تام عن السلطة التنفيذية، وضرورة التسريع بافتتاح المعهد الخاص بتكوين القضاة، وإنشاء مفتشية مستقلة للقضاء غير تابعة لوزارة العدل، ومراجعة النصوص القانونية والتنظيمية لتلائم المعايير الدولية لاستقلال القضاء.

كورونا وحقوق الإنسان

ويبدو أن جائحة كورونا “كوفيد – 19” كان لها دور لافت في توسيع رقعة الخروقات في موريتانيا، فقد قال المرصد الموريتاني في تقريره إنه سجّل عدة خروقات متعلقة بحقوق الإنسان منذ بدْء سريان الإجراءات الاحترازية ضد جائحة كورونا، منها: احتجاز موريتانيين في ظروف غير مواتية أثناء فترات حظر التجول، وممارسة الإهانة اللفظية عليهم، والضرب المبرح، وتأخير بعض الطواقم الطبية وعرقلة حركتها، ومنع مواطنين عالقين على الحدود من دخول وطنهم (موريتانيا)، وصدور تعميم من وزارة الصحة الموريتانية يقضي بمنع الطواقم الصحية العاملة في الميدان من النشر أو التدوين عن الوقائع الصحية التي يعايشونها ويشاهدونها في البلاد.

السجون مخازن بشرية يُجمع فيها كبار المجرمين مع السجناء الاحتياطيين

مكافحة التعذيب والإقصاء

وقد كان موضوع مكافحة التعذيب والإقصاء من المواضيع اللافتة في التقرير الحقوقي، حيث استعرض المرصد الموريتاني تفاعل الهيئات الوطنية المكلفة بملف حقوق الإنسان في موريتانيا مع ملف التعذيب والإقصاء، مثل اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والمندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء “تآزر”، ويبدو أن تفاعل تلك الهيئات مع الحالة الحقوقية في موريتانيا كان خجولا ولا يخدم الهدف المنشود، فقد أشار التقرير الحقوقي للمرصد الموريتاني -مثلاً- إلى أن الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب لم تقم بالتوصية بفتح أي تحقيق بخصوص الشكاوى التي تقدم بها موريتانيون مارست عليهم الشرطة الموريتانية سياسة التعذيب والإهانة.

كما عبّرت الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب -حسب التقرير الحقوقي- عن رضاها المسبق عن حال السجون في موريتانيا ومراكز الاحتجاز، لكن المرصد الموريتاني قال في تقريره: إن “السجون في موريتانيا عبارة عن مخازن بشرية يُجمع فيها كبار المجرمين مع السجناء الاحتياطيين الذين ينتظرون المحاكمة”، موضحاً أنه لا توجد برامج استشفائية تُعينُ متعاطيي المخدرات من المعتقلين على التخلص منها، بل تحولهم إلى مدمنين داخل السجون.

وضعية حقوق الإنسان تأثرت كثيراً بسبب جائحة كورونا وتداعياتها

ومن أجل إصلاح وضعية السجون في موريتانيا، اقترح المرصد الموريتاني مجموعة من الأمور، منها: بناء سجون تتماشى مع المتطلبات المعمارية الدولية، وفصل السجناء البالغين عن القصر بشكل صارم، وفصل الرجال عن النساء، وفصل عتاة المجرمين عن السجناء حديثي العهد بالجريمة، وتوفير مصحات استشفائية داخل السجون، وإيقاف التعذيب والوضعية المكتظة غير الإنسانية.

الانتهاكات الاجتماعية والاقتصادية

وقدم المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان صورة عامة عن الانتهاكات الاجتماعية المتعلقة بالعبودية ومخلفات الاسترقاق في موريتانيا، حيث قال: إن العبودية لا تزال موجودة في موريتانيا ولكن بوتيرة مختلفة من منطقة إلى أخرى، موضحاً أن موضوع العبودية العقارية لا يزال من القضايا المزمنة في موريتانيا، نظراً لما تسببه من النزاعات والمشاكل المتعددة.

العبودية لا تزال موجودة ولكن بوتيرة مختلفة من منطقة إلى أخرى

وتحدث المرصد الموريتاني عن حقوق المرأة في موريتانيا، مؤكداً أن الاغتصاب والعنف الأسري يتصدران قائمة الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة الموريتانية، كما تحدث عن حقوق الطفل وقال: إن الواقع العملي لهذه الفئة لا يزال مأساوياً رغم مرور أكثر من 30 عاماً على توقيع موريتانيا الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

ولم ينسَ المرصد الموريتاني أن يتوقف مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حيث ذكّر بأن التقرير الأخير لمنظمة الشغل الدولية التابعة للأمم المتحدة قال إن نسبة البطالة في موريتانيا تناهز (31%)، لكن النظام الموريتاني يُصِرّ على أن نسبة البطالة لا تتجاوز 11.6%، كما أشار المرصد الموريتاني إلى استمرار الانتهاكات المتعلقة بالطرد التعسفي للعمال، والتسريحات الجماعية المتتالية.

الاغتصاب والعنف الأسري يتصدران قائمة الانتهاكات

ولا يمكن أن نختم قبل أن نقول: إن المرصد الموريتاني ذكر أن حرية الصحافة والتعبير في موريتانيا شهدت خلال السنوات الأخيرة “الكثير من التقهقر والتراجع، حيث فقدت موريتانيا صدارتها للدول العربية في مجال حرية الصحافة حسب مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة”، كما أكد المرصد أن الشرطة الموريتانية تقوم في بعض الأحيان بقمع الاحتجاجات السلمية، ولا تزال السلطات الموريتانية تمتنع من ترخيص عدد من الأحزاب والجمعيات.

Exit mobile version